نوفيلا لا تشبهين أحدا (فصل الثاني)

نوفيلا لا تشبهين أحدا (فصل الثاني)

0 التقيمات

نوفيلا لا تشبهين أحدا للكاتبة شاهندة

الفصل الثاني:

اتسعت عينا ريم باستنكار قائلة:  معقول يا طنط عايزاني اعمل الفرح وبابا لسة متوفي مكملش سنة ؟ مستحيل طبعاً أوافق علي الكلام ده.

ليه بس يابنتي صحيح الحزن علي صادق هيفضل في قلوبنا طول العمر، لكن بصراحة أنا خايفة عليكي، حالك مبقاش عاجبني دايماً وحيدة وسرحانة وحزينة أنا شايفة ان الجواز هو الحل ماجد بيحبك ولما هتتجوزوا ويجمعكم بيت واحد هتلاقي في وجوده جنبك العوض عن غياب والدك اهتمامه وحبه ليكي هيشيلوا الحزن من قلبك ويزرعوا الفرحة بدالهم.

يا طنط افهميني، أنا قبلت أتخطب عشان دي كانت رغبة بابا الله يرحمه قبل مايموت لكن جواز دلوقتي مش مستعدة ليه نفسياً ولا قادرة أتقبله ولو قبلت يبقي هظلم ماجد معايا لإني حقيقي مش قادرة أفرح وبعدين ماجد أصلاً مش فاضي للجواز زي ما انت شايفة، علطول مشغول، ده احنا فين وفين علي ما بنشوفه عموماً لما تعدي سنة علي وفاة بابا علي الأقل نبقي نتكلم. أن تتكلم ولكن ريم نهضت تردف بسرعة.


الحفلة. عن عن اذنك بقي مضطرة أمشي لإني إتأخرت . غادرت ريم تتابعها سندس بحنق قبل أن تتصل باابن أختها الذي لم يجب هاتفه من أول مرة ولكنه أجاب حين عاودت الإتصال به لتبادره بغضب: طبعاً، نايم ولا علي بالك ماأنا غلطانة اللي بعتمد علي واحد مستهتر زيك. تثاءب ماجد قائلاً: طب قولي مساء الخير ياسوسو الأول، خير متعصبة كدة ليه بس؟ انت ياواد عايز تنقطني؟ أنا هو مش قعدت معاك من يومين وفهمتك ازاي تتعامل مع ريم عشان تكسب قلبها.

بعيد الشر عنك مالك بس فيه ايه ؟ قالبة عليا ليه بالشكل ده؟

أمال نايم وسايبها تروح الحفلة لوحدها ليه ياسي ماجد؟ أعمل إيه بس يا طنط ؟ ما حفلات الموسيقي بتاعتها دي مملة قوي وبتخنقني.

تستحمل ياقلب طنط عشان خاطرها تيجي علي نفسك شوية بدل ماتضيع منك أو حد يلعب بعقلها وياخدها منك. حد مين ده اللي ياخدها مني ؟ ده أنا كنت أقتله وأشرب من دمه.
ياواد يا ماجد، اتكلم ياموكوس علي قدك، ده أنا خالتك مش حد غريب وعارفة اللي فيها.

يوه بقي ياخالتي، خليكي دايماً كدة تحبطيني وتكسري مجاديفي. مجاديفك ! معلش ياسيدي عايزة مصلحتك يا ابن اختي وعشان كدة بنصحك قوم خد شاور وحصل ريم علي الحفلة ومن هنا ورايح خليك جنبها خليك ضلها، اشغلها بيك ياخايب خليها ترضي نعمل الفرح ونخلص بدل ماهي كدة قافلة دماغها ومش - راضية تلين.

هو انت كلمتيها عن الفرح؟

أيوة يا أخويا، ورفضت طبعاً عشان لسة مفاتش سنة علي موت صادق ولما قلتلها ان الجواز هيمحي الحزن اللي جواها قالتلي انك أصلاً مش فاضيلها، فضي نفسك ياماجد واتلم حبتين خلينا نخلص.

ماجد : ضاغط طحاضر ياسوسو، عيوني تسلملي عيونك ياحبيبي، عارف هتعمل ايه دلوقت؟ قال بملل:

هقوم آخد شاور وألبس وأروحلها الحفلة، ومن بكرة هكون زي ضلها، ملازم ليها في كل حتة.

هو ده الكلام ياحبيبي، أسيبك بقي تجهز نفسك وافتكر دايماً إن كل شيء في ايدك وانك وعدتني تخليها زي الخاتم في صباعك في وقت قصير، وريني الشطارة بقي. هوريكي، سلام ياخالتي

سلام. أغلقت الهاتف ثم وضعته جانباً فوجدت صورة زوجها الموضوعة علي الطاولة جوارها حملتها تطالعه قبل أن تتنهد قائلة بحنق:

كدة ياصادق كدة تعمل المقلب ده فيا؟ تموت وتحرمني من كل حاجة، كتبت فلوسك باسم ريم وبخلت عليا بيهم تستاهل بقي كان ممكن مصيرها يتغير وتتجوز واحد بيحبها بجد مش طمعان في فلوسها لكن عملتك وقعتها في ابن اختي صحيح وسيم وشبه ممثلين السينما بس موكوس ،وخايب لا شغلة ولا مشغلة فالح بس مع البنات كازانوفا عصره زي ما بيقولوا أكيد مش الراجل اللي حلمت بيه لبنتك قلتلك عملتك السودا اللي هتضيع مستقبلها، هييييه هقول ايه ؟ غلطات الآباء بيدفع تمنها الأبناء، زعلان لأ متزعلش هي بنتك بوضعها دلوقت كانت هتلاقي أحسن من ماجد، كانت هتبور وتقعد في أرابيزي العمر كله يلا، ده أنا خدمتك والله رغم انك متستاهلش أعمل إيه بقي؟ قلبي أبيض وبنسي الاساءة بسرعة طالعة لماما الله يرحمها، لما بابا اتجوز عليها بلغت عنه الضرايب وبعدين نصحته يكتب كل حاجة باسمها عشان میاخدوهاش منه ولما عمل كدة فعلاً خلعته الراجل جتله جلطة ومات مستحملش الحقيقة بس هي سامحته قبل ما يموت علي جوازه من واحدة تانية غيرها مش قلتلك قلبها أبيض، الله يسامحه بقي جوزي الأولاني وجوز أختي ضيعوا كل الثروة اللي سابتهالنا أمي في القمار وبعدين دخلوا السجن وماتوا جواه وسابونا من غير ولا مليم أختي ماتت هي كمان بحسرتها وأنا قدرت أعوض خسارتي لما اتجوزتك بس الظاهر انك عرفت اللي عملته ماما قبل ماتموت وجايز حسيت اني اتجوزتك عشان فلوسك وبس فاستخسرتهم فيا ودي النتيجة اشرب بقي خلي روحك تتحسر وانت شايف بنتك بتضيع بسبب غدرك بسندس يا صادق.
لتضحك ضحكة شيطانية وهي تضع الصورة علي الطاولة مجدداً بينما تلتمع عيناها بقوة، وقسوة.

هي كان ماجد يقص عليها ماحدث بالنادي ليلة البارحة وكيف استطاع هزيمة صديقه في لعبة التنس ليكسب الرهان ويحصل علي سيارة الأخير حديثة الموديل ليوم كامل بينما تكتفي بهزة بسيطة من رأسها وابتسامة باهتة تعقيباً علي كلماته حين حضر النادل ووضع الصينية أمامها يفرغ فنجال من القهوة قائلاً

باحترام القهوة السادة للبيه. القهوة السادة ليا أنا.
حانت من النادل نظرة تجاه محدثته فتجمد كلية وهو يراها أمامه مجدداً وكأن القدر يسوقها دائماً في طريقه ليستفيق علي صوت ماجد الغاضب وهو يقول: ايه يا بني آدم انت؟ ماتركز في شغلك، وش القهوة راح خالص ونصها اتكب برة الفنجان طالع النادل الفنجال بصدمة قائلاً: أنا آسف يافندم مكنش قصدي هجيب للهانم غيرها.... قاطعه ماجد وهو ينهض قائلاً بعصبية: تجيبلها غيرها ايه؟ فين مديرك؟ نهضت ریم بدورها تقول بتوتر.
خلاص ياماجد من فضلك محصلش حاجة قالك هيجيب قهوةغيرها.

قال ماجد بحنق: اسکت انت أصلك مش عارفة الأشكال دول كويس، أنا بقى عارفهم وعارف ازاي أتعامل معاهم. يافندم ميصحش الكلام ده أنا.... قاطعه ماجد قائلاً بغضب: انت كمان هتقولي ايه اللي يصح واللي ميصحش فين صاحب المكان ده؟ فين المدير؟ يا ماجد... قلتلك اسكتي انتِ وسيبيني أتصرف.

