تعلم كيف تنجو 🦋 (١)

تعلم كيف تنجو 🦋 (١)

0 المراجعات

                                            (١)

 "لو كان لك أن تعيد البداية ماذا كنت ستفعل ؟ لو كنت ستبدأ من جديد كيف تود أن تسلك الطريق هذه المرة ؟! "

هذا السؤال الذى سألته المذيعة لضيفها فى إحدى البرامج التلفزيونية قد لفت انتباه "شمس " كثيرا وظل عالقا فى ذهنها ليالٍ طوال، واستمرت فى التفكير والبحث عن إجابة لذلك السؤال!

صديقتنا "شمس" كثيرة التأمل، التسآؤل والتعلق، التعلق بالأشياء، الأشخاص والأحلام، ويغلب الخيال حقيقتها.

"صباح الخير يا ماما"  قالتها شمس لوالدتها التى خرجت للتو من غرفتها بينما كانت “شمس” ترتدي حذائها وتستعد للنزول .

“صباح الجمال يا أحلى شموسة، ايه هتخرجى علطول كدا من غير ما تفطرى معايا ؟!” 

“ معلش يا ”ماما “ بقا هتأخر على الشغل، إن شاء الله أرجع بدرى ونتغدى سوا، يلا باى ” قالتها “شمس” مودعة والدتها ثم عانقتها وخرجت مسرعة من المنزل لتلحق بالقطار.

كانت"شمس" فى الخامسة والعشرين من عمرها، تخرجت من كلية التربية جامعة المنوفية، تعمل بإحدى مدارس قرية مجاورة لقريتها بمحافظة المنوفية، تُدرِّس اللغة العربية للمرحلة الإعدادية، وكانت تذهب إلى العمل كل يوم بالقطار.

وعلى محطة القطار لا تعلم ماذا تنتظر!؟

أتنتظر القطار؟ أم تنتظر حلمها المنسى ليخرج من القطار ويطمئن قلبها الحائر ويجيب تسآؤلاتها وشكوكها عن الغد وما يحمله إليها ؟!

كان هذا هو الجزء الأسوأ من يومها، فقرة القطار الصباحية!!

                             *************

كان القطار يشبه “ حلة المحشى ” أو يمكن تشبيهه أيضا بالساندوتش، المهم أنه أقرب  لأن يكون أى شئ آخر عدا أن يكون قطارا !!

“تنتظر القطار ولا ينتظرك!!” تتردد العبارة على ذهنها بينما تنتظره طويلا ليأتى، تنتظره كل يوم بلا ملل وربما يأتى وربما لا"

ولن ينتظرك القطار، إن لم تأتِ لن ينتظرك، كأنك لست موجودا، كأنك لاشئ، لن يلتمس لك الأعذار، لن يتوقف أبدا فقط لأنك لم تأتِ.

فلماذا إذاً ننتظر كثيرا تلك الأشياء التى لم ولن تنتظرنا!؟ ولماذا تتوقف حياتنا عليها!؟

يقطع صوت القطار صوت أفكارها، فتركب "شمس" القطار لتبدأ رحلتها فى الإقلاع.

تصل “شمس” متأخرة وقد فاتها الطابور الصباحى وتصعد السلم مسرعة لتلحق بحصتها الأولى.

                             *************

“صباح الخير، أستاذة شمس ازيك؟"

“صباح النور، أستاذة نهى عاملة ايه؟"

“شكلك لسه جايه دلوقت”

“آه ومتأخرة على الحصة الأولى”

“ليه كان فى حاجة ولا ايه؟" 

“لأ مفيش، ننتظر من لا ينتظرنا بس!” قالتها “شمس" ساخرةً.

“ طيب يا ست الفيلسوفة بسرعة عشان تلحقى حصتك، كان المفروض تكونى مدرسة فلسفة علفكرة مش لغة عربية خالص” قالتها “نهى” مازحةً مع “شمس” .

“هنشوف الموضوع دا بعدين، أشوفك فى البريك سلام.”

ودعت “شمس” زميلتها “ نهى” وذهبت مسرعة إلى فصلها؛ لأن هناك من ينتظرها، لأنه خلف ذلك الباب يوجد من تمثل لهم أملاً وهى لا تريد له أن يخيب؛ لأنها تعلم جيدا كم هو قاسٍ ذلك الشعور، أن تضع أملك بأحدهم ثم يخذلك.

الشمس قد أشرقت فى سماء الفصل وامتلأت نفوس الطلاب بالنشاط والبهجة والحماس لبدء يومهم الدراسى الجديد.

 

                        ****************

كانت “شمس” محبوبة من الجميع فى المدرسة، كان لها أثر الشمس فى النفوس، باعثةً الإشراق، الأمل والنور فى قلوب الجميع، كانت تفعل ذلك دون أن تدرى، كان للجميع نصيبا من اسمها عداها!!

هى تبدو كالشمس، الجميع يراها كذلك ولكن فى الحقيقة هى كانت قمرا وحيدا ومعتما .

“وبعد ما خلصنا الدرس، مين متحمس لسؤال النهاردة؟” سألت “شمس” طلابها.

فرح الطلاب جميعهم وتعالت الأصوات هاتفةً برغبة الجميع لسماع السؤال والتفكير فى إجابته كالعادة.

“ لو كنت قمرا وخيروك هل تفضل أن تصبح نجماً لامعاً يقضى المساء وسط صحبة من النجوم، أم تفضل كونك قمراً جميلاً لكن وحيداً، مظلمٌ لكنك تضئ عتمة الآخرين ؟”

تعودت “شمس” أن تطرح سؤالا فلسفيا فى نهاية كل حصة؛ لأنها تحب ذلك كثيرا، تحب طرح الأسئلة على نفسها  والبحث عن إجابة لتلك التساؤلات.

وقررت مشاركة ذلك مع طلابها، وقد أحبوا تلك الأسئلة كثيرا وتعودوا عليها.

 

                           *****************

وفى المساء، تجلس “شمس” فى غرفتها تتناول مشروبها المفضل “كابتشينو بندق"، ومع هدوء الليل وضوء القمر وتلك الشجرة العالية المطلة على نافذة الغرفة تقرأ “شمس” روايتها المفضلة قبل أن تخلد إلى النوم.

“ أنت الآن وحدك، أنت الآن حقيقى وفى النهاية أنت وحدك ومنسى تماما كما الآن، لا تخف إن سهرت الليل وحدك، ولا تنتظر من القمر الوحيد أن يؤنس وحدتك، ولا تحسد القمر على جماله، أتحسد القمر على تفرده ووحدته وعتمته!؟

لو كنت قمرا وخيروك هل تفضل أن تصبح نجماً لامعاً يقضى المساء وسط صحبة من النجوم، أم تفضل كونك قمراً جميلاً لكن وحيداً، مظلمٌ لكنك تضئ عتمة الآخرين؟

لا أحد ليرى عتمتك، أو يتذكر أن يواسيك، منسى وأيضا غير ذلك أنت محط إعجاب وغبطة!"

ذلك السؤال الذى جعلها تفكر به كثيرا وتبحث عن الإجابة ، وبينما كانت تقرأ تجيب فتقول:

"أفضل كونى منفردٌ ، تعجبنى كل حالاتى لاسيما عندما أُنسى وأَنسى ،لا بأس معى اذاً إن كنت عاكساً للضوء والأمل ، لا بأس إن اعتقدت أن بداخلى نورا كالذى تراه !
ولا أنتظر أن يدرك عتمتى أحدٌ ، ولا أنتظر كذلك من ينيرها ،لست بحاجة إلى قمر آخر ليخرج من عتمتى؛ لأننى لن أتجاهل رؤيتى للظلام، وسأكترث لعتمته التى كنت أشبهها، فإننى أحب أن أُنسى وأَنسى، لكننى حقا أواجه صعوبة فى التجاهل والنسيان."

وبينما هى غارقة فى بحور خيالاتها وفلسفتها يقطع هدوء الغرفة صوت يأتى من بعيد ثم يقترب ليهمس فى أذنها: 

“ ربما كل ما تراه أنت ليس حقيقة، ربما أنت فقط ترى انعكاس الصورة فى المرآة”

ثم انقطع الصوت فجأة وتلاشى، فزعت “شمس” واضطربت ونهضت من مكانها وظلت تصيح “انت مين؟ انت فين؟"

ظلت مضطربة لدقائق تنظر حولها فى كل مكان تبحث عن ذلك الصوت وتحاول أن تقترب من مصدره، ثم سمعت من جديد:

“ كلما اقتربت انخدعت أكثر، كلما  ابتعدت  ونظرت من مكان بعيد كلما بدت لك الصورة أوضح!"

                               ***************
 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

8

متابعين

9

متابعهم

5

مقالات مشابة