مخطوطة ابن اسحاق المرتد( الجزء الثاني من مدينة الموتى )
ولعت في الرواية
الأغلال.. التهليل! هنا الذي يتحرك جناحه!!! ذاك الشيء ذو الجناحين!.. فح هذا الشيء ضمّه ثم أطلق صرخة شديدة.
صرخة حيوانية متوحشة تُرْتِق في الأفق برقم الليل.. صرخة حيوانية متوحشة تعذب.
1- اقتظوا المحلبي
نظر الواقفون لبعضهم، ثم نظروا إلى المرحل. وقال أحدهم:
- "من هو هذا الشاب؟"
هنا نظر (يصفيدي) وقال:
- "من عائلة السّنون؛ حضر إلى خالنا شيخ يحمله أتباعه. هذا الشيخ هو السبب الأول في معرفتنا أن (المخلبي) يستخدم قوة دمار هائلة وأنه قد تسبب في موت قرية كاملة. هذا الشيخ يُدعى ساعيل الحلاج، أما الشاب المميز فهو حفيد الخامس والذي يُدعى يوسف. الآن (المخلبي) قد بدأ عودته إلى عالم البشر، باعتباره حفيد من تسبب في فاجعة عظيمة خلال تلك السنوات."
ساعة إسلام، 11:00 مساءً
ماذا يحدث؟ إنه لا يصدق ما حدث الآن. رأى خلال هذه الليلة بعض الأحداث الغريبة التي لم يفهم معناها. جلس مع أصدقائه ليتحدثوا في موضوع المخطوطة: وظهرت الكثير من الأمور التي لم يفهمها، وانتهى الموضوع عندما جاء اتصال من صديقته؛ فاضطر للعودة إلى المنزل. وعند عودته، حاول الاتصال بكل من كان يتصل به.
(حامد)
توقع (إسلام) أن يكون والد أو والدة (حامد) يطمئنونه، لكنه وجد أن من يحدثه هو (حامد) نفسه!
كان الحوار كالآتي:
"ماذا يحدث عندك، (إسلام)؟ ولماذا هواتفكم كلها مغلقة؟"
"ألو.... أين كنت، (إسلام)؟"
لم يفهم (إسلام) من (حامد) شيئًا، لكنه رد بارتباك:
"ماذا؟؟ لم أعد إلى منزلك يا (حامد)؟"
"لم أعد. لأنني لم أتمكن من الخروج من منزلي هذا المساء! حاولت الاتصال بكم على هواتفكم جميعًا، ولكنها كانت مغلقة."
"عدم حضورك الليلة..."
"نعم، عدم حضوري. فقد أصبت بكسر في قدمي عند نزولي من السلم، فذهبت إلى المستشفى وأُعطيت العلاج. ثم حاولت الاتصال بكم للاعتذار عن عدم الحضور الليلة. ألو، هل أنت معي، (إسلام)؟"
لحظات صمت من (إسلام)
قال بثبات:
- "اسمع يا (حامد)، أنا قادم الآن لمقابلتك لأتأكد من كلامك، ولكن أقسم بالله لو كان مقالك صحيحًا، فسأجعلهم يضعون قدمك في الحبس."
أغلق الهاتف وركب سيارته متجهاً إلى منزل (حامد). كانت الأفكار تتسابق في ذهنه حول ما يمكن أن يحدث إذا كان (حامد) صادقًا. وقد تكون هذه الليلة مصيبة تفوق كل التوقعات.
"نطق أحدهم: "نحن الآن في إحدى ممالك الحان. نشاهد أحدهم يناقش شيئًا مهمًا. إلا أن هناك رجلًا غريبًا يقف على الجانب ولا يشارك في الحديث. أطلق عليه رجل قريب الصورة لتوضيح الصورة أكثر، ولكن مظهره وتكوينه لم يلفتا انتباه الرجال."
- "هل تذكرون الرجل الذي يشبه الكائنات البشعة؟ هذا هو الآن."
قال أحدهم للبقية:
"كيف لم يعلم (المعلي) بنطق الكلمات؟"
"الخوارق يسمعون الترددات القادمة من عالم الأموات. وإذا سمعوا ترددات قادمة من عالم البشر، فهم يعلمون جيدًا أنهم ممنوعون من التدخل في عالم البشر بأي حال من الأحوال. ثم كان الأمر مع (المعلي) الذي لم يستطع أحد مواجهته."
"إذن، (المعلي) قد تحرر وجمع جيشه المتمرد. ولكن ماذا ينوي أن يفعل في عالم البشر؟"
هنا جاءت الإجابة من الرجل الذي كان يقف على يمينهم منذ البداية، وهو يتقدم نحوهم قائلاً:
- "لقد بدأت تظهر الأعراض. بعد أن عذب البشر، بدأ يستقبل القرابين البشرية مرة أخرى."
نظر الواقفون لبعضهم، ثم نظروا إلى الرجل، وقال أحدهم:
- "من هو هذا الشاب يا (يصفيدي)؟"
نظر (يصفيدي) إليهم وقال:
- "منذ سنوات، حضر إلى عالمنا شيخ يحمل أتباعه. هذا الشيخ هو السبب الأول في معرفتنا أن (المخلبي) يستخدم قوة هائلة لتدمير عالم البشر، وقد تسبب في موت قرية كاملة. هذا الشيخ يُدعى ساعيل الحلاج، أما الشاب المميز فهو حفيد الخاسس، والذي يُدعى يوسف. الآن (المخلبي) قد بدأ عودته لعالم البشر، باعتباره حفيد من تسبب في فاجعة كبيرة خلال تلك السنوات."
كانت الدهشة سمة الغالب على وجوه الواقفين، لكن الأنظار اتجهت إلى رجل غريب يقف بعيدًا. كان مظهره أقل بشاعة من البقية، وأقصر منهم في القامة. وقف الجميع باحترام شديد لحضور هذا الرجل. قال بلهجة شديدة:
- "لقد علمت كل شيء فعله (المخلبي) منذ ذلك الوقت. فلا أحد يمكنه أن يمنعني من فعل شيء."
ثم أضاف وهو ينظر إلى (يصفيدي):
- "توقعاتي عن (المخلبي) هي أنه سيعقد العديد من المعاهدات مع العشائر المتمردة. سيعمل على توحيدها تحت إمرته، ثم سيعقد معاهدات مع الممالك المعادية ليبني جبهة قوية ضدنا." - إذن لو تمت تلك المعاهدات، فستكون حربًا شديدة بين الممالك. يجب منعه من جمع العشائر المتفرقة بأي شكل.
ثم نظر إلى أحد الرجال الواقفين، وقال له:
"أريدك أن تذهب إلى العشائر المتمردة وتعرض عليهم أن ينضموا إلى (المخلبي)."
"وإن رفضوا؟"
"أي عشيرة متمردة ترفض، فلتُباد مقاتلوها بالكامل."
ثم نظر إلى أحد الرجال وقال:
- "أما أنت، فستكون مهمتك هي مطاردة (المخلبي) والقضاء عليه. احرص على الحماية الثلاثية."
هنا قاطعه (يصفيدي) وقال:
- "آسف يا سيدي، ولكن أريد أن أكون المسؤول عن القضاء على (المخلبي). فأنا أعلم عن (المخلبي) أكثر من أي شخص في الممالك وأعرف تفاصيله وأعداءه."
نظر الواقفون بدهشة إلى (يصفيدي)، ولكن الرجل قال:
"إذا كان لديك معرفة بتفاصيل (المخلبي)، يمكن لأحد رجالنا تولي تلك المهمة بدلاً منك. نحن نقدر صلتك بالمخلبي."
"سيدي، الصلة بيني وبين (المخلبي) هي السبب الرئيسي لقصاصي منه وتنفيذ العدالة التي تعطلت منذ سنوات. أنا أعلم أن الممالك قد وافقوا سابقًا على إبقاء (المخلبي) في السجن بدلاً من قتله بسبب صلته بي، ولكن بما أنني السبب في هذا الخطأ، يجب أن أكون من يتصدى له الآن. أعطني تلك الفرصة، يا سيدي."
نظر الرجل إلى (يصفيدي) لفترة ثم قال له بحكمة:
"سأجعللك تطارده، ولكن يجب عليك أولاً أن تستجوب عمار المكان الذين كانوا حاضرين أثناء قتل (المعلي)، وتعرف منهم ماذا حدث."
"سأفعل ذلك، سيدي. سأعرف التفاصيل ثم أقوم بما يلزم."
هم (يصفيدي) بالانصراف، إلا أن الرجل قال له:
- "أعلم أنه من الصعب عليك أن تقاتل أخاك، الذي تربيت معه وحاربت بجانبه، ولكنني أثق بك، (يصفيدي)."
توقف (يصفيدي) لحظة ثم أكمل سيره دون أن ينظر خلفه. إن (المعلي بن ذعات) هو شقيق (يصفيدي).
عودة (إسلام) إلى منزل (حامد)
عاد (إسلام) إلى منزل (حامد) وكان فاقدًا القدرة على التفكير السليم. (حامد) يتعافى في منزله، وقد وضعت قدمه في الجبيرة، وأهله يؤكدون أنه في هذا الوضع منذ ساعات طويلة. إذاً، من هو الذي قابله في منزل (يوسف)؟ إذا كان (حامد) في منزله الآن، فمن يكون (حامد) الذي كان في منزل (يوسف)؟ جميع هواتفهم مغلقة أو خارج نطاق التغطية. ربما هناك مشاكل في شبكة الاتصالات، رغم أنهم جميعًا يتصلون بنفس الشبكة. يجب عليه أن يذهب إلى منزل (يوسف) بنفسه ليكتشف ما يحدث هناك ومن هو (حامد) الذي يجلس في منزله.
داخل الشقة
الشقة كانت كما هي بعد المذبحة التي حدثت، كما تركها (المخلبي). المقاعد والمفروشات الممزقة والدماء المنتشرة في كل مكان. ولكن هناك تحركات غريبة داخل الشقة. يمكنك أن ترى من منظور شخص يرى عالم الأموات:
أجساد قصيرة ملأت أرض الشقة، جميعها صغيرة الحجم وتملأ صالة الشقة، ويتحدثون بسرعة. وهناك في السقف أجساد أخرى، معلقة وملتصقة بالسقف!
لكن ماذا يحدث في منتصف تلك الأجساد؟ الأجساد التي على الأرض بدأت تتسع المساحة بينها، وتبدو مرعوبة. ماذا ينتظرون؟ أعتقد أنني فهمت. هناك منطقة معينة في الصالة أصبحت دائرة، وفي وسط تلك الدائرة يظهر لون أحمر، وكأنه جمر مشتعل. وفي الداخل تظهر خمسة أجساد، يشتعلون نارًا، ويبدو من مظهرهم أنهم أقرب للبشر من عالم الأموات. لكن أحدهم كان مختلفًا عن البقية؛ كان هو (يصفيدي)، وقد حافظ على الكثير من ملامحه الأصلية.
النار التي اشتعلت في الدائرة تلتف حول الأجساد المشتعلة. هنا تكلم (يصفيدي)، موجهًا كلماته إلى الأجساد المعلقة:
- "سيروي الجميع لي كل ما حدث في هذا المكان منذ الاجتماع البشريين إلى توقيتهم على يد (المعلي)."
ثم أضاف وهو ينظر لهم بغضب:
- "ومن سيخالف أوامري، سيُقتل."
تقدم أحد هؤلاء الأجساد ووقف أمامه، قائلًا:
"سأتحدث بالنيابة عن الجميع وسأروي لك المذبحة بالتفصيل. ولكن عليك أن تعرف أن من بطش (المعلي) هو السبب في هذا."
"لكم الأمان والعهد من عائلة (ذعات). والآن، تكلم."
موعد يوسف، الساعة 5:00 صباحًا
طق طق طق طق طق طق طق طق طق طق طق طق
كانت تلك أصوات الطرقات، تجاورها أصوات حرس الباب. كان (إسلام) يقف أمام باب شقة (يوسف)، لكن لا أحد يجيب. ظن أن أصدقاءه قد عادوا إلى منازلهم ليلاً، لكن كيف يعرف صحة هذا الاحتمال؟ أمسك هاتفه وأجرى اتصالاً برقم هاتف منزل (مصطفى). جاء صوت عبر الهاتف:
"السلام عليكم، أريد (مصطفى)."
"كيف تسأل عنه، يا (إسلام)؟ من المفترض أن يكون معكم، أليس كذلك؟ ثم إنني حاولت الاتصال به منذ فترة، لكنه أغلق هاتفه هو و(محمود). والد (محمود) اتصل بي ليسأل عن غيابهم. أين أنتم الآن وكيف لا تعرف مكانهم؟"
أجابت هذه الأسئلة (إسلام) بشكل متقطع، لكنه دعا الله أن يكون أصدقاؤه قد عادوا إلى منازلهم.
"أنا الآن أقف أمام شقة (يوسف) وأطرق الباب، ولكن لا يجيب أحد. أعتقد أنهم رحلوا منذ دقائق."
"بالتأكيد سيصل (مصطفى) إليك بعد قليل."
اضطر (إسلام) لقول ذلك لتأكيد موقفه ولمنع القلق عن عائلة (مصطفى) و(محمود). كان قلقه يزداد، وعاد ليطرق الباب مرة أخرى، ولكن هذه المرة بعنف أكبر. أخيرًا، فتح الباب رجل في العقد الرابع من العمر، يرتدي ملابس منزلية عادية ويبدو عليه آثار النوم.
"السلام عليكم، ماذا تريد؟"
"صديق (يوسف) قد تركه منذ ساعات قليلة هو وأصدقاؤنا، ولكن لا أحد يجيب من داخل الشقة الآن. اتصلت أيضًا بهواتفهم، ولكنها مغلقة. أصدقائي لم يعودوا إلى منازلهم بعد."
تلاشت آثار النوم من وجه الرجل، وحل محلها علامات الصدمة والقلق:
- "ربما لم يسمعوا طرقاتك بسبب الضوضاء." صدفة يا أستاذ، أعتقد أن هناك مكروهًا أصابهم. اقترب منه الرجل قائلاً:
- "هل جربت الاتصال بهاتف الشقة؟"
"تي ول يية انيد" كان إسلام يحاول الاتصال بهاتف يوسف مرة أخرى، ولكن لم يرد أحد. فطلب منه الرجل:
"اتصل مرة أخرى، ربما صعدوا جميعًا إلى الطابق الخامس."
"لا أعتقد ذلك، فقد كنا في تلك الشقة على الطابق الخامس منذ حوالي الساعة، وأعلم أن يوسف لم يكن موجودًا هناك بعد ذلك."
"لن تخسر شيئًا. دعنا نحاول."
بينما كان إسلام يتحدث مع الرجل، كان يحاول الاتصال بهاتف يوسف مجددًا، ولكن لم يكن هناك أي استجابة، فقط صوت جرس الهاتف. نظر الرجل بلهفة إلى إسلام، لكن إسلام قال:
- "لم يرد أحد. يبدو أن الخط انتهى."
قرر إسلام والرجل صعود السلم إلى الطابق الخامس. بدأ الرجل في طرق باب الشقة، وكانت الطرقات في البداية خفيفة، ولكنها سرعان ما أصبحت شديدة لدرجة أن الباب كاد ينفصل. خلال هذه اللحظات، ظل إسلام يحاول الاتصال بهاتف يوسف، ولكنه لم يرد عليه أحد.
فجأة، سمع إسلام صوت الهاتف المحمول يرن من داخل الشقة. نظر هو والرجل إلى بعضهما البعض في دهشة، ثم توجه إسلام نحو الباب وحاول طرقه بشدة ولكن دون جدوى.
قال الرجل:
- "يجب علينا كسر الباب لنكتشف ما يحدث."
توجه الرجل نحو الباب وبدأ يدفعه، فانضم إليه إسلام. استمروا في دفع الباب بعنف، واستغرق الأمر عدة دقائق حتى بدأ المزلاج ينفصل عن الحائط. في النهاية، سقط الباب وتفتح، وركض إسلام داخل الشقة مسرعًا، ليجد عم يوسف وقد وقع على الأرض بينما كان إسلام يوشك على السقوط.
فور دخوله، شعرت إسلام برائحة فظيعة من داخل الشقة. كانت الأضواء خافتة ما عدا ضوء شمعة تكاد تنتهي. أضاء عم يوسف أنوار الشقة، ورأى إسلام مشهدًا لم يتمكن من تحمله. سقط إسلام مغشيًا عليه، بينما حاول عم يوسف الاستناد على أحد الجدران، وكان واضحًا أنه في حالة صدمة.
في المستشفى، كان إسلام في حالة نفسية سيئة بعد الحادث. كان لا ينطق بكلمة، وقد وصفه الأطباء بأنه يعاني من صدمة عصبية شديدة. قال الطبيب النفسي لوكيل النيابة:
- "لقد أصيب إسلام بحالة من الاكتئاب الشديد، ومع ذلك يبدو أن عقله يعمل بوضوح. هو لا يتكلم، ولكن الدموع تتساقط من عينيه بشكل متكرر."
قال وكيل النيابة:
- "يجب أن نعرف ما حدث في تلك الليلة. إسلام هو الوحيد الذي يعرف التفاصيل."
نظرت الأطباء إلى إسلام، الذي بدا وكأنه يفكر في أشياء مؤلمة. كان ينظر إلى الفراغ وعلامات الحزن بادية على وجهه، ولكن مع مرور الوقت، بدأ عقله يعمل بفعالية، حيث حاول تذكر أحداث تلك الليلة. كان المشهد الذي رآه داخل الشقة مزعجًا للغاية: أصدقاؤه الأربعة، مصطفى، مود، أحمد، ويوسف، كانوا جميعًا ملقين على الأرض بطريقة مرعبة، وقد تم تمزيق أجسادهم بشكل بشع. كان المشهد أسوأ مما يمكن تخيله، وكان من الواضح أن إسلام لا يستطيع نسيانه.
وفي عالم الأحلام، شاهد إسلام مشهدًا غريبًا: الرمال كانت ملونة بالأحمر، وصوت صرخات مزعجة تملأ المكان. ظهور ميشين متباعدين عن بعضهما، أحدهما مغطى بالشعر الغزير والآخر عاري. كانت المعركة بينهما قوية، وظهرت أجنحة كبيرة خلف أحدهم. انتهى المشهد بتشكيل غريب واصطدام عنيف بين الميشين. وسرعته في التحرك كانت تفوق الوصف، إذ كان ينتقل بسرعة من موضع إلى موضع في لمح البصر، مما جعل الميش الآخر يتشتت ويفشل في تنظيم حركته. كانت طريقة تحركه مربكة بشكل كبير، وكان الميش الآخر يحاول التماسك قدر الإمكان كي لا يكشف عن خطوطه الدفاعية.
هنا توقف الرجل الغريب وهو ينظر إلى الميش الذي يتقهقر ويعود للخلف بتنظيم يشبه التنظيمات العسكرية. على الرغم من توقف الميش، كان ما زال متحفزًا وهو ينظر إلى هذا الرجل الذي كان يتحداه بنظراته.
فجأة، رفع الجميع أيديهم لأعلى وهم يرددون بصوت عالٍ كالرعد:
- "بن فاعاث... بن ذاعات!"
كان الصوت يتعالى بوضوح، وفي نفس الوقت، كان الرجل المرب يصرخ من حنجرته ليخيفهم ويوقف تقدمهم. ازدادت حدة الصرخات، وخرج من بين الصفوف شخص كبير الحجم، وتوجه نحو الرجل الغريب. كان المشهد مرعبًا، حيث كان كل طرف يقف أمام الآخر، وتفصل بينهما منطقة هادئة نسبيًا.
ثم بدأت المعركة بين الرجلين.
وكانت كمعركة داخل جهنم.
السابعة مساءً - مشرحة
قال الطبيب:
- "ما هذه البشاعة؟ هناك شيء غير طبيعي في هذه الجثث."
كان الطبيب ينظر إلى الجثث الموضوعة أمامه على المنضدة، وقد وصف الحادثة بأنها تحتوي على أشياء مروعة. طلب الطبيب:
- "أحضر لي الدكتور خالد، الذي قاد فريق العمل الجنائي لمكان الحادث وأشرف على نقل الجثث."
توجه المساعد بالفعل لجلب الدكتور خالد، بينما استمر الطبيب المحقق في دراسة الجثث بعناية. كان الطبيب يُدعى حسام عيد الفتاح، ويبلغ من العمر حوالي ستين عامًا. كان من أكفأ الأطباء في قسم التشريح الجنائي بفضل قدرته على تحديد التفاصيل بدقة شديدة. ومع أنه صادف العديد من الجرائم الغريبة طوال حياته، إلا أنه بدأ يشعر بالقلق من مشهد هذه الجثث.
أوضح الطبيب حسام:
- "الجثث التي أمامي تظهر عليها علامات غير عادية. الفك مكسور ومفتوح بشكل غير طبيعي، والآثار على الوجه والصدر تدل على العنف. الجروح والتمزقات واضحة، والأنف والعينان مليئان بالدماء. الأمر يبدو أكثر من مجرد جريمة قتل."
سأل الدكتور خالد:
- "ما رأيك في تلك الحالة، دكتور حسام؟"
أجاب الطبيب حسام:
- "أحتاج بشدة إلى أن تشرح لي تفاصيل فحصك، إذ أن هناك أمورًا تتجاوز الفحص التقليدي."
ثم تذكر الدكتور خالد أحداث تلك الليلة وبدأ يروي:
- "كانت الثالثة بعد منتصف الليل عندما دخلت العمارة مع فريق المعمل الجنائي الذي تم استدعاؤه. كان الجو مشحونًا بالقلق، وكانت الناس تتجمع حول المبنى على الرغم من الوقت المتأخر."
كان الناس يستفسرون بفضول عما يحدث، وكان السبب في ذلك هو وجود رجال الشرطة الثلاثة الذين يمنعون أي شخص من الصعود إلى العمارة.
في الطابق الخامس، كما قيل لي، كان هناك الكثير من أفراد الشرطة والمحامين، وهو أمر غير معتاد في حوادث القتل العادية، التي لا تتطلب كل هؤلاء الضباط. ولكن كان هناك شيء مشترك بينهم: كانوا يقفون على درجات السلم، يتحدثون، ويبدون علامات القلق. أما في الطابق الخامس، فقد وقف المحققون أمام الشقة التي كانت أبوابها مفتوحة. أفسح لنا الجميع الطريق بلهفة، وكنا ننتظر فريق العمل الجنائي للقيام بعمله. كنت أتفادى التسبب في إفساد أي أدلة جنائية. وكان دوري في الدخول فقط لأفاجأ بأفراد الفريق يخرجون مرة أخرى، وهم يضعون أيديهم على أفواههم، وعلى وجوههم ارتسمت علامات الاشمئزاز الشديد، وكان يبدو أن أحدهم كان على وشك التقيؤ!
فكرت في نفسي: ماذا يوجد داخل الشقة؟ لماذا يمنع ضباط الشرطة من الدخول، ويجعل فريق الأدلة الجنائية الذي اعتاد على رؤية المشاهد المروعة يتسمم بهذا الشكل؟
دخلت إلى الشقة، وكانت الإضاءة شديدة في صالة تلك الشقة، وظللت أنظر بعينين مفتوحتين للحدث المروع: الدماء التي تغرق المكان، ولم أستطع استيعاب ما أراه. كان المشهد يشبه فيلم رعب بكل تأكيد: أربعة جثث، ثلاثة منها جالسة على مقاعد، والرابعة على الأرض.
لحظة... ما هذا؟ هذا ليس مشهداً طبيعياً، ولا يمكن أن يكون ما رأيته صحيحاً. هل هذه الجثث مقطعة؟
أمرت قائلاً: "فواد، أحضر آلة التصوير والقفازات!"
قلت ذلك وأنا أنظر إلى الشقة الممزقة، وحاولت فهم ما يجري.
تسلمت آلة التصوير والقفازات من فواد، الذي كان يحاول التركيز في المشهد. ارتديت القفازات وأمسكت بآلة التصوير وبدأت أجول بنظري في منطقة الجريمة.
كانت التركيزات في جزء معين من الصالة، حيث كانت هناك منضدة بيضاء عليها بقايا طعام ذابلة وعلبة ثقاب مفتوحة، وعيدان ثقاب مبعثرة على الأرض.
التقطت صوراً للجثث الجالسة على المقاعد، ثم اقتربت أكثر من الجثث الأخرى والتقطت صوراً لوجهها والدماء التي كانت تغطيها.
فحصت الجثث وبدأت في تدوين المعلومات. مددت يدي لملامسة الجثة، ولمست يدي رأسها ثم رقبتها وكتفيها. لاحظت آثار احتراق في الشعر والجلد، وملأت يدي بالرطوبة رغم التوقف.
كان هناك آثار دماء على الجثة، ولكن الدماء خرجت بطريقة غير طبيعية من فتحات السد. كانت هناك آثار حروق على الجلد، لكن الدماء كانت تتدفق بشكل غريب.
لاحظت أيضاً ورقة صغيرة ملتصقة بالجثة. فحصت الورقة بعناية ووجدت أن بها معلومات مهمة. أعطيتها لأحد رجال المعمل الجنائي، وقالت له: "صاحب الجثة كان يقبض على هذه الورقة بيده اليمنى."
أخذها الرجل بحذر وتوجه للتعامل معها. جالت في ذهني بعض الأفكار، فطلبت من زميلي الذي حمل الورقة أن يتفحص الورق الآخر. كان يبدو أن هناك المزيد من الأوراق.
كنت أنظر حولي لأرى الآخرين، ووجدت أن كل واحد منهم كان يقبض بيده اليمنى على شيء ما. التقطت صوراً دقيقة للمشهد قبل أن أعيد الورقة إلى مكانها.
كان المشهد غريباً، والأوراق التي وجدناها كانت جزءاً من اللغز الغامض.
نظرت إلى زميلي الواقف بجانبي وعرضت عليه الأوراق. ففحصها وقال:
- "نفس الكلمات موجودة على الثلاث أوراق، والاهتزاز في الكتابة متشابه. ما الذي يجعلهم يمسكون بأوراق مماثلة؟"
نظرت مرة أخرى إلى الجثة وسمحت لزميلي بالقيام بفحوصاته. بدأت بفحص بعض قطع الملابس على الجثة للتأكد من وجود أي آثار للطعنات في البطن أو القلب. لم ألاحظ أي آثار ظاهرة خلال الفحص الأولي. أعتقد أن الجثة كانت في تلك الساعة لا تزال في مرحلة التصلب ولم تصل إلى مرحلة التحلل بعد. يبدو أن الجريمة حدثت منذ وقت قريب. ولكن ما سر تلك الرائحة؟
قلت لزميلي: "أنا متأكد مما أقول. باب الشقة كان مغلقاً بإحكام. الفاعل استخدم مفتاحاً وبسحب (ترس) لإغلاق الباب. وعندما اقتحم عم القنيل وصديقه الشقة، تم خلع جزء من (التريلة) وفتح الباب. يبدو أن الشقة كانت مغلقة بإحكام قبل حدوث الجريمة!"
نظرت بسرعة إلى رجال المعمل الجنائي وهم يتحدثون عن حالة الباب، ثم سألت أحدهم:
"ما هي حالة نوافذ الشقة؟ هل يمكن أن تكون هي المهرب الوحيد للقاتل؟"
"نوافذ الغرف كلها مغلقة، وكذلك نوافذ الشقة بالكامل. لقد كانت مغلقة منذ شهور، وجميعها كانت مغلقة عند دخولنا. وبسؤال عم القنيل، قال إنه لم يلمس أي شيء منذ دخول الشقة وحتى وصول رجال الشرطة. كيف دخل القاتل إذاً؟"
لم أكن أعرف ماذا أقول. كيف دخل القاتل إلى الشقة؟ وكيف حدثت هذه الجريمة البشعة؟
توجهت مرة أخرى إلى عملي. نظرت إلى الجثة التي كانت على الأرض، وقلت: "كان هناك وحش لا يعرف الرحمة. لا دماء على الجثة وكأن أحداً سحب الدماء منها. لقد أنقذت الكثيرين من بطشه. كيف يمكن أن يتحمل أي شخص مشاهدة هذا المشهد؟"
فحصت الجثة وحاولت تحديد ما إذا كانت قد تعرضت للتعذيب. كان هناك آثار تقطع واضحة، والجلد كان ممزقاً. كانت الأطراف مقطعة بآلة حادة، وكل جزء كان مقطوعاً بعناية.
أستخدمت مصباحاً صغيراً لأدقق أكثر في التفاصيل. لاحظت أن هناك دماء حول الجثة، ولكنها كانت متجمدة فقط. لاحظت أن كل طرف مقطوع وتم كيّه بالنار لمنع النزيف. هذا يعني أن الجريمة كانت عملية تعذيب بطيئة وقاسية.
تساءلت: "من هو هذا الوحش الذي قام بتعذيب هذا الشاب؟"
(ما زال الدكتور خالد يكمل حكايته):
"كيف سأتمكن من نقل تلك الجثة إلى المشرحة؟ ظل السؤال يتردد في ذهني دون إجابة، ولا أعلم ماذا أفعل. ضبطي آلة التصوير لألتقط صوراً للجثة قبل أن أحاول فحصها. فجأة، شعرت بإضاءة تتذبذب ثم تثبت، وسرعان ما سمعت صوتاً غريباً من خلفي."
استدرت بسرعة وفوجئت برؤية قط أسود ينظر إلى الجثة الملقاة على الأرض بتمعن. صرخت بذهول وأنا أشاهد القط الأسود، الذي دخل إلى مسرح الجريمة. كيف تمكن من دخول المكان دون أن يلاحظه أحد؟ رفع صوتي عاليًا وأنا ألوم الجميع الذين كانوا مسؤولين عن تأمين مسرح الجريمة، وجذب انتباه الجميع للقط.
رأيت القط ينظر برأسه إلى الجثة على الأرض، ثم ينظر إلى الجثث الأخرى على المقاعد، وأخيرًا يلتفت إليّ مبتسمًا.
كان القط يبتسم، كاشفًا عن أسنانه، وعيناه ضاقتا. تجمدت في مكاني، بينما كان زملائي يحاولون طرد القط بلطف كي لا يفسد مسرح الجريمة. كانوا يحاولون دفعه بعيدًا وهو يتراجع ببطء، ولكنه كان ما يزال ينظر إليّ مبتسمًا. قبل أن يتم طرده، خرج القط من باب الشقة، وهو يركض برأسه يمينًا ويسارًا وكأنه يستعرض المكان.
خرج القط من الباب، وبعد ثوانٍ، قام زملائي بتأمين المكان وتحدث أحدهم مع الضباط والمحققين في الخارج:
"كيف تمكن قط من الدخول إلى مسرح الجريمة؟ كان من الممكن أن يفسد الأدلة. الحمد لله أننا تمكنا من تأمين الباب قبل أن يفسد الأمور."
"ما الذي تقوله؟ لم يمر قط بيننا منذ دخولنا، ولم يخرج من الشقة أي قط حتى الآن. يبدو أنكم تهيؤون الأمور."
شعرت برعشة خفيفة. لماذا ينكرون أن القط مر من بينهم؟ وكيف خرج من الباب أمامهم؟ أعصابي كانت مشدودة. كان يجب فحص الجثة بسرعة قبل أن تتغير درجة حرارتها أكثر من ذلك. كان هناك ارتباك بسبب طريقة الموت الغريبة التي أفقدتني التركيز. لم أواجه جريمة قتل بهذا الشكل من قبل، ولم أكن أعرف إذا كان يجب عليّ فحصها مثل أي جريمة أخرى أم بطريقة مختلفة.
قال الدكتور حسام:
- "ماذا فعلت بعد ذلك، خالد؟"
أجبت:
- "بدأت بإعداد الجثة للتشريح، واستخدمت المنشار الدوار والمشارط لقياس درجة الحرارة وفحص الأماكن الظاهرة. لاحظت أن هناك شبهة تسمم أو طعن. بدأت أؤكد بعض الفحوصات. ثم جاء فريق آخر، ورفع البصمات من مسرح الجريمة. كانت المهمة صعبة، وأخيرًا نقلت الجثة بصعوبة بالغة إلى المشرحة."
سأل الدكتور حسام:
- "ماذا وجدت في التقارير بعد فحص الجثة؟"
أجبت:
- "كانت هناك تقارير عن قياس درجة الحرارة من فتحة الشرج، ولكن أثناء فحصي للجثة، حدثت أشياء غير متوقعة. بينما كنت أراجع الصور والتقارير، لاحظت اختفاء بعض الأدلة."
قال الدكتور حسام:
- "اذهب لترى ماذا حدث في المشرحة."
نظر الجميع بقلق إلى مصدر الصوت، وعندما عاد الضابط، قال:
- "مستحيل! نفس القط! كيف يمكن أن يحدث هذا؟"
عادت الإضاءة، لكن القط، والجثة، والتقارير كلها اختفت.
سأل الضابط بلهفة:
- "من الذي نفذ عملية اختطاف الجثة؟"
توقفت الأمور للحظة، ثم قال أحد الضباط:
"هل هو القط الذي كان يتجول في مسرح الجريمة؟"
"لا، سيدي، هو قط أسمر اللون."
تجهم وجه الضابط وهو ينظر إلى المأمور وقال:
- "أرجو منك توضيح الأمر. لم يكن هناك أي أثر للجثة، أو للتقارير، أو لأي شيء آخر في المشرحة. يبدو أن هناك مشكلة."
نظر الضابط للحظة إلى المأمور ثم قال:
- "لا توجد جثة، ولا تقارير للمعامل الجنائية، ولا أي أثر مسجل في الشرطة. هل تتحدث بجدية عن أن قطًا دخل وسرق الأدلة؟ هل يمكن أن يكون هذا القط هو القاتل المتخفى؟"
سكت المأمور لحظات، ثم اقترب من الضابط ليشرح الأمور. قال القائد:
"في خلال ثمان وأربعين ساعة، سأرى كل شيء قد عاد إلى طبيعته تحت المراقبة. لن أترك هذه القضية. سيكون هذا تحت مسؤوليتك، أنت وجميع ضباط القسم. ستكون عواقب أي تقصير وخيمة. هل تفهم؟"
"مفهوم، أفندم."
"انظر، لا تدع أي صحفي يقترب من القضية. قل لرجال المعمل الجنائي أن يحافظوا على سرية المعلومات. لا نريد أن تصبح القضية مشاعًا للجميع."
قال (يصفيدش) بقلق:
- "ما هذا الجنون؟ كيف تتحول إلى قط في عالم التحقيق؟ هل نسيت أنك قد تتعرض للخطر؟ كان يمكن أن تواجه أحد أعداء المملكة، وقد يكونوا قد اكتشفوك وأنت في تلك الهيئة. يجب عليك أن تتصرف بحذر."
أجاب (يصفيدش) باحترام:
- "بعد أن استجوبنا عم صاحب الشقة، كان يجب عليّ أن أزيل كل ما يتعلق بالحادث، وكان أول شيء يجب فعله هو فحص التقارير الطبية والعاملين، حتى تنتهي القضية ويتم إغلاق البحث. ولكن لم أريد أن أتعرض لخطر دون جدوى."
رد القائد بحدة:
"كان يمكنك أن ترسل أحد مساعديك ليقوم بذلك نيابة عنك. هل تعتقد أن وجودك في الهيئة الحالية سيكون له تأثير؟"
"لكن يا سيدي، أنا أخشى على أحد مساعدي أن يتعرض للخطر إذا كان في هيئة حيوانية أو بشرية. هذا يشكل خطرًا عليهم."
"ولا تخف على نفسك. الكل يعلم أن الانتقام قد يكون شديدًا، ولن يمس أحد منهم. لا تخف يا سيدي."
"وما هي خطواتك القادمة؟"
سكت (يصفيدش) برهة ثم قال:
- "ستكون خطواتي القادمة مفاجأة للجميع."
في تلك الأثناء، قام (إعماد) من على مقعده وصرخ بصوت عالٍ:
- "أيها الضباط، إذا كنتم تريدون اللعب، فلتبدأ اللعبة الآن. سأكون من يقودها. أنا من سيرسم قواعد اللعبة."
قال إعماد لنفسه وهو يكتب على ورقة:
- "إذا تحتم عليك الاشتراك في لعبة، فيجب أن تعرف ثلاثة أشياء: قواعد اللعبة، أهدافها، ووقت الخروج منها."
كان إعماد يكتب وينظم أفكاره بعناية. تذكر ابن شقيقته (أحمد) عندما كان يلعب في صغره في شقته، ويستمع إليه وهو يروي القصص. كان إعماد هو المسؤول عن تربية (أحمد) في سنواته الأولى، وكان لديه إحساس بالأبوة تجاهه، رغم بعده عنه الآن.
وتذكر كيف مات (أحمد)، وكيف كانت الشرطة قد عثرت على جثة (يوسف) مقتولة وعليها آثار تعذيب. كان الأمر مروعًا، وكان يجب على إعماد أن يتعامل مع الموقف بحذر شديد.
فجأة، قام (عصاب) من على مقعده وصرخ:
- "إذا كنت تريد أن تبدأ اللعبة، فأنا مستعد. من الآن فصاعدًا، أنا من سيرسم قواعد اللعبة."
وفي الساعة الثانية ظهرًا، ما زال (إسراج) يجلس على الفراش، ينظر إلى الأمام وهو يسترجع ذكرياته مع شقيقته وأبناء أعمامه. كان الطعام على الطاولة، وكان الجو مريحًا إلى حد ما، ولكن بدا أن هناك شيئًا غير معتاد في الأجواء.
بعض الزيارات من الأصدقاء والأقارب كانت تأتِ، يحاولون التحدث معه ودعمه، ولكنه كان صامتًا بلا حراك. سمع صوتًا قادمًا من والدته، ورحبت به، داعية إياه للجلوس.
حرَّك رأسه واستمع للصوت الذي يقترب منه. كان أخوه، متوسط الطول، ويبدو أنه يحمل همًّا كبيرًا.
قالت الفتاة:
- "بأي حال، هل هذه هي الحقيقة؟"
قال (إسلام) وهو ينظر إليها:
- "نعم، فقد شاهدتها ثلاث مرات."
قالت الفتاة:
- "هل تعرفها؟"
رد (إسلام):
- "نعم، هي صديقتي."
أقبلت أمه وقبلته على جبينه، ثم نظرت إلى الفتاة وقالت للآخرين:
- "هيا بنا نحتفل بعودة (إسلام)."
فهمت أن هناك علاقة بين (إسلام) والفتاة. غادرت المجموعة الغرفة، تاركةً إياهم وحدهم.
جلست الفتاة على المقعد المقابل لـ (إسلام)، ثم نظرت إلى عينيه بقلق. كانت ملامح (إسلام) جامدة كما هي، لكن كان واضحًا أنه يحاول كتمان مشاعره. زادت حركات تنفسه، واحتقن وجهه، وسقطت الدموع بغزارة من عينيه.
في تلك اللحظة، بدأ (إسلام) و(حبيبة) في نوبة بكاء شديدة. كان (إسلام) يبكي كالنمر الجريح، و(حبيبة) تبكي بحرقة على ما حدث.
قالت (حبيبة) بين دموعها:
- "برجاء يا (إسلام)، قُل لي ماذا حدث؟"
عاد (إسلام) ليظهر وجهه المتجمد كما كان، ثم نظر إلى (حبيبة) وقال:
- "لقد تم تعذيب (يوسف) وأصدقاؤنا قبل أن يُقتلوا."
ثم قال (إسلام):
- "هذه قصة طويلة جدًا وسأرويها لك، ولكن الوقت قد حان لأعود إلى المستشفى."
في الساعة الثامنة مساءً، في منزل الشيخ محمد عبد الفتاح:
انتهى صديق الشيخ (حمد) من سرد ما حدث لـ (يوسف) وأصدقائه، والتحقيقات التي أجرتها الشرطة في حادثة قتلهم. كان الصديق يعرف والد (يوسف) معرفة سطحية، وقد دعاه إلى المنزل ليحكي له الأحداث لأنه رأى الشيخ مع (يوسف) منذ أيام.
بدأ الشيخ يتغير ملامحه ويشعر بارتجاف يديه، فبدأ يتلو الأدعية بصعوبة ودموعه تتساقط.
قال الشيخ:
- "لا حول ولاقوة إلا بالله."
كان صديقه يحاول التخفيف من حزنه، لكن الشيخ كان يزداد حزنًا، حيث كان يحب (يوسف) بشكل خاص.
بدأ الصوت يرتفع، وتزايدت أصوات الخرفشة من الغرفة المجاورة. تحرك الشيخ وصديقه بسرعة نحو الغرفة المفتوحة.
على دولاب غرفة النوم، كان هناك كلمات مكتوبة بخط مهزوز تقول:
- "لا تترك أصدقائي."
تذكر الشيخ (قصعان) وكيف كان يستمتع في المياه، وتذكر جناحيه ومظهره المميز.
الآن، في مشهد غامض، كان هناك منطقة مغطاة بالأشجار، مع صوت مياه قادم من شلال صغير.
كان (المخملي) يجلس على بعد أمتار، خلفه حراسه الثلاثة، وينظر إلى الوضع المحيط.
قال (الخلي):
- "يا (قصعان)، إنها فترة رائعة قضيناها في الحروب. لن يمر وقت طويل حتى نلتقي مجددًا."
نهض (قصعان) بسرعة، وبدأ يتفقد المكان حوله وكأنه يستعد للقتال. ضحك (الخلي) وقال:
- "لا تحاول أن تدرس تضاريس المكان. يجب أن تعرف أنني من أنقذك من السجن البحري. لولا مساعدتي، لظللت بقية حياتك كطعام للأسماك."
فتح (قصعان) فمه، وكأنه يجرب الكلام، ثم قال بالفارسية:
- "تحدث بالعربية، لأنك تفهمها جيدًا."
ابتسم (المخمل) بابتسامة متوحشة وقال:
- "أنت من أقوى المحاربين الذين حاربتهم على مر السنين. رغم أنك لم تنجح، إلا أنك أظهرت براعتك."
سأل (قصعان):
- "لماذا تفعل هذا؟"
أجاب (المخمل):
- "لأنك الآن هارب من السجن البحري، وسوف تسعى جيوشي لمطاردتك وقتلك، كي لا تتصل ببوابات العالم السفلي وتعيد الحروب القديمة."
سأل (قصعان):
- "وماذا يجب أن أفعل بخصوص بوابات العالم السفلي؟"
أجاب (المخمل):
- "عشيرتك قد دمرت بالكامل، وأنت ستكون فريسة سهلة، ويعلم الجميع أنك تحفظ الكلمات التي تفتح بوابات العالم السفلي. ستستخدمها للحصول على المساعدة من الملوك السفلية."
بدأ (قصعان) ينظر إلى (المخمل) بتركيز، واستمروا في التحديق لبعضهما البعض لحظات طويلة.
قال (قصعان):
- "ماذا تريد؟"
أجاب (المخمل):
- "ما رأيك في عقد تحالف بيننا؟ أنا وجيوشي وأنت، عندما تدخل إلى بوابات العالم السفلي."
العزاء:
في شقة (يوسف)، كانت مليئة بالدماء وبعض الأشرطة التي تركتها الشرطة. كان الظلام يثير القلق، ولكن هناك صوت بكاء متزايد لأكثر من شخص، لا يمكن تحديده بوضوح.
انتهت صلاة المغرب في المسجد، وكان الإمام يظهر عليه الحزن أثناء قراءة القرآن. بعد انتهاء الصلاة، جلس الإمام، ورفع وجهه للمصلين، ثم أمسك بمسبحته.
وقال:
- "بسم الله الرحمن الرحيم، أرجو من الحاضرين الانتظار لحظات قليلة. أرجو من جميع الحاضرين الانتظار قليلاً."
بدأ بعض الناس في العودة إلى مقاعدهم بعد أن قاموا. كان هناك الكثير من الحديث عن الحادثة التي أودت بحياة شباب في سن صغيرة.
أكمل الشيخ حديثه:
- "كل ما أطلبه منكم هو أن تدعو للمتوفين بالرحمة والمغفرة، والثبات عند السؤال في القبر."
ثم رفع الشيخ يديه وبدأ بالدعاء للمتوفين، ودعا الحضور للانضمام إليه في الدعاء. بعد انتهاء الدعاء، بدأ الناس في مغادرة المسجد. توجه الشيخ إلى بيت (يوسف) لتعزية والديه وأسرته.
كان الشيخ يفكر في الكلمات المحفورة على دولاب غرفة النوم، وسأل نفسه من كتبها وما هو رقمها. فتح (إسلام) هاتفه المحمول وبحث عن اسم (حبية) الذي كان قد سجل رقمها من زيارتها له في المستشفى. قال لها إنه سيخرج من المستشفى قريباً وسيتحدث إليها عن كل شيء بعد أن يستقر في منزله.
سألها إذا كان يناسبها اللقاء بعد صلاة العشاء. أجابت أنه قد تكون مشغولة لأن عائلتها لم تحدد بعد إذا كانت ستقوم بالعزاء أم لا، لكنها ستتصل به إذا وافقوا على ذلك.
قال (إسلام) إنه سيذهب إلى بيت (يوسف) أولاً ثم يمكنهما الذهاب إلى أي مكان بعد ذلك. نصحته (حبية) بالاهتمام بنفسه، وأكدت أنها ستبقى على تواصل.
كان مظهر العزاء مهيباً في شقة (يوسف)، حيث توافدت النساء المرتديات السواد. وعلى الرغم من مرور ثلاثة أيام على العزاء، إلا أن الحزن والدموع لا يزالان يملأيان المكان.
في إحدى الغرف، كان (عماد) يجلس مع أحد أقاربه يتحدث عن آخر الأخبار والمستجدات. كان (عماد) يشاهد الصور ويروي كيف أن الأمور قد تسارعت بعد الحادثة، وكيف أن الأمور لم تسر كما كان متوقعًا.
سأل (عماد) شقيقته عن مكان الحادثة، وبدأت في وصفه له. حين وصل (إسلام) إلى بيت (يوسف)، رأى والد يوسف يجلس في صمت، يدخن سيجارة ويبدو عليه الحزن العميق. صرح (إسلام) أنه يعرف والد يوسف، وتبادلوا التعازي، ثم عرف (إسلام) (حبيبة) على والد يوسف وأدخَلها إلى قسم النساء.
جلس (إسلام) مع والد (يوسف) وبدأوا في الحديث عن كيفية استلام الجثة وتأخيرها. والد يوسف قال إن هناك تأخيرًا بسبب الإجراءات القانونية وأنه لا يعلم متى ستصل الجثة.
فجأة، رأى الجميع الشيخ (حمد عبد الفتاح) يدخل، وكان (إسلام) يعتقد أنه ينبغي عليه أن يروي للشيخ عن موضوع ما يتعلق بالمخطوطة التي اكتشفها.
بدأ الشيخ يستمع لـ (يوسف) وهو يشرح له تفاصيل المخطوطة والتحديات التي واجهها. كان الشيخ مندهشًا مما يسمع، لكن (يوسف) أوضح أنه يتبع مشورة الشيخ بخصوص الأمور الغامضة التي يواجهها.
فيما بعد، اجتمع الجميع في المسجد حيث قام الشيخ (محمد) بشرح الأمور المتعلقة بالمخطوطة وحالة (يوسف). كانت القصة معقدة ومليئة بالتفاصيل التي تتطلب اهتمامًا كبيرًا من الجميع.
مع انتهاء اللقاء، تبادل (إسلام) و(عماد) أرقام الهواتف وأخذ كل منهما عنوان الآخر. تساءل (عماد) عن تفاصيل التحقيقات التي لم يتم الكشف عنها، بينما كان (إسلام) يستعد لتقديم أي معلومات قد تكون مفيدة للتحقيقات.
في النهاية، كان هناك صرخات تأتي من الطابق الخامس، مما أثار قلق الجميع وجعلهم ينظرون إلى الأعلى برهبة.ثم نظر البعض متهمين البعض الآخر بمدى فهمهم! كانت هناك صرخة طويلة وشديدة من شخص يعاني. اندفع الجميع يهرولون للوصول إلى الطابق الخاسئ. أثناء صعودهم، حاولت بعض النساء الالتحاق بهم لمعرفة ما يحدث. كان الأب هو الأكثر لهفة وسرعة، ولم يعرف الكثيرون سبب اللهفة الشديدة التي بدا عليها، لكن للحظة كان يبدو وكأنه قد اكتشف شيئاً. وصل (يوسف) من أوائل من وصلوا إلى الطابق الخاسئ، لكن المشكلة أن الباب كان مغلقاً بمعرفة الشرطة، وكان هناك شمع على الباب، وإذا فكك أحدهم هذا الشمع، فسيتعرض للمسائلة القانونية. لكن لم يكن هناك وقت للانتظار. حاول والد (يوسف) ومن معه فتح الباب بقوة، مما أدى إلى كسره بسبب الأضرار التي تعرض لها في الليلة السابقة عند اكتشاف الحادث.
توقف الجميع للحظة حين سمعوا الصوت. توقفت الصرخات فجأة، وظهر أن الشخص الذي كان يحاول كسر الباب قد توقف، وفجأة تحطم الباب تحت ثقل الضغط، وسقط على الأرض.
الإضاءة القادمة من مصباح السلم أظهرت المزيد من التفاصيل، ولكن كل شيء كان هادئًا، والغرفة كما تركتها الشرطة، والنضدة كما هي، وكل شيء في مكانه.
لحظة واحدة! المنضدة لم تتحرك من مكانها. كان المنظر مريعًا في الخارج، حيث كان هناك من يقف في الطرقة من السلم إلى الشقة، ومن يعلق على الدرج. توقف الصوت تمامًا، وبدأ الناس يتلون القرآن. (عماد) و(يوسف) وشقيقته وقفوا يتأملون المنضدة، بينما كان (إسلام) ينظر بغضب.
في الخارج، سمع الأنين مرة أخرى، وشعر الجميع بالذعر. بدأ الصوت يرتفع مجددًا، و(عماد) كان يحاول رؤية ما يحدث من بين كفيه. شعر بالخوف وكان واضحًا من تعبير وجهه.
ارتفع صوت الأنين مرة أخرى، وشعر (عماد) وكأن عينيه قد شهدت مشهدًا لا يُنسى. رأى ثلاث شباب مكبلين ويعذبون، كان هناك كائن مرعب ذو ذيل يمسك بأصابعهم ويقطعها، ويضع قطع الفحم المشتعلة على أطراف الأصابع، مما يسبب تصاعد الدخان وصراخ الشباب.
صوت القرآن كان يرتفع والجميع يقرأ ويدعو، بينما كان هناك امرأتان أغشي عليهما بالخارج. بدأ (عماد) ينظر بذهول، وكأنه يفهم شيئًا لم يكن يعلمه من قبل. رأى (يوسف) ممسكًا بالكائن ويقوم بتقطيعه، مما زاد من رعب (عماد).
في تلك اللحظة، اقترب منه رجل عجوز طويل القامة، ذو لحية بيضاء، يرتدي ملابس غربية، وقال لـ(عماد) بصوت رقيق:
- "أنا هنا لأساعدك، لكن عليك أن تعلم أن هذه المساعدة لها ثمن، وستواجه صعوبات كثيرة في عالم البشر وعالم آخر. لن تتلقى أي مال على مساعدتك، ولكن سيكون حسابك عند الله يوم القيامة."
ثم اقترب الشيخ وأمسك بذراع (عماد) وقال:
- "عليك أن تحمي أصدقاء (يوسف) الآن، وإلا فإنك ستواجه مشاكل."
أفسح (عماد) للشيخ ليدخل، لكن (عماد) سأل:
- "لماذا؟"
أجاب الشيخ:
- "فليساعد الله على ذنوبك، ولينجيك من شر (الملعونين)."
ثم تابع الشيخ سيره باتجاه الشقة.
شعر (عماد) بالحيرة، لكن الصوت توقف فجأة، وعادت المنضدة إلى الهدوء. نظر (عماد) بوجه مليء بالعرق، وعيناه تبحثان بين الواقفين. توقفت عيناه عند فتاة محجبة تبكي، ثم نظر مرة أخرى إلى المنضدة، وحرك رأسه علامة الموافقة.
بعد أن أضاءوا الأنوار في الشقة، بدأ الناس يتلون القرآن. لم يهتم أحد بـ(عماد) الذي انسحب بهدوء من بينهم دون أن يشعر به أحد. دخل إلى شقته وجلس على الأريكة، وكان لا يزال يرتجف. ماذا حدث تلك الليلة؟ كانت ليلة مرعبة.
تذكر (عماد) تفاصيل تلك الليلة:
دخل (عماد) إلى الشقة ورأى ثلاث شباب مكبلين ويحاولون الحركة بلا فائدة. كان هناك كائن مرعب ذو ذيل يمسك بأصابعهم ويقطعها، ويضع الفحم المشتعل على أطراف الأصابع، مما يسبب تصاعد الدخان وصراخ الشباب.
صوت الأنين كان مكتومًا، وبدأ (عماد) يغطي عينيه بيديه، وهو يراقب المشهد الرهيب. اكتشف أن الكائن الذي يعذبهم هو (يوسف)، وكان يشهد هذا المنظر بفزع وغضب.
أتى رجل عجوز طويل القامة ذو لحية بيضاء، وقال لـ(عماد) بصوت منخفض:
- "أنا هنا لأساعدك، لكن عليك أن تكون مستعدًا لمواجهة التحديات القادمة، لأنك ستواجه صعوبات كثيرة في عالم البشر وعالم آخر."
ثم اقترب الشيخ وأمسك بذراع (عماد) وقال:
- "عليك أن تحمي أصدقاء (يوسف) الآن، وإلا فإنك ستواجه مشاكل."
نظر (عماد) إلى الشيخ وسأل:
- "لماذا؟"
أجاب الشيخ:
- "فليساعد الله على ذنوبك، ولينجيك من شر (الملعونين)."
ثم تابع الشيخ سيره إلى الشقة.
كان (عماد) يشعر بالحيرة، لكنه لاحظ أن الأنين قد توقف، وأن المنضدة عادت إلى الهدوء. نظر إلى الفتاة المحجبة التي تبكي، ثم حرك رأسه علامة الموافقة.
بعد ذلك، قرر (عماد) أن يواجه الحقيقة ويستعد لمواجهة التحديات القادمة، وتذكر كل التفاصيل التي مر بها، وعرف أن ما شاهده تلك الليلة لم يكن مجرد هلوسة بل كان حقيقة رهيبةقال الشاب كلمات غير مفهومة بلغة غريبة، وعاد في الثانية الثالثة: صرخ الشاب مرة أخرى وسقط على الأرض وهو يتألم ويصرخ.
- "بزع"
نطقها (حازم) بصوت كال雷؛ وهو يوجهها للشاب الذي توقفت حركته فجأة. ثم نظر (حازم) إلى (مزم) بذهول وقال كلمات آمرة بنفس اللغة الغريبة، وعاد مرة أخرى للنظر إلى الشاب ثم قال:
- "لماذا هربت؟ ووقفت في المخارج عند الدخول؟"
نظر الشاب وقال بصوت خافت كأنه يتحدث إلى رجل أضخم منه:
- "أرجوك لا تؤذيني."
اقترب (حازم) من الشاب الملقى على الأرض وقال بصرامة:
"من قال إنني سأؤذيك؟ أنت فقط تلتزم بأوامري."
"سأنفذ، سأتركك فقط لأعيش؛ ولن أعود مرة أخرى.. أرجوك اجعل (قاصيم) يتركني."
"(قاصيم) لن يتركك إلا بعد أن أتأكد من أنك لن تعود لملاحقة اليد."
"ماذا تريدني أن أفعل؟"
أشار (حازم) برأسه وقال:
- "تتعهد بأنك لن تعود لهذا المكان. ولو عدت مرة أخرى، فسيقوم (قاصيم) بإحضارك مرة أخرى؛ لقتلك."
كاد الشاب أن يتوقف عن الحركة، نظر (حازم) إليه بجمود ثم قال بحدة:
- "ألن تتلو القسم؟ سأعطيك ثلاث ثوانٍ، ثم بعد ذلك سأطلب من (قاصيم) أن يقتلك."
خرج (عماد) من المطبخ وهو يحمل كوب عصير برتقال، وكان يتابع الأحداث بتركيز، بينما الشاب يقول بخوف:
- "أقسم أنني لن أعود لهذا المكان مرة أخرى، ولو عدت، فسيقتلك (قاصيم) ولن أعود لعائلتي لأطلب الثأر منك."
قال (حازم) عبارة آمرة بنفس اللغة الغريبة، فتجمد جسد الشاب لحظة، ثم هدأت حركته، ونظر حوله بذهول مرة أخرى. كان (عماد) يستند إلى باب المطبخ وهو ينظر إلى الشاب وعائلته الذين كادوا يقبلون (حازم) من الشكر، وعرضوا عليه الكثير من النقود، لكنه رفض بأدب، فخرجوا وهم لا يصدقون أنه حل المشكلة دون مقابل.
بعد أن أغلق (حازم) باب الشقة، نظر إلى (عماد) مبتسمًا وقال:
- "أما زلت تتحدث مع (قاصيم) باللغة الأوردية؟"
ضحك (حازم) ثم قال:
"تعلم أنه يحب لغته جدًا، وأنا تعلمتها منه منذ فترة."
"لكنني لا أستطيع التعامل معه، فأنا أعلم الأوردية ولكنني لا أجيدها."
"لا تنسَ، يا صديقي، أنك تتحدث الأوردية الرسمية فقط، ولكن اللهجات الأخرى لا تتقنها، لأن (قاصيم) كما تعلم."
جلس (عماد) بجانب (حازم) على الأريكة، وهو ما زال يشرب من الكوب الذي أحضره من المطبخ، ومدد قدميه أمامه علامة على الاسترخاء.
"ألم تأمر (قاصيم) أن يحضر اللب الذي ينبت على الياب؟ ويكيله بنفس اللغة التي نطق بها، ولكنني رأيت (قاصيم) يستعين بشخص آخر."
"نعم، فقاصيم الآن تحت إشراف أفراد كثيرين من القبائل. يساعده هناك طاقم حراس من انتقام عائلات القتلى."
ثم سكت (حازم) للحظات وهو ينظر إلى السقف، وقال لاحقًا:
- "هناك شيء جعلك تأتي لي الآن بعد غياب عام، وأعتقد أنك تريد مني أن أقدم شيئًا، أليس كذلك؟"
قهقه (عماد) ضاحكًا وقال:
"ما زلت كما تتوقع، تحلل الأمور بدقة."
"ولذلك يفشل الآخرون في اصطيادي."
أخرج (عماد) من جيبه بضعة أوراق، وأعطاها لـ (حازم)، الذي تناولها وفتحها وبدأ في قراءتها بتركيز شديد، حتى وصل إلى كلمات معينة، فنظر إلى (عماد) وقال:
"كلمات لاستدعاء خدام من المين، ليجعلهم أغنياء. هذا غباء، فلا يوجد شيء من هذا القبيل.. ولكن تلك العبارات ليست لاستدعاء أعداء، بل تشبه إيصال رسالة بطريقة شفرية؛ ما تلك الأوراق؟ ومن هو إسحاق هذا؟"
"أكمل قراءة الأوراق لنهايتها، وسأروي لك كل التفاصيل."
"نسيت أن أنبهك ألا تشرب من عصير البرتقال الموجود في الثلاجة، لأن صلاحيته انتهت منذ أسبوعين."
تجمد عماد وهو ينظر إلى الكوب بقرف، في حين أن (حازم) عاد لقراءة الأوراق، ثم نظر إلى (عماد) وقال:
"والآن دعني أروي لك التفاصيل من البداية. بدأ الموضوع عندما جاء ابن عمي وصديقه لزيارة كافيتيريا بالقرب من جامعة القاهرة. على أحد الطاولات يجلس (إسلام) و(حامد) يتحدثان، وحامد يضع يده اليمنى على عكاز لأن قدمه ما زالت في الجبس، فهو يمدها أمامه. كان هناك حديث يدور بينهما باهتمام شديد حول ما حدث في شقة (إسلام) الليلة السابقة. وحامد وصل متأخرًا، فوجد الميعاد في الطابق الخامس، وأصوات القرآن والدعاء تعالت، فلم يفهم شيئًا، لذا رواه (إسلام) باختصار."
"كما قلت لك، كانت المصيبة في (عماد) و(أحمد) رحمه الله. هذا الشخص غير طبيعي، والأفعال التي قام بها كانت غير عادية. عندما ظهر وكأنه يرى أشياء غير موجودة ويتحدث مع أشخاص غير حقيقيين، فجأة اختفى. يجب أن تقابله لتعرف ماذا رأى في تلك الليلة."
"ماذا فعل والد (يوسف) ووالدته بعد الذي شاهدوه في تلك الشقة؟"
"لا أعلم، لأنك رفضت أن تصعد للطابق الخامس في تلك الليلة."
"يبدو أنك نسيت موضوع قدمي. هل تعتقد أنني سأتحمل صعود خمس طوابق وهبوطها؟ يكفيني صعودي للدرجات الصعبة الآن. أكمل في ماذا فعلوا ولا تطرق إلى تفاصيل جانبية."
"والد (يوسف) ظل يقرأ القرآن ويدعو ليوسف و(أحمد) و(حمود) و(مصطفى) بالرحمة والمغفرة. أما والدة (يوسف) فقد ظلت راقدة على السرير طوال الليل في حالة تشبه الغيبوبة، ولكنها كانت في الغالب نائمة. وفي الساعة الواحدة، لم يغادر أحد الشقة. هدأ الجميع وتأكدوا من إغلاق الأبواب والأشياء الغريبة. ستظل تلك الليلة في ذهن الجميع بلا تفسير، لكن أعتقد أن هناك تفسيرًا لكل هذا."
"هناك رسالة من (حامد)، أرسلت لي في تلك الليلة، والوحيد الذي استقبلها وفهمها هو (عماد)، لذلك يجب أن نتعرف على تفاصيلها كما قلت لك، ولكننا سنركز الآن على المعلومات."
نظر (حامد) إلى ساعته التي تجاوزت الرابعة والنصف ثم قال:
"(حبية) تأخرت على الموعد، هل تعتقد أنها لن تأتي؟"
"أمس، عندما شاهدت كل ما حدث في شقة (يوسف) وذهبت، كانت مفزوعة، وحاولت أن أشرح لها كل شيء حدث قبل موت (أحمد). طلبت مني أن نلتقي اليوم في الجامعة بعد انتهاء المحاضرات، ففضلت أن أحضرك كي تسمع أنت أيضًا تفاصيل ما حدث، ولنناقش ما سيحدث في هذا المقهى."
مرت عشر دقائق أخرى، ثم دخلت (حبية) إلى المقهى تبحث بعينيها عن (إسلام)، حتى وجدته، فتوجهت لتحيته واعتذرت عن التأخير. وبعد أن تعرفت إلى (حامد)، جلست
وبدأ (إسلام) في وصف ما شاهده ليلة اجتماعه هو وأصدقاؤه، و(يسرى) و(حامد) يراقبونه بلهفة. حضر
3
جلسة مع ساحر، حيث كان يعمل سحرًا لشخص ما. قام (حازم) بنقد الساحر وقال للجميع إنه نصاب، وأكد أنه لا يصدق مثل تلك الأشياء، وأنهم لا يستطيعون التدخل في عالم البشر ولا يوجد سحر، بل كلها خدع. نظر له الساحر ثم قال:
- "ميعادنا الليلة."
في نفس الليلة، في شقة (حازم)، وأثناء نومه، بدأت النيران تشتعل في الشقة وتكسر الأثاث. كان (حازم) هو الوحيد الذي يقطن بالشقة بعد موت والديه، فلم يعرف ماذا يفعل.
كثيرًا ما سأله (عماد) عن الأشياء التي شاهدها في تلك الليلة في شقته، ولكن (حازم) كان يقول إنه قد فتح على نفسه المشاكل بتحديه للساحر، والذي أرسل له النيران كلها. لكنه بالطبع لم يصف لأحد ما رأى. تاه أن تصحو من نومك وتفتح باب غرفتك، لتجد النيران في كل مكان في الشقة، ومحاصرًا بحائل غير مرئي يمنعك من إنقاذ الشقة. كان المشهد مرعبًا؛ الشقة تحترق والنيران تمنعه من الخروج، وحين حاول الخروج من غرفته اصطدم بحائل غير مرئي يمنعه من إنقاذ الشقة. ما فعله هو أنه ظل في غرفته مغلقًا الباب على نفسه، وجلس على فراشه، وظل يدعو الله! ظل يدعو الله أن ينجيه من تلك المصيبة؛ وعندما انتهى من الدعاء فاضت دموعه وكرر:
- "أهم أني قررت بنفسي وأمنت بك."
لن يصدق أحد ما حدث؛ فقد وجد (حازم) من غرفته سلاسل تحتك يعضها البعض، ثم أصوات تشبه الدق، وانتهى كل شيء. خرج من حجرته ليجد أن النيران خفت، ولا أثر لأي حريق، لكن في وسط الصالة كان هناك كائن قصير القامة ذو عينيين حمراوين يبتسم له. لم يستطع (حازم) أن يحرك عينيه عن هذا الكائن، الذي قال بصوت منخفض:
- "لماذا دعوت الله عندما بدأت النيران؟"
توقف (حازم) للحظات، ثم قال بنبرة هادئة:
- "لأن الله هو الرحيم الذي سينقذني من أي شر، وقد نجاني، والحمد لله."
زادت ابتسامة الكائن، ثم قال:
- "أنا قاصيم."
بتلك الكلمات بدأت صداقة من نوع غريب، بين إنسان من البشر ورجل من الجان. وبدون عهود أو مواعيد بينهم قال (قاصيم) لـ (حازم) إنه سمع إنسانًا من البشر يدعو الله أن ينقذه، وقد رأى أن الذي حدث في الحريق كان من صنع أفراد من الجان موكلين بقتله من قبل شخص آخر، فقاتلهم حين انتهى الأمر.
مرت الأيام و(قاصيم) يظهر لـ (حازم) كل ليلة، ويستأنس به. ربما لا نبالغ إذا قلنا إن هناك علاقة نشأت بينهما، وكان التحذير دائمًا من (قاصيم) أن لا يخبر أحدًا بتلك الصداقة. وبالفعل لم يخبر (حازم) أحدًا سوى (عماد). وتعددت الزيارات حتى وصلت لشهر كامل، حين جاء (قاصيم) في إحدى الليالي وقال:
- "يجب ألا يكون هناك اختلاط بين عالمينا يا (حازم)، كي لا تحدث كوارث. ولكي رأيت فيك شيئًا أراه في غيرك، إذا حملتك مسؤولية: هل ستكون قادرًا عليها؟"
فرد (حازم) بالموافقة، فتابع (قاصيم) الحديث بطريقة غريبة، حيث قال له إن القرآن الكريم حدّث عن عدم الاستعانة بالجان، فقام (حازم) بقراءة آية من سورة الجن:
"بسم الله الرحمن الرحيم، وإنا كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا." صدق الله العظيم.
"صدقت. لكن الاستعانة بالجان هي شرك بالله في أغلب الأحيان، حيث إن الاستعانة بهم تفيد أغراضًا كثيرة، ليس من بينها النفع. هذا غير أن المسلم لا يستعين بهم، ولا يتدخلون في عالم البشر، ولكن من يستعين بهم ويتدخلون في عالم البشر هم فقط المتمردون من عالم الجان، وهؤلاء يضرون عالم البشر. هل تريد أن تصنع عداوة مع الله؟"
"ماذا تقصد؟ بالطبع أريد."
"سأساعدك في اصطياد متمردي الجان، الذين يمسون ضررًا بالناس، ولكن بشروط. فليس هناك عهد بيننا، بل هي مساعدة مني لك، لكي تقوم بمهمتك؛ وعندما تخرج عن مسارها لن أعتمد عليك. ويجب أن تعلم أيضًا أنك إذا قبلت هذا العرض، فستعرض حياتك للخطر، وستواجه صعوبات كثيرة في عالم البشر وعالم الجان أيضًا، ولن تتلقى أي مال على مساعدتك للناس، لأن القوة التي ستمتلكها يجب أن يستفيد منها الناس في الخير، فلا تستفيد منها دنيويًا، بل حسابك سيكون عند رب العالمين يوم القيامة على جهدك في الدفاع عن البشر. هل ترافقني؟"
إلى تلك اللحظة، انسابت في عقل (حازم) الكثير من الأفكار عن حياته القادمة، وأيامه التي سيهبها في مساعدة الآخرين بدون مقابل، ولكن نزعته الدينية التي كانت تسيطر عليه جعلته يقرر أن يقبل.
"موافق... ولكن لماذا لم أواجه إلا حالات مزيفة من الجان؟ ربما هناك بعض الحالات الصحيحة، لكن لماذا قابلت الكثير من المزيفين؟"
"لأن هناك مرضى في عالم البشر ينسبون كل عمل لنا، رغم أنهم لا يعلمون أن حالات التدخل في عالم البشر تحتاج جهودًا كبيرة وليست بالسهولة التي يعتقدونها. هناك حالات كثيرة صحيحة، وحالات أخرى أكثر فتكًا، ولكن يجب أن تعلم أن تلك بعض الأمور لكي تميز بين الاثنين."
"ماذا تقصد؟"
"أنا الآن الذي أتشكل لك لكي ترى الجان على حقيقتهم الطبيعية."
"ماذا؟"
لحظة واحدة، ورأى (حازم) الكثير من الكائنات تتسير وتتحرك حوله، ففغر فاه من الدهشة، ولكنه سمع صوت (قاصيم) يقول:
"لا تخف مما تراه، فسوف تعتاد على هذا بمرور الوقت، وسأكون معك حتى ينتزع الخوف من قلبك. أنت الآن ترى عالم الجان يا صديقي."
"ماذا يعني هذا؟"
كانت تلك البداية لاكتساب (حازم) قدرات كثيرة، منها رؤية الجان، كلها استعداد لمواجهة متمردي الجان. لم يعلم أحد بتفاصيل ما حدث، ولج (حازم) من الكلية، وعمل مدرسًا في إحدى المدارس. وبعدها بعام كانت زيارة من (عماد) الذي قال له:
- "هل تعلم يا (حازم)؟ أريد أن أتعرف على هنا."
أشار بإصبعه ناحية باب غرفة النوم فنظر (حازم) بسرعة إلى الباب، ليجد (قاصيم) ينظر بقلق إلى (عماد)، الذي ابتسم بدوره. جعل (حازم) يقر له بارتباك:
"هل ترى شيئًا بجانب الباب؟"
"نعم يا صديقي، وأنا أراه يسير معك منذ أيام وأراك تنظر له بنظرات جانبية كثيرة. أعتقد أنك قمت بعمل عهد."
"هل ترى الجان أيضًا؟"
"نعم أراهم. والآن ما قصة صديقنا هذا؟"
وبالطبع بعد أن حكى كليهما قصتهما مع رؤية الجان، تعرف (عماد) إلى (قاصيم)، ودارت أحاديث كثيرة بين الثلاثة، بالرغم من اعتراض (عماد) على مساعدة (قاصيم) لـ (حازم)، لخوفه على (حازم) من أن ينزلق في التدخل في عالم الجان. لكن مرور السنوات حملت (حازم) سطوة كبيرة بين متمردي الجان، حتى ذكر اسمه في كل مكان بين الجان، وأصبح له قدرة على تحريك الجان وقمعهم. كان هناك محاولات كثيرة لقتله من عالم الجان، ولكنها فشلت بالكامل، بسبب وجود (قاصيم) الصديق المخلص. ونتيجة لكل ذلك، كانت نية (حازم) على عدم الزواج وتكوين أسرة، خوفًا على أسرته من انتقام الجان. وحين ترك هذا الموضوع واستقر بعيدًا عن هذا العالم، فإنه كان سيجده المتمردون مرة أخرى ويقتلوه.
بعد بضع سنوات، ابتعد (عماد) عنه ليتسبب في مشكلة بسيطة، وعاد للبلدة لاحتياجه لقدراته في عالم الجان مرة أخرى.
نعود مرة أخرى إلى (عماد) و(حازم) بعد انتهاء (عماد) من حديثه، وسؤال (حازم) له عن أصدقائه، وكيف يرى الأمور بين الأصدقاء والتعاون معهمالفصل العاشر
ينظر حازم بتوجس إلى عماد، الذي ابتسم بدوره مما جعل حازم يقر له بارتباك:
"هل ترى شيئًا يحاذي الباب؟"
"نعم يا صديقي؛ وأنا أراه يسير معك منذ أيام. أراك تنظر إليه بنظرات جانبية كثيرة؛ أعتقد أنك قمت بعمل عهد مع أحدهم."
"هل ترى أبلان؟"
"نعم أراهم.. والآن، ما قصة صديقنا هذا؟"
بعد أن حكى كل منهما قصته مع رؤية المداوي، تعرف عماد إلى قاصيم ودارت أحاديث كثيرة بين الثلاثة، بالرغم من اعتراض عماد على مساعدة قاصيم لحازم، خوفًا على حازم من أن ينال منه التمرد في عالم مان، إلا أن مرور السنوات حملت قاصيم سطوة غريبة بين متمردي اللا، وحمل ذكر اسمه الرعب في قلوبهم، وخاصة قسمه الشهير الذي يقول: "قبل أن يفادر المسد، فإنه يُقتل فورًا على يد مساعدي قاصيم."
جمع قاصيم تحت يديه آلاف من الأنصار لمساعدته في القضاء على الفساد بين البشر، وكلهم تحت قيادة حازم الذي كتب اسمه بالدماء في عالم مان. كانت هناك محاولات كثيرة لقتله من عالم أمن الكتبة فشلت بالكامل بسبب وجود قاصيم، الصديق المنعزل والمحارب الشرس ذو القدرات الفائقة.
بسبب كل ما سبق، كانت نية حازم عدم الزواج وتكوين أسرة، خوفًا على أسرته من التعرض للتهديد. فإذا استقر حازم وابتعد عن عالم المان، فسيجد التمردين مرة أخرى ويقتلوه. هو ملاحق دومًا.
بعد بضع سنوات، ابتعد عماد عن حازم بسبب مشكلة بسيطة، وعاد إلى عالم المان لاحتياجه لقدرات حازم مرة أخرى.
نعود إلى عماد وحازم بعد انتهاء حديث عماد، فقام حازم بالتجول في الصالة وهو يفكر ثم نظر إلى عماد وقال:
"قل، أربعة شباب دمروا قرية في الأرض، ولم يهربوا من الجن، يعيثون في عالم البشر بهذا الشكل.. لماذا يقتل هؤلاء القرى بأكملها؟"
"كما قلت لك، اعتبرهم قرينين."
"لا، لا وجود لمثل تلك الأشياء بين أتباع المان. ماذا سيستفيد من هذا القتل بلا داعٍ؟ عالم المان ليس كما في أفلام الرعب، نحن لسنا في عالم الوحوش الأجنبيين بلا سبب. عالم المان منظم أكثر."
"لقد فكرت كثيرًا وتأكدت أنه يريد كقرينين، ولكن لم أصل إلى تفسير للقتل بلا داعٍ وبلا استفادة."
سمع الاثنان صوت قاصيم وهو يقول بالعربية:
"لا يوجد قرين بشري في عالم المان إلا لأغراض معينة، قل اسم هذا الرجل مرة أخرى."
"(للخلبي بن ذاعات)."
انقطع قاصيم عنهم لعشر ثوان ثم ظهر مرة أخرى وهو يقول:
- "للخلبي بن ذاعات، قائد قبائل الجمان. لقد عرفت كل شيء عنه، والآن أنا أعلم السبب الوحيد لاستخدام القرينين البشرية."
نظر الثلاثة إليه بدهشة وهو يروي قصة استخدام القرينين البشرية، وما هي خطواته القادمة.
انطلق صوت الخلبي بن ذاعات وهو يقول لحراسه بهدوء:
"كم تبقى لنا من القرينين؟"
"ليس كثيرًا."
ابتسم الخلبي براحة قائلاً:
- "اقتربت النهاية أخيرًا."
الساعة الآن الخامسة والنصف والأصدقاء ما زالوا يجلسون على الطاولة، وإسلام ينهي حديثه بعد أن أنهى سرد كل الأحداث؛ إلى ليلة الحادث، فتجمد الصمت حتى تكلمت حبيبة قائلة:
"هناك شيء أعتقد أنك نسيته، إسلام."
"ماذا تقصدين؟"
"الحلم الذي رآه يوسف قبل الحادث بليلة، هل تعرفه؟"
"أي حلم؟"
بدأت حبيبة في قص الحلم:
"كان في مكان يشبه الصحراء وهناك قافلة تسير، ويحرسها بعض الأشخاص. وفجأة، رفع أحد حراس القافلة يده، وظل يعوذ بأسماء ملوك المان من شرهم."
"ملوك المان!! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ما معنى هذا؟"
"تعود الآن عندما تقول 'أعوذ بالله من الشيطان الرجيم'. هذا الرجل كان يستعين بملوك المان بلغة قافلته، والاستعاذة بالله هي كفر بالطبع."
"أعوذ بالله، ولكن ما دور المخطوطة في تفسير ذلك؟"
"الرجل الذي تعوذ في الحلم بأسماء لملوك المان قال أسماء معينة، وهذه الأسماء وحدت أنا موجودة في المخطوطة. لكن ليست مباشرة، كما قال الرجل. ببساطة أكثر، الحلم ذكر أسماء موجودة في المخطوطة، لكنها متفرقة في عدة أماكن في النصوص."
"وما معنى هذا؟"
"لا أعلم! لكنها رسالة لم أفهم مضمونها بعد."
بعد انتهاء حبيبة من سرد الحلم، تذكر إسلام شيئًا:
"تذكرت، فقد سأل يوسف عن رؤية الحلم الأخيرة، ولكننا لم نسأله لماذا سأل هنا. لكنا، يوسف هو الوحيد الذي رأى هذا الحلم بيننا."
"أرنا ما رأينا جميعًا هذا الحلم الغريب، بما في ذلك حبيبة، ولم يحدث لنا شيء كما ترقعت، إسلام."
أعاد إسلام رأسه إلى الخلف، وقال بجدية:
"كما قلت لك، كنت قد توقعت أن من حلموا بهذا الحلم سيلاقون نفس المصير، فالحلم كأنه بطاقة مرور لشيء ما. أو هو تحذير من شيء ما سيحدث. وبسبب هذا التحذير، مات الكثيرون. ونحن، كما قلت، رأينا هذا الحلم. لذا، يجب أن نفكر مليًا."
"ماذا نفعل الآن؟"
قالت حبيبة بتأفف:
- "هناك شيء لا أفهمه، إسلام. عندما قلت إنك رأيتني قد حضرت في تلك الليلة وتغديت وتناقشت، تأكدت أنك كنت في المكان ذاته!"
أطلق إسلام زفرة حارة من صدره، وقال:
- "أعلم أن هناك الكثير من الأشياء صعبة التصديق في كل تلك الأحداث، ولكنكم رأيتم ما حدث في الشقة أمس. تأكدتم من أننا محاطون بأشياء غريبة منذ البداية، وكل شيء مباح لرؤية الغرائب. للمرة الأخيرة، أؤكد لكم أنني رأيتك، حامد، وكانت طريقتك في التحرك والتحادث لا يمكن أن أميزها."
قالت حبيبة:
"إذاً، هذا الرجل الذي يدعى عماد هو من يبحث عن المخطوطة كما أخبرك يوسف. لماذا لا تذهب إليه لتستفسر عما توصل إليه؟"
"لقد قابلته أمس في العزاء. ألا تعرفين عندما سمعنا الأصوات من شقة يوسف وصعدنا جميعًا؟ كان هناك رجل يقف في وسط الصالة ويتحدث مع أشخاص غير موجودين."
لمعت عينا حبيبة وهي تتذكر عماد، وقالت:
"ولكن أليس يبدو غريبًا بعض الشيء؟"
"هذا هو الذي يحيرني. فهذا الرجل يبدو أنه يعرف الكثير عن المخطوطة، وعن الحادثة تلك الليلة. على كل حال، لقد حصلت على رقمه الهاتفي."
قال حامد وهو يتذكر شيئًا:
"أنت تتحدث عن عالم المان، إسلام. يجب أن تتعرف على شخص له خبرة بذلك العالم. عندما كنت صغير السن، كنت أسمع عن رجل يعيش في منطقة نائية، يصنع الأحياء والأعمال السحرية ويعرف الكثير عن الأسرار."
"تقصد دجانًا؟"
"لا أعلم، لكني أعلم أنه كان ساحرًا مشهورًا. كنت أسمع من والدي أنه قريب من هذه المنطقة ويعرف الكثير عن عالم المان والمقاريت وقدرته على عمل الأسحار والتعاويذ."
قالت حبيبة بتأفف:
"وهل تريد منا أن نبحث عن ساحر لنستعين به؟ هل تريد أن تكفر؟"
"لا، لا. لن نستعين به، بل سنطلب تفسيرًا منه فقط عن ما يحدث، وعن تلك المخطوطة، وما حدث لي ليلة الحادث."
نظرت حبيبة وإسلام إلى حامد بقلق، ثم قال حامد مبتسمًا:
- "إذن، اتركوني لأستفسر عن بيته، وصدقوني، لن أغيب طويلاً."
الفصل الحادي عشر
صعد حامد السلم ببطء، وهو يستند على الدرابزين بيده الأخرى ممسكًا بالدرج. كان قد عاد حديثًا من الجامعة بعد انتهاء آخر المحاضرات المتأخرة، حيث استمرت حتى الساعة السادسة والنصف مساءً. اتصلت به والدته وأخبرته أنها كانت تبحث عنه منذ أيام، وسألته عن رغبته في أن يتناول معها الطعام في المساء. وبعد ذلك، أكد لها أنه سيكون متفرغًا في هذا الوقت.
اقترب حامد من باب شقته، وعندما همّ بفتح الباب، انتبهت عينيه إلى الظل الغامض الذي كان يختفي في نهاية الممر. فتح الباب على الفور، ورأى أمامه ظلاً ضبابيًا يتجسد في صورة إنسان.
نطق الحارس المتخفّي بصوت هادئ:
- "أهلاً، يبدو أنك في الوقت المحدد."
وما إن أزال الظل الضبابي عباءته، حتى ظهرت ملامحه بوضوح. كان هو نفسه الرجل الذي رأى في حلم حبيبة، والذي بدت على وجهه ملامح الخطورة. أطلق حامد زفرة حارة قائلاً:
- "لم أتوقع أن أراك هنا."
ثم أخذ الرجل المتخفي يتنفس بصعوبة، متجهاً إلى النافذة، وسأل حامد بلهفة:
- "هل أتيت لوحدك؟"
أجابه حامد متعجبًا:
"نعم، لكن من أنت؟"
"أنا من تعرفت عليه منذ فترة، وأعرفك أيضًا، حامد. كان من المفترض أن تكون أنت من يأتي إلي."
بدأ حامد يشعر بالقلق، لكنه حاول أن يظل هادئًا، وأمسك بتلابيب الرجل المتخفي، قائلاً:
- "ما الأمر؟ تحدث بوضوح."
رد الرجل المتخفي بنبرة جادة:
- "لم يكن من المفترض أن يراك أحد هناك. نحن هنا لمهمة معينة. يجب أن تحذر وتراقب كل شيء حولك."
ما إن أتم حديثه، حتى بدأ الحارس المتخفي في التلاشي مرة أخرى. وعندما نظر حامد إلى الوراء، رأى أن الشخص قد اختفى تمامًا. أغلقت الباب بسرعة ووجهت نظره نحو النافذة حيث كان يقف الحارس، متسائلًا عن الرسالة التي كان يحملها.
4.0 ميني يطلبون السماح، يدعونهم، وكان يدع
تعمل طلا"
هنا اتسعت عين (عماد) وهو ينظر بدهشة، والذي أكمل قائلاً: 5-8
- "رحل طاعن السن حمل أنباء مفزعة للمجلس"
"(اللخطي) هو المسؤول عن قتل أكثر من 1700 شخص من إحدى قرى مدن الصعيد. هذا غير أنه عقد معاهدات مع الكثير من البشر مقابل إعطائه قرابين بشرية ليقتلها.
كان تصرفًا عجيبًا لا يصدق، وبدأت حملة البحث وراء الأحداث من قبل قواد المباحث، وكانت الحملة سرية، وظهرت الملامح المثيرة للجميع. (المخعلبي) يستخدم قدراته للتدخل في عالم البشر، ويقتلهم بلا رحمة؛ بل أعطى الكثير من قدراته عندما طلب من البشر مقابل أرواح البعض!.. لم يصدق (يصفيدش) الروايات رغم التأكد منها، وصدر القرار النهائي: والذي ينص على القتل. ولكن بتوسط (يصفيدش) في المحكمة، عوقب الحكم بالسجن مدى الحياة ليكون عبرة لمن يفكر في تعدي القوانين.
قال (حازم) بجدية:
"وما هو موضوع القرابين هذا؟"
"إذا أردت أن تعلم موضوع القرابين، فعليك أولاً أن تتعلم بأمر الملوك السفليين والبوابات السبع."
"البوابات السبع؟"
خرج مأمور القسم، والجميع يقفون منتصبين، يلقون له التحية العسكرية، وأجابها بعجلة: متجهًا إلى سيارته، إلى مجلس السائق بما في انتظاره، وخلفه سيارة شرطة أخرى تراقبه للمزيد من الحماية. فتح أحد المساجين باب السيارة ليدخل المأمور، وتنطلق السيارة به، والسيارة الأخرى ترافقها.
"ألو يا (إسلام) أنا (حامد)."
"بالذكاء.. بالتأكيد رقمك يظهر الآن على هاتفي المحمول وأعرفك."
"اسمع.. عرفت عنوان هذا الساحر الذي يقطن في القطم. متى ستذهب له؟"
"أنت تتكلم عن الذهاب للساحر بسهولة، كأنك تتحدث عن سباك صرف صحي ستذهب إليه لحل مشكلة الحمام. على كل حال، أعتقد أن غدًا يناسبنا، أليس كذلك؟"
"نعم، أجيد، ولكن لنجعلها الساعة التاسعة صباحًا، ما رأيك؟"
"عيد جثا.. نشي في عطلة (الدقي) بالخروج في تمام الساعة الثامنة."
"لا تخف، أنا أيضًا لا أعلمه، ولكن سأستفسر من والدي أكثر عن العنوان، وكما يقولون: "للي بقى على خير، تقرب".
نظر (عماد) بتركيز أكثر إلى (قاصيم) وهو يتحدث عن:
- "آلاف الأعوام لا تعلم حصرها ولا عددها في عالمنا. صف من ملوك وأقوياء، وهم بيننا، أعطاهم مرة.
قاطعه (حازم) بدهشة وهو يقول:
"هل هؤلاء الملوك هم الملوك الذين يحكمون الطوائف الآن؟"
"لا، ليسوا هم ملوك الطوائف. الملوك السبع أسماؤهم تتغير، لا يعلمها إلا القليل، ولكن بلغاتهم المختلفة. يثيرون الرعب في كل القبائل والبلاد والقوميات. قديمًا كانوا بعشرات الآلاف من السحرة، وجدوا كأفراد مجهولين؛ من قبيلة لا تعلم أصلها، عددهم عشرة أفراد. امتلكوا قوة شديدة لدرجة تفرقتهم، وكان تدخلهم بين البشر لا حد له لدرجة أن بعض البشر عبدوهم. كانت تلك البداية لشيء غريب يطلبه الملوك السبع."
"ما هو هذا الشيء؟"
"زاد بطشهم واعتدادهم بعظمتهم، فاستقدم رجالًا يقتلون إرضاءً لهم واتقاءً لشرهم. كل عام يُقدم عشرة رجال ليقتلوهم، ويقدمون أرواحهم للملك. ظل الحال هكذا في الكثير من القبائل البدائية حتى استدعت الأمم الأسطورية. تصاعد شرهم، وطلبوا ما يشبعهم... طلبوا فتاة عذراء، والأمم التي تمونها كل عام لا تُقتل، ولكن تُعطى للملوك السبع إلى العالم السفلي: وبالتأكيد تعلمون ما يفعلونه معها. وفي النهاية، آخر كل عام، تصعد الفتاة إلى عالم البشر ليحضروا الفتاة الجديدة، وتُقدم كل قبيلة وكل أمة عبدتهم في العام."
هذا الفعل فيما بعد صارت تقوم به التضحيات بلا سبيل، وتُقدم الفتيات العذراوات لأممهم: والشمس؛ والريح بدون. ليعلموا أن الفتيات العذراوات دماءهن كانت تُقدم لملوك السحر الشخصيين.
- "كاهن القمل هو السبب في إثارة قتال الملوك وملوكهم ليتم تدمير الاحتكاك بينهم. فالكثير من ملوك السحر لا يتدخلون بين البشر، بل إذا كان هناك تدخل، فهو تدخل لا يُذكر، وليس ممحى تلك الحوادث. هنا، غير أن هناك قبائل كانت توحد بالله وتؤمن به، فلم ترضَ كل هذا البطش من الملوك العشرة، وبدأت الحرب الشهيرة بين الملوك والقبائل، وتسمى حرب (اليخخشود) أو (ذنام) أو (الصيرا) حسب اللغة التي تتحدث بها."
كانت البداية الحرب بين الملوك وبعض القبائل التي أرادت إيقاف شرهم فقط عن عالم البشر، وكانت النتيجة هزيمة القبائل واستيلاء الملوك على أراضيها. مما جعل باقي البلاد وقبائل السحر يرون أن الملوك قد عظمت شوكتهم بين القبائل، مما يهدد الممالك الأخرى. وكان الاتحاد الرهيب بين الممالك وبين الملوك، وتبيّن أن الحرب قتل فيها أعداد لا تُحصى من جيوش الطرفين، وبالتحديد قتل ثلاثة ملوك من العشرة، لينتقل سبعة.
وقع بعض الملوك أسرى في قبضة القبائل، ولم يُعرف من هم المسؤولون عن سجنهم، ولم يُعرف إن كانوا قد قُتلوا، ولكن في مكان نائي في العالم السفلي، تقبع سبع بوابات بأشكالها وأماكنها التي لم يعرفها إلا القبيلة الحارسة، وهي قبيلة فارسية قديمة، تولت مهمة إطعام الملوك وحراسة البوابات، وقد أغلقت البوابات بعزائم قوية وحفظت الملوك هناك، وتولى القبيلة حراسة تلك البوابات، وهي قبيلة شديدة القوة، تُدعى (شادق). وظل سر البوابات السبع ينتقل بين أفرادها، وظل الجميع يحرس البوابات.
عندما جاءت الديانات السماوية، لم تؤمن تلك القبائل بأي ديانة، وظلت كما هي ملحدة، ولكنها لم تتساهل في حراسة البوابات، ولكن كانت لهم صراعات كأي قبيلة. عندما تطورت الصراعات ضد اتحاد الممالك، كان هناك جيش (شادق) بقيادة القائد الملقب بـ (ذو القرن) أو (فسان) كما يُنطق باللغة الفارسية، والذي أذاق المتمردين الويل في حريتهم ضد (لمعالي)، وفي النزاع بين (قصمان) و(لمعالي) كانت الكفة تميل في النهاية لقصمان، حتى ظهر (يصفيدش)، وكان الوحيد الذي يعرف حقيقة عن اللوت، ثم أسر (قصمان) خلال إحدى المآسي، لكي يفقد قوته لأنه من الحن الطيار. وبالطبع، كانت القبيلة تندب عدم انتقامها من الممالك، حيث نظروا في تلك الأوقات.
ولكن للصبية وعماد...
قال (حازم):
"وما علاقة (قصمان) بالمخفي وقراينه؟"
"نسيت أن أقول لك، أن البوابات لفتحها يجب ترديد كلمات من اللسان في حالة معينة من التشكيل، لفتح البوابات فقط. أما قناع الملك بالخروج، فيجب تقديم ألفين من التضحيات البشرية إرضاءً لملاكها... و..."
"وماذا عن الفتاة العذراء؟"
"وفتاة عذراء على قيد الحياة."
هنا هب (عماد) من مقعده، وعيناه تتسع، وهو يتذكر برعب بعض الأحداث:
- "أنا للسثول عن كل هذا، أنا من قدمت بلدان كفربان كقرابين."
"عليك حماية أصدقاء (يوسف)4.0 ميني يطلبون السماح، يدعونهم، وكان يدع
تعمل طلا"!1
7 - الغرفة النحاسية
تصلب (حامد) في