موعد مع الجميع

موعد مع الجميع

7 المراجعات

(موعد مع الجميع)

فتح "قسطنطين" عينيه بصعوبة وظل راقدا لوهلة ثم اعتدل جالسا،أخذ يلتفت يمينا ويسارا و هو يحاول جاهدا فك طلاسم الظلام الدامس المخيم على المكان،شرد بفكره للحظة محاولا تذكر أي شيء عله يفهم مايجري حوله..غمغم قائلا :لقد كان الوزير انطونيوس يصرخ في هلع ويقول:الأعداء حطموا السور،ثم توجهت أنا نحو الخندق،ثم…

صمت للحظة ثم أردف قائلا و وجه تكسوه الصدمة:لقد وقعت في الأسر،وألقو بي في هذه المزبلة،إنها الخيانة من جديد،إنها الخيانة،لقد توقعت ذلك مرارا.

مشى بضع خطوات وهو يتحسس طريقه بيديه،تعرقل بحجر يقبع في طريقه،ليسقط على آخر درجة لدرج يفضي إلى الأعلى ،صعد الدرج في حذر،وبدأ يتسرب إلى أذنيه أصوات آتية من الأعلى،وكلما ارتقى،كلما ازدادت تلك الأصوات وضوحا والتي بدت للوهلة الأولى صراخا وعويلا وكلاما متداخلا غير واضح المعالم،لقد كان الملك متوترا للغاية،ويتصبب عرقا،لم يدر في خلده يوما ما أن يتذوق ذل الأسر،وهو الملك قسطنطين،تابع صعوده نحو الأعلى،حتى اصدمت يده بباب خشبي بالي أهلكه الزمن،ركل الباب بقدمه فانكسر،ليكشف عن فتحة صغيرة،تتسع لرجل واحد بالكاد،أخرج رأسه في حذر ليتفقد الأوضاع في الخارج ،وكانت صدمته كبيرة من هول ما رأى،آلاف من البشر يركضون والرعب يملأ أعينهم،و يأتون من كل الاتجاهات،فوضى عارمة في كل مكان،،و بدأت أنفاسه في التسارع و هو يتلفت يمينا و يسارا في رعب،غمغم قائلا:إنها الحرب...الحرب،،حاول أن يستوقف أحدهم كي يسأله عما يحدث، و لكن بلا جدوى،فلا أحد يعبأ بأحد الكل يركض و في اتجاه واحد؛وكان النجاة في هذا الاتجاه،تسللت إلى قلبه رغبة كبيرة في الركض،هناك  شيء ما يدفعه دفعا نحو الركض مع هؤلاء البشر،هو لا يعرف لماذا و لكنه بدأ فعلا في الركض؛ركض بكل ما أوتي من قوة،و الغريب أنه لم يشعر بالتعب على الإطلاق و هو ابن السبعين عاما، ظل الملك قسطنطين  يركض و يركض مع أفواج البشر و أكوام اللحم المتلاصقة المتزاحمة،يركض بلا هدف عله ينجو من خطر لا يعلمه،،و فجأة؛توقف الجمع الغفير،والكل يلهث و يتصبب عرقا و الصمت يخيم على الموقف،همس قسطنطين  إلى رجل يقف بجواره و قال:هل هي الحرب؟أجابه الرجل دون أن ينظر نحوه قائلا في حسرة:أية حرب؟ليتها الحرب،إنها القيامة،إنه يوم البعث.
لم ينطق قسطنطين ببنت شفاة بعد أن سمع إجابة الرجل،إن الصدمات تنهال عليه كالصواعق،نعم...هكذا بكل بساطة ،كل هؤلاء البشر كانوا امواتا وهاهم اليوم يبعثون من جديد،جالت في خاطره مئات الافكار ،فهو لا يعلم ماذا بعد البعث و لا الناس يعلمون.
و فجأة يكسر هذا الصمت الرهيب؛صوت خطوات لمخلوق ضخم،يظهر قادما من بعيد ويتجه نحو الجمع الغفير ،رجل عظيم الخلقة،يجر خلفه ملايين الأوراق،ثم توقف وأمسك بتلك الأوراق كلها و ألقاها نحو السماء،و راح كل واحد من البشر يحاول التقاط ورقته،وهرع قسطنطين يركض و يبحث في السماء عن ورقة يلتقطها ،الورقة التي كتب فيها كل شيء،سوف يتذكر اليوم كل ما صنعت يداه و ما نطق به لسانه،و أخيرا وجد ورقته،التقطها الملك  بيد مرتعشة و نظر فيها و بدأ يستعيد الماضي في أسى،و يفكر في مصيره،إنه على موعد مع الله وموعد مع الخلق،إنه على موعد مع الجميع.

       د.علي الحكيم

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

6

متابعين

12

متابعهم

15

مقالات مشابة