روح الغابة الملعونة
في ليلةٍ حالكة السواد، حيث كانت الرياح تصفر بين أغصان الأشجار الجافة، وتصدر أصواتاً كأنها همسات أرواح قديمة تتجول في المكان، كانت "ليلى" تسير بمفردها على الطريق الريفي الموحش لم تكن تعلم ما الذي جعلها تخرج من منزلها في تلك الليلة الباردة، لكنها كانت تشعر بشيءٍ غريبٍ يجذبها نحو الغابة المظلمة التي تقع على أطراف القرية.
منذ أيامٍ قليلة، سمعت ليلى حكايات مرعبة من جدتها عن تلك الغابة، قصصاً عن أشباح وأرواح معذبة تسكن بين أشجارها الكثيفة ولكن ليلى لم تصدق تلك الحكايات واعتبرتها مجرد خرافات تناقلها أهل القرية منذ أجيال ومع ذلك، كانت الليلة مختلفة شعرت بشيءٍ قوي يدفعها لدخول الغابة، كأنما هناك سرٌ دفين ينتظر أن يُكشف.
وصلت ليلى إلى مدخل الغابة، حيث تمايلت الأشجار كأنها ترحب بها، وأصدر النسيم صوتاً خافتاً، وكأنه تحذير ترددت للحظة قبل أن تتوغل بين الأشجار الكثيفة كانت الأرض مغطاة بأوراق شجرٍ ميتة، وبدت الغابة كأنها نائمة في سباتٍ عميق لكن ليلى كانت تشعر بأن هناك عيوناً خفية تراقبها من كل زاوية.
تابعت سيرها وسط الظلام الدامس، معتمدةً على ضوء قمرٍ شاحب كان بالكاد يضيء طريقها كانت تسمع أصواتاً غريبة؛ أنيناً خافتاً، وصرخات بعيدة، وأحياناً ضحكاتٍ مكتومة بدأت تخاف، لكن الفضول كان أقوى من الخوف، فاستمرت بالسير.
فجأة، ظهر أمامها منزل قديم مهجور، بدا كأنه جزءٌ من الغابة نفسها كان المنزل مغطى باللبلاب والأعشاب البرية، والنوافذ مكسورة، والباب الخشبي متداعٍ اقتربت ليلى من المنزل، وأحست بقشعريرة تسري في جسدها كان هناك شيءٌ غريب في الهواء، كأنما الزمن توقف عند هذا المكان.
دفعت الباب ببطء ليدخل إلى الداخل، وكان الصوت الذي أحدثه الباب وهو يفتح يشبه صريراً يشق سكون الليل دخلت إلى غرفةٍ واسعة، حيث كانت الأرضية مغطاة بالغبار والعناكب تنسج شباكها في كل زاوية لكن ما لفت انتباه ليلى هو صورةٌ قديمة معلقة على الجدار، تظهر فيها امرأة شاحبة الوجه بعيونٍ واسعة ومرعبة، كانت تلك العيون كأنها تتبع ليلى أينما ذهبت.
في تلك اللحظة، سمعت ليلى صوت خطواتٍ خلفها استدارت بسرعة لكنها لم ترَ أحداً. بدأت تشعر بالذعر، وأدركت أنها ليست وحدها في هذا المنزل كانت تسمع صوت همسات غير مفهومة، كأنما هناك أشخاص يتحدثون من وراء الجدران تراجعت للخلف، ولكن فجأة أُغلق الباب بعنف، وكأنما هناك قوة غير مرئية أغلقت عليها الباب.
ارتفعت الأصوات حولها، وأصبحت أكثر وضوحاً بدأت تشعر بأن الأرض تحت قدميها تهتز، وكأن المنزل بأكمله ينبض بالحياة حاولت الهروب ولكن قدماها كانتا ثقيلتين، كأنما هناك شيء ما يمسك بها.
فجأة، ظهرت تلك المرأة التي في الصورة أمامها كانت تخرج من الجدار وكأنها شبح كانت ترتدي فستاناً قديماً ممزقاً، وشعرها الأسود الطويل يتدلى على وجهها تقدمت المرأة ببطء نحو ليلى، وكانت عيونها مليئة بالغضب والحزن حاولت ليلى الصراخ ولكن صوتها لم يخرج، كأنما قد اختنق في حنجرتها.
اقتربت المرأة حتى أصبحت أمام ليلى مباشرة، ووضعت يدها الباردة على وجهها شعرت ليلى ببرودةٍ تامة تسري في جسدها، وكأنما روحها تنتزع من جسدها ببطء بدأت ترى مشاهد متقطعة لحياة هذه المرأة، حيث كانت تعيش في هذا المنزل مع زوجها الذي خانها وقتلها بطريقةٍ وحشية كانت روحها عالقة في هذا المنزل، تبحث عن الانتقام.
في تلك اللحظة، شعرت ليلى بأن وعيها يتلاشى، وكأنما روح المرأة قد أخذت مكان روحها بدأت الظلام يغمر كل شيء من حولها، وأصبحت الأصوات همساتٍ بعيدة ثم عمَّ السكون.
في صباح اليوم التالي، وجد أهل القرية ليلى جالسة أمام المنزل المهجور، ولكنها لم تكن هي نفسها كانت عيناها فارغتين، وكأنما شخصاً آخر يسكن جسدها لم تتحدث ليلى مرةً أخرى، ولم تخرج من ذلك المنزل أبداً أصبح أهل القرية يخافون من الاقتراب من المنزل، حيث كان يُسمع منه في الليل أصوات غريبة، كأنها صرخات وآهات.
- النهاية
وبقيت قصة ليلى، الفتاة التي اختفت روحها في تلك الليلة المشؤومة، تُروى كتحذير لكل من يفكر في دخول تلك الغابة بعد حلول الظلام.