مذكرات موظف بئيس

مذكرات موظف بئيس

0 المراجعات

 

1

إذا  قلت لكم أنني شخص مريض منحط وشرير ... ستتساؤلون لما ذا هاذه البداية التعيسة ؟ ، أمهلوني بعض الوقت وستفهمون ما اقوله بالجملة

انتضرو ...

أنا رجل عمري ستة واربعون سنة ، اشعر من الداخل اي من أعماق نفسي انني منحط ،  ومريض وشرير لطالما شعرت بهاذا... كلما ازدت علمًا وثقافةً أدركت انني شخص منحط وشرير ، كأن دراستي وحياتي في الوظيفة جائوا ليثبتو ذالك . 

كالحمار كنت أشتغل في مصلحت تسمى مرجعية ،  تحتوي على الآلاف من الملفات الخاصة بالمتوفون ، واختصيت في عملي البئيس  كمسجل لمعلومات المتوفون على وثيقة تسمى شهادة الوفات ، وكنت أقوم ببعض الإحصائيات والمراجعات عندما يتطلب الامر ذالك . لقد قضيت شبابي كله في الوظيفة ، وكنت ادرك يوما بعد  يوم أنني مريض ومنحط ...  

فمثلا في احد الأيام كنت اعاني من ألم الضرس الجهنمي ، وأي إنسان عادي ليس مثلي ، كان سيقتلع الضرس من الجدر لينهي عذابه ، لكن انا ....انا السيد العربي الكرمة ...اتحدث بكامل قوايا العقلية انني امتنعت عن قلع ضرسي كنت اشعر بسعادة ما بعدها سعادة  وااتلذذ بالالم ، ان العداب النفسي حقيقة يؤدي بالمرء الى جلد الذات ....

ستتساؤلون  من جديد لمادا اعذب نفسي ...؟  وانا ساجيبكم بكل جراة وادراك وجودي ...انا يا سادة اعذب نفسي لانني اصل احيانا الى درجة ادلال النفس من اجل الحصول على عشرون درهما انا ...لقد كنت فظا مع اولائك الفقراء المساكين ...وعلى ذكر الفقراء هناك بعض الناس من النوع االفقير، .يحبون من كل جوارحهم ، وهاذا كنت أستدل عليه عندما يتوفى احد من نفس النوع  ويأتي أهله منكبين على انفسهم ينحبون من أعماق قلبهم... انهم الفقراء ليس لهم في هاذه الحياة سوى الحب وليس اي حب انه حب عميق غابر.                                         

لقد كنت اعامل الفقراء بفظاظة وأحتقرهم ، وما إن يقترب مني فقير متوسلا  لقضاء مآربه  حتى اصك على اسناني وابدا في التكبر عليه وأدله وأجعله يشعر بالمهانة ...انني شرير طبعًا ،.إن هاده التصرفات التي كنت اتصرف بها . بعد مرور عشرون سنة من العمل كانت دات إبداع وتفكر لقد أصبحت فنان في الإحتقار والتكبر على  الفقراء ، واعدروني ياسدة لكنني اعترفت من الأول انني شرير . كان بعض الضحايا اضمن رشوتهم من النظرة الاولى ، لأنني اصبحت خبيرا في تلك الأمور ، وأصبح بعضهم يعرف انني أقوم بتسريع إتمام شهادة الوفاة مقاابل خمسون درها او ستون درهما وماذا افتعل بتلك الدريهمات المعدودة ؟... انني سكير ، وهاذه صفة اخرى إنني أحاول الآن الإبتعاد قدر الإمكان عن الخمر لكنني لم أستطع ان انفد هاذه الفكرة وهي "الإبتعاد عن الخمر ".

تزوجت من فتاة في حينا ، تدعى سهام العلوش ، تشتغل كخياطة وهي فتاة جميلة وتحب الدعابة ، لها شعر اسود جميل وبشرة قمحية تميل للأبيض وعيون سوداء جدابة ، كنت أحبها قليلا لكنني كنت أتردد على مكان كنا نجتعم فيه نحن أهل الخمر ، وكان هنالك بعض النساء الباغيات ..."إنهن كبيرات في السن "....وصراحة كنا نمارس الرذيلة بتلذذ ، كنت أستمتع مع العاهرات أكثر من زوجتي  ، لقد بداة تبدو لي كريهة لم اعد أطيق النوم في نفس السرير مع زوجتي ،لكنني أختار عدم إظهار حقيقة كرهي لزوجتي . لأنها هي صاحبت المنزل ، لا أريد ان اخسرها وبالتالى لن أجد سكن يؤويني ، لذالك كنت اكتم كل غضبي وتعصبي  حتى اذهب للعمل وعندها  ...كل هاذه الفوضى في داخلي سأفرغها على الفقراء ...ومن غيرهم سيدفع ثمن الزجاجة ؟ 

الى حد هنا أعتقد وادرك حق الادراك انكم  استوعبتم حقيقة  جواب السؤال "لمادا انا شرير؟" ، لكنني لم أنتهي بعد إنتظرو ...

في احد أيام الصيف المملة وتحديدًا في جو الصباح الباكر المشمس كنت أحاول تسجيل احد الأشخاص أتذكر ، جاء هذا الشخص في الصباح الباكر يطرق باب منزلي ، يريد شهادة وفاة أخيه ، وكان مستعجلا لكونه سيسافر والطائرة التي سيسافر فيها ستقلع مع الثامنة صباحا  ، بهدف نقل اخيه المتوفى إلى الديار الفرنسية لإتمام  مراسم الدفن هناك ، وهادا الشخص كان إسمه مصطفى عيوش وأخيه الميت اسمه  ستيفان بوكرين .

هاذا مصطفى عيوش ، أتذكره... قصير القامة ونحيل يشبه الفأر ...ماكر، وتوجد ندبة على جبهته تتربعها بشكل فظيع انه شخص قبيح وأكثر مرضا مني ،.طلب مني أنه مستعجل ، ولم يكن مستعجلا لدفن أخيه إكراما فيه .لا ليس من ذالك النوع ، إنه شخص لا يعمل ويكدح إلا للإستولاء على الارث كله قبل ان تعلم زوجتة اخيه بوفاة زوجها ، انه وغد حقيقي ومدمن  وهاذا يظهر من خلال كرشه المنتفخة  وشفتيه البنفسجية ..

لكن أنا لم أكن بعد أفهم هاذه الأمور ، او بالأرجح لم أكن افرق بين الشخص الشرير والشخص الخير ، لأنني والحق يقال كل ما يشغل نفسي هي النقود ،.فانا مستعد كي أقتل شخص على الورق مقابل المال ، لأنني أحتاج ذالك المال ومن دونه لن أحقق سعادتي ، لأنني لن اجد الخمر وهو الحياة بالنسبة لي .لذالك تفننت في الأخد  بزمام الأمور وجعلها صعبة التنفيد لضمان مزيد من الدريهيمات . ألم اقل لكم أنني غدوة مبدعًا.

ففي كل ساعة كثيرًا ما تجدني متعصبا والزبد يتطاير من فمي ، والحل الذي يلتجأ إليه أصدقاء العمل لتوقيفي عن التعصب والثرثرة الخبيثة هو ، أن يقدم لي بعضهم كأس من القهوى او الشاي المحلى بالسكر .وهاذا لا يمنعني فيما بعد من قضم أناملي حنقًا لأنني كل ما أحتاجه ليس كأس شاي او قهوة ، وإنما احتاج كأاس لويسكي او خمر رديلاً المهم كأس خمر ، لأنه الوحيد القادر على علاجي من هادا الحشد الغفير من المناوئة للشر ، كنت ادرك جيدًا أن هاذا الحشد من العناصر المناوئة يسيطر على قراراتي  خلال حياتي كلها . لكنني لا يسعني أن أفتعل اي فعل يمنع هاده العناصر ، لأن الهشاشة النفسية بدأة تهشمني من الداخل وتجعلني الكدمية التي سقططت عينيها داخل جسمها الفارغ ...أنه أفضل تشبيه لمرضي .

ألا يتراءى لكم ايها الرفاق أنني التمس منكم العطف عن شيء لا اردرك ماهيته  ؟  ، وأنا على قدر من اليقين.... بأن هاذا حق وهاذا السؤال يتبادر الى دهنكم ، لم أكن اعرف كيف اخرج من هاذه الورطة وكل ما كنت أفعله هو الجلوس على أريكة لشرب الخمر ، ومشاهدة شريط حياتى الذي كان يمر فوق سكة حديدية كعربات قطار ....وأنا أتفرج ولا يسعني التفرج فقط بل كنت أستهزء وأضحك من كل جوارحي على حالي البئيس . ومهما يكن ما  يحدث لي ، لم أرغب أي أحد في مساعدتي ضليت منكبًا على نفسي ساترًا اسرارها .

                                                                                   2       

إنسلت فكرة من أفكاري المسمومة الى دهني ، وأنا كما تعلمون نفدت هاذه الفكرة بكل حماسة ، وهاذه الفكرة راودتني وأنا اتذكر ، يوم الجمعة الأول من تشرين التاني سنة الفان وتمانية عشر، إنني اتدكر هادا اليوم بكل جوارحي .لأنني لأول مرة أشتري لنفسي شيء ، فأنا لم أكن اعر اي اهتمام لنفسي فهي مثل الحذاء البالي أستعمله لأزيد من إتساخه وكدحه ،.وكان هاذا النوع من التسلية شيء حرك في وجداني نوع آخر من السعادة إنها سعادة داخلية ودواء لجوارحي الضجرة ، وهاذا الشيء هو هاتف ذكي متطور ابتعته من عند أحد أصدقائي في العمل ، كان يلح علي لكي اشتريه من عنده لأنه اراد نوع  آخر حديث الصنع ،  لذالك قبلت بالعرض لأنه كان زهيدًا فإبتعت هاذا الهاتف ، وانا لا أملك أية فكرة عن ما سيحدث من بعد ، لم أكن أعلم أنني سأ سير ملكًا للهاتف وليس الهاتف ملكًا لي . 

في تلك الوقت أجتاحت موجة التيك توك العالم وأنا بدوري انغمست في مشاهدة الفيديوهات باستمرار، وشعرة بلذة أخرى لم أكن اعلم بوجودها إنها لذة فريدة من نوعها انها عزلة ...يمكن ان نسميها عزلة لأنني لم أعد اتعصب في العمل ، اصبحث شخصًا هاذئًا كل ما اسعى اليه هو ركن وهاتف تم شاحن ، واتسمر في مكاني تم أشغل الهاتف واروح أقلب في الفيديوهاته واكثر ما جدبني وزاد من لذتي هو فيديوهات رقص وتمايل الفتياة على انغام الراي ، إنني استمتع واصبحت على علم بالمشاهير الأكثر شهرة ، بل اكثر من ذالك لقد أدى بي الأمر إلى معرفة مدخولهم من الفيديوهات ، وهاذا ما جعل لعابي تسيل على الشهرة لقد أصبحت الشهرة حلمي وامنيتي المفضلة ، لأنني انبهرت انبهارًا من مدخول ألآئك المشاهير واردت ان اصبح واحد منهم لأن الأمر لا يتطلب مني سوى هاتف ، وانا اتوفر عليه تم موسيقى ، ورقصة جميلة على الموسيقى وها انا مشهور أجني الكثير من المال ...ان الامر حقًا سهل ...

إن الشهرة حقيقة لسهلة والتيك توك زاد من سهولتها وسلاستها . وما إن تعلمت اساسيات البرنامج حتى قمت بنشر بعض الفيديوهات لكنني لم احصل على أية مشاهادات ، وهاذا أثار اعصابي ، وعدت لتصرفاتي السابقة وأصبحت فزاعة من جديد وعاد الزبد يتطاير والشاي المحلى . لكن هاده المرة زاد عن حده لقد اصبحت اكثر عدوانية الى الناس الدين يتقدمون إلي لأقضي مآربه ، وهاذا جعل ساعتي الأخيرة في العمل تدق ... وها أنا أطرد من العمل بسبب فيديو "فضيحة" .

لقد قام أحد بتصوير فيديو لي ، وانا استلم الرشوة من عند أحد الفقراء البائسين ، تم إنتشر الفيديو كالنار في الهشيم على مجموعة من المنصات ومن بينها التيك توك ، وغدوة  مشهورا بين مجموعة من الناس .

 فما أمر من أمام مقهى او مجمع للناس حتى أرى الأصابع تشار ناحيتي والناس تمتم باسمي وتضحك بسخرية ... ،لكن اتعلمون بماذا أشعر ؟، لقد شعرت بلذتي الضالة التي لطالما تمنيتها وسعيت لتحقيقها ، وها هي الآن بين يدي إنني سعيد رغم انني طردت من العمل .إن الوظيفة عمل بئيس مهما كانت درجة الموظف ومرتبته لقد بدأة أفهم هاذا الآن ، ولم أكن افهمه من قبل ، إن الوظيفة غدت موضوع سيان  لأنني سأصبح مشهورًا ، لا... لا... لقد أصبحت مشهورًا رغم أنها شهرة من النوع الرديل ، إلا انني أحببتها وكانت بالنسبة لي أكبر انجاز في حياتي ، يجب ان أساعد في انتشار شهرتي ...يجب ان اتباهى بها على زوجتي وعائلة زوجتي وخصوصا اب زوجتي ، إنني أمقته وابغضه بغضًا لأنه لطالما أراد ان يهينني أمام إبنته وزوجته ، إنني احقد عليه اشد الحقد ولابد له ان يرى شهرتي وما حققته من إنجاز ...يجب ان يعي ذالك ...سأدهب اليه الآن .

                                                                              3

 

دخلت إلى منزل عائلة زوجتي مندفعا ، كان وقت بعد الظهر المتأخر ووجدت أم زوجتي السيدة حليمة البرهومي  نائمة وكذالك زوجتي كانت نائمة ، وبجانبها تنام أختها خديجة وأخوها الصغير عادل . 

رحت أدخل جميع الغرف لكي أجمع اكبر قدر ممكن من الناس ، لكي يعلمون بشهرتي وكلما كان عددهم أكبر كلما شعرت بلدة أكبر..

أيقضت زوجتي وقالت بدهشة .ماذا هناك من أين اتيت ؟

وقلت بعد ان القيت بنفسي على الأريكة ...

  لا يمكن لن تصدقو؟ 

تجمهر الجميع أمامي وراحو يراقبونني بترقب كبير ...

سألني الجميع عن سر اندفاعي وشحوبي ، وأنا بدوري أجبت عن سؤالهم .

هاذا بسبب الفرحة لن تتخيلو ماذا وقع ؟ ....لقد أصبحت مشهورا ، فبعد ان لم يكن أحد يعرفني من غيركم أصبح الجميع يعرفني الآن ...لقد اصبحت مشهورًا ....يا إلآهي ...

وبدات في القفز والمرح والدوران حولهم ....

قال عبد الحق اب زوجتي بدهشة وعدم الادراك .

ولاكن كيف ذالك كيف الك ؟... إنه يشعر بالحسد والغيرة مني .

قفزة جوزتي بدهشة هي الأخرى.

        كيف اصبحت كذالك إشرح لنا ؟

إنك لا تشاهدين الأخبار ....وانت "اقصد الأب " الم تقرأ جريدة الصباح اليوم ....؟؟

حرك الاب رأسه مجيبا بالنفي ، تم أخرجت الصحيفة من حقيبتي وقدمتها له... 

إقرأ إقرأ لتفهم ، هنا وأشرت للعنوان ...إن الصحف لا تنشر إلا أخبار المشاهير ولايتحدثون إلا على المشاهير ...

إرتدى الأب النظارة التى كان يحملها في جيب قميصه ، تم بدأ يقرأ بنبرة حادة وينطق الحروف بلغة جميلة. 

في يوم الخميس الحادي عشر من شهر ديسمبر على الساعة الثالتة مساءًا، كان الموظف المدعو بالعربي الكرمة يزاول عمله داخل مكتبه في مقر الجماعة وتم تصوير شريط فيديو له  وهو يستلم رشوة من عند احد المواطنين ، وقد إنتشهر هادا الشريط كنار في الهشيم  وأصبح المدعو العربي الكرمة شخص مشهور بين الناس ، وقد تم طرده من العمل وهو الآن  يواجه جريمة وقد يعاقب عليها بالسجن نظرًا لثبوت التهمة عليه ...

صدمتني الجملة الأخير فأوقفته عن القراءة بعدما صحت  توقف لا ....لا ... هادا غير ممكن ...مادذ فعلت انا شخص مشهور يجب إحترامي ...

اخدت سترتي تم إنصرفت بسرعة ، وما إن فتحت الباب حتى وجدت سيارة الدرك تنتظرني أمام الحي ...

حكم عليا بستة أشهر من السجن ، وغرامة مالية قدرها خمسة ألآف درهم .... دفعت جوزتي دعوة الطلاق ، وتمكنت من ذالك وبقيت انا أواجه عذابي لوحدي ، حتى قضيت مدة سجني تم خرجت ، وتوجهت للبادية عند جدي الذي اعطاني اسطبلا قديما ، رممته وحفرة فيه قبوًا وحشرت نفسي فيه كالخنفس ، إنكبيت على الكتب والكتابة ولم أعد أتكلم واتفوه بأي كلمة مهما كانت ضرورية .

وهاده المذكرات ليست سوى درسًا موجهًا لكل حالم بالوظيفة ، انا أرسل لك هاذه المذكرات من المستقبل  ياصديقي كدرس صوفي غابر ...

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

5

متابعين

4

متابعهم

6

مقالات مشابة