تعلم كيف تنجو🦋 (٢)

تعلم كيف تنجو🦋 (٢)

0 المراجعات

                                    (٢)

“إنت مين، إنت مين؟!” ظلت “شمس” تصيح وتصرخ مضطربة وخائفة، وفجأة…

بدأت الأنوار من حولها تتخافت، والأشياء من حولها تختفى شيئا فشيئا، ما جعلها تصمت بعد كل ذلك الصياح وظلت واقفة مكانها فى ذهول تنظر يمينا ويسارا وتدور حول نفسها ولا تدرى ماذا يحدث لها !

حتى وجدت نفسها فى مكان غريب شديد السواد يغشاه الظلام، كأنما غفلت عنه الشمس طويلا ولا تعرف له طريقا.

العتمة تملأ المكان، والصمت يغلبه، لا تكاد ترى أى شئ عدا الظلام الذى يشبه عتمتها ووحدتها، ولا يمكنها سماع أى شئ سوى صوت الخوف الذى يغمر داخلها.

“ ماذا هناك فى الظلام لنخشاه؟ ماذا يوجد فى العتمة لا يمكن حدوثه فى النور” 

تحاول "شمس" أن تتمالك نفسها وتخرج مما هى فيه بطرحها ذلك السؤال الفلسفى محدثة نفسها فى محاولة منها لتهدئة خوفها، ثم بدأت تتحرك من مكانها ببطء شديد وهى لا ترى شيئا، تتحسس الأشياء من حولها ولا تجد شيئا سوى الفراغ!

" أنا فين، فى حد هنا، حد سمعنى؟ " بدأت تصرخ من جديد.

ثم بدأ يخرج من قلب ذلك الظلام ضوء خافت، يأتى من بعيد ويقترب نحوها.

فرحت “شمس” كثيرا بذلك النور الذى رأته وبدت السعادة على وجهها وزاد أملها فى الخروج من ذلك المكان.

إنه شاب يبدو كأنه فى نفس عمرها أو يزيد قليلا، إنه يقترب منها حاملا كشافا بيده، أتى من بعيد وظل يقترب حتى توقف أمامها.

“احنا فين، وايه الضلمة دى؟ ”

كان ذلك أول سؤال سألته “ شمس ” لذلك الشاب الذى لا تعرف من يكون!

كانت خائفة كل ما يشغل بالها الآن هو أن تعرف أين هى وكيف تخرج من ذلك المكان.

“احنا فى التلت ظلمات، ظلمة بطن الحوت، ظلمة البحر، وظلمة الليل”

أجابها ذلك الشاب بكل هدوء وفلسفة تشبه فلسفتها.

“بطن الحوت!، احنا فى بطن الحوت؟! ” صرخت “شمس” فى وجه الشاب.

“ارجوكِ اهدى، المكان هنا ميعرفش إلا الهدوء”

“انت ازاى بارد كدا”

“علفكرة همشى واسيبك”

“لا لا استنى…أنا آسفة، أنا ما صدقت لقيت حد، انت بتقول اننا فى بطن الحوت؟”

“تقدرى تقولى كدا، تقدرى تعتبريها كدا.”

“يعنى ايه؟"

“لو صدقتى اننا فى بطن الحوت يبقى احنا فى بطن الحوت، لو صدقتيها مع الوقت هتبقى حقيقة”

“يعنى ايه بردو؟" قالتها “شمس ” وهى تشتاط غضبا وكاد صبرها ينفذ.

“بصى أنا مش هقدر أقولك كل حاجة، إنتِ إيه أكتر حاجة تهمك دلوقت؟”

“إنى أخرج من هنا، دى أكتر حاجة تهمنى."

“مش هتقدرى تخرجى من هنا إلا لو عرفتى ايه اللى جابك هنا من الأساس!”

“وانت… معرفتش؟”

“عرفت”

“طيب ليه لسه هنا، ليه مخرجتش؟"

“علشان لما عرفت اخترت أفضل هنا”

“هو احنا بنختار؟ أنا مخترتش آجى هنا”

“احنا بنيجى هنا بسبب أفعالنا، ولما بنعرف السبب وقتها نقدر نختار نفضل هنا أو لا”

“طيب ما تقولى انت جيت هنا ازاى وليه؟ يمكن أقدر أفهم أنا كمان هنا ليه”

“أنا آسف، دا كل اللى أقدر أقولهولك”

“استنى … متمشيش ”

                          ******************

“أمشى أروح فين يا بنتى؟!”

“بابا؟! إنت إيه اللى جابك هنا؟!”

“فوقى يا ”شمس" أنا بنادى عليكى من بدرى علشان نتعشى وانتِ مش بتردى، مالك فيكى ايه؟"

“نتعشى؟! احنا فى البيت؟ احنا فى البيت بجد.”

قالتها “شمس” وهى لا تسعها الفرحة، وظلت تنظر حولها لتجد نفسها فى غرفتها ممسكة بالرواية التى كانت تقرأها، وكل شيء حولها عاد كما كان.

“أيوه إحنا فى البيت أمال هنكون فين يعنى؟! مالك يا ”شمس" إنتِ كويسة؟"

“معلش يا بابا، اندمجت شوية فى الرواية اللى بقرأها علشان كدا مسمعتكش، يلا يلا نتعشى” قالتها "شمس" وهى فى قمة سعادتها فقد عادت لحياتها وعاد كل شئ كما كان.

خرجت "شمس" لتناول العشاء مع أسرتها الصغيرة التى تتألف من أبيها وأمها وأخيها الصغير “يونس” حيث كان فى العاشرة من عمره.

“ ازيك يا ”يونس" يا عسل إنت وحشتنى خالص" ثم نظرت إلى والديها “ وانتو كمان وحشتونى خالص”

نظر الجميع إليها باستغراب شديد.

“وحشناكى ازاى يعنى هو احنا كنا مسافرين؟!”رد “يونس” متعجبا من حالة أخته.

بدت الغرابة الشديدة على “شمس” وتصرفاتها حيث لاحظ الجميع ذلك، لم تكن فى حالة طبيعية أبدا.

“إيه يا جماعة، مستغربين كدا ليه؟ وحشتونى وبحبكوا إيه الغريب فى كدا؟!"

“وحشناكى وبتحبينا؟ لا دا كدا بقى أكيد فى حاجة، إنتِ عاوزة إيه بالظبط؟"قالتها والدتها مازحة معها.

“لا لا انتوا كده واخدين عنى فكرة غلط، انتوا مش عارفين انكوا نور عنينا ولا ايه؟" قالتها"شمس" مازحة.

ضحك الجميع على كلامها وتصرفاتها، وتناولوا العشاء فى جو من البهجة والسعادة والدفئ.

وبعد أن تناولوا العشاء ذهب كل منهم إلى غرفته ليخلدوا إلى النوم.

ولكن قبل أن تنام “شمس” ظلت تفكر فيما حدث لها .

“ممكن أكون غفلت شوية وأنا بقرأ الرواية، ممكن يكون حلم؟!” ثم انتفضت من مكانها صارخة “ أيوه دا كان حلم” قالتها والسعادة تملأ وجهها وقلبها ثم أكملت:

“يا سلام أهو الواحد دلوقت يعرف ينام، تصبحى على خير يا أنا ”

                      *******************

“شمس، شمس تعالى بسرعة” قالتها “ نهى” زميلتها فى المدرسة.

“إيه فى إيه”

“بصى شوفى”

“إيه مش فاهمة أشوف إيه؟"

“يبنتى شايفه اللى واقف هناك دا، دا ”يوسف" المدرس الجديد"

“المدرس الجديد؟”

“أيوه لسه مستلم الشغل النهاردة، بس إيه عامل قلبان فى المدرسة كلها”

“قلبان! ليه يعنى؟"

“يعنى مش عارفة ليه، ولا انتِ مبتشوفيش؟ شكلك كدا مبتشوفيش، يلا أنا يدوب ألحق الحصة، هنكمل كلامنا بعدين”

“سلام”

                        ********************

“يوسف، المدرس الجديد، أنا حاسة إنى شوفته قبل كدا، بس فين وإمتى؟”

وبينما كانت"شمس" تفكر وتتسائل، دخل “يوسف” حجرة المعلمين التى كانت تجلس بها.

“ازيك أستاذة……، أنا ”يوسف" المدرس الجديد"

“شمس، اسمى شمس”

“ازيك أستاذة ”شمس" سعيد بمعرفتك"

ظلت “شمس” تنظر إليه كثيرا وتحدق بوجهه:" هو احنا نعرف بعض؟"

“والله كل اللى يشوفنى يقولى أنا حاسس إنى أعرفك من زمان” قالها “يوسف” مازحا.

“لا لا فعلا، حاسة إنى شوفتك قبل كدا، يلا أكيد هفتكر، المهم مبروك التعيين ويارب تنبسط معانا هنا فى المدرسة، بالتوفيق."

                             ****************

وفى نهاية حصتها كان السؤال المطروح هو ذلك السؤال الفلسفى الذى طرحته على نفسها فى حلمها أو ما تظنه هى كذلك:

“ماذا هناك فى الظلام لنخشاه، ماذا يوجد فى العتمة لا يمكن حدوثه فى النور؟”

وبينما هى فى طريق عودتها للمنزل، بينما تنتظر القطار ظلت تفكر فى الإجابة:

"فى الظلام الحقائق لا تكون واضحة، لا نستطيع رؤيتها، وإن أكثر الأشياء رعبا أن تترك خيالاتك تتلاعب بك وتصور لك ما تريد، وإن لأكثرها رعبا أن ترى من خلال الظلام أن تتداخل عليك الأمور وتلتبس، فى الظلام نتوقع الأسوأ ، فى الظلام لا نعلم من أين ستأتينا الخيبة لنحتاط…… لنتفاداها !!

                               *****************

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

8

متابعين

9

متابعهم

5

مقالات مشابة