تعلم كيف تنجو 🦋 (٥)

تعلم كيف تنجو 🦋 (٥)

0 المراجعات

                                             (٥)  

" ربما فى مكانٍ آخر غير هذا المكان كان يمكننا أن نكون شجراً، ربما في مكانٍ آخر غير هذا المكان كان يمكننا أن نكون طيراً، 
ربما في مكانٍ آخر غير هذا المكان كان يمكننا أن نكون مطراً، ورداً، نجماً، قمراً، أو فراشااات ...
أو ربما كان يمكننا أن نكون سنابل قمحٍ أو شمسااً ...
ربما في مكانٍ آخر غير هذا المكان كان يمكننا أن نكون معاً .

صوت من بعيد همس فى أذنيها ثم انقطع الصوت وعم الظلام لتجد "شمس" نفسها فى بطن الحوت من جديد.

“يوسف؟ إنت كنت بتقول حاجة ؟” سألت"شمس" يوسف.

“لا أنا مقولتش حاجة، وكمان قولتلك أنا مش يوسف”

“مين كان بيتكلم؟ مين حب الحب دا كله ومتحبش؟”

“أنا مش فاهم إنتِ بتتكلمى عن إيه”

“لا إنت فاهم كل حاجة، ولازم تفهمنى أنا عاوزة أخرج من اللى أنا فيه دا" ثم أكملت:

“ إنت قولتلى إنك اخترت تفضل هنا لكن أنا شايفه إنك محبوس هنا، ويوسف هو اللى هناك، وانت هو وهو إنت… رد عليا فهمنى أنا مبقتش فاهمة حاجة ”

“أنا مش محبوس، أنا عارف طريق الرجوع كويس، لكن بعد إيه”

“يعنى إيه بعد إيه”

“يعنى خلاص فات الأوان”

“أيوه، إيه بقا اللى فات أوانه؟”

“هيفيد بإيه لو رجعتى لقيتى حياتك مش ملكك، بقت ملك حد تانى”

“الحد التانى دا يوسف؟ الأستاذ ”يوسف"؟"

“هيفيد رجوعى بإيه وهو واخد مكانى، أنا ممكن أخرج من هنا لكن مش هقدر أتحمل أعيش بشوف ومش بتشاف بسمع ومبتسمعش، حر لكن متكتف مش قادر آخد قرار، حد غيرى بيتحكم فيا وبيقرر مكانى”

                            ******************

“ربما تظن أنك الناجى الوحيد، لكنك الوحيد الذى لم ينجو،  إنتِ اللى كاتبة الكلام دا يا “شمس”؟"    “شمس، يا شمس!” 

“ها، يونس؟ أنا رجعت تاانى؟!”

“رجعتى منين؟"

“ لا مفيش، إنت كنت بتقول حاجة؟”

“بقولك حلو الكلام اللى إنتِ كتباه دا، دا تأليفك؟”

“إيه دا إنت إزاى تاخد النوتة بتاعتى وتقرأ اللى فيها كده من غير متستأذنى؟!”

“أنا لقيتها مفتوحة على المكتب لما دخلت والجملة لفتت إنتباهى بس، لكن مش هعمل كده تانى أنا آسف”

“استنى، متزعلش أنا مقصدش أتعصب عليك”

“خلاص مش زعلان، أنا هروح أنام وإنتِ كمان نامى الساعة بقت ١٢، تصبحى على خير”

“وإنت من أهل الخير يا حبيبى" 

“الساعة بقت ١٢؟  دا الوقت اتأخر أوى يدوب ألحق أنام” قالتها “شمس”محدثة نفسها ثم تذكرت فجأة:

“١٢؟ أيوة ١٢ المرة اللى فاتت كانت بردو ١٢”

أسرعت"شمس" وأمسكت بالنوتة والقلم لتدون:

“كل يوم الساعة ١٢”

وأخذت تقرأ الجمل التى دونتها  وتحاول حل اللغز ثم تذكرت ما سمعته من جمل هذه المرة وبدأت فى تدوينها أيضا:

“كان يكفى عندى أن تحبينى كما أحببتك، مين المقصود هنا؟، وإيه الرسالة اللى فى الكلام دا؟مش عارفة أفكر مش عارفة” 

ثم تركت النوتة وخلدت إلى فراشها بعدما أنهكها كل ذلك التفكير.

                            ******************

“مالك يا ”شمس" بقالى فترة ملاحظة إنك مش على طبيعتك" سألت “نهى” شمس بينما كانتا تمشيان فى فناء المدرسة.

“مش على طبيعتى إزاى يعنى؟" ردت “شمس”

“يعنى بتسرحى كتير ومش مركزة زى الأول، مين واكل عقلك”  قالتها"نهى" مازحة.

ردت “شمس” ضاحكة : " لا مفيش الكلام دا ممكن أكون مش بنام كويس بس”

“طب وإيه بيسهرك بردو؟!”

“يا بنتى هو كل حاجة هقولها هتتفهم غلط؟"

“أنا بهزر معاكى يا ستى، المهم إنك كويسة”

ثم أكملت “نهى” “ بصى مين جاى هناك” 

كان الأستاذ"يوسف" قادما باتجاههما.

“ازيك يا أستاذ”يوسف" “  قالتها ”نهى" محيية إياه.

“أهلا أستاذة ”نهى" “ رد ”يوسف" بنبرة غريبة لم تعتادها “نهى”  ومر مسرعا دون كلام .

“إيه دا فى إيه؟ الأستاذ ”يوسف" ماله بيرد عليا كده".  تعجبت “نهى”.

“وأنا هعرف منين هو حر” ردت “شمس”.

“هو حر؟!، لا دا كدا بقا فى حوار”

“يا بنتى ارحمينى بقا من تلميحاتك ”

“خلاص خلاص، طيب بقولك إيه ما تروحى تتكلمى معاه دا كان بيسأل عليكى امبارح، روحى وحاولى تعرفى إنتوا تعرفوا بعض منين"

“خلاص ماشى، أنا كنت عاوزة أتكلم معاه فعلا، أشوفك بعدين…. سلام”

                                ******************

ذهبت “شمس” إلى “يوسف” بينما كان جالسا بإحدى الاستراحات بفناء المدرسة.

“ازيك يا أستاذ ”يوسف"، ممكن أقعد؟" 

“ازيك يا أستاذة ”شمس"، آه طبعا اتفضلى"

“أنا… أنا كنت عاوزة أعتذر عن كلامى امبارح لو كان ضايقك”

“لا أبدا أنا مش زعلان، المهم إنتِ عاملة ايه دلوقت؟”

“أنا كويسة أنا مكنتش تعبانة ولا حاجة، بس راحت عليا نومة ومقدرتش آجى”

“طيب الحمدلله إنك بخير”

“شكرا لذوقك وشكرا لسؤالك عليا، وبجد أنا آسفة جدا على طريقة كلامى معاك امبارح، أنا كنت متلخبطة واتفاجئت لما شوفتك تحت العمارة” 

“أنا عذرك طبعا، ومتشكرنيش دى أقل حاجة”

“طيب ممكن أسألك سؤال؟"

“عارف السؤال، لكن معنديش جواب ليه”

“وانت عرفت منين أنا هسألك عن ايه؟مش يمكن يطلع غير اللى فبالك؟"

“هتسألينى نعرف بعض منين وازاى؟ مش كده؟"

“امممم، أيوة… أنا بس عاوزة أفتكر فكرنى بأى حاجة”

“يمكن أكون أنا بس اللى عرفتك، أنا بس اللى لاحظتك، وأنا بس اللى …..”

“إنت بس اللى إيه، ما تقول … كمل”

“لو سمحتى يا أستاذة ”شمس" لو عاوزانا نفضل زمايل وكويسين مع بعض بلاش تفتحى معايا الموضوع دا تانى، أنا دا ميعاد حصتى لازم أمشى… . مع السلامة"

                              ******************

“وأنا بس اللى حبيتك، أنا بس اللى حبيتك يا ”شمس" "

قالها “يوسف” محدثا نفسه بينما كان جالسا فى غرفته سارحا فى ذكرياته و…. وخيالاته!

“ ربما كان علىَّ الهروب منذ اللحظة الأولى التى رأيت فيها تلك الابتسامة وعلمت أننى سأكون أسيرها، ظننتها تبتسم لى، ظننتها ملكى ولكن كانت ابتسامتها للحياة، ولم تكن أبدا ملكا لأحد”

أخذ يوسف يدون خواطره فى نوتته كما اعتاد.

“إنت مبسوط بحياتك دى، إنت اللى وصلتنا لكده”

ينظر “يوسف” إلى المرآة محدثا شبحا ما بها يشبهه تماما.

“أنا؟ وأنا عملت إيه يعنى؟ وبعدين إنت عاوز ايه منى، مش كفاية واخد مكانى” يرد ذلك “الشبح”

“ومين كان السبب غيرك؟ افهم بقا أنا وإنت واحد، وانت دمرتنا، احنا انتهينا خلاص”

“طيب أنا انتهيت، ممكن تقولى انت انتهيت ازاى؟ انت أخدت كل حاجة، انت تقدر تعمل أى حاجة، قدامك الحياة كلها وكل الفرص"

“أنا مش دا مكانى، زى ما انت مش مبسوط لإنك مش فى مكانك، محدش بيكون مبسوط وهو عايش دور حد تانى”

“مفيش فايدة خلاص، اللى حصل حصل، والعتاب هيفيد بإيه؟"

“كان نفسى يكون فى حل تانى، فرصة تانية لو الزمن يرجع بينا كنا هنغير حاجات كتير، كنا هنتغير”

“لو يرجع بينا الزمن كنا هنغلط نفس الغلطات، لو الزمن رجع بينا مفيش حاجة هتتغير، لإننا مش بنتعلم غير لما بنغلط”

“بس كان لازم يكون فى فرصة تانية نصلح فيها غلطنا”

“الظاهر إن أنا فعلا السبب فى كل اللى احنا فيه، أنا اللى ضيعت فرص كتير كان ممكن أتعلم منها وأتغير، لكن متعلمتش وللأسف حاولت لكن مقدرتش، معرفتش اتغير”

“إنت غرقت وغرقتنا معاك، بس تعرف العتاب فعلا مش حل، البحر اللى غرقت فيه مكنش سهل أبدا إنك تخرج منه ناجى، حتى لو اتبعتتلك إشارات الكون كله عشان تدلك على الطريق… الطريق للبر، بردو مكنتش هتوصل. عارف ليه؟”

“ ليه؟ ”

“ لإنك يا ”شبحى" العزيز مكنتش معترف أصلا إنك بتغرق، كنت مفكر نفسك عويم!"

                                ****************

“هو ليه مش عاوز يقولى نعرف بعض منين؟ليه مش راضى يفكرنى، وليه الموضوع بيزعله؟"

فى الوقت الذى كان فيه يتحدث “يوسف” إلى شبحه، كانت “شمس” تتحدث أيضا إلى نفسها بينما كانت جالسة فى غرفتها على كرسى المكتب تنظر من نافذة الغرفة وتتأمل صفاء السماء فى تلك الليلة واكتمال القمر وتعامد نوره على تلك الشجرة التى أصبحت رفيقة لياليها.

وظلت هائمة فى أفكارها وحائرة:

“ دلوقت ”يوسف" اللى بشوفه كل يوم الساعة ١٢ هو الأستاذ “يوسف” اللى بشوفه كل يوم فى المدرسة، والصوت اللى بسمعه كل يوم الساعة ١٢ دى رسايل بتتبعتلى، ولازم اربط الكلام ببعضه وأحل اللغز علشان أخرج من اللى أنا فيه واللى أنا مش فاهمة هو إيه لكن لازم أحل اللغز وأخرج قبل فوات الأوان وإلا هفضل فى بطن الحوت للأبد…."

                              ******************

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

8

متابعين

9

متابعهم

5

مقالات مشابة