جزت ريم علي أسنانها بينما جاء إليهم في هذه اللحظة رجل في أوائل الخمسينات يرتدي بذلة رسمية يقول بلهجة رسمية: تحت أمرك يافندم أنا المدير. قال ماجد بعصبية.

تعالي شوف سيادتك اللي شغالين عندكم البيه جايب لنا القهوة وبيفرغها وعينه هتطلع علي خطيبتي اتفرج شوف المنظر، فين الجرسون اللي أخد طلباتنا؟ كان علي الأقل ،محترم مش ده مستوي الخدمة اللي مستنيينه من كافيه مشهور زي الكافيه بتاعكم ؟ وبعدين انتوا مش عارفين أنا أنا ماجد الأسيوطي ابن المرحوم حامد الأسيوطي الصديق المقرب من عماد الجمال أخو صاحب كافيهات الجمال وبتليفون مني أقطع عيشكم كلكم. مین؟

قال المدير باضطراب يافندم احنا آسفين ياريت تقبل اعتذارنا عن اللي حصل وبنوعدك بعدم تكرار الغلطة دي تاني معلش ده جرسون جديد وأكيد هيتعاقب...

قاطعه ماجد قائلاً: يتعاقب ؟ انت بتهزر؟ ده يترفد حالاً وقدامي دلوقتي يتطرد برة. حرام يا ماجد تقطع عيشه عشان حاجة بسيطة زي دي الموضوع مش مستاهل.
طالعها بقلب رق لكلماتها المدافعة عنه يدرك أن قلبها رقيق كملامحها وعزفها ليقرر أن يدلف إلي حياتها من خلال رقة قلبها يقترب منها أكثر وقد ارتأي من خلال نظرته النافذة أن هذا الرجل لا يستحق فتاة كهذه، فتاة حملت روحها عبق الماضي حين كانت النساء رقيقات يتمتعن بالأصالة والرقي وطيبة القلب، فتاة اختلفت عن كل من حوله من الفتيات لم تكن مرفهة سطحية لا يهمها سوي مظهر فارغ ولم تكن متشبهة بالرجال مطالبة بالمساواة بينها وبينهم، حين صارت لا تشبه أي منهن تميزت في نظره وحين تميزت صار القرب منها واجباً.

عاد بتركيزه إلي الحوار الدائر بين هذا الماجد والمدير

وماجد يقول:

انا قلتلك اللي عندي والقرار دلوقتي في ايدك. أكيد الزبون علي حق، لم حاجتك وسلم عهدتك ياجهاد. لا يافندم أرجوك بلاش ترفدني انا ماصدقت ألاقي شغل، والدتي مريضة وملهاش حد غيري وانا محتاج الوظيفة عشان أقدر أصرف علي علاجها. شفت ياماجد؟ والله حرام عليكم من فضلك ياحضرة المدير متر فدوش اخصم منه يومين بس مترفدوش

يا ريم ...

كان لابد وأن يكون اسمها ،ريم جميلة كغزالة رقيقة وقعت في يد صياد ماهر لذا وجب علي أحدهم إنقاذها ومن خير منه قد ينقذها ؟

من فضلك ياماجد لو بجد ليا خاطر عندك متقطعش عيشه عشان خاطر مامته علي الأقل.

جاهد : ربنا يكرمك ياهانم

نظر ماجد بحنق تجاه جهاد قبل أن يتطلع إلي ريم يتأرجح بين رغبته فى ارضائها ونيل اعجابها كما طلبت منه خالته وبين رغبته في الانتقام من هذا الذي جرؤ علي التطلع لشيء يخصه لتفوز الأولي.

لذا قال بهدوء: خلاص مترفدوش واكتفي بالخصم اخصمله أسبوع مش يومين وبس وياريت يمشي من قدامي دلوقتي وابعتلي جرسون تاني بالقهوة.

قال المدير باحترام تحت أمرك يافندم قدامي ياجهاد علي المكتب.

سار جهاد يتبعه المدير بينما عاد ماجد للجلوس مطالباً ريم بالحذو مثله فجلست على مضض وقد أحنقها تصرف ماجد واصراره علي صرف النادل من العمل ثم اصراره علي الخصم من مرتبه تتساءل كيف سيعوض هذا المسكين المال وهو يحتاجه بشدة من أجل علاج أمه كما أخبرهم منذ قليل؟ لتلتمع عيناها وقد خطر في بالها شيء ستقوم به ما ان تستطيع.

كان يستعد لحمل الصينية والتوجه للخارج حين استمع إلي صوتها الرقيق وهي تقول:

من فضلك عايزة الأستاذ جهاد. استدار يتطلع إليها بعيون تتشرب من ملامحها الجميلة، لقد جاءت إلي المطبخ خصيصاً تسأل عنه، هل دق خافقه الآن بقوة كما لم يفعل من قبل، تقدم منها بينما يقول زميله هناك أهو، علي بعد تقريباً أربع خطوات منك. استمعت إلي صوته وهو يقول: 
أنا جهاد ياهانم خير، محتاجة حاجة؟ مدت يدها إليه ببعض المال قائلة:
دى الفلوس اللى اتخصمت منك.
قال رافضاً: 
مش هقدر أخدهم من حضرتك انا غلط ولازم أرضي بعقابي.
ومامتك ذنبها إيه؟ خد الفلوس عشان تقدر تدفع مصاريف علاج والدتك. تدفق الحنان من عينيه، قلبها الرقيق يجذبه بقوة ليبتسم قائلاً:
ده كرم كبير من حضرتك لكن حقيقي مش هقدر آخد الفلوس دي منك، أنا هقدر أتصرف. 
راق لها كبرياءه فأصرت قائلة:

حصل كان بسببي من فضلك متكسفنيش واعتبرني زي أختك وهي زي والدتي اللي انا اللي اتكلمت وقتها ولبختك وانت زي ماقالوا لسة جديد في مهنتك من صوتك وطريقة كلامك حاسة - انك خريج تعليم عالي يعني مرض والدتك اللي اضطرك تشتغل في غير مجالك عشان تقدر تصرف علي علاجها، الحقيقة انا بقدر الناس اللي زيك وبتمني اقدر أساعدكم وأقف جنبكم لانكم تستاهلوا الدعم.. أخرجت من حقيبتها كارتاً . منحته إياه مردفة.

ده كمان الكارت بتاعي لو احتجت أي حاجة متترددش واتصل بيا وزي ماقلتلك انت زي أخويا ووالدتك زي والدتي الله يرحمها.

الله يرحمها. هل من الممكن أن يخفق القلب بقوة فتسمعه ينادي بحروف من كانت السبب في سحره؟ مابين الخفقة والأخري يصرخ به مطالباً إياه بقوة ...

تمسك بذات الراء فإن قلبها قُدَ من الجنة لا تتركها أبداً فإن تركتها فلن تجد لها مثيلاً قد ألقت عليك تعويذتها منذ استمعت إلي أنغامها الملائكية فصارت تسري بروحك كما تسري الدماء بشرابنك.

أفاق من تأمله لها علي صوتها المرتبك وهي تقول: 
أستاذ جهاد
الحقيقة انك انسانة بقلب من ذهب وقصاد طيبتك وأخلاقك العالية وكلامك اللي بيدل علي طيب أصلك هقبل آخد الفلوس لكن علي سبيل الدين وبإذن الله في أقرب فرصة هديهملك.

لكن... من غير لكن ده شرطي الوحيد عشان اقبل الفلوس يا آنسة ريم
قلتي إيه ؟

هزت رأسها واعتلي ثغرها ابتسامة رقيقة، كل شيء يخصها يسحره حتي ابتسامتها التي يراها لأول مرة فشعر بالكون حوله يشرق ويبتسم له، أخذ منها المال والكارت شاكراً فقالت بابتسامة:
مفيش داعي للشكر، احنا اخوات زي ماقلت لك . عن اذنك.

استدارت مغادرة فتابعها حتي اختفي طيفها قبل ان يتنهد وهو ينظر إلي الكارت يقرأ حروف اسمها بقلبه قبل لسانه ریم صادق العدل، لقد نقشت الحروف بقلبه وتعمقت مكانتها به ولن يهدأ ويرتاح حتي تكون له فمثل هذه الفتاة ان وجدتها لا تتخلي عنها أبداً، تتمسك بها تحبها وتهتم بها وترعاها وتمنحها روحك ان أرادت فهي كنز ثمين ونعمة مهداة من رب العالمين.

تنهد مجدداً قبل ان ينظر الي صينية القهوة الباردة ليقرر ان يغيرها بأخري ساخنة علي حسابه قبل أن يقوم المدير بتقريعه مرة أخري وفي هذه المرة لن يرحمه، أبداً.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

11

متابعين

7

متابعهم

6

مقالات مشابة