حدث بأحد المصحات في مصر

حدث بأحد المصحات في مصر

0 المراجعات

"آخر واحد بيعرف إنّه عيّان، هو المريض نفسه"

رمالي الجُملة دي ف وسط كلامه واحنا بنتمشّى ف ممرات المُستشفى، كان عايز يقولي إنّهم كُلّهم كانوا مرضى ومش عارفين، محدش كان عارف غيري، محدش حاول يساعدهم غيري، بس حتّى أنا، صديق عُمرهم، مقدرتش أساعدهم..
خلوني أحكيلكوا الحكاية م الأول..

أنا اسمي هشام، 23 سنة، بعتبر نفسي أكتر واحد محظوظ ف الدُنيا، والسبب صُحابي، بفتخر دايمًا إن علاقتي بصحابي استمرت لأكتر من 18 سنة، يعني نعرف بعض من الحضانة تقريبًا، كُنّا شلّة مُكوّنة من 4 أفراد، "عمرو" كان القائد بتاعنا من واحنا صغيرين، باباه شغّال ظابط ف جهة أمنية ومامته سيدة أعمال معروفة، ف كانوا مستريحين ومتأمنين جدًا، وبالتالي محدش كان بيقدر يقربلنا واحنا معاه، "ماجد" كان يُعتبر توم كروز الشلّة، كُل أسبوعين تلاقيه مع بنت شكل، كان بيعرف يوقع أي بنت من نظرة وابتسامة، مُحترف، وأوقات كان بيصاحب 3 بنات سوا، وعُمره ما اتقفش، "فاروق" بقى هو المُقاتل بتاعنا، بيلعب مُلاكمة من وهو عنده 7 سنين، لعب باسم مصر ف بطولات كتير عربية وافريقية، وكان لازم دايمًا يرجع بميدالية، مهما حصل..
كده يبقى مش فاضل غيري، دحيح الشلّة، المُنطوي، أضحك ع النُكتة بس مقولهاش، أراقب البنت من بعيد بس عُمري ما أروح أكلمها، عايش ف عالم القصص والروايات ونادرًا ما بنزل لأرض الواقع، أي حد هيشوفني معاهم هيحس إنّي دخيل عليهم، بس ف الحقيقة أنا ليّا دور مُهم ف الشلّة دي، يمكن أهم دور، شيّال الهموم، أي حد فيهم كان بيحصله مُشكلة سواء عاطفية أو مادية أو مُشكلة ف البيت كان بييجي يتكلم معايا أنا، يبيّن ضعفه قُدّامي أنا بس، يعيّط كمان إن أمكن، ويسمع منّي النصيحة والحل، من الآخر، كُنت المطيباتي بتاع الشلّة دي..

-"هشام؟! هشام إنت معايا؟!"
="أيوة يا دكتور، معلش أنا آسف سرحت شوية"
-"ولا يهمك، أنا عارف إن الموضوع صعب عليك، بس أنا عايزك تركز معايا عشان تفهم كُل حاجة حصلت بالتفصيل"

دعكت عيني اللي كانت بتوجعني جدًا ومردتش، أفهم؟! أفهم إيه يا دكتور؟! أنا فاهم كُل حاجة، وعارف إن ليّا يد ف كُل حاجة حصلت من الأول خالص، من ساعة ما كُل حاجة ابتدت، أنا فاكر اليوم ده كويس جدًا، كأنّه كان امبارح، أهل "عمرو" كانوا مسافرين، ف قررنا نتجمع ف شقته ونبات للصُبح، بعتوني أجيبلهم أكل، بس لمّا وصلت لآخر الشارع افتكرت إنّي نسيت الفلوس، رجعت تاني لقيت الباب موارب، وفي ريحة غريبة طالعة م الشقة، دخلت، وقفلت الباب ورايا، لقيتهم متجمعين ف دايرة وقاعدين ع الأرض، "ماجد" كان ماسك سيجارة ملفوفة وشكلها غريب وبيسحب منها نفس طويل، وبعدين باصى السيجارة ل"فاروق"، "عمرو" كان قاعد بيلف سيجارة تانية بمُنتهى الاحترافية، طبعًا الموضوع مكانش محتاج ذكاء عشان أعرف إنّهم بيشربوا حشيش..
ف اليوم ده قامت بيني وبينهم خناقة كبيرة، زعقت وصوتي عِلِي، لقيت "ماجد" و "فاروق" بيكتّفوني و"عمرو" بيحُط إيده على بُقّي، كانوا خايفين لا حد من الجيران يسمع، ولمّا هديت حاولوا يتكلموا معايا بالعقل، قالولي إن الحشيش زيّه زي السجاير، وزمان كان قانوني والناس كانت بتشربه ع الشيشة عادي، حاولوا يقنعوني أشرب معاهم، بس أنا رفضت، وخرجت م الشقة ف اليوم ده وأنا ناوي أقطع معاهم، لحد ما يبطّلوا الهباب ده..
عدّي شهر، حاولوا يكلموني كتير وأنا كُنت بصُدّهم، بس ف النهاية مقدرتش أبعد عنهم أكتر من كده، رجعت ولقيتهم لسّة زي ما هُمّا وأسوأ كمان، "عمرو" مستواه بينزل ف الكُليّة وشكله هيسقط، "ماجد" ملامحه ابتدت تتغيّر ومبقاش ذهنه حاضر زيّ الأول، و"فاروق" بطّل يروح التمرين، بطّل مُلاكمة، اتفقت معاهم إنّي هرجع بس بشرط، إن محدّش فيهم يفكر يشرب القرف ده قُدّامي مهما حصل، وفعلًا وعدوني بكده، ورجعنا صُحاب تاني..

-"لازم تعرف يا هشام إن محدش بيلومك ع اللي حصل، إنت حاولت واللي كان كان، دي إرادة ربنا"

ابتسمت للدكتور وهزّيت راسي، عارف وحافظ كُل الكلام اللي هيقوله، إرادة ربنا، قضاء وقدر، إنت ملكش ذنب، لأ أنا ليّا ذنب، لإن احنا أسباب، واحنا اللي بنختار نتصرف أو لأ، وأنا اختارت متصرفتش..!

كان يوم وقفة العيد الكبير، "عمرو" جابلنا تذاكر لحفلة مسار إجباري ف Rivulet الشيخ زايد، اتقابلنا ف الدُقّي وركبنا مع "عمرو" ف عربيته، "عمرو" كان سايق وجنبه "ماجد" وأنا و"فاروق" كُنّا قاعدين ورا، طلعنا ع المحور وشغلنا أغنية "ميّة ميّة كانت هتفرق ف الوداع"، وفضلنا نعيد فيها، أكتر أغنية بنحبها لمسار، فجأة، خدت بالي إن "عمرو" بيغمز لماجد، ف "ماجد" قام هز راسه، حط ايده ف جيبه، وطلّع علبة سجاير، مهتمتش وبصّيت م الشبّاك، افتكرتها سجاير عاديّة، عدّت دقيقة بالظبط وابتديت أشم الريحة، نفس الريحة النفاذة اللي شمتها ف شقة "عمرو" قبل كده، بصّيت ل"ماجد" لقيته بيسحب نفس طويل من السيجارة الملفوفة وبيدّيها ل"عمرو"، بصّيت ل"عمرو" ف المراية، بيشرب السيجارة باستمتاع، اضايقت جدًا، فتحت بُقّي عشان أزعقلهم، كُنت هشتمهم كُلّهم وأخليهم يرموا القرف ده وإلا ينزلوني، كُنت همنعهم يكملوا بقية السيجارة، بس في حاجة منعتني، في حاجة قالتلي معلش، عدّي اليوم، متبوّظش الخروجة، نوصل الحفلة وبعدين ابقى زعقلهم براحتك، حطّيت إيدي على مناخيري وفتحت الشبّاك عشان يجيب شوية هوا، الأغنية كانت لسّة شغالة، "يا ناس يا عُبط يا عشمانين، في فُرصة تانية للُقا، بطّلوا أوهام بقى"، بصّيت يميني لقيت "فاروق" معاه سيجارة تانية وبيشد منها مع نفسه، مرجع راسه لورا وتايه مع الأغنية، "عيشوا المشاهد كُل مشهد زيّ ما يكون الأخير"، "عمرو" سايق على 140 وبياخُد غُرز باحترافية، الهوا اللي داخل من الشبّاك شديد فكان بيطيّر الولعة من السجاير، "واشبعوا ساعة الوداع واحضنوا الحاجة بضمير"، "ماجد" ماسك تيليفونه وبيبعت قلب أحمر للبنت اللي مصاحبها، "عمرو" قُدّامه تريلة وميكروباص ف قرر ياخُد غُرزة ما بينهم بسرعة، قلقت وبصّيت ل"عمرو" ف المراية، بصّلي، غمزلي وابتسم، وداس بنزين، شرارة طارت من سيجارته ودخلت ف عينه، دعك عينه بالإيد اللي ماسك بيها الدريكسيون، ف العربية مالت منه ناحية التريلة..

-"حااااااااااااااااااااااااااااااااسب"

"ده اللي فاضل مش كتير"..
.
.
.
.
.

="هو لسّة فاضل كتير يا دكتور؟! احنا ماشيين بقالنا فترة"
-"لأ خلاص، المشرحة اليمين اللي جاي ده على طول، تعمدنا نخليها أبعد جُزء ف المُستشفى عشان الراحة النفسية للمرضى"

دخلت مع الدكتور يمين، لقيت ف وشّي باب أبيض كبير فيه شباك ازاز صُغير ف نُصّه بالظبط، ع اليمين شُفت والد ووالدة "عمرو" واقفين بيعيّطوا وبيبصولنا، وع الشمال شُفت اتنين تمرجية مستنيينا عشان يفتحوا الباب ونُدخل..

أنا الوحيد اللي طلعت من العربية، شوية جروح سطحية بس طلعت، زحفت وقُمت وقفت على رجلي، الناس جت اتلمت حواليا، وبعدين خرّجوا صُحابي، واحد ورا التاني، غرقانين ف دمّهم، مُشوّهين، نور الحياة اطفي ف عيونهم للأبد..

مسحت دموعي ف اللحظة اللي وصلنا فيها قُدّام الباب، عيني اليمين لسّة بتحرقني مش عارف ليه، سلمت على أهل "عمرو" وعزّيتهم، مردّوش عليّا، وبعدين بصّيت للدكتور وقُلتله "أنا جاهز، جاهز أشوفهم"، الدكتور هز دماغه وشاور للتمرجية، واحد منهم اتقدّم وفتحلي الباب، وشاورلي عشان أدخل، خدت نفس عميق واتحركت ناحية الأوضة بخطوات تقيلة، دخلت، الأوضة كانت ضلمة تمامًا، مفيش أي نور، وفجأة النور نوّر، شُفت قُدّامي أوضة صُغيرة جدًا، مبطنة بالكامل، وفاضية تمامًا، مفيهاش أي حاجة، استغربت، لسّة هلف عشان أسالهم في إيه لقيت الاتنين التمرجية بيكتفوني من ورا، وبيلبسوني حاجة بيضة شبه بتاعة المجانين، فضلت أصرّخ، "انتوا بتعملوا إيه! في إيه!! سيبوني!! أنا معملتش حاجة"، لمّا اتأكدوا إنهم ربطوني كويس رموني ع الأرض المبطنة وخرجوا، وقفلوا الباب، اتحاملت على نفسي ووقفت على رجلي، بصّيت من الشبّاك لقيتهم كُلّهم واقفين وبيبصولي، زعقت فيهم، "يا دكتور!! أنا معملتش حاجة!! رابطني ليه!! رُد عليّا!! يا عمو!! خليهم يخرجوني من هنا!! يا طنط!! يا طنط والنبي رُدّي عليا!!"
فجأة لقيتها بتصرخ بعلو صوتها وبتقول "أنا مش طنط يا حبيبي أنا مش طنط!!!"
بصيتلها باستغراب، مفهمتش، يعني إيه الكلام ده، لقيتها بتقولي..
-"أنا أمّك، أنا أمّك يا عمرو!!"
________________________________________________
.
.
.
.
.
.
="عمرو؟! عمرو  مين؟! عمرو مات قُدّام عينيا، هو وماجد وفاروق، كُلّهم ماتوا وأنا بس اللي عشت، أنا هشام..
أنا عارف أنا مين كويّس، أنا هشام!!"

الدكتور اتحرك ناحية الباب، وبمُنتهى الهدوء قالي..

-"الحادثة اللي إنت فاكر إنّها حصلت من يومين هيّ ف الحقيقة حصلت من سنتين، وف اليوم ده، كُلّكوا خرجتوا من العربية بإصابات طفيفة، كُلّكوا، ماعدا هشام، هو الوحيد اللي مات، ماجد وفاروق اتحاكموا بتُهمة تعاطي المُخدرات، وبقالهم سنتين ف السجن، إنت بقى عقلك مستحملش الصدمة، مقدرتش تتخيّل إنّك كُنت السبب ف موت أعز أصدقائك، ف قررت تبقى هو، نسيت أهلك وحياتك وقررت تبقى صاحبك، قررت تبقى هشام عشان تخليه يعيش، إنت بقالك سنتين بتتعالج عندنا، أوقات كُنت بتفوق وتفتكر إن إنت عمرو مش هشام، وكُنّا بنكتبلك على خروج، ميعدّيش أسبوعين وترجع تلبس شخصية هشام تاني، بس المرادي مفيش خروج يا عمرو، المرادي هتفضل تتعالج ف المُستشفى للأبد، وهتفضل هنا ف عنبر الخطرين، اللي تعمدنا نخليه أبعد جُزء ف المُستشفى عشان الراحة النفسية للمرضى"

كُنت بسمع كلامه وأنا بهز راسي شمال ويمين، عقلي مكانش مصدّق ولا مستوعب اللي هو بيقوله، كُل ده مش حقيقي كُل ده كدب، صرخت فيه..

="إنت كدااااااااااااب!! أنا هشام!! أنا هشااااااااااام!"

قرّب م الشبّاك أكتر، ابتسم نُص ابتسامة، وبعدين قالي..

-"مش قُلتلك إن آخر واحد بيعرف إنّه عيان، هو المريض نفسه؟!"

قال الجُملة دي واداني ضهره، وابتدى يتحرك، شاور للتمرجية عشان يمشوا معاه، ولبابا وماما كمان، قصدي عمو وطنط!! فضلت أصرّخ..

="متسيبونيش هنا لوحدي أرجوكوا، أنا هشااااااااااااام"

قاعد ف كُرسي السوّاق ف العربية، مش أنا كُنت قاعد ف الكنبة اللي ورا؟! ايه اللي جابني هنا؟! بصّيت ف المراية، شُفت "هشام" بيبصلي، قصدي "عمرو"، "هشام" ولا "عمرو"؟!

="أنا هشاااااااااااااام"

"ماجد" بيباصيلي سيجارة الحشيش، خدتها منّه وسحبت نفس باستمتاع، بس أنا مبشربش، ولّا بشرب؟! أنا ايه اللي مقعدني ف كُرسي السوّاق؟! بصّيت ف المراية لقيت "هشام" بيبصلنا وهو مضايق، قصدي "عمرو"، "هشام" ولا "عمرو"؟!

="أنا هشاااااام"

باخُد غُرزة ف التانية ف التالتة، من امتى وأنا حرّيف سواقة كده؟! المزيكا شغّالة وعاملة أحلى دماغ مع الحشيش، قُدّامي تريلة وميكروباص، حبّيت أعمل فيها فان ديزل ورُحت داخل مابينهم، بصّيت ف المراية، لقيت "هشام" بيبصلي وهو قلقان، قصدي "عمرو"، ف بصيتله وغمزتله وابتسمت، ودُست بنزين..

="أنا هشام!"

الهوا كان شديد، فجأة لقيت شرارة طايرة من السيجارة ودخلت ف عيني، عيني حرقتني جامد، عيني!! أنا عيني بتحرقني لحد دلوقتي!! سبت الدريكسيون للحظة ودعكت عيني، العربية مالت مني، سمعت صوت "عمرو"، لأ "هشام"..

-"حاااااااااااااااااااااااااااسب"

"ده اللي فاضل مش كتير"..

="أنا.....!"

طلعت أنا و"ماجد" و"فاروق" من العربية بأعجوبة، عيني اليمين مش شايف بيها، بس برغم كده قدرت أشوفه، مرمي ع الأرض قُدّامي، غرقان ف دمّه، مُشوّه ومفيش حتّة ف جسمه سليمة، باصص للسما، ونور الحياة مطفي ف عينيه..
صاحبي مات..

"هشام" مات..

نزلت على رُكبي قُدّام جُثّته وأنا بعيّط، نزلت على رُكبي ف العنبر بتاعي وأنا بعيّط، "هشام" مات، أنا اللي قتلته، أنا "عمرو"، لأ، أنا "هشام"، أنا....أنا......
.
.
.
.
.
="أنا مين!!"

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

1

followers

2

followings

1

مقالات مشابة