السر المخفي وراء الجدار

السر المخفي وراء الجدار

0 المراجعات

 

في قرية نائية، كان هناك طفل يُدعى منير. كان منير معروفًا بحركته الكثيرة وفضوله الذي لا ينتهي. كان فطنًا وسريع البديهة، ويملك قطًا عجوزًا يدعى كاسبر. كانت عائلته مكونة من خمسة أفراد: والده ووالدته وأخته الصغرى وجدته، التي لم تتكلم منذ 15 عامًا.

كل صباح، كان والد منير يستيقظ باكرًا ليذهب إلى الحقل، حيث يحرث الأرض ويعتني بالزرع ويروي أشجار اللوز والزيتون. أما منير، فكان يبقى في المنزل يساعد والدته في الأعمال المنزلية، ويجالس أخته الصغيرة التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها، ويملأ الماء من البئر، وأحيانًا يحاول أن يكلم جدته التي بقيت صامتة لسنوات.

ذات يوم، بينما كان منير يلعب مع صديقه عمران بجانب الوادي، استدعاه والد عمران ليساعده في جمع الأغنام، فترك منير وحده. ذهب منير إلى طرف الوادي، وأخذ خشبة وبدأ ينقش رسومات عشوائية في التراب. فجأة، هبت نسمة ربيعية خفيفة، شعر منير بصوت خفيف كأنه همس يرافقها. تجاهل الأمر في البداية، لكن الصوت تكرر، وتحول إلى همس واضح. شعر منير بذعرٍ شديد، فاقشعر بدنه وهرع راكضًا نحو منزله.

في تلك الليلة، لاحظت والدته أنه ليس على طبيعته؛ فقد كان شاحب الوجه ومضطربًا. عندما سألته عن حاله، أنكر أن يكون قد حدث شيء. استيقظ منير في اليوم التالي بنفس النشاط المعتاد، لكنه لم يستطع التخلص من الشعور الغريب الذي تملكه منذ الأمس. قرر العودة إلى الوادي ليتحقق مما سمع. جلس هناك لفترة طويلة، والخوف يملأ قلبه. فجأة، تكرر الصوت من جديد، هذه المرة كانت الأصوات مختلطة، وكأنها محاولات يائسة لتوصيل رسالة ما.

عند عودته إلى المنزل، ركض منير نحو والدته وهو يلهث، محاولًا شرح ما حدث، لكن كلماته كانت متقطعة وغير مفهومة. وبينما كان يحاول تهدئة نفسه، لاحظ جدته تحدق به من بعيد بنظرة غريبة، مليئة بالرعب والتجهم. كان ذلك كافيًا لجعل منير يتوقف عن الكلام تمامًا. رافقته والدته إلى داخل البيت، وسقته ماءً ليهدأ.

في المساء، على طاولة العشاء، قررت الأم أن تخبر والده بما حدث. تلعثم منير في البداية، لكنه جمع شجاعته وروى ما حدث عند الوادي، وكيف سمع همسًا تحول إلى صوت امرأة تحاول قول شيء مخيف. فجأة، سقطت جدته مغشيًا عليها، وانتشرت الفوضى في البيت، مما جعل العائلة تنسى قصة منير للحظة. لكن منير أدرك أن هناك شيئًا ما يحدث.

في صباح اليوم التالي، ومع بزوغ الفجر، توجه منير نحو الوادي مرة أخرى، مدفوعًا بفضوله وشجاعته. صرخ بصوت عالٍ: "أنا هنا! من هناك؟" فجاءه صوت أنثوي عالٍ يقول: "السر خلف الجدار، خلف الجدار!" نظر منير حوله، فرأى كوخًا متهالكًا قريبًا. اقترب منه، واكتشف جزءًا من التراب بجانب الجدار يبدو مختلفًا عن بقية الأرض. بدأ يحفر بيديه الصغيرة، وفجأة شعر بيد تجذبه. نظر بذعر ليرى جدته تقف أمامه، تمسكه بشدة.

للمرة الأولى منذ سنوات، تحدثت الجدة وقالت بصوت مرعب: "دع الأسرار نائمة، فإن إيقاظها سيحرقنا جميعًا." ثم عادت بذاكرتها إلى ماضيها السحيق حيث كانت تشتغل في السحر والشعوذة، وتقوم بأعمال تفريق المتزوجين وجلب الحظ. في إحدى المرات، جاءت إليها امرأة غريبة تطلب منها أن تجعل القاضي يقع في حبها، لكن زوجة القاضي اكتشفت الأمر. واقتحمت بيتهموحدثت مواجهة دامية، قاموا فيها بقتل زوجة القاضي ودفنوها خلف جدار الكوخ بجانب الوادي، ومنذ ذلك الحين اختفت المرأة الغريبة، وقررت الجدة ألا تتكلم مرة أخرى من هول الموقف.

في الحاضر، طلبت الجدة من منير أن ينسى ما رأى وسمع، وأن يعدها بألا يأتي إلى هذا المكان مرة أخرى بمفرده. وافق منير على الفور، فقد كان طفلًا صالحًا في النهاية. لكن تلك الليلة، باتت الكوابيس تراوده، ورأى في أحلامه امرأة غريبة الملامح تكرر نفس العبارة: “السر خلف الجدار، خلف الجدار.”

---

كتابة زينب.د

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

16

متابعين

11

متابعهم

8

مقالات مشابة