ليلة في المشرحة

ليلة في المشرحة

0 المراجعات

ليلة في المشرحة:

في ليلة شتوية مظلمة وباردة، حيث كانت الرياح تعصف بالخارج وتصدر أصواتًا مخيفة، قرر سامي، طالب الطب في السنة النهائية، أن يقضي ليلته في المشرحة لإنهاء مشروعه الدراسي. كان المكان قديمًا ومهجورًا معظم الوقت، مما أضفى عليه جوًا من الغموض والرعب. لم يكن لدى سامي خيار سوى البقاء هناك طوال الليل، فالموعد النهائي لتسليم مشروعه كان يقترب بسرعة.

عند دخول سامي إلى المشرحة، شعر ببرودة غريبة تسري في جسده، كأن الهواء نفسه يحمل ذكريات قديمة ومخيفة. كانت الأضواء خافتة، والظلال تلقي بأشكال غريبة على الجدران. تجاهل سامي شعوره بالخوف وبدأ عمله على جثة مجهولة، كان عليه تشريحها وتدوين ملاحظاته بعناية.

بعد ساعات من العمل المكثف، بدأ سامي يسمع أصواتًا غريبة. كانت همسات غير مفهومة تأتي من غرفة التبريد المجاورة. في البداية، ظن أنها هلوسات بسبب التعب، لكنه عندما ازدادت الأصوات وضوحًا، قرر التحقيق في الأمر. أخذ مصباحه اليدوي واتجه نحو غرفة التبريد.

فتح الباب ببطء، ليواجه صفوفًا من الجثث المكدسة على الرفوف. كان الضوء خافتًا، إلا من ضوء أحمر خافت ينبعث من زاوية الغرفة. تحرك نحو الضوء بحذر، ليجد ثلاجة مكسورة جزئيًا وبداخلها جثة قديمة. كانت الجثة في حالة تحلل متقدمة، مما جعل منظرها مرعبًا.

بينما كان سامي يتفحص الجثة، سمع صوتًا واضحًا يقول: "ابتعد عنها". ارتجف سامي وتراجع بسرعة، لكنه لم يرَ أحدًا. عاد إلى طاولته وهو يشعر بالارتباك، محاولًا إقناع نفسه أن الصوت كان مجرد وهم. لكن الشعور بالخوف لم يتركه.

استمر سامي في عمله، محاولًا التركيز على الجثة أمامه. فجأة، شعر بيد باردة تلمس كتفه. تجمد في مكانه، ثم التفت ببطء ليرى الجثة التي كان يعمل عليها تتحرك ببطء. صرخ سامي وهرب باتجاه الباب، لكنه وجده مغلقًا بإحكام. حاول فتحه بكل قوته، لكن دون جدوى.

بدأت الأصوات تتزايد حوله، أصوات همسات وخطوات تقترب منه من كل الاتجاهات. كانت الأنوار تومض بشكل متقطع، مما جعل الظلال تتحرك وكأنها كائنات حية. في لحظة من الذعر الشديد، انطفأت الأنوار تمامًا، وأصبح المكان غارقًا في الظلام.

لم يعد سامي يستطيع رؤية شيء سوى الظلام الحالك. شعر بوجود شيء يتحرك بالقرب منه، لكنه لم يستطع تحديده. بدأت برودة شديدة تسري في جسده، وسمع صوتًا يقول: "لن تخرج من هنا حيًا". حاول الصراخ، لكن صوته لم يخرج.

في تلك اللحظة، أضاءت الأنوار فجأة، ووجد سامي نفسه محاطًا بجثث تتحرك ببطء نحوه. كانت الجثث تبدو وكأنها تخرج من قبورها، وعيناها مفتوحتان على اتساعهما تنظر إليه. حاول الهروب، لكنه وجد نفسه محاصرًا. اقتربت الجثث منه، وبدأت تهمس بصوت واحد: "أنت الآن واحد منا".

شعر سامي بفقدان الوعي، وسقط على الأرض. عندما استيقظ، وجد نفسه في سريره بالمستشفى. كان هناك زملاؤه وأساتذته يحيطون به، ويخبرونه أنه كان في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام. لم يكن هناك تفسير واضح لما حدث، لكن سامي كان يعلم في قرارة نفسه أن ما حدث كان حقيقيًا.

بعد تلك الليلة، لم يعد سامي إلى المشرحة مرة أخرى. عاش حياته حذرًا، متجنبًا كل ما يتعلق بالأماكن المهجورة أو المشبوهة. كان يعلم أن هناك قوى خارقة في هذا العالم، وأنه كان محظوظًا لأنه نجا بحياته. لم يتحدث عن تلك الليلة لأحد، وحافظ على سرها حتى نهاية حياته.

مرت السنوات، وتخرج سامي وأصبح طبيبًا ناجحًا. لكنه لم يستطع نسيان تلك الليلة المشؤومة. كانت الكوابيس تلاحقه بشكل متكرر، يرى فيها الجثث تتحرك نحوه وتهمس نفس الكلمات المخيفة. كان يستيقظ مفزوعًا في منتصف الليل، ولا يستطيع العودة للنوم بسهولة. حاول أن يتجاهل الأمر، لكنه كان دائمًا يشعر بأن هناك شيئًا ما يراقبه.

في إحدى الليالي، وبعد سنوات من تلك الحادثة، قرر سامي أن يعود إلى المشرحة القديمة لمواجهة مخاوفه. أراد أن يضع حدًا لهذه الكوابيس التي لا تتركه. أخذ معه كاميرا لتوثيق أي شيء قد يحدث، وأدوات للدفاع عن نفسه إن لزم الأمر.

عندما وصل إلى المشرحة، شعر بنفس البرودة الغريبة التي شعر بها في الليلة الأولى. كانت الأضواء خافتة والظلال تتحرك بشكل مخيف. تذكر كل تفاصيل تلك الليلة، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يدخل. بدأ بتسجيل كل شيء بالكاميرا، متحركًا بحذر بين الغرف.

بينما كان يتفحص غرفة التبريد، سمع نفس الصوت يقول: "لم يكن يجب عليك العودة". تجمد سامي في مكانه، لكنه قرر المضي قدمًا. تابع الصوت قائلاً: "أنت الآن جزء منا". شعر سامي ببرودة شديدة تسري في جسده، وبدأت الأنوار تومض بشكل متقطع مرة أخرى.

فجأة، ظهرت أمامه الجثة التي رآها تتحرك في المرة السابقة. كانت ملامحها مشوهة وعيناها مفتوحتان على اتساعهما، وكأنها تحدق فيه مباشرة. لم يستطع سامي التحرك أو الصراخ، كان جسده مشلولًا من الرعب.

بدأت الجثة تقترب منه ببطء، وسامي لا يزال واقفًا في مكانه، غير قادر على فعل شيء. عندما اقتربت الجثة بما يكفي، همست بصوت منخفض: "لن تخرج من هنا حيًا". في تلك اللحظة، انطفأت الأنوار تمامًا، ووجد سامي نفسه في الظلام مرة أخرى.

أضاءت الكاميرا فجأة، مظهرةً وجه الجثة المشوه قريبًا جدًا من وجهه. حاول سامي الهروب، لكن الباب كان مغلقًا مرة أخرى. في حالة من الذعر الشديد، بدأ يضرب الباب بكل قوته، محاولًا فتحه. في تلك اللحظة، شعر بيد باردة تمسك بكتفه بقوة، وسمع الصوت مرة أخرى: "لقد أخطأت بعودتك".

عندما أضاءت الأنوار مرة أخرى، وجد سامي نفسه خارج المشرحة، جالسًا على الأرض ووجهه مغطى بالعرق. لم يكن يعرف كيف خرج من هناك، لكنه كان سعيدًا بأنه نجا بحياته. لم يعد سامي إلى المشرحة أبدًا بعد تلك الليلة، وعاش حياته متجنبًا كل ما يتعلق بالأماكن المهجورة أو المشرحات.

ظل سامي يحمل ذكريات تلك الليلة المرعبة، ولم يجرؤ على التحدث عنها مرة أخرى. كان يعلم أن ما واجهه كان حقيقيًا، وأن هناك قوى خارقة في هذا العالم لا يمكن تفسيرها أو فهمها بسهولة. عاش بقية حياته حذرًا، متجنبًا المغامرة في الأماكن المظلمة والمجهولة، ومحتفظًا بسر تلك الليلة الملعونة.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة