رواية أسرار ممر البارون

رواية أسرار ممر البارون

1 المراجعات

رواية أسرار ممر البارون 

بقلم نورسين محمد أحمد

المقدمة

عتمة الليل البهيم وسكونه القاتل، ظلامٌ دامس وحفيف النخيلِ الذي تذروه الرياح بالخارج يثير الخوف والرهبة من المجهول والجميع يراقب في حذر وصمت ويتساءلون... ما السبب وراء تلك الصرخات المدوية التي كان يُعتقد أن لا أحد يسمعها سواه؟
أبوابٌ حديديةٌ مؤصدة، جدران مرتفعة محاطة بأسوار شاهقة الارتفاع حالت بينه وبين أن يصل صوته لأحد خارجها... تُرى من بيده مفاتيح الإفراج عنه؟
هل حكايته ستظل سرًا يتداوله الآخرون كالأساطير، أم أن الحقيقة سيزول عنها الغموض يومـًا ما وينكشف ستارها فجأة، وتظهر للجميع ليكتشفوها، وتشرق شمس الصباح لتنشر خيوطها الذهبية حاملة معها أملاً جديدًا بحياة مليئة بالسكينة والأمان.

* الفصل الأول

خيمت ملامح الخوف والتوتر على أوجه الجميع، إضاءة شديدة حمراء لونها... تضيئ وتتحرك أمام عيناي بشكل دائري يصحبها أصوات سيارات الإسعاف ممزوجة بأصوات سيارات الشرطة المتلاحقة، وأصوات أناس متداخلة قريبة جدًا من أذناي ولكن!...
لم استطع تفسير أي منها، كان ذلك كل ما يدور في ذهني آنذاك ولكن!  أين أنا الآن؟

الهدوء هو الشيء الوحيد الذي كان مسيطرًا على المشهد، استفقت عندما دقت الساعة بصوتها الرنان، فتحت عيناي بصعوبة بالغة وحاولت أن أدقق النظر في المكان حولي، ولكن هيهات ما وقع بصري على الحائط أمامي، لا يظهر سوى عقارب ذهبية لامعة تشير إلى العاشرة، حقـًا لم أكن أعي تحديدًا التوقيت الصحيح وما إذا كانت العاشرة صباحـًا أم أنها مساءًا وكأن الزمن قد توقف عند هذه اللحظة بالنسبة لي... المكان موحش للغاية يوحي بوحدة وغربة حقيقيتين، كل النوافذ مؤصدة بإحكام شديد إلا من نسمات الهواء الباردة التي تتسلل إلىَّ عبر ثقوب صغيرة أيقنت فيما بعد أنه هواء المبرد الذي شاهدت أحد مصابيح إنارته الخضراء المتناهية الصغر وكأنه شعاع يخترق الظلام ويصل لعيناي، الظلام يحول بيني وبين أن أتحقق من ذلك الشخص الذي يجلس بجواري على المقعد... وهل هو رجل أم امرأة؛ فلقد تكور على نفسه فوق المقعد وأخفى رأسه بين ركبتيه، ليس هناك ضوء سوى ذلك الذي يلمع في الظلام الدامس ويضوي باللون الذهبي وتيقنت أنه الإطار الذهبي المحيط بالساعة المعلقة على الجدار أمام الفراش الذي أرقد عليه طريحة لا أقوى على الحراك، حينها تذكرت أنها كثيرًا ما تشبه تلك الساعة المعلقة على الجدار 

المقابل لفراشي في منزلي أو ربما هي، لا أعلم أين أنا الآن، هل مازلنا أنا وجون داخل...
--------
منذ شهر مضى
جلست أترقب المطر من خلف الزجاج المخضل بالمياه ذات الشفافية العالية والنقاء، والتي امتزجت بألوان الديكور الأزرق بتدرج ألوانه بعد أن امتزج بالأحمر مع اللون الأصفر في مشهد بديعي يكسبك هدوء الأعصاب ويوحي إليك بالأفكار، وتتدافع إلى ذاكرتك الذكريات الماضية وذلك ما حدث معي بالفعل...
شردت وأنا أتأمل المكان وتذكرت الليلة التي مضى عليها ما يقرب من أسبوعين عندما قابلت (جون) في نفس المكان، كانت ليلة مختلفة جلست أتأمل منكبيه العريض ووجهه الأشهب وخصلاته الذهبية التي تسقط بين الحين والآخر على جبينه ليعود ويرفعها بخفة بأصابعه لتتعلق بها رائحة التبغ العابقة بالمكان، موسيقى صاخبة جعلتنا نتراقص مع إيقاعاتها المتداخلة كالمجانين فاقدين الوعي ولكن!
استفقت حين تناهى إلى مسامعي صوت النادل ينطق باسمي:  
- مساء الخير آنسة (ماري).

انتابني الفزع من صوته وعدت من شرودي وتحدثت بحنق:
- ماذا دهاك يا (مايكل)؟، لقد أفزعتني... 

أجابني معتذرًا وهو ينحني بجزعه قليلاً للأمام نحوي:
- عذرا آنستي لم أقصد إخافتك أبدًا، وكل ما صدر مني كان دون قصد، ولكن! شعرت بشيء غريب في كلماته وأردفت متسائلة:
-  ولكن ماذا؟، أكمل لماذا توقفت؟

= لاحظت أن دخان القهوة قد هدأ وأصبحت لا تصلح، أتودين كوبـًا آخر بدلاً منها، أو أن تستبدلينها بمشروب آخر، فاليوم جهز الطاهي مشروب الشوكولا الساخن مع شرائح الكيك بالشوكولا والمكسرات؟

تنفست بهدوء وأجبته:
- لا عليك، ولا داعي لتغيير القهوة أو استبدالها، شكرًا لك فأنا لا أشعر بالجوع، ولكن أخبرني كم يبلغ الوقت الآن؟

رسم على وجهه ابتسامة هادئة في محاولة منه لتهدئتي:
- إنها الثامنة مساءًا؛ فمنذ ثلاث ساعات مضت وانتِ تجلسين هكذا. 



ابتسمت والحزن يغلب على ملامحي:
- يبدو أنك الليلة شديد الانتباه، لم أشعر بالوقت لقد مرت الساعات سريعـًا، تنهدت مردفه: تذكرت أصدقائي حين كنا هنا معًا يوم مولدي وتذكرت الحفل الذي أقمناه سويـًا، تراقصنا جميعا على موسيقى.......، أوه كانت ليلة رائعة حقـًا ليتها تتكرر مرة أخرى ونجتمع من جديد،  ولكن هذا الأمر بات أشبه بالمستحيلات.

قاطعني مايكل متسائلا:
- ولماذا؟

= لقد ذهب كل منهم لوجهته ويبدو أن الأمر أعجبهم لذلك لن يعودوا مجددًا، سأنصرف الآن لقد تأخر الوقت كثيرًا ويبدو أن جون لن يأتي الليلة كما قلت لك، طاب مساءك يا مايكل. 

ابتسم وعاد يميل بجزعه قليلاً مبادلاً أياي التحية متسائلا:
- طاب مساءك آنسة ماري، ولكن هل تودين أن أخبره بشيء ما إذا حضر بعد انصرافك؟



نظرت إليه بحزن شديد ممزوج بيأس:
- لا، شكرًا لك، لن يأتي اليوم أيضـًا... لقد تأخر عن موعده المعتاد، لا عليك.

التف خلفي، وجذب المقعد ليكمل اتيكيت عمله، تحركت أنا بعيدًا عن المنضدة وانصرفت بعدما توجهت للخزينة، وقفت وأنا شاردة الذهن ولم انتبه للموظف أمامي ولم أسمع ما كان يقوله ولم استفق من شرودي إلا عندما شعرت بأصابع خفيفة تطرق برفق فوق كتفي من الخلف؛ فتنبهت للفتاة خلفي كانت تصطف في مكانها وتنتظر أن تأخذ دورها؛ فقدمت الاعتذار بهدوء:

- معذرة لم انتبه للحديث؛ فابتسمت الفتاة قائلة:
- لا عليكِ.

بادلتها الابتسامة والتفت للموظف أسأله:
- كم الحساب المطلوب؟

اجابني بهدوء:
- ثلاثة وخمسون.
اومأت برأسي وأخرجت حافظة نقودي ودفعت الحساب وانصرفت خارج المكان.
عُدت للشرود من جديد، ساقتني قدماي للسير قليلاً وتوقفت أشاهد محلات الملابس، لفت انتباهي لون الجاكيت الأحمر القاني الذي ترتديه العارضة خلف الزجاج، وقفت أمامها قليلاً وابتسمت؛ فهذا اللون كثيرًا ما أثنى عليه جون عندما يشاهدني أرتديه ويبدأ في طرح قصيدة من الغزل كعادته، تركت المكان وانتقلت لغيره، توقفت عند عارض شاب وكان يرتدي جاكيت أسود وتحدثت للهاجس داخلي: إنه جذاب عليك حقـًا فكيف سيكون عندما يرتديه جون؟
دققت النظر إلى وجهه وكأنه تغير أمامي وكان يبدو أنه جون، شعرت بالسعادة أنني عثرت أخيرًا على الهدية التي سأقدمها له يوم مولده، لابد أن أبحث الآن عن ماكينة الصراف الآلي لأشتريه ولن أضيع الفرصة.
أسرعت إلى الشارع مع منحنى الطريق وفي آخره وجدت الماكينة، وقفت وسحبت مبلغ من المال وسريعـًا عدت إلى المحل واشتريت الجاكيت، كانت السعادة تبدو جلية على وجهي وكأنني أبوح للبائعة بسر أخفيه داخلي؛ فتحدثت إلىَّ:
- سيكون في غاية الروعة عندما يرتديه، وسيشكركِ كثيرًا على هديتكِ.

بادلتها الشكر والتحية وأسرعت بالانصراف ولكن...
عدت مخيبة الآمال، حاولت مرارًا وتكرارًا الاتصال بجون ولكن دون جدوى، الرسالة المسجلة على هاتفه دومًا كانت تتكرر (الهاتف مغلق حاول الاتصال في وقت لاحق)، شعرت باليأس وكأنه شبح يمد أصابعه نحوي يكاد يخنقني؛ فقررت أن أتتبع أخباره عبر الأصدقاء فأسرعت بإجراء اتصالاً هاتفيـًا بأحدهم.
- كيف حالك فرانسوا؟

فرانسوا:
- بخير، وأنتِ كيف حالك ماري؟

أجبته بحزن وتنهدت:
- فرانسوا... أنا حقـًا لستُ بخير، فمنذ أكثر من ستة أيام مضوا لم أعرف أخبار عن جون، هل تواصلت معه قريبـًا؟

فرانسوا:
- لا ولكن!
لماذا كل هذا القلق يا عزيزتي؟
إنها عادته، فمن المؤكد أنه انشغل بالعمل، ويقوم الآن بالبحث عن شيء ما يشغل تفكيره وحتما سيعود؛ فلا داعي للخوف والتوتر.

ماري:
- أتمنى أن يكون الأمر هكذا، وآمل ألا يكون قد أصابه مكروه. 

عقد حاجبيه باستغراب وتساءل:
- أشتم رائحة الاشتياق في كلماتك، أجيبِ بصدق الآن... ماري هل وقعتي في حبه أم ماذا، وإذا كان الأمر كذلك إذن... لماذا لا تعترفين له؟

هدأ ينتظر الرد وبعد صمت دام لدقيقتين، تنهدت مغمضة العينين لأتفوه ببعض الكلمات:
- لا تهتم لحالتي فرانسوا سنتناقش في هذا الأمر فيما بعد، ولابد أن نتذكر يوم ميلاد جون غير أننا لابد أن نطمئن عليه ثم أفكر أنا في الاعتراف.

فرانسوا:
- حتما سيعود لا تقلقي وسنحتفل بيوم مولده معـًا كما اعتدنا جميعنا على ذلك.

- اتمنى ذلك.
انتهت الليلة وغفت عيناي بصعوبة بالغة، وفي الصباح الباكر استيقظت حين وصلت رسالة إلى هاتفي فأسرعت اتفقد من الذي ارسلها وكنت أتأمل أن تكون من جون، وتحقق أملي وبالفعل أنها منه وسطر فيها كلمات مقتضبة "ماري، سأعود قريبا... اشتقت إليكِ"
استشطت غضبـًا من تأخره هذا وسطرت بعض الكلمات في رسالتي له "طالت غيبتك، انتظرك حتى نحتفل معـًا بيوم مولدك، فلا تتأخر أكثر من ذلك"
وقمت برد على رسالته ولكن فشل الارسال، يبدو أنه قد أغلق الاتصال حتى لا ينزعج في عمله.
حاولت مرارًا وتكرارًا أن أعيد إليه الرسالة ولكن دون جدوى، كل المحاولات باءت بالفشل، وضعت الهاتف جانبـًا وخلدت للنوم من جديد.
في صباح يوم العطلة، استيقظت وبدلت ملابسي وارتديت الملابس الرياضية وحذائي الخفيف ووضعت سماعتي في أذاني وخرجت لأمارس رياضة المشي كعادتي، استقبلت اتصالاً هاتفيـًا من صديقتي آنا والتي تحدثت بشوق قائلة:
- كيف حالك صديقتي، لم نتقابل منذ عدة أسابيع مضت، ما رأيك أن نتقابل اليوم ونقضي معـًا يومـًا مختلف مثلما مضى.
وللأسف اعتذرت منها:
- معذرة آنا، أشعر بضغط عصبي شديد وأفضل أن أبقى بمفردي، أنا الآن في الممشى الرئيسي ما رأيك أن تأتي إليَّ ونمارس رياضة المشي معـًا كما كنا من قبل؟

ضحكت قائلة:
- لا لا، أنا أريد الراحة؛ أنتِ تعلمين أن عملي يتطلب الوقوف لساعات طويلة للتعامل مع الزبائن ولذلك انتظر يوم العطلة على أحر من الجمر حتى أنال قسطـًا من الراحة، والآن سأترككِ تستكملين رياضتك وسأذهب لتناول افطاري اللذيذ.

#أسرار_ممر_البارون
#معرض_القاهرة_٢٠٢٣_٢٠٢٤
#نوري

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة