القصه الحقيقيه الكامله لامير الظلام
برام ستوكر مخترع شخصية الرعب الشهيرة دراكولا
لقد حرفت الكثير من الأخبار والأحداث التي تتناول قسوة وغطرسة فلاد تيبيس وما كانت الشخصية التي ابتكرها برام ستوكر إلا تأكيدا لهذه الروايات المحرفة .
إن لقب تيبيس والذي يعني الخازوق كان بسبب عادة هذا الأمير خوزقة أعدائه وذلك بغرس وتد في شرج الضحية وجعله يخترق جسمه إلى أن يخرج من فمه، إنها بحق اسوأ طريقة يمكن أن يموت بها إنسان.
لكن اللقب الذي يفتخر به هو دراكولا , ويعني ابن التنين , وكان قد ورثه من أبيه.
لم يكن تيبيس مصاص دماء على الرغم من وجود رواية تاريخية توثق بالتفصيل كيف كان يشرب دم بعض ضحاياه ، لكنه من دون شك لم يكن خالدا على الرغم من أن ظروف موته ودفنه لا تزال غامضة حتى الآن – كما كانت شخصية الكونت دراكولا التي أرادها برام ستوكر في قصته.
بالتأكيد لم يكن الهام ستوكر مقتصرا على لقب الأمير وحسب ،فقد تميزت فترة حكمه بالوحشية وتعطشه للدماء.
وعندما يتعلق الأمر بالتحقيقات التاريخية المثيرة للاهتمام فمن السهولة أن نجد القصص التي تضيف هالة من الغموض والتعتيم على الحقائق وفي حالة فلاد تيبيس النادرة فأن كل ما نحتاجه هو القليل من المبالغة، ولكن مسألة موت او تعذيب عشرات الآلاف من الضحايا على يده أو بأمر منه كانت حقيقة لا يمكن تجاهلها.
إن هذا ليس موضعا للجدل او الخلاف ،انه توثيق لدوافع تيبيس والتي مهدت للمؤرخين السبيل لتحريف الباقي.
ان مسألة تحويل برام ستوكر لشخصية فلاد تيبيس إلى رواية تمخضت من بحث مضني وعالي الدقة في سبيل إماطة اللثام عن الرجل الحقيقي لهذه الشخصية الغامضة
هذا البحث الذي حاول من خلاله تسليط الضوء على دوافع فلاد العدائية وعاداته في القتل.
فلاد دراكولا عرف كأمير لـ والاشيا والتي كانت بدورها جزءا من رومانيا , وكان قد نجح في تكوين الكثير من الأعداء له بسبب سياسته ونفوذه القوي والمهيمن , وعلى عكس ابيه فقد كان الأتراك على رأس قائمة أعدائه , وكان يطمح في توحيد رومانيا بعيدا عن تدخلات ألمانيا وهنغاريا والاتراك ، ولا بد من الإشارة ان طريقة اخضاع السلطة المحلية تحت سيطرته كانت تتسم بالقوة ففي عيد الفصح من سنة 1456 استدعى تيبيس النبلاء ذوي النفوذ من كافة انحاء الامارة لتناول العشاء معه ، وعند انتهائهم من الوجبة اقتادهم الى قصره القديم الذي يبعد مسافة خمسين ميلا ، هناك حيث اجبر النبلاء على العمل كبنائين لأعادة ترميم قصره ، البعض منهم مات نتيجة التعب والأرهاق الذي عانوه او بسبب سوء المعاملة ، اما بالنسبة للفئة التي تخطت هذه العقبة فقد تمت خوزقتهم احياء وتثبيتهم على رزز معدنية خارج القصر – عند اكتمال عمليات الترميم بالطبع – فكان لقب المخوزق قد استحقه بجدارة
كان يحلو له تناول طعامه امام مشهد الاجساد المخوزقة والجثث المقطعة
ان شخصية فلاد دراكولا وايدلوجيته الأجتماعية امر مثير للجدل على نحو متناقض , فتارة كان يسعى ليخلده الناس كقديس ؛ وحينا تراه يقتل الكاهن الكاثوليكي الذي يأمره بالأبتعاد عن المحارم في حين ان سلوكه بالكاد اتسم بالورع.
انطلاقا من ان الفقر آفة تهدد المجتمع – كما يراه فلاد – فقد استدعى كل إنسان معدم وفقير لتناول العشاء معه وعندما انتهى المساكين من وجبتهم الأخبرة تفاجأوا عندما قفلت الأبواب عليهم ووضعوا تحت مرمى نبال حراسه فكانت النتيجة موت جميع من على الطاولة ظنا منه انه أراح كاهلهم من التعب والفقر بأرسالهم الى النعيم!.
اما بالنسبة لأعدائه فلم يكونوا اوفر حظا من هؤلاء إن لم يحصلوا على الاسوأ، فلمدة اربع سنوات كان فلاد واخوه الأصغر مسجونين عند الأتراك ،بعد ان ارسلهم والدهم كرهائن وسلمهم بيد السلطان محمد ، إذ كان من عادة الأتراك أن يأخذوا رهائن من عائلة الأمراء والحكام في أوروبا الشرقية لضمان ولائهم وعدم تمردهم . وهكذا فأن والد تيبس كان ألعوبة بيد الأتراك حيث حكم والاشيا طبقا لرغبات وأوامر الترك.
وكان من المتوقع ان يسير تيبيس على خطى والده الواهنة وان يكون أضحوكة يقوده الأتراك ،لكنه بدلا من الولاء للترك فقد عقد عزيمته على قتالهم. كان تيبيس قد خطى بخطوات واسعة نحو استقلال رومانيا عندما أصبح اميرا في سنة 1456 ، فقد طور حربا بايلوجية وقام بأرسال بضاعته المموهة التي صعقت الترك بأنتشار مرض معدي وقاتل بين صفوفهم وحتى في معسكرات جيوشهم ، اما بالنسبة لمن عاش منهم ليخبر قصته فقد كانوا مصدومين عند وصلوا إلى مفترق الطرق المؤدي إلى عاصمة والاشيا تيرغوفست، حيث وجدوا غابة من الجماجم , تلك الغابة التي تقع على بعد نصف ميل من العاصمة والتي امتلأت بالكامل بالجثث وأجساد السجناء التي تمت خوزقتها بالأوتاد المعدنية والخشبية ،الأمر الذي جعلهم يلوذوا بالفرار من ذلك المكان عند أول نظرة.
ان مصاص الدماء في رواية ستوكر يقتات على الدم لكي يبقى على قيد الحياة ، وتيبيس كان يسفح الدماء لكي يضمن نفوذه، والذي تطلب قتل 40 ألف ضحية.
ومن الجدير بالاهتمام ان تناول الطعام والقتل كانا من عاداته اليومية , وكانت من عادته أن يقتل أعدائه بعد تناول العشاء معهم , وكان معروفا أيضا بأخذه لوجبته بالخارج ليتعشى على منظر المخزوقين وآهاتهم والجثث المتعفنة حيث يشعر بالفخر لرؤية انجازاته.
ويبقى السؤال الأكثر أهمية – لماذا يصور الدم كرمز هام للحيوية والقوة في الرواية والمجاز والحقيقة ؟ .
إن اغلب النقاد والأدباء لم يكونوا ليخمنوا مشهد مص الدماء او Vampirizm من لوحة العشاء الأخير للفنان الايطالي ليوناردو دا فنشي التي تصور السيد المسيح يقدم خمرة كأس القربان الذي يحتوي على الدم لأتباعه من الحواريين ويوجههم ليشربوا منه ، ولكن هناك بعض أوجه التشابه بين افخارستيا Eucharist – القربان المقدس وبين أساطير مصاص الدماء : ان كلاهما يقوم على فكرة تناول الدم للحصول على الحيوية والقوة . ذلك ان المسيح- كما يقول النقاد للوحة – كان قد اخبر حوارييه بأنه سيضحي بدمه لأجل ان يحصل على عفوهم عن طريق شربهم اياه ومشاركتهم في تخليد ذكراه الأبدي من خلال تناول الدماء. وطبقا لبعض المصادر ، فأن الدم اشتهر ايضا بقدرته الأسطورية بالمحافظة على الجمال.
فعندما جعل برام ستوكر من شخصيه دراكولا كشارب للدماء؛ تغير شكله نحو الأجمل والأكثر وسامة وشبابا.
الكونتيسة الدموية .. وجدت في دماء ضحاياها سبيلا إلى الشباب الدائم
والحال نفسه ينطبق على الكونتيسة الهنغارية من القرن السادس عشر، أليزابث باثوري والتي عرفت بأستخدامها لدماء ضحاياها لتحسين صحة بشرتها حيث يروى انهم عثروا ذات مرة في قبوها على شابات كانت قد تم مص دمائهن.
كما تفضل معظم النساء وضع احمر الخدين لإضفاء شكلا أكثر نضارة وصحة.
ان إشتهاء وآكل اللحم البشري ( Anthropophay ) او كل ما يتعلق بمص الدماء وتناول لحوم البشر يعتبر مثلا اخر على الرمزية الأدبية التي نجدها في الروايات والأفلام والتي قد تعني الحيوية التي يتم الحصول عليها عن طريق شرب الدم او تناول لحوم البشر والتي تناولته بعض الثقافات كمفهوم اساسي.
تيبيس قام بشرب دماء بعض من سجنائه الترك على الرغم من عدم وجود اي دليل انه كان يؤمن بفكرة الحصول على القوة بهذه الطريقة الأ انه كان يفضل تناول الخبز المنقوع بالدم في اناء كأشارة على ما يمكن ان يخبئه المستقبل للترك
وربما من اشهر حالات اكل لحوم البشر او مص دمائهم كانت قد حصلت في عام 1972 عندما تحطمت طائرة في جبال الأنديز والتي كانت تقل المنتخب الوطني لفريق كرة القدم الأورغواري ، حيث قام الناجون بتناول لحوم اجساد زملائهم في الفريق ليبقوا على قيد الحياة لأكثر من شهرين في البيئة المتجمدة القاسية.
ومما يتضح ان القدماء كان يستلزمهم بعض الوقت لتطوير وتحريف الكثير من من الثقافات فيما يخص اكل لحوم البشر Cannibalizm او مص دماؤهم وكما يتواجد الكثير من الحقائق التي لم يتم اكتشافها عند الأناسازي Anasazi وهم من سكان أميركا الأصليين والذين يعيشون الآن في اوتاو وكولورادو الجنوبية وشمال اريزونا ونيو ميكسيكو، حيث عثرت الأبحاث على جينات متنوعة انتشرت بين البشر ومنه الى بقاع متعددة من العالم والتي تقترح اننا ننحدر من اصول بشرية كانت تشرب الدماء.
ان اسطورة مصاصي الدماء قد تكون مجازا لوحوش حقيقية وقاسية غزت العالم ..ربما مثل فلاد تيبيس او أسوء منه والتي وجدت ركائزها في بعض الأخبار والأحداث الغامضة التي تم تدوينها على يد الباحثين عن الإثارة والتشويق من الكتاب بخلطهم للوقائع المبهمة مع الخيال المرعب أو بنقل بعض الأحداث التي عجزوا عن تفسيرها او عبدة الشياطين الذين وجدوا من هذه الأفكار دعائما لعقيدتهم المحرمة.
ولكن بالنهاية لا يسعني إلا القول ان رواية الرعب التي لا مثيل لها لبرام ستوكر عبرت عن الخيال الجامح والبراعة الفكرية في صياغة الأحداث واستقصاؤها لغرض المتعة والتسلية بعيدا عن المفاهيم الخاطئة الأخرى .