كنز القرصان ليفاسور: ثروة مدفونة منذ قرون تثير حيرة العالم
كم من الأسرار والألغاز ضاعت في حقبات التاريخ الغامضة واختفت مع اختفائها، ولكن هل تساءلت يوما إن كان ما وصل إلينا عن تلك الأزمنة وأحداثها هو كل شيء؟ أم أننا علمنا شيئا وغابت عنا أشياء؟.
قصتنا اليوم من عالم البحار الواسع، قصة قرصان وكنز وقلادة، قرصان من أعنف القراصنة الذين مروا في التاريخ. شغل العالم بعد مماته بلغز لم يحل إلى يومنا هذا، وكنز مخفي أثار لعاب الباحثين عن الكنز لأجيال وأجيال. القرصان "أوليفر ليفاسور" وكنزه الضائع.
نبدأ قصتنا من العام 1947م مع رجل إنجليزي يدعى "ريجينالد كروز ويلكنز"، هذا الرجل هو صائد كنوز محترف سمع بكنز لقرصان يدعى "أوليفر ليفاسور" مخبأ في مكان ما في جزيرة ما، إحدى أكبر جزر دولة سيشل الواقعة في المحيط الهندي. صائد الكنوز سمع بالكنز من جارة له. بحث "ريجينالد" و حفر واستكشف كل كهف وقناة مائية وموقع معزول في الجزيرة طيلة ثلاثين عاما سعيا للحصول على الكنز النفيس. غير أن الحصيلة لا شيء، حتى وفاته عام 1977م، ليستلم من بعده دفة البحث عن الكنز ابنه أستاذ التاريخ السيشيلي "جون كروز ويلكنز" والذي ما زال يبحث عن كنز القرصان الضائع. ولكن ما قصة هذا الكنز؟ وما قصة القرصان "أوليفر ليفاسور"؟.
أوليفر ليفاسور من قرصان قانوني إلى قرصان متمرد
ولد "ليفاسور" عام 1688م لعائلة برجوازية غنية، وتلقى تعليما ممتازا خوله أن يصبح ضابطا في البحرية الفرنسية، وخلال الحرب مع الإسبان ما بين العامين 1701م و 1714م خدم "أوليفر" في الأسطول الملكي الفرنسي بصفة قرصان قانوني، وهو أمر كان شائعا آنداك، وفي تلك الفترة أسره البحر ومغامراته هدا ما انعكس على مجريات حياته بعد انتهاء الحرب، بحيث أنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها أُصدر الأمر لكل السفن الحربية بمختلف مسمياتها بالعودة إلى الديار، إلا أن "أوليفر" كان له رأي أخر. تمرد "أوليفر" على الملكية الفرنسية ورفض العودة إلى الديار وانضم في شراكة إلى قرصان آخر يدعى "بينجامين هورنغولد". عام 1716م ليصبح بذلك "أوليفر" رسمياً قرصان. أثبت "أوليفر" براعته وتمكنه من القيادة رغم قصر النظر الذي أصاب إحدى عينيه نتيجة جرح أصيب به خلال الحرب، بل واكتسب لقب الصقر بسبب سرعته و وحشيته بالانقضاض على أعدائه.
استمر "أوليفر" في شراكته مع "هورنغولد" لمدة عام غنموا خلالها الكثير من عمليات القرصنة، إلا أن "أوليفر" قرر أن يجرب حظه في الساحل الأفريقي الجنوبي، فانتهت الشراكة وتوجه "أوليفر" إلى مقصده الجديد عام 1719م. اشترك أوليفر مع قرصانين آخرين يدعيان "هول دافيس" و"توماس كوكلين" لبعض الوقت في عمليات القرصنة. و في عام 1720م تحطمت سفينة "أوليفر" قرابة قناة موزمبيق واستقر به الحال في جزيرة أنجوان، حيث ساءت حالة عينه وفقد القدرة على الرؤية بها، ما اضطره إلى وضع عصبة للعين. فهل تظنون أن المظهر الكلاسيكي للقراصنة في الأفلام مصدره أوليفر؟ من يدري؟ لنكمل.
أضخم عمليات القرصنة
ابتداء من العام1721م بدأ "أوليفر" بإطلاق حملاته من جزيرة سانت ماري الواقعة على شواطئ مدغشقر بالاشتراك مع "جون تايلور" و "إدوارد إنغلاند"، إلا أن تصرفات "إدوارد إنغلاند" أثارت حفيظة القراصنة الآخرين فتخلصا منه على جزيرة موريشيوس، ليقدم بعدها الرجلين على ما اعتبر أضخم عمليات القرصنة، حيث قاما في 27 من أبريل عام 1721م بمهاجمة والاستيلاء على السفينة البرتغالية العظيمة والتي حملت اسم "The Virgin of the Cape" التي تعود ملكيتها إلى أحد نبلاء البرتغال الفاحشي الثراء. هذه السفينة كانت مزودة ب 72 مدفعا لحماية الكنوز التي كانت تحملها إلا أن السفينة تضررت خلال رحلتها جراء عاصفة هوجاء، ما اضطر الطاقم إلى التخلص من المدافع لحماية الركاب المهمين. هذا الأمر انعكس إيجابا على "أوليفر" وفريقه، فهم استطاعوا السيطرة على السفينة دون أي مقاومة تذكر. صعد القراصنة على متن السفينة دون علم منهم بما تحمله ليتفاجئوا بما كانوا يحلمون به. فالسفينة كانت متخمة بسبائك الذهب والفضة وعشرات الصناديق الممتلئة بالذهب والألماس والحرير ومقتنيات فنية ودينية نفيسة أبرزها صليب من الذهب الخالص مرصع بالماس. بحيث احتاج الأمر إلى ثلاثة رجال لنقله إلى سفينة "أوليفر". الكنز الثمين، والذي قدر لاحقا بما يقارب المئة مليون جنيه إسترليني، صدم القراصنة حتى أنهم لم يسرقوا الركاب على غير عادتهم، بل أخذوا الغنيمة الكبرى وتركوا الركاب دون سفينة لأن "أوليفر" استولى على السفينة وغير اسمها إلى "سفينة النصر" وأصبحت سفينته الجديدة ليبدأ بعدها تقاسم الكنز. فحصل كل قرصان على ما يقارب ثمانية ملايين جنيه إسترليني من الذهب والمجوهرات، بالإضافة إلى اثنين وأربعين ألماس لكل منهم، وتقاسم "أوليفر" و"تايلور" باقي الذهب والغنائم فيما بينهما، وحصل "أوليفر" كذلك على الصليب الذهبي. وبالطبع كنز كهذا يحتاج إلى مخبأ سري، وهذا ما قام به "أوليفر" فبدأ بإخفاء كنزه وتغيير مكان الكنز بين الحين والآخر، بل و يقال أن كل من ساعده على نقل كنزه أقدم "أوليفر" على قتله خشية إفصاحه عن مكان الكنز.
عام 1724م قرر "أوليفر" التقاعد وأرسل يفاوض السلطات بغية الحصول على تسوية، إلا أن السلطات طالبت "أوليفر" بقسم كبير من كنزه وغنائم، الأمر الذي رفضه "أوليفر". ليستقر بعدها في مخبأ سري في جزيرة سانت ماري. إلا أن حب الإبحار بقي في دمه، ما دفعه إلى العمل كقبطان لسفن عادية، إلى أن أتى عام 1729م، حيث أنه وفي إحدى الرحلات تم التعرف على القرصان "أوليفر" واقتياده إلى منطقة سان دينيس في جزيرة ريونيون، حيث تم الحكم عليه بالإعدام.
بداية الأسطورة...قلادة مشفرة ورائها كنز عظيم
بدأت الأسطورة يوم تنفيذ الحكم. بحيث أنه وخلال وقوف القرصان على المذبح وحبل المشنقة حول عنقه، قام بنزع قلادة كانت حول عنقه ورميها إلى الجموع التي حضرت لتشهد تنفيذ حكم الإعدام. القرصان "أوليفر" صاح قبل إعدامه بالتالي: "الذي يستطيع فهم القلادة سيصل إلى كنزي". وبعدها أعدم القرصان في تمام الساعة الخامسة مساء يوم 07 يوليو عام 1730م، لتنتهي بذلك فصول حياة القرصان "أوليفر ليفاسور" وتبدأ بعدها فصول البحث عن الكنز المفقود.
الرواية تقول أن القلادة محفور عليها كتابة رمزية أي باستخدام الرموز، مكونة من سبعة عشر سطرا. حاول العديد من علماء اللغة والخط والباحثين عن الكنوز فك الشيفرة من دون فائدة، وبالطبع البحث عن الكنز كان يجري على قدم وساق من القراصنة وصولا إلى العلماء والباحثين لكن دون فائدة.
في عام 1923م أرملة تدعى "روز سايفي"، وجدت بعض المحفورات في الصخور قرب شاطئ "بيل أومبري Bel Ombre " في جزيرة ماهي (سيشيل). المحفورات ظهرت نتيجة انخفاض مستوى الماء عند تلك الضفة ذلك العام، لتكشف عن رسومات مبهمة لكلب وأفعى وثقب مفتاح وأيضا لعين تحدق في الفراغ وشكل امرأة يافعة ورأس رجل. وصلت أخبار هذه المحفورات الى السلطات المحلية التي جزمت بدورها أنه من رسومات القراصنة.
محافظ المنطقة ربط الرسومات مع رسالتين محفوظتين في الأرشيف لديه، إحداها خريطة مذيلة بتوقيع القرصان "أوليفر ليفاسور" لتلك المنطقة، أما الرسالة الثانية فكانت من قرصان يدعى "ماردين ناجيون" الملقب ب"ليبوتين" و الذي توفي بعد "أوليفر" بسبعين عاما. هذا القرصان، بحسب رسائل أرسلها لابن أخيه، قد استطاع الحصول على جزء من كنز القرصان "أوليفر" أو كما سماه برسالته لا بيس. وبعد البحث والتحليل، وبالأخص في الاتجاه الذي تحدق إليه العين. استطاعت السلطات الكشف عن تابوتين يحويان بقايا قرصانين تم التأكد أنهما قراصنة من أقراط الأذن الذهبية لكل منهما، وبقايا جثة مجهولة دون تابوت أو كفن. ولكن لا وجود لأي كنز.
حتى وصل الأمر إلى "ريجنالد كروز ويلكنز" صائد الكنوز الذي ذكرناه في بداية قصتنا. استطاع "ويلكنز" أن يفك بعضا من رموز القلادة باستخدام الوثائق من أرشيف المحافظ. وقد وجد رابطا بين نص القلادة مع ما يلي:
- الأبراج الفلكية.
- مفاتيح الملك سليمان.
- أعمال هرقل الاثنا عشر.
وكلها معتقدات من العصور القديمة. توصل "ريجنالد" إلى استنتاج أن الكنز مدفون في أعماق الأرض ويجب الحفر بحرص مخافة أن تغمر المياه هذا المكان المنشود، إلا أن "ريجنالد" وإلى وقت وفاته لم يستطع التوصل إلى المكان المحدد رغم حفره واستكشافه العديد من الأماكن على الجزيرة. ليستلم ابنه رحلة البحث بعد وفاة والده ويكمل بها إلى يومنا هذا علَّ وعسى يستطيع أن يحقق حلم والده ويتمكن من الحصول على كنز القرصان "أوليفر ليفاسور". والنتيجة حتى الآن لا شيء يذكر، وألغاز بلا إجابة.[1]
أكدت لنا هذه القصة أن كنوز هؤلاء تشكل إحدى أكثر ألغاز عالمنا غموضا، وبالأخص هذا الكنز الذي ما زال إلى يومنا هذا يسيل لعاب صائدي الكنوز ويشغل بال الباحثين في أسرار وألغاز البحار وروادها. فهل تعتقدون أننا سنشهد الكشف عن خبايا الكنز العظيم يوما ما؟ و هل تعتقدون أن هذه الكنوز أصلا موجودة؟…… وإن كان كذلك هل تؤيدون فكرة أن تفنوا حياتكم بحثا عن مثل هذه الكنوز الضائعة؟…… أنتظر ارائكم في التعليقات.
[1] حسن هاشم، قصة كنز القرصان ليفاسور الضائع .. الكل يبحث عنه!، برنامج القصة على موقع اليوتيوب، 9 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3G6UxSE