قصه الغز الغامض

قصه الغز الغامض

0 المراجعات

قصه الغز الغامض 

صحيت من النوم على صوت الخبط على الباب، تلت خبطات ورا بعض، خبط بطيء، مُمِل، مُزعِج. كُنت عارِف مين اللي برا، بس كان لازِم أسأل: "مين؟".
"افتح الباب! عايز أدخُل!".
الصوت كان مُرعِب، مش طبيعي، تقيل وبيضغط على الحروف كأنه لسَّه بيتعلِّم الكلام!
حاوِلت أتظاهَر بالشجاعة، قُلتله: "مش هفتَح!".
صوتي طلع مهزوز، مليان خوف، مش هكدِب عليك يعني وأقولَّك إني مش خايف!
أصل حُط نفسك مكاني، ابنك اللي مات من سنين، راجِع من الموت يخبَّط عليك بالشكل دا، تقدَر تضمَن لي يا دكتور إنه مش هيعمِل فيَّا حاجة وحشة؟ تقدر تضمَن لي أصلًا إنه مش هيؤذيني؟ أو على الأقل هيتصرَّف بشكل طبيعي؟
عرفت دلوقتي ليه طلبت أقابل دكتور نفسي؟
عشان بمُنتهى البساطة محدِّش هيصدّقني غيرَك. أو خلينا صُرحاء مع بعض يعني... إنت كمان مش هتصدَّقني! بس على الأقل... احترامك المهني واحترافيتك هيمنعوك تقولي إني مجنون رسمي!
هي دي مُشكلتي... ابني الميت بيرجَع من الموت كُل ليلة عشان يخبَّط عليَّا ويطلُب يدخُل أوضتي!
تحب نبدأ من الأول؟
أنا قُلت كدا برضه... فضولَك العلمي هيخليك عايز تسمعني، حتى لو مش مصدَّق اللي أنا بقوله، أنا بس ليَّا طلب واحِد بس... متقاطعنيش طول ما أنا بتكلِّم... اتفقنا؟
الموضوع بدأ لمَّا ابني اتعرَّف على شخص جديد، اسمه سليمان العشري... سمعت عنه قبل كدا؟ لأ! أنا قُلت كدا برضه. سليمان دا كان له تأثير سلبي على ابني بشكل بشع! ورغم إن بداية تعارُفهم ابني كان محتاج خدمة من سليمان، إلا إنهم بسُرعة جدًا بقوا أصحاب، وبقوا يقضوا وقت طويل سوا، تخيَّل... ابني بقى يقضي معاه وقت أطوَل من اللي بيقضيه معايا!
واحدة واحدة... ابني ساب البيت، قالي إنه رايح يعيش مع سليمان صاحبه، وإن هو محتاج يكون قُريِّب منه، مُتخيِّل التأثير اللي سابه على ابني؟ علاقتي بابني كانِت كويّسة نوعًا ما، كان بيكلمني كُل فترة في التليفون، لكن بمرور الوقت... المُكالمات قلَّت، وطلباته زادِت! زادِت لدرجة إني مبقيتش قادِر أنفّذها، مبقاش يكلمني غير مرَّة في الأسبوع... مرَّة واحدة بس! وكان بيطلُب فيها فلوس، وفلوس كتير!
لمَّا قُلتله إني مبقيتش قادِر أوفَّر له المبالِغ دي... شتمني! مُتخيِّل يا دكتور؟ ابني الوحيد اللي عملت كُل حاجة عشانه... بيشتمني! 
بعد شوية... رجع البيت!
بس كان... كأنه حد تاني! كان شخص مُختلِف! وزنه قل جدًا، بقى عصبي جدًا، تحت عينيه أسود بشكل مش طبيعي، وفيه رعشة مش طبيعية في جسمه، رجع عاش معايا يومين، بعدها مسكته في المكتب، بيحاوِل يكسر الخزنة بتاعتي، سألته: "إنت بتعمل إيه هنا؟"
ورد عليا بإنه رفع سكينة في وشي، إيده كانت بتتهز بوحشية، مَسَح مناخيره وهو بيقول: "محتاج فلوس! إنت كدا كدا راجل عجوز وعلى وشك تموت! وفلوسك كُلها ليَّا!"
قلبي وجعني، حاولت أتظاهَر بالهدوء وأنا بقوله: "لمَّا أموت ابقى خُدهم!".
بس هو كان أسرَع مني، وكان أقوى مني، هجم عليَّا، حاوِلت أهرَب منه، أتفادى هجومه، بس حُكم السن خلاني مقدرتش، دا غير إنه كان شرس! كتفني وخلاني أفتح الخزنة غصب عني، صدَّقني حاوِلت أقاوِم بس هو كان أقوى مني، فتحت الخزنة، بس هو مكانش يعرف!
مكانش يعرف إني كُنت عارِف إنه هيعمِل كدا، كُنت مُستعِد لليوم دا من يوم ما عرفت إنه أدمَن، وإن سليمان دا اللي خلاه أدمَن، ولمَّا مبقيتش قادِر أوفَّر له فلوس يجيب بها القرف اللي كان بيشمه، رماه... ورجع ابني عشان يضربني ويكتفني ويجبرني أفتح خزنتي عشان يسرقني، مسكت المُسدَّس اللي كُنت مخبيه في الخزنة، اللي كُنت شاريه مخصوص عشان اللحظة دي، لفيت وشي...
بووووووم!
وقع على الأرض، معتقِدش إن اللي بياخُد رصاصة في راسه بيقدَر يُقف على رجليه بعدها كتير، بصيت له وهمست: "أنا جبت وحش كاسِر للدنيا دي، وأنا اللي كان لازِم أخرجه منها، قبل ما يؤذي غيري زي ما كان عايز يؤذيني!".
خدته ورُحت دفنته في جنينة البيت، عتمة الليل سترت عليَّا، والقمر نفسه إتدارى ورا غيمة تقيلة عشان ميفضحش سري، عيطت يومها تحت الدُش كتير وأنا بستحمى عشان أغسل جسمي من التُراب وأغسل روحي من الخطيّة اللي عملتها. همست لنفسي وأنا بنشِّف جسمي: "خلاص... كُل العذاب اللي إنت فيه خلص!".
بس أنا كُنت حمار يا دكتور... مكُنتش فاهِم حاجة... عشان اللي مكُنتش أعرفه هو إن كُل حاجة بتبدأ!
تاني ليلة... في نفس الوقت اللي هو مات فيه، سمعت الخبط لأول مرَّة، فكَّرته حرامي في الأول، بس إنت تعرف كام حرامي بيخبّط على باب أوضتك قبل ما يدخُلها؟ بصوت مليان رُعب سألته: "مين؟".
رد بنفس الإجابة اللي هيقولها كُل يوم من هنا ورايح: ""افتح الباب! عايز أدخُل!".
صوته كان مُرعِب، فكَّرت إني دفنته وهو حي، عيطت وأنا بعتذر له، إترجيته يرحمني، عرضت عليه أبوس رجله، أقوله إزاي يفتح الخزنة بس يسيبني في حالي، بس هو مكانش بيقول غير جُملة واحدة بس: "افتح الباب! عايز أدخُل!".
قبل الفجر ما يدَّن بدقايق سمعته بيبعِد، خطواته بطيئة، بيتحرَّك بطريقة مُرعِبة، كأنه... كأنه لسّه بيكتشِف إزاي يتحرَّك.
وفضلت زياراته الليلية تستمِر، يوم ورا يوم، بس كُل يوم... كان الموضوع بيبقى أسوأ، الديدان السودا كانت بتزحف تدخُل الأوضة من تحت عقب الباب، زن الدبان الأسود كان بيملي الأوضة، منهم اللي كان بيعرف يدخُل ومنهم اللي كان بيزن برا، ريحة التحلُّل، اللحم المتعفّن، ريحة الموت اللي كان بتملي روحي قبل ما تملي مناخيري كُل ليلة، صوته المُرعِب، طريقة حركته، كُل حاجة كانِت بتوقَّف قلبي من الخوف والرُعب.
مبقيتش قادِر أتحمّل الريحة، ولا بقيت قادِر أتحمّل إني أقتل الديدان والدبان الأسود كُل ليلة، مش قادِر أتحمل خوفي من صوته، وخايف... خايف أفتح له في يوم، سواء بدافِع الخوف... أو بدافِع إنه وحشني!
ابني وحشني أوي يا دكتور!
كُل ليلة الرعب بيسكن قلبي أكتر، وبيخليني أضعف أكتر، أنا مرعوب... بعيَّط ليل نهار، جسمي كُله بيترعش زي ما إنت شايف!
عارِف... من كام يوم... دخل تعبان أسود من تحت عقب الباب، وقبل ما ألحَق أتصرَّف معاه... قرصني، بُص رجلي! شوف سودا إزاي؟ بُص... بقت طرية لمَّا بضغط عليها كأنها مليانة سائل لزج مش عضم ولحم!
عارف الدكاترة لمَّا شافوها قالولي إيه؟ قالولي رجلك طبيعية وسليمة!
المجانين... شايفين إن رجلي كدا سليمة، تخيَّل واحِد منهم قالي إن رجلي سليمة وإن حالتي النفسية هي اللي مخليّاني شايفها بالشكل دا، شُفت البجاحة وصلِت بيهم لفين!
أقولَّك سر؟ أنا مبقيتش حاسِس بيها، بس عارِف إنه خدها... رجلي ماتِت!
ودلوقتي أنا مرعوب... الفيران ملت البيت، ومش فيران عادية... فيران بتاكُل خشب الباب كُل ليلة، عُمرك شُفت فيران بتاكُل خشب باب طول الليل، وخليني أقولَّك إنهم خلال يوم أو اتنين هياكلوا الباب... وهيفتحوا فيه فتحة كبيرة... فتحة على مقاسه... عشان يدخُل منها... ويوصلي!
كان لازِم أتصرَّف... وبدأت أفكَّر... ولقيت خطّة... خطَّة يائسة... خطّة واحد محكوم عليه بالموت!
دوَّرت على سليمان العشري... عرفت إنه لسّه بيشتغل دكتور نفسي، بس تحت اسم مُختلِف... نادِر العسَّال!
ابني لمَّا وصل له كان رايح يتعالِج، بس سليمان أقنعه بشكلٍ ما إن البودرة هي الحل، خلاه أدمَن، وخده عاش عنده في مصحته الخاصّة لحد ما فلوسه خلصت، رماه برا زي الكلب، خلاه عايز يوفّر فلوس من أي حتة عشان يرجع له المصحة ويوفّر له البودرة... حتى لو هيضرب أبوه ويكتفه ويخليه يفتح خزنته غصب عنه!
بس لمَّا عرف إنه مات... خاف سره يتكشف... ساب القاهرة ونقل اسكندرية، وغيَّر اسمه لنادِر العسَّال!
عرفت ليه قُلتلك بلاش تقاطعني يا دكتور نادِر؟ عشان هتحاوِل تنكر أو تقنعني بأي كلام فاضي عشان أسيبك!
بس بقولّك إيه... إنت كدا كدا مكُنتش هتقاطعني، أنا ضربتك بالنار أول ما دخلت عشان كدا، والميتين مبيتكلموش يا دكتور... صح؟
هاهاهاها... الميتين مبيتكلموش يا دكتور!
إنت كُنت فاكِر لمَّا تغيّر اسمك وعنوانك مش هوصَل لك؟
كان لازِم أخلص منك قبل ما تؤذي حد تاني زي ما آذيت ابني! ابني الوحيد!
ابني وحشني أوي يا دكتور!
وإنت السبب!
صحيح... سامحني اضطريت أعمل مُكالمة بعد ما قتلتك!
اتصلت بالشُرطة وبلَّغت عن نفسي، وصوت سارينة عربية البوليس دي بتقول إنهم خلاص على وصول، كدا أحسن يا دكتور نادِر... ولا أقولك يا دكتور سليمان؟
مش هتفرِق... المُهِم... دا صوت خطواتهم طالعين على السلم!
آخر حاجة عايز أقولهالك... إني اتبرعت بكُل فلوسي لمصحة دكتور خالِد هيكل، إنت أكيد عارفه، دكتور نفسي زيك... بس راجل مُحترم، بيعالِج المرضى صح، وبيتقي ربنا فيهم!
كان هيجرالك إيه لو كُنت زيه؟
على الأقل كان زمان ابني في حضني!
أنا هروح السجن، ويمكن يعدموني! مش عارِف... بس اللي أعرفه إنه مش هيعرف يوصلي هناك!
مساء النور يا حضرة الظابِط... آه أنا القاتِل وأنا اللي بلَّغت عن نفسي، ودي جُثة القتيل... وهتلاقي جُثة تانية في جنينة البيت تحت شجرة التين.
أنا آسف!

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

12

متابعين

2

متابعهم

6

مقالات مشابة