البيت المسكون في الريف المصري
في أحد القرى النائية في الريف المصري، كان هناك بيت قديم مهجور يحيط به الغموض والرهبة. كان أهل القرية يتجنبون الاقتراب منه، وينقلون قصصًا عن أصوات غامضة تُسمع من داخله ليلاً وأضواء غريبة تُرى من نوافذه المتصدعة. قيل إن هذا المنزل كان يسكنه جن قديم استوطنه بعد وفاة ساكنيه الأصليين في ظروف غامضة.عُرف البيت في القرية باسم "بيت الجنون"، وكان له تاريخ طويل من الحوادث الغريبة والمأساوية. قبل سنوات طويلة، كان هذا البيت ملكًا لعائلة غنية تُدعى عائلة االملوك. كانوا يعيشون في رفاهية حتى بدأ الأب، السيد مصطفى ، يتعرض لهواجس غريبة وبدأ يسمع أصواتًا غريبة تُحدثه في الليل ولا يوجد احد .في البداية، ظن أنها مجرد خيالات أو توترات نتيجة العمل والضغوط المستمرة . لكن الأمور ازدادت سوءًا عندما بدأ يرى أشباحًا تظهر في أرجاء المنزل ليلاً. كانت زوجته، السيدة فريدة، تظنه يهذي وتحاول طمأنته، لكنه كان متأكدًا أن هناك شيئًا مظلمًا يسكن المنزل.في إحدى الليالي، اختفى مصطفى من البيت دون أن يترك أي أثر. بحثت عنه الشرطة والأهل لأيام، لكنهم لم يجدوا له أثرًا. ومع مرور الوقت، بدأ سكان القرية يلاحظون تغيرًا غريبًا في سلوك السيدة فريدة. بدأت تتحدث مع نفسها بشكل متزايد، وتنعزل في المنزل بشكل غير طبيعي. كانت تتحدث عن أصوات تأمرها بأشياء غريبة.ذات ليلة مظلمة، سمع الجيران صراخًا عاليًا قادمًا من بيت الجنون. هرعوا إلى هناك ليجدوا السيدة فريدة جالسة في منتصف الغرفة الرئيسية، عيناها تحدقان في اللاشيء، وجسدها يرتجف بعنف. كانت تردد عبارات غير مفهومة وتدعو باسم مصطفى وكأنه يقف أمامها. حاولوا مساعدتها، لكنها كانت وكأنها مسلوبة العقل، لا تستجيب لنداءاتهم.في تلك الليلة، انتشر الخبر في القرية بأن السيدة فريدة قد فقدت عقلها. تم نقلها إلى مستشفى الأمراض العقلية في المدينة، وظل البيت مهجورًا منذ ذلك الحين. كانت القرية تعتقد أن الجن قد استولى على المنزل وأن كل من يسكن فيه سيلقى نفس المصير.مرت سنوات طويلة، ونسيت القرية القصة إلى حد ما، حتى جاء رجل أعمال يدعى يوسف لشراء الأرض المحيطة بالمنزل بغرض بناء مشروع جديد. كان يوسف غير مؤمن بالقصص والخرافات، وقرر تجديد البيت المهجور ليصبح فندقًا فاخرًا يستقطب السياح. رغم تحذيرات أهل القرية، بدأ يوسف في تنفيذ خطته.في أول ليلة بعد بدء أعمال التجديد، كان يوسف يجلس في مكتبه داخل المنزل يراجع بعض الأوراق. كان المنزل مظلمًا إلا من ضوء خافت ينبعث من المصباح الذي كان على مكتبه. فجأة، سمع صوت خطوات تقترب ببطء من الغرفة. رفع رأسه متوترًا، لكنه لم يرَ أحدًا. ظن أنها مجرد خيالات بسبب التعب.عاد إلى عمله، لكن الصوت عاد مجددًا، أقوى هذه المرة. كانت الخطوات تقترب بشكل منتظم وثقيل، وكأن أحدًا يسير باتجاهه مباشرة. بدأ يوسف يشعر بالخوف، لكن كبرياءه لم يسمح له بالاعتراف بذلك. وقف ليتحقق من الأمر بنفسه.خرج من مكتبه وتوجه نحو مصدر الصوت. كانت الممرات مظلمة وباردة بشكل غير طبيعي. كلما اقترب من المصدر، ازداد الصوت وضوحًا، وكأنه يسمع أنفاسًا ثقيلة تقترب منه. وعندما وصل إلى آخر الممر، تجمد في مكانه.أمام عينيه، رأى شبحًا غريبًا، شكل رجل طويل القامة بملامح مشوهة وعيون حمراء متوهجة. كان يقف هناك، بلا حراك، ينظر مباشرة إلى يوسف. حاول يوسف التحرك، لكنه لم يستطع. كانت قدماه ثقيلتين وكأنهما مغروستان في الأرض. حاول الصراخ، لكن صوته لم يخرج.بدأ الشبح يتحرك باتجاهه ببطء، وكان كل خطوة منه تُشعر يوسف بألم غريب في صدره. عندما اقترب الشبح منه، مد يده الطويلة والباردة نحو يوسف. لحظة لمسها لجسده، شعر يوسف بألم شديد يسري في عروقه، ثم سقط على الأرض فاقدًا للوعي.عندما استيقظ يوسف، كان مستلقيًا في غرفته بالفندق المجاور للموقع. لم يتذكر كيف وصل إلى هناك. شعر وكأن كل ما حدث كان مجرد كابوس، لكنه عندما نظر إلى المرآة، رأى ندبة غريبة على صدره، حيث لمس الشبح جسده. كانت الندبة تشبه تمامًا العلامة التي كانت على جسد مصطفى قبل اختفائه.أدرك يوسف حينها أن ما حدث لم يكن مجرد كابوس، وأن هناك شيئًا مظلمًا حقًا في ذلك البيت. غادر القرية في اليوم التالي، تاركًا وراءه مشروعه وأمواله. لم يعد يوسف أبدًا، وبقي بيت الجنون على حاله، مهجورًا ومخيفًا، ينتظر ضحيته التالية.