منزل عبد الجبار المسكون _من سلسة حكايات جدتي
مسكت القلم وبصيت لجدتي بتركيز..
-احكي يا ست الكل.. احكي وانا هكتب كل اللي هتحكيه.
ابتدت جدتي تحكي وتقول...
بدأت عند الواد محمد حفيد عيلة عبد الجبار ، ولو هتسألني مين عبد الجبار ده .. ف انا هقولك انه كان راجل عايش ايام الانجليز ، والناس بيقولوا ان في يوم الانجليز قبضوا عليه وحاكموه ، وفي الأخر اعدموه لأنه كان من الشباب بتوعهم ، قالوا انه كان بيموت العساكر الانجليز وبيع منشورات ضدهم ، وعشان كده .. في يوم قبضوا عليه وحاكموه وفي الاخر اتعدم زي ما قولتلك ، في الوقت نفسه ، لأن عبد الجبار كان راجل طيب وماكنش حتى في المقاومة ولا في السياسة ولا عمره وكمان الناس كانت مستغربة اكتر واكتر ؛ لحد ما الست ماتت والواد ابنها اللي اسمه (محمد) كان كبر واتجوز وخلف ، والواد ، لأن عبد الجبار كان له اصحاب انجليز .. يعني ماكنش بيعاديهم ... ده بقى لما كبر واتجوز .. خلف ولد وبنت ، الولد سماه حسين والبنت مش فاكرة اسمها ، وحسين ابنه ده بقى لما اتجوز .. خلف عيل وسماه محمد على اسم ابوه ، لكن بعد مراته خلفت بكام شهر كده ؛ الواد حسين ده بقى مات في الصدر ، اما البنت اخت حسين .. ف دي فضلت عايشة واتجوزت وخلفت ، وطبعًا اتجوزت في بيت بعيد عن بيت ابوها ، وكمان الست اللي كانت متجوزة حسين .. راحت عاشت عند اهلها لحد ما ماتت ، والحكاية بقى بتبدي على لسان مين ؟!
-مين يا ستي؟!
-الحكاية بتبتدي على لسان الواد اللي اسمه محمد، فاكراه؟!
-محمد مين بالظبط، ما هو احنا عندنا دلوقتي اتنين محمد؛ محمد عبد الجبار اللي ابوه اتعدم على ايدين الانجليز، ومحمد تاني اللي هو يبقى ابن حسين وفي نفس الوقت حفيد محمد الاولاني.
-ايوة صح كده، في اتنين محمد صحيح، لكن اللي بيحكي الحكاية واللي هحكيهالك على لسانه، هو محمد الحفيد.. اللي اسمه محمد حسين محمد عبد الجبار.
-طيب يا ستي.. ايه حكايته ده بقى؟!
ابتدت جدتي تكمل الحكاية بشكل تاني لما قالتلي..
انا هحكيلك الحكاية من اول دلوقتي على لسان الواد محمد اللي هو الحفيد، وبتبتدي كل حاجة حكاها محمد للناس من اول ما قال:
كنت نايم زي كل يوم في شقتي اللي خدتها من وقت ما كبرت وامي ماتت بعد ابويا، انا عايش لوحدي وماعييش حد.. وفي نفس الوقت ماكنتش برتاح عند جدي ابو ابويا.. واللي بالمناسبة يعني اتسميت على اسمه محمد.. وكمان ماكنش ينفع ان انا اروح اعيش في بيت اهل امي اللي اتربيت فيه، لأن دلوقتي خالي متجوز وقاعد فيه هو ومراته وعياله، بس بالرغم من أن انا عايش لوحدي واختلاطي بعيلة امي وعيلة ابويا قليل، الا إن علاقتي بيهم كلهم كويسة.. المهم ان الحكاية بتبتدي من يوم كنت نايم فيه في شقتي وفجأة سمعت الباب بيخبط بكل قوة، قومت من النوم مخضوض ولما فتحت الباب، لقيت وراه ابن عمتي اللي قال لي..
(محمد محمد.. ماما عايزاك في بيت جدي.. بتقولك تعالى بسرعة جدك محمد بيموت)
وقتها دخلت لبست هدومي بسرعة ونزلت حتى من غير ما اغسل وشي وروحت على بيت جدي... بيت جدي اللي لما دخلته لقيت عمتي واقفة فيه بتصوت وبتقول..
(يالهوووي.. ابويا بيموت يا نااس.. يا حبيبي يا ابا.. يا حبيبي يا حاج محمد يا غالي)
ماعرفش الحقيقة هي كانت بتقول كده وهي زعلانة فعلًا، ولا ده كان مُجرد شو يعني عشان الناس كلها تعرف انها زعلانة على ابوها اللي ماكانتش بتزوره من وقت ما بدأ يتعب، المهم ان انا سيبت عمتي ودخلت أوضة جدي، كان شكله تعبان اوي وهو نايم على سريره ومبرق للسقف، لكني اول ما دخلت عليه، رفع ايده وشاور لي في حركة معناها -تعالى-...
قربت منه ووطيت عشان اعرف هو عايزني في ايه، ساعتها هو قرب من ودني وقال لي بصوت واطي...
(خرالمبو... عبد الجبار... أوضة امي.. البلاطة الحمرة تحت الحصيرة)
قال كلمة حصيرة، وهوب لقيته بيشهق شهقة بعدها سكت خالص وللأبد!
مات جدي ودفنناه، بعد كده خدت عزاه انا وجوز عمتي، وبعد ما العزا خلص قعدت مع عمتي وجوزها عشان نعرف هنعمل ايه في البيت من بعد موت جدي، بس الغريب بقى كان كلام عمتي اللي قالت لي واحنا قاعدين في البيت بعد العزا...
(لا يا اخويا بيت ايه اللي اقعد فيه انا وجوزي وعيالي، ده بيت مسكون.. اه ونبي يا اخويا بيت مسكون، من زمان وانا وامي وابوك الله يرحمه.. واحنا بنشوف فيه عفاريت وجتتنا كانت بتتلبش، مبروك عليك البيت يا اخويا وانا هاخد القرشين اللي جدك كان شايلهم في الدولاب وخلاص على كده.. انا راضية ومش عايزة حاجة تاني)
بعد ما قالتلي كده، كنت بكلم نفسي وبقول في سري وانا قاعد قصادها..
(يا سلام عليكي يا عمتي، عاوزة تاخدي الفلوس وتسيبيلي البيت المسكون.. والله فيكي الخير!)
بصراحة كلام عمتي كان متوقع، هي من زمان وهي بتاعت مصلحتها، بس عمومًا انا الكسبان، انا كده كده عايش لوحدي في شقة صغيرة، وبصراحة كده عيشتي في البيت ده هتبقى بالنسبة لي نجدة من الشقة الصغيرة اللي انا عايش متكتف فيها دي، وعشان كده بعد ما عمتي خلصت كلامها، خدت بعضها ومشيت هي وجوزها، اما انا بقى.. ف انا قعدت على الكنبة اللي في صالة البيت، كنت قاعد سرحان في الفراغ لحد ما حسيت ان راسي بتوجعني من قلة النوم ومن تعب اليوم اللي كان كله مشاوير ومرمطة، وقتها ماحستش بنفسي الا وانا رايح في النوم، فضلت نايم لفترة ماعرفش قد ايه... لحد ما بعد كده صحيت على صوت خبط!
فتحت عيني بالعافية وانا بقول..
(عمتي.. انتي رجعتي تاني.. مش قولتي انك..)
ماكملتش كلامي لأني اتصدمت من اللي شوفته قصادي، انا ماشوفتش قصادي عفريت ولا شيطان ولا حتى جن، انا شوفت قصادي شخص شكله غريب.. كان لابس لبس شبه لبس الشخصية السينمائية اللي كلنا عارفينها (تشارلي شابلن)
وعلى راسه كان لابس مش طاقية لأ.. ده كان لابس طربوش لونه احمر!
كان شبه تشارلي شابلن بالظبط؛ شنبه كان صغير وكان ضهره محني وفي ايده كان ماسك عصاية بيخبط بيها على الأرض، وتقريبًا شكله كان بيعمل كده عشان يصحيني، كنت باصص له وانا مرعوب مش بسبب شكله لأ.. انا كنت مرعوب لأن كان صدره فيه ثقب.. ثقب من الواضح ان سببه رصاصة اتضربها في صدره وهي اللي اتسببت له في الفتحة المدورة اللي في جسمه دي، فضلت مبلم لثواني كده وانا باصص له ومش فاهم حاجة؛ لحد ما فجأة سكت ومابقاش يخبط بالعصاية، وقتها انا قومت من مكاني ولسه هقرا قرأن او اقول اي حاجة، لكني فجأة سكتت لما لقيت الشخص ده بيبص لي وبيبتسم وقال لي بلكنة عامية مكسرة زي الاجانب لما بيجوا يتكلموا مصري...
(جدك.. اسمع كلام جدك.. كمل عشان تعرف)
اول ما قال لي كده، قرب مني وزقني في صدري بالعصاية عشان اقع على الكنبة اللي ورايا، بس مع رجوعي لورا ووقعتي دي، غمضت عيني وفتحتها بسرعة عشان الاقي نفسي نايم على الكنبة زي ما كنت، وقتها اكتشفت ان كل اللي شوفته ده كان حلم، بس انا بعد ما صحيت من النوم حسيت بألم فظيع في صدري، بالتحديد يعني.. مكان ما الراجل ده ضربني بالعصاية!
قومت من على الكنبة وروحت للحمام، قلعت القميص اللي كنت لابسه.. والمصيبة السودة بقى.. ان انا لقيت أثر الضربة اللي اتضربتها موجود في صدري؛ كدمة زرقا واضحة جدًا بسبب ضربة العصاية اللي اتضربتها في الحلم وانا نايم، وقتها على طول افتكرت كلام الراجل اللي شوفته في الحلم، ووراه افتكرت كلام جدي قبل ما يموت..
(خرالمبو... عبد الجبار... أوضة امي.. البلاطة الحمرة تحت الحصيرة)
مين خرالمبو ده؟!... مش مهم مش مهم، المهم ان عبد الجبار ده يبقى اسم ابو جدي ودي حاجة معروفة بالنسبة لي، بس ده ايه علاقته ب أوضة امي.. لا لا اوضة امي ايه، ده جدي قال اوضة امه هو.. ايوة ايوة اوضة جدتي الكبيرة اللي كانت بتقعد فيها.. ايوة دي الأوضة اللي في الدور الارضي للبيت...
اول ما بدأت اترجم كلام جدي، خدت بعضي ونزلت جري للدور الارضي او للبدروم.. او زي ما بنقول كده بالبلدي.. المندرة بتاعت البيت، فتحت الباب بتاع المندرة ودخلت الأوضة اللي جدي كان يقصدها..
لما دخلت الأوضة دي لقيت على الأرض حصيرة مفروشة من الحُصر بتاعت زمان، شيلتها وبصيت مكانها، وهنا لقيت بلاطة لونها احمر كان شكلها مميز اوي عن باقي البلاط!
ايه ده، انا مش فاهم حاجة، ايه علاقة الاوضة بابو جدي، بكلمة خرالمبو اللي ماعرفلهاش معنى دي، بالبلاطة الحمرا.. اه صحيح، البلاطة...
جريت ناحية البلاطة وحاولت اشيلها من مكانها، وساعتها اتفاجأت لما لقيت البلاطة بتتشال بسهولة وكمان لقيت تحتها كيس بلاستيك لونه اسود، لما فتحت الكيس لقيت جواه ورقة مكتوب فيها كلام بخط إيد جدي محمد الله يرحمه، والكلام اللي كان مكتوب فيها كان كالأتي...
(لو انت بتقرا الورقة دي، ابقى انا عند اللي خلقني دلوقتي وزماني بتحاسب، من زمان.. وانا واهلي بنشوف عفريت لراجل شكله خواجة، والراجل ده بيبقى مضروب رصاصة في صدره لدرجة انها عاملة له فَتحة كبيرة في صدره، ماعرفش هو مين ولا كان بيظهر لنا ليه لأنه ماكنش بيقول حاجة.. هو بس كان بيطلع لنا في احلامنا وكان بيظهر لنا في أوض البيت عشان يخوفنا، وفضلنا على الحال ده، لحد ما من فترة قريبة وبعد ما بقيت عايش لوحدي، ابتدى يجيلي في المنام كتير ويديني أشارات، ماكنتش فاهم الأشارات دي في الأول.. لكن مع الوقت بدأت اعرف هو يقصد ايه، الخواجة ده كان يقصد ان انا احفر تحت البيت، او بالتحديد يعني في الأوضة دي، ف لو انت بتقرا الورقة دي دلوقتي، يبقى انا موتت قبل ما اوصل لسبب ظهوره او السبب اللي كان بيقول لي احفر عشانه، ف وصيتي ليك او ليكي.. كمل حفر.. احفر في ارض الأوضة دي زي ما هو كان بيشاور لي وبيقول لي دايمًا... واكيد هتلاقي حاجة انا موتت قبل ما اوصل لها)
قفلت الورقة بعد ما خلصت قراية الكلام اللي مكتوب فيها، وبعد كده بصيت حواليا باستغراب وانا مش فاهم حاجة، بس لثواني كده ابتسمت لما جه في بالي ان الأوضة دي ممكن يكون تحتها كنز وهو ده ورثي الحقيقي من جدي!
اول ما جت في بالي الفكرة دي، خرجت اشتريت أكل وسجاير وجاروف للحفر ورجعت البيت من تاني، قفلت على نفسي الباب الرئيسي للبيت، وقولت ان انا مش هخرج من الأوضة دي إلا لما الاقي الكنز اللي جدي مات قبل ما يلاقيه، خلعت كل البلاط وفضلت احفر واحفر لحد ما عملت حفرة عميقة، كملت حفر فيها لحد ما فجأة ظهر طرف چاكيت لونه أسود!
كملت حفر تاني في المكان ده.. والكارثة السودة بقى هي أن انا لقيت على عمق كبير، جثة الشخص او العفريت اللي ظهر لي في الحلم ده، كان شخص واخد رصاصة في صدره، وكانت جنبه نفس العصاية، بس شكله وشكل العصاية وشكل هدومه كانوا مختلفين بسبب انهم كانوا اتحللوا.. وده طبعًا اللي خلاني طلعت منديلي القماش من جيبي وحطيته على بوقي ومناخيري بسبب الريحة القذرة اللي شمتها لما لقيت الجثة.. الجثة اللي ماكنش متبقي منها غير عضم متكسر من عند الصدر وبدلة سودة مُتهالكة والعصاية اللي كانت هشة بسبب دفنتها جنبه، بس اللي لفت نظري وسط ده كله هي ايده.. ايده اللي كانت محطوطة في جيب من جيوب الچاكيت وكأنه متبت على حاجة.. وقتها مسكت ايده اللي كانت عبارة عن عضم بالمنديل القماش وشيلتها من مكانها، وبعد كده مديت انا ايدي في الجيب عشان الاقي ايه بقى، انا لقيت جوة الجيب ده دفتر او نوتة صغيرة كده غلافها مصنوع من الجلد، مسكت الدفتر ده وفتحته، كان وَرقه متهالك ولونه اصفر، لكن الكلام اللي جواه كان واضح اوي، ابتديت اقرا الكلام اللي خلاني وانا بقراه كنت مذهول... اه انا فهمت الكلام بالرغم من انه كان مكتوب بالعامية المتلخبطة وكان في وسطه كلام انجليزي كتير، لكني وانا بقراه قدرت افهمه، واللي كان كالأتي...
في الصفحة الأولى كان مكتوب
(يوميات چون تيد خرالمبو)
قلبت الصفحة وبدأت اقرا اللي في الصفحة التانية...
(من بعد ما خلصت خدمتي في الجيش الانجليزي وانا مش رضيت امشي.. مصر بلد جميل، انا عاشرت المصريين سنين وحبيتهم، وبعد ما خلصت فترتي في الجيش، مارجعتش تاني لأنجلند.. انا هناك ماليش لا حبيبة ولا قرايب ولا أصحاب، إنما هنا في مصر.. بقى لي اصحاب كتير وحسيت إنهم أهلي، وعشان كده قررت ان انا اقضي اللي باقي من عمري في مصر وسط الناس الطيبين وريحة البخور وصوت العرباجية وبياعين الفاكهة والخضار..)
كملت قراية الكلام المكتوب وانا بقلب بين الصفحات، كان معظمه كلام في وصف ومدح مصر واهلها، وكمان كان كلام بيوصف بيه چون قد ايه هو وحيد ومالوش اصحاب غير صاحب واحد بس.. الصاحب ده بيشتغل ساعاتي وكمان بيصلح الراديوهات، واللي وقفني بقى عند الحتة دي بالذات من اليوميات، هو اسم الراجل الساعاتي صاحبه.. الراجل ده كان أسمه -عبد الجبار الساعاتي-... ده ابو جدي!
المهم كملت قراية في دفتر اليوميات، كل الكلام اللي كان مكتوب بعد كده كان وصف لحياة چون خرالمبو ده في مصر؛ كان مقضيها بالطول وبالعرض.. ما بين تجارته وشراكته مع جدي الكبير عبد الجبار في محل الساعات الصبح، وما بين الخمارات والستات بالليل، وكان بيعمل كل ده هو وجدي، بس وانا بقرا اليوميات، وبعد ما قريت اكتر من نص الدفتر تقريبًا، لفت نظري اخر كام ورقة، بالتحديد يعني بدايتهم لما كان چون كاتب..
(النهاردة روحت الخمارة لوحدي مين غير عبد الجبار، مارضيش يخرج من البيت بسبب ان مراته زعلانة معاه وراحت عند بيت اهلها، بتقول له ان انا السبب في كل حاجة وحشة هو بيعملها.. السهر والشرب والرقص مع العايئة اللي بتبقى موجودة جوة الخمارة، مش عارف الستات دول عايزين ايه.. نفس عقلية الست في انجلند.. هي هي نفس عقلية الست في مصر، مش عارف ليه هي شايفة الشرب حاجة وحشة او زي ما بتقول "بوظان".. هههه.. المصريين ظلهم خفيف، وعشان كده انا بحبهم وعايش بينهم، لكن المشكلة اللي حصلت النهاردة مالهاش اي علاقة بعبد الجبار؛ انا لما روحت الخمارة النهاردة، لقيت ٢ ظباط ومعاهم ٢ عساكر من الجيش الانجليزي، سلمت عليهم وروحت قعدت معاهم بدال ما انا قاعد لوحدي، كانوا شاربين كتير لدرجة إنهم كانوا بيضحكوا وبيخرفوا بأي كلام.. عرفتهم بنفسي واتكلمت معاهم كتير، بس اللي خلاني اركز اوي معاهم ومع كلامهم، هو ان واحد فيهم قال لي ان انا قعدت في مصر عشان الستات، وساعتها واحد تاني منهم رد عليه وقال له "فاكر يا جاك البنت رقية المصرية"... اول ما قال كده فضلوا كلهم يضحكوا لحد ما واحد من الاتنين الظباط قال كلام معناه انهم خطفوا بنت واغتصبوها وبعد كده قتلوها ودفنوها عند جبل المقطم!
الموضوع خلاني اتشديت وخصوصًا بقى إنهم قالوا ان البنت دي اسمها "رقية"... و رقية دي كانت بنت من الحي اللي انا ساكن فيه، اختفت من فترة، اهلها ناس طيبين ومافيش بينهم وبين اي حد مشاكل، من وقت ما البنت اختفت وهم بيدوروا عليها، الحي اللي انا عايش فيه واللي منه رقية، فضلوا اهله في موجة من الحزن استمرت لشهور بسبب اختفاء رقية البنت الجميلة اللي خرجت من بيتها ومارجعتش، وماحدش يعرف هي راحت فين، في الوقت ده واول ما سمعت اللي حصل، اتضايقت جدًا وزعقت مع الظباط والعساكر وقولتلهم ان انا هبلغ كل الناس، وبعد ما خلصت خناقتي معاهم، خدت بعضي ومشيت، ودلوقتي انا قاعد في بيتي وبكتب اللي حصل، انا مش عارف اعمل ايه ولا اتصرف ازاي، لو بلغت الاهالي.. اكيد هيقتلوا العساكر والظباط دول، لكن دول.. دول ولاد بلدي زي ما بيقولوا في مصر، لكن برضه البنت واهلها مالهمش ذنب، انا مش عارف اتصرف ازاي، انا هروح الصبح لعبد الجبار البيت وهحكيله.. يمكن يساعدني او يقول لي اتصرف ازاي..)
ولحد هنا بقى بتخلص اليوميات!
انا مش فاهم حاجة، مين اللي دفن الراجل ده هنا، وبعدين جدي ايه اللي كان فالاتي وبتاع خَمارات وستات؛ ده انا اسمع ان جدي الكبير عبد الجبار ده، كان راجل من رجالة المقاومة والانجليز اعدموه بسبب انه كان بيقتل عساكر وظباط منهم، طب لو هنفترض ان الكلام اللي مكتوب ده صح، مين اللي مَوت الراجل ده ودفنه هنا تحت البيت، ما هو مستحيل يكون جدي عمل كده في صاحبه عشان مراته سابت له البيت، انا هتجنن.. انا لازم ابلغ البوليس... ولحد هنا بقى يا بنتي حكاية محمد بتخلص.
-بتخلص!... بتخلص ازاي يعني يا ستي؟!.. عمل ايه محمد بعد كده ومين اللي قتل خرالمبو ده، والبت رقية دي اهلها عرفوا باللي حصل لها ولا لأ؟!
ردت عليا جدتي وقالتلي..
-انا بقى اللي هكمل لك وهقولك ايه اللي حصل من حكايات الناس...
الناس يا بنتي بيقولوا ان محمد راح بلغ البوليس، ورجالة البوليس لما جُم.. خدوا رُفات جثة الخواجة وودوه الطب الشرعي، اه.. ماهو الطب اتقدم وبقوا بيعرفوا من الرُفات، القتيل اتقتل ازاي.. المهم انهم بعد ما فحصوا الرُفات، دفنوا المتبقي منه في مدافن عيلة عبد الجبار.
-طب والبيت.. وعبد الجبار وخرالمبو.. حصل لهم ايه؟!
-انا بقى هقولك حصل لهم ايه زي ما الناس القديمة حكوا؛ الخواجة خرالمبو ده، بعد ما حصل معاه اللي حصل في الخمارة، خد بعضه تاني يوم الصبح وراح على بيت عبد الجبار، بس طبعًا الظباط والعساكر اللي اتخانق معاهم بالليل، لما طلع عليهم النهار وفاقوا من تأثير الشرب اللي كانوا شاربينه، اكتشفوا إنهم يا بنتي عملوا مصيبة بإنهم حكوا اللي عملوه مع رقية قصاده، وعشان كده اول ما فاقوا هم الاربعة، خرجوا من المعسكر بتاعهم الصبح وراحوا على بيت خرالمبو عشان يلحقوه ويقتلوه قبل ما يقول لأهالي المنطقة اي حاجة عن البت رقية وعن اللي عملوه فيها، بس لاجل حظ عبد الجبار المهبب، لما العساكر والظباط الانجليز دول خرجوا من المعسكر وراحوا على بيت چون، كان هو في نفس الوقت خارج من بيته ورايح على بيت عبد الجبار، وعشان كده بقى فضلوا مراقبينه لحد ما دخل البيت واستنوا شوية وبعدين دخلوا عليهم، بس قبل ما يدخلوا.. عملوا مشاكل وفضلوا يزعقوا مع الناس اللي كانوا ماشيين في الشارع عشان يفضوا الحتة اللي قصاد البيت، وقتها بقى دخلوا الاتنين الظباط ومعاهم عسكري، والعسكري التاني فصل واقف على باب البيت بعد ما قفله عشان ماحدش يدخل يشوفهم هم بينيلوا ايه جوة، وكل ما حد من الناس اللي كانوا ساكنين في المنطقة كان بس بيفكر انه يقرب من بيت عبد الجبار وقتها، كان العسكري اللي واقف على الباب بيمنعه من الدخول وبيقول له ان صاحب البيت بيوزع منشورات، وعشان كده الناس خافوا وبعدوا لحد ما سمعوا صوت زعيق وضرب نار جوة البيت، وقتها خرج ظابط من الاتنين اللي كانوا جوة وقال للناس بصوت عالي..
(معاه سلاح.. كان هيموتنا، بس احنا قبضنا عليه قبل ما يقتلنا او يقتل حد فيكم.. راجل مجنون)
وفضل الظابط واقف على الباب بعد ما قال للعسكري ادخل انت جوة..
وفضلوا كده يا بنتي فترة كبيرة لحد ما خرجوا من البيت ومعاهم عبد الجبار وهو متكتف ومربوط، واللي الناس لاحظوه.. انه كان مضروب علقة موت لدرجة انه ماكنش قادر يتكلم، وبعد كده بقى يا ابني خدوه بعيد عن اهله وحاكموه واعدموه، وطبعًا لما الراجل اتعدم مراته رجعت عالبيت وعاشت فيه هي وابنها اللي هو الحاج محمد اللي مات في بداية حكاية الواد محمد اللي حَفر الحفرة ولقى المذكرات.
-طب وخرالمبو يا ستي.. الراجل ده حصل له ايه، هو مش كان جوة البيت مع عبد الجبار.
-يا بت ما تبطل غباء بقى وفَتحي مخك شوية، الرصاص اللي انضرب ده، كان طالع من مسدس الظابط الانجليزي اللي خرج من البيت وكلم الناس، الظابط ده قتل خرالمبو لأنه كان هيفضحهم، وبعد كده خلى اللي كانوا معاه يدفنوه جوة حفرة كبيرة تحت مندرة البيت، وزمان بقى يا ابني.. ارضية المندرة ماكانتش متبلطة، هي كانت ارض زيها ارض الشارع.. كلها تراب وطينة يعني، وعشان كده لما حفروا فيها ودفنوا خرالمبو، ماحدش قدر يكتشف عملتهم السودة، وكل الناس قالت وقتها ان عبد الجبار فعلا كان بيشتغل مع بتوع المقاومة هو وصاحبه الخواجة خرالمبو لأنه اختفى بعد ما الانجليز قبضوا عليه.. على عبد الجبار يعني.
-يا نهار ابيض يا ستي.. طب وحق البت اللي اتخطفت واغتصبوها وقتلوها وبعد كده دفنوها في المقطم.. ايه.. ماحدش عرف بالموضوع ده؟!
-لا يا بنتي ماحدش عرف، ولا حد كان هيعرف لحد ما الواد محمد لقى المذكرات بتاعت الخواجة خرالمبو، وده لأنه اتقتل واندفن في البيت زي ما قولتلك وماحدش اكتشف جريمة قتله، وده لأن كمان.. الست مرات عبد الجبار لما رجعت البيت ومع مرور الايام والسنين، بلطت المندرة والبيت كله، وموضوع خرالمبو ده اندفن معاه هو وموضوع رقية، بس عفريته يا ابني فضل يظهر للعيلة دي لحد ما محمد الحفيد لقى جثته والمذكرات بتاعته وسلمهم للحكومة.
-طب ومحمد اللي لقى الجثة ده عمل ايه، والبيت.. ايه اللي حصل في البيت بعد كده؟!
-ولا حاجة.. الحفرة اللي حفرها محمد اتردمت تاني، واتبلط مكانها، وبعد ما جثة خرالمبو طلعت من تحت البيت، مابقاش يظهر عفريته تاني، كأنه يا ابني كان بيظهرلهم عشان يلاقوا جثته ومذكراته ويكشفوا اللي حصل معاه ومع البت الغلبانة اللي اختفت دي.. البت اللي عيلتها عرفوا بعد سنين وسنين ان العساكر والظباط الانجليز هم اللي خطفوها وقتلوها ودفنوها في المقطم.
-طب يا ستي هم مالقوش جثتها؟!
-هيلاقوها فين يا بنتي، المقطم كبيرة، وبعدين الظباط والعساكر دول.. وقت ما محمد لقى الجثة بتاعت خرالمبو.. كانوا مشيوا من مصر أصلًا ويمكن يكونوا ماتوا كمان، لأن محمد اكتشف مكان الجثة بعدها بسنين كتير.
-لا حول ولا قوة الا بالله.. ربنا ع الظالم والمفتري، المهم بقى.. محمد عاش في البيت بعد كده ولا باعه؟!
-لا.. لا باعه ولا حاجة، ده عاش واتجوز فيه وكمان خلف، وعياله ورثوا البيت من بعده.. ما انا قولتلك انهم من ساعة ما لقوا جثة الخواجة ودفنوها وهم مابقوش يشوفوا حاجة.
-طيب يا ستي تمام.. كده الحكاية خلصت؟!
-ايوة خلصت.. ولا انتي عايز تعرفي حاجة تانية؟!
-بصراحة اه.. هو البيت ده فين؟!
-بيقولوا في منطقة من المناطق بتاعتنا دي، في ناس بيقولوا انه في الجمالية وفي ناس بيقولوا انه في الحسين.. وفي ناس بيقولوا وناس بيقولوا، وكلام الناس مابيخلصش، دول ما بيصدقوا يلاقوا حكاية يحكوا فيها ويفضلوا يعيدوا ويزيدوا.
-عندك حق والله .. كلام الناس مابيخلصش فعلًا ، المهم بقى دلوقتي ، سيبك من البيت ومن خرالمبو وندخل على قصة تانية ..... @# سلسلة_حكايات_جدتي😈