تعلم كيف تنجو 🦋 (٣)

تعلم كيف تنجو 🦋 (٣)

0 المراجعات

                                           (٣)

يأتى القطار متأخراً كعادته، وتعانى “شمس”من ركوبه فى كل مرة لشدة ازدحامه بالركاب.

لم يكن القطار وسيلة ممتعة أو مريحة على الإطلاق، بل كان يستنفذ منك ما تبقى لديك من طاقة، لتفقد طاقتك كاملة قبل عودتك إلى المنزل ولا يتبقى لك ما تكمل به يومك.

لكن فى القطار تسبح"شمس" فى عالمها الخاص وتسرح فى خيالاتها وأفكارها، تتذكر تساؤلاتها ويتبادر على ذهنها تساؤلات جديدة، وتظل طوال الطريق تفكر وتبحث عن إجابة، وهذا ما يهون عليها مشقة الطريق.

“مالك بس، يعم سيبها علله، والله كل حاجة هتبقى كويسة”

وتتوقف “شمس” عند هذه الجملة التى قالها أحد الركاب متحدثا فى جواله، متأملة جمالها وما تحمله من طمأنينة، وقالت فى نفسها:

“مفيش أجمل من الناس الحلوة فى حياتنا اللى بيقفوا جنبنا فى أوقاتنا الصعبة على قد ما يقدروا حتى لو بس هيطمنونا بكلمة.” فلقد شعرت بأن هذه الجملة احتضنتها وربتت على كتفها.

القطار أيضا يشبه الحياة كثيرا، يحمل بداخله كتلة من المسافرين على اختلاف أشكالهم، ألوانهم ومقاصدهم.

فى القطار تجد هؤلاء الذين قد أنهكهم السفر وطول الطريق، هؤلاء الذين اتخذوه عادة يومية ثقيلة، أجبروا على انتظاره يوميا وفى نفس الموعد؛ ليذهبوا إلى نفس الأماكن، هؤلاء الذين قد ملوا الرحلة ومشقة السفر.

وتجد كذلك هؤلاء الذين قصدوا به أماكن مختلفة فى أوقات مختلفة لم يفرضها عليهم أحد، قد اختاروا ركوبه واستمتعوا بالرحلة والطريق.

                             ******************

تصل “شمس” للمنزل لتجد تلميذتها “نور” تنتظرها أمام الباب.

“ايه دا، ازيك يا ”نور" انتى هنا من امتى؟"

“مش من كتير يعنى بقالى شوية”

“طيب مرنتيش الجرس ليه ودخلتى استنيتى جوا”

“رنيت كتير بس مفيش حد فتحلى، قولت إنك أكيد لسه فى المدرسة وإن دا وقت رجوعك فقولت أستناكى"

“ايه دا معقولة محدش فتحلك، هما خرجوا ولا ايه”

تفتح “شمس” الباب وتدخل: “تعالى يا ”نور" ادخلى يا حبيبتى" قالتها “شمس” ثم بدأت تنادى على والدتها التى لم تجيب.

“شكلهم فعلا مش فى البيت، تعالى يا “نور” اقعدى هجيبلك حاجة تشربيها"

“لا لا متجبيش حاجة أنا مش هطول همشى علطول”

“لا ازاى مينفعش لازم تشربى حاجة وتتغدى معايا كمان أنا لسه مأكلتش”

“لا بجد علشان ماما مستنيانى فى البيت وقالتلى متأخرش، خليها مرة تانية”

“صحيح، إنتِ مجتيش المدرسة النهاردة ليه؟، كنتِ تعبانة ولا ايه؟”

“لا أنا كويسة بس صحيت متأخر وحسيت إنى مش قادرة آجى النهاردة قولت آخد أجازة"

“طيب ابقى شوفى زميلك أخدوا ايه النهاردة بقا، انتِ ”نور" الطالبة المميزة الذكية اللى مش هتضيع عليها الحصص والمعلومات"

“ما هو علشان كدا جتلك النهاردة، كنت عاوزاكِ تشرحيلى درس النحو اللى اخدوه النهاردة.”

“بس كدا؟، طيب أنا هقوم أعمل كوبايتين لمون يفوقونا كدا وهشرحلك اللى إنتِ عاوزاه كله."

                                ***************

بعد انتهاء “شمس” من الشرح شكرتها “نور” كثيرا: “شكرا جدا تعبتك معايا”

“بتشكرينى على ايه بس، لو احتجتى أى حاجة كلمينى علطول، إنتِ عارفة أنا بحبك قد إيه.”

“أنا اللى بحبك جدا وبحب أسئلتك اللى فى نهاية كل حصة، وبحب أفكر فإجابتهم، أسئلة ملهمة جدا” 

ثم أكملت:" إنتِ عارفة يا مس “شمس” أنا أوقات بحس إنى شبهك، بحس إنك فيكى حاجة بتشبهنى"

ضحكت"شمس":" آه أكيد ما هو أنا شمس وإنتِ نور أكيد فينا حاجة من بعض"

ضحكت “نور” وودعتها "شمس" وغادرت "نور" المنزل بعدما استمتعت كثيرا بذلك الوقت الخاص الذى قضته مع معلمتها المفضلة.

تسمع “شمس” صوت يأتى من غرفة أخيها “يونس” ثم تفتح باب الغرفة:

“انتو هنا وأنا بنادى عليكوا من بدرى؟!، ازاى محدش سمع جرس الباب، ازاى محدش سمعنى وأنا بنادى؟!" قالتها شمس لوالدتها التى كانت جالسة مع أخيها “يونس” بغرفته.

“معلش يا حبيبتى، كنت بذاكر لأخوكى ومسمعتش حاجة، إنتِ جيتى من إمتى؟"

“ياه من بدرى وكان معايا ”نور" طالبة عندى فى المدرسة، رنت الجرس كتير مفيش حد فتحلها"

“ممكن علشان كنا مركزين فى الشرح وقافلين الباب، كنتى دورى علينا كنتى هتلاقينا”

“فكرتكوا خرجتوا "

“يلا مش مهم، أنا هقوم أحطلكوا الغدا بقا علشان نتغدى سوا، احنا مأكلناش مستنينك”

ثم أكملت:" يلا يا “يونس” نادى لبابا علشان نتغدا وهنكمل الدرس بعد الغدا"

                              *******************

 “ ألو، ازيك يا ” شمس" عاملة ايه"  قالتها “نهى” محدثة “شمس” عبر الهاتف.

“أهلا، ازيك يا ”نهى" عاملة ايه يا حبيبتى"

“أنا تمام، أنا كنت نازلة اشترى لبس  فلقيت عنوان المحل  جنب العمارة اللى إنتِ ساكنة فيها، فلو فاضية ممكن أعدى عليكى تنزلى معايا، وبالمرة لو عجبك حاجة تجيبيها ”

“تمام ماشى أنا فاضية، هستناكى عدى عليا”

“ماشى مسافة الطريق وهكون عندك، سلام”

“مع السلامة”

كانت “ نهى ” تسكن بقرية مجاورة لقرية “شمس” بمحافظة المنوفية، وكانت وسيلة المواصلات المعتادة بتلك القرى هى “ التوكتوك" .

ركبت “ نهى” التوكتوك وذهبت به  إلى منزل “ شمس” وبعد مرور نصف ساعة تقريبا:

“ألو ”شمس" أنا تحت العمارة انزليلى بقا"

“حاضر بلبس الكوتش ونازلة، يلا سلام” أغلقت “شمس” الهاتف ثم أكملت: “ماما أنا ماشية، عاوزة حاجة أجبهالك وأنا جايه؟" 

“تسلمى يا حبيبتى، متتأخريش علشان تلحقى تنامى بدرى”

“حاضر مش هتأخر، سلام”

                          ********************

“ازيك يا ”نهى" عاملة ايه، كويس إنك كلمتينى كنت عاوزة أخرج أتمشى شوية"

“حبيبتى عاملة ايه إنتِ، أكيد التمشية وتغيير الجو مطلوبين، أهو نريح شوية من جو المدرسة والروتين دا”

“صحيح تحسى الأيام بتتكرر، فين المحل اللى عاوزة تروحيه؟”

“قريب من هنا، يلا علشان منتأخرش"

وبينما هما فى طريقهما إلى المحل أكملت “نهى”: “ آه صحيح مكملناش كلمنا”

“كلام إيه؟"

“المدرس الجديد اللى استلم الشغل النهاردة”

“مالوا يا بنتى؟!”

“شكله غريب هو مش شكله اللى غريب هو أسلوبه اللى غريب، تحسيه جاى من عالم تانى كدا”

“ياااه دا كله لحظتيه من أول يوم، أنا شيفاه عادى يعنى، أنا بس اللى هيجننى إنى حاسة إنى شوفته  قبل كدا لكن مش فاكره فين وإمتى!”

“أهو شوفتى، إنتِ كمان حاسة إنك تعرفيه من زمان، يعنى دخل قلبك من أول نظرة زي"

“ إيه اللى إنتِ بتقوليه دا، أنا بجد حاسه إنى شوفته قبل كدا، لا مش حاسة، أنا متأكدة”

“جايز !، أهو هو دا المحل يلا تعالى ندخل يارب نلاقى حاجات حلوة”

                              ****************

وفى المساء وكما تعودت “شمس” أن تقرأ روايتها المفضلة قبل أن تخلد إلى النوم، وبينما كانت تقرأها كالعادة مع ضوء القمر ناظرة إلى تلك الشجرة التى تحبها كثيرا، سمعت صوت يأتى من بعيد ثم بدأ يقترب منها حتى همس فى أذنيها:

"ربما تظن أنك الناجى الوحيد، لكنك الوحيد الذى لم ينجو! "

ظلت "شمس" فى مكانها تحاول أن تتمالك نفسها وتكذب أذنيها، تحاول إقناع نفسها أن هذا صوت أفكارها فحسب وأنها تتحدث إلى نفسها بصوت عالٍ فقط.

وفجأة انطفأت جميع الأنوار لم يتبقى سوى ضوء القمر ثم بدأ هو الآخر فى التلاشى حتى وجدت نفسها فى بحر من الظلمات.

“لا أكيد اللى بيحصل دا مش حقيقى، أكيد أنا نمت، أنا بحلم صح؟، لا دا كابووس!” قالتها"شمس" محدثة نفسها.

“لا مش بتحلمى” 

التفتت "شمس" لذلك الصوت لتجد ذلك الشاب الذى رأته فى المرة الأولى.

“يوسف؟!” 

“يوسف؟، يوسف مين؟” رد الشاب على “شمس” بنبرة حادة مليئة بالغضب الشديد.

“يوسف، إنتَ يوسف، مش إنت اسمك يوسف بردو؟، أنا شوفتك علفكرة إنت موجود هناك"

“دا مش أنا مهما كان اللى شوفتيه مش أنا” رد الشاب بنفس النبرة الحادة.

“يعنى إيه مش إنت” أخذت “شمس” تنظر إلى ذلك الشاب وتحدق فى ملامحه ثم أكملت:

“دا إنت نسخة منه، أنا كنت متأكدة إنى شوفته فى مكان قبل كدا”

“قلتلك مش أنا، يمكن شبهى تمام، ويمكن كان نفسى يكون أنا”  ثم أكمل:" مش أنا، هو عكسى تمام برفع إيدى اليمين يرفع هو الشمال"

“يرفع إيده الشمال لما برفع اليمين!، زى صورتك فى المراية، أنا حاسة إنى سمعت الجملة دى قبل كدا ”

ثم أكملت:" أيوه الصوت، الصوت اللى ظهرلى أول مرة وبعديها لقيت نفسى هنا"

“قالك إيه؟”

“هو مين؟”

“الصوت اللى بتقولى سمعتيه ”

“كان بيقول: ربما كل ما تراه أنت ليس حقيقة ،ربما هو انعكاس الصورة فى المرآة”

                              *******************

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

8

متابعين

9

متابعهم

5

مقالات مشابة