تعلم كيف تنجو 🦋 (٤)

تعلم كيف تنجو 🦋 (٤)

0 المراجعات

                                             (٤)

  " كلما اقتربت انخدعت أكثر، ربما عليك الابتعاد والنظر من مكان بعيد لتتضح لك الحقائق "

ظلت “شمس” تردد تلك الكلمات التى سمعتها أول مرة.

“ركزى كويس فى الكلام اللى بتسمعيه" قالها ذلك الشاب ل"شمس".

“تقصد إيه، ومين اللى بيقولى الكلام دا؟ والصوت دا بسمعه ليه؟ ”

“ كل اللى أقدر أقولهولك إن الكلام اللى بتسمعيه رسايل ليكى، ولو قدرتى تربطى بينها وتحلى اللغز هتقدرى تخرجى من هنا ”

“ أحل اللغز؟! ”

“ آه ومتنسيش … لازم قبل فوات الآوان ”

“ فوات الأوان! تقصد إيه بفوات الأوان؟! ”

                            ********************

ضوء خافت يأتى من بعيد ليكسر بنوره ذلك الظلام الحالك، وصوت مضطرب يقطع حديثهما تسمعه “ شمس ” ولا تفهمه.

تشعر “شمس” كأن الأرض تتحرك من تحتها وتدور بها، رؤيتها مشوشة ترى شبحا يأتى من بعيد ويقترب نحوها.

“تعالى اتفرجى معايا على الكرتون، اعملى فشار ويلا نتفرج سوا”   قالها “يونس” ل"شمس"

“ يونس؟؟ ” قالتها “ شمس ” بصوتٍ مرتجف وبدا عليها التعب.

“ مالك يا “شمس” ، شكلك تعبانة "

كانت “شمس” تشعر بدوار شديد كدوار البحر، كأنها فى كل مرة تسافر مبحرةً من عالم إلى آخر!

“ يونس، إنت هنا من إمتى؟! ”

“من إمتى؟ إنتِ كنتِ نايمة ولا إيه؟ ”

“ لا أنا……أنا صاحية، كنت بقرأ الرواية ”

 قالتها “شمس” بصوت مرتجف متقطع حينما نظرت حولها ووجدت نفسها ممسكة بالرواية التى كانت تقرأها.

“ بصى إنتِ شكلك تعبانة شوية أنا هسيبك تنامى، مش لازم فشار انهاردة”

تنظر “ شمس ” فى الساعة :

“ايه دا؟ الساعة بقت ١٢ ؟ ايه اللى مصحيك أصلا، يلا روح نام إنت كمان ”

                            ********************

أخذت “شمس” تفكر فيما قاله ذلك الشاب :

“ أركز فى الكلام اللى بسمعه وأحل اللغز قبل فوات الأوان ؟! ”

ثم نهضت فجأة من مكانها وتوجهت إلى درج المكتب وأخذت قلم ونوتة وبدأت تسجل ما سمعته من جمل حتى الآن.

وتذكرت تلك الجملة التى سمعتها فى المرة الثانية:

“ ربما تظن أنك الناجى الوحيد، لكنك الوحيد الذى لم ينجو ”

ظلت تفكر كثيرا : “ يقصد ايه بالجملة دى ؟”

ظلت تفكر طوال الليل وتحاول أن تفهم ما وراء تلك الجمل من رسايل، حتى أنهكها التفكير وغلبها النوم.

وفى صباح اليوم التالى، أيقظ “شمس” ضوء النهار الذى ملأ غرفتها.

“ ايه دا، الساعة ١١ ؟ أنا اتأخرت أوى ”

انتفضت “ شمس ” من مكانها، وخرجت مسرعة من غرفتها :

“ ماما، ماما إنتِ فين ؟ ” 

“ أنا هنا يا حبيبتى ” تجيبها والدتها التى كانت تعد الفطور بالمطبخ.

“ ماما، إنتِ بتعملى إيه؟، إنتِ عارفة الساعة بقت كام ؟”

“ يونس قالى إنك كنتِ تعبانة امبارح، قولت أسيبك تريحى النهاردة، إنتِ عاملة ايه دلوقت؟ ”

“ مفيش يا ماما مش تعبانة ولا حاجة، أنا مكنتش عاوزة أغيب، بس مش مشكلة نريح النهاردة ” 

ثم أكملت : “ ها، عمللنا فطار ايه بقا ”

                             *****************

“ هى أستاذة ”شمس" مجتش انهاردة ؟ “ سأل ”يوسف" زميلته “ نهى ” بينما كانا جالسين بحجرة المعلمين بالمدرسة.

“ لا مجتش، مشوفتهاش انهاردة … عاوزة أكلمها أشوف فى ايه ”

“ أيوة ياريت نطمن عليها، أنا لو ينفع كنت عديت عليها وأنا مروح، بس مش عارف عادى ولا هسببلها إحراج ؟”

“تعدى عليها فين؟ قصدك شقتها؟ إنت عارف هى ساكنة فين ؟”

“ أيوة عارف، أنا بيتى مش بعيد عن العمارة اللى ساكنة فيها”

“ إيه دا إنت من نفس قريتها  كمان ؟!”

“ أيوه وأعرفها من زمان، بس هى تقريبا مش فكرانى”

“ يبقى الكلام اللى بتقوله ”شمس" دا بجد؟؟ "

“كلام ايه”

“ إنها حاسة إنها شافتك قبل كدا، بس هى مش فاكرة فين، هى كانت بتقول إنها متأكدة إنها تعرفك"

“ هههه، أيوة ما هى قالتلى كدا بردو بس أنا مرضيتش أقولها حاجة، عاوزها تفتكر لوحدها”

“طيب إنتوا تعرفوا بعض منين؟"

“ لا خليها هى لما تفتكر وتقولك بقا ، المهم ممكن آخد رقمها علشان أكلمها أطمن عليها؟”

“ ماشى هدهولك، لكن بلاش تعدى عليها هيسببلها إحراج فعلا ”

                                 ***************

وبينما كانت “شمس” جالسة فى غرفتها تحضر دروسها التى ستشرحها لطلابها فى اليوم التالى، يرن هاتفها:

“ألو، ازيك يا مس "

“نور؟ ازيك يا حبيبتى عاملة ايه؟"

“ أنا الحمدلله، إنتِ مجتيش ليه النهاردة؟”

“كنت بريح يوم زيك ” قالتها “شمس” ضاحكة.

“ بجد طمنينى عليكى، كلنا كنا زعلانين ومفتقدين حصتك جدا ” 

“حبيبتى أنا كويسة، بس صحيت متأخر شوية ومعرفتش آجى”

“المهم إنك كويسة وبخير، المدرسة ملهاش طعم من غيرك”

“ حبيبتى منحرمش من سؤالك أبدا، ….ايه دا مس ”نهى" بترن هى كمان، شكلى سبت فراغ كبير انهاردة"  قالتها “شمس” مازحة.

“خلاص ماشى هسيبك تكلميها، وأشوفك بكرة على خير”

“ إن شاء الله يا حبيبتى، مع السلامة ”

                               ****************

“ألو، ازيك يا ”نهى" "

“ازيك يا ”شمس" عاملة ايه، طمنينى عليكى مجتيش ليه انهاردة؟ " 

“أنا كويسة راحت عليا نومة بس”

“مش عوايدك يا بنتى، عمرك ما عملتيها ”

“ دا اللى حصل، أنا مكنتش عاوزة أغيب والله”

“طيب بقولك ايه، ما تيجى عندى شوية تغيرى جو وندردش شوية أصلك وحشتينى”

“ههههه، للدرجادى بوحشكوا بسرعة، …أنا كنت فعلا زهقانة ممكن أجيلك شوية”

“ماشى، يلا مستنياكى”

تذهب “شمس” إلى منزل “نهى” بالقرية المجاورة لقريتها وتصل بالتوكتوك فى حوالى نصف ساعة:

“ أنا قدام البيت أهو افتحيلى الباب” قالتها"شمس" محدثة “نهى” بالهاتف.

“أنا هفتحلك علطول أهو” 

تفتح “نهى” الباب ل"شمس":

“ازيك يا ”شمس" تعالى ادخلى"    “ تعالى اتفضلى اقعدى ” أكملت “نهى”

“رايحة فين، تعالى اقعدى معايا أنا همشى علطول” قالتها “شمس” ل"نهى".

“ثوانى بس القهوة جاهزة، القهوة اللى إنتِ بتحبيها، هجيبها وآجى علشان ندردش براحتنا”

                               *****************

“أممم، تسلم إيدك يا"نهى" القهوة حلوة أوى”

“أنا عمرى عملتها وحشة؟!"

“ لا طبعا دا أنا مش بحبها غير من إيدك"

“صحيح،عارفة مين سأل عنك النهاردة؟”

“مين؟ الطلبة بتاعتى؟"

“لا… يوسف ”

“ يوسف؟ قصدك أستاذ ”يوسف" ؟"

“أيوة، بس مش لازم أستاذ بقا ”

“قصدك ايه؟"

“مش إنتوا تعرفوا بعض من زمان؟"

“أنا حاسة إنى أعرفه وشوفته قبل كدا، لكن هو ميعرفنيش”

“لا يعرفك”

“متتكلمى علطول، هو ايه اللى يعرفنى؟"

“هو سألنى عنك انهاردة، وكان عاوز يعدى عليكى عشان يطمن عليكى”

“يعدى عليا فين؟"

“ يعدى على شقتك، مش طلع من نفس قريتك وساكن مش بعيد عنك"

“بجد… بس بردو ازاى كان عاوز يجى الشقة عندى ما ينفعش!”

“ما هو أنا بردو قولتله كدا، وطلب رقمك علشان يطمن عليكى، هو مكلمكيش؟”

“لا مكلمنيش، ….هو قالك إنه يعرفنى؟”

“آه، قالى إنه يعرفك من زمان لكن مرضيش يقولى عارفك منين، وعاوزك تفتكرى لوحدك”

“دى حاجة غريبة جدااا”

“ مش غريب ولا حاجة، إنتوا من نفس القرية وممكن تكونوا تعرفوا بعض من وانتوا صغيرين، وعادى إنك تكونى مش فاكراه"

“مش عارفة، أنا بدأت أحتار”  ثم أكملت:

“أنا همشى يا ”نهى" علشان متأخرش وأشوفك بكرة بقا"

“متقعدى كمان شوية، انتِ لسه جاية”

“لا حلو أوى كده، يدوب ألحق أروح وأخلص تحضير علشان أنام بدرى”

“طيب لو افتكرتى أى حاجة ابقى احكيلى تعرفيه منين”

“أكيد، يلا سلام”

“مع السلامة”

                            ******************

“أستاذ ”يوسف"! إنت بتعمل إيه هنا!؟" قالتها “شمس” مندهشة عندما رأت “يوسف” يقف أمام عمارتها.

“ أستاذة ”شمس"، أنا مكنتش هاجى والله، بس رنيت عليكى كتير بيديني مغلق، وأنا قلقت جدا عليكى وكنت عاوز اطمن بس إنك بخير"

تنظر “شمس” فى هاتفها وتجد بطارية الهاتف قد نفذت:

“آه فعلا، الموبيل فصل، بس دا مش معناه إنك تجيلى هنا”   ثم أكملت:

“وبعدين قلقت إزاى يعنى، إنت تعرفنى علشان تقلق عليا؟ إنت لسة جاى المدرسة من يومين”

تردد “يوسف” وشعر بالإحراج الشديد :

“أنا آسف، أنا بجد كنت عاوز أطمن إنك بخير، وخلاص اطمنت وأوعدك دا مش هيحصل تانى”

“استنى، أنا آسفة، …. أنا كمان حاسة إنى أعرفك من زمان، ممكن تقولى احنا نعرف بعض منين” قالتها “شمس” بعدما شعرت بالخجل من يوسف وشعرت بالذنب من إحراجها له.

“ لا مش مهم، طالما مش فاكرة يبقى مش حاجة مهمة، …سلام” 

ذهب “يوسف” وفى عينيه ونبرة صوته خيبة أمل كبيرة، كأنه تلقى صفعة شديدة على وجهه أيقظته.

                                 **************

“أنا غبية، أنا إيه اللى عملته دا ، شكله زعل أوى، أنا ليه عملت كدا”

ظلت “شمس” تسير فى غرفتها متحيرة، تلوم نفسها وتعاتبها على ما فعلته مع “ يوسف ”.

ثم ظهر ذلك الصوت من جديد:

“كان يكفى عندى أن تحبينى كما أحببتك، ليتكِ آمنتِ بى كما آمنت أنا بكِ".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

8

متابعين

9

متابعهم

5

مقالات مشابة