لقاء القريب الغريب

لقاء القريب الغريب

0 المراجعات

ماذا تفعل هنا وأنت الذي طالما كان موقفك واضح اتجاه الملاهي و الحانات ..أنت الذي تجزم بأنهامصنع نشيط للبؤساء ورحم ولاد للتائهين والتائهات بين مسالك هذا المجتمع وأركانه المظلمة.. 
هذا ماكانت تحدثه به دواخله وهو يسير وراء صديقه قبل أن يعبروا باب احدى الملاهي وسط المدينة ..
توقف ...
قالها فجأة بنبرة المتوتر والمتردد محدثا صديقه فالتفت اليه الأخير باستغراب ؛
ماذا..ماذا هناك؟!
ثق بي أيها الرفيق ..اني لا أنتمي لهذا المكان ولا أرى لنفسي فصحة بين أولئك القوم خلف هذه الجدران..من فضلك أيها الرفيق دعنا نحتسي القهوة بإحدى المقاهي التي تطل واجهتها على منظر من مناظر الجمال فنتباذل أطراف الحديث واعين عاقلين بكل كلمة نتفوهها وحركة نصدرها  ..أليس هذا بأفضل من أن نلقي بأنفسنا في هذه الحفرة الملعونة حيث لاصوت يعلو على أصوات كوؤس الخمر وأنين السكارى وشتائم بعضهم لبعض..

أنت لا تفهم ...(رد بصوت خفيظ بعد أن أعطى صديقه بالظهر )
ثم استدار من جديد نحو مخاطبَه متمما كلامه بصخب ومعبرا بيمناه؛ 
أنت لا تفهم أن سوداوية هذا العالم وعبثيته لشيئ مرهق للوعي وعقلنة العقل وأن على الإنسان من حين لحين أن يسقي روحه بتلك المياه والسوائل التي تقدم على موائد هذه الفضاءات حتى يطلق العنان للا وعيه وباطن عقله للحديث والتعبير بما يعشش في  تلك المناطق المنسية هناك ،فينطق بكل تلك الأفكار والكلمات التي يخشى أو يخجل العقل أن يفصح بها ويرمي بها للعالم...
صمت للحظة ثم عاد ليقول بصوت خفيظ من جديد ؛
ثق بي يارفيق.. اني أريد بك خيرا..اتبع خطاي وأعدك أن لن تندم أبدا ..
احنى رأسه في استسلام مطلقا زفير من سلّم أمر نفسه لغيره ثم سار وراء متقدمه و عيناه لا تفارق الأرض..
اتخدا الصديقان لنفسهما طاولة وسط الجموع ثم أشار المضيف للنادل أن يحضر كأسين من النوع المعتاد بحركة توحي أنه ألف المكان فأستأذن ضيفه للذهاب للحمام ..
كان كل شيئ غريب بالنسبة للزائر الجديد كان يرمق الطلبية التي جاء بها النادل بشئ من الخجل ويسرق من حين لحين نظرات في وجوه الجالسين الفرحين الباكين المهمومين من حوله حتى يطمئن ويقنع عقله أنه نكرة هنا ولن يخلص أحد للتعرف عليه فيحسبه من لائحة الفرحين الباكين المهمومين ،
لكن سرعان ما احمرت وجنتاه وبلع ريقه وشعر وكأن قلبه سيخترق قفص صدره عندما أخبرته احدى تلك النظرات أن أحد الجالسين يمعن فيه النظر بشكل غريب من وراء الكؤوس والقنينات الفارغة على طاولته..
تبا ..من يكون هذا الغريب وماذا يريد ..
هكذا كان يقول في نفسه وهو يحاول أن يتحكم في رجليه اللتان آبيا على أن يكفا عن الإهتزاز عندما أحس بالشخص الغريب يترك طاولته ويتقدم نحوه ..
لا تسألني من أكون ولا من أين أتيت ولا كيف أتيت..
هكذا افتتح القادم الحديث بعد أن تسمر واقفا أمام صديقنا وحجب الرؤية عنه بجسده الضعيف فهز الأخير رأسه مطالعا الرجل ببطئ وبخجل من تبتت في حقه تهمة من التهم..

ارتسمت الدهشة على وجه صديقنا وأحس وكأن قلبه توقف عن الخفقان عندما اكتشف أن الشخص الواقف أمامه كان يحمل نفس عينيه وقسمات وجهه رغم لحيته الكثيفة المبعثرة التي غطت خدوده ،بل كان يحمل نفس العلامة على جبهته ،تلك التي كانت قد خلّفتها احدى سقطاته على الأرض من فوق حمار جده في إحدى زياراته الصيفية للبادية رفقة أمه في عمر برائته..
أكمل الواقف كلامه وسط دهشة الجالس بنبرة المتوتر مشيرا بسبابة يمناه للطلبية على الطاولة ؛ 
لاتلمس شيئا من هذا ..لا وقت لي لأروي عطش الأسئلة التي تحوم حولك اللحظة ولكن اعمل لي ولنفسك معروفا وغادر وكأنك لم تأتي يوما لهنا...!!.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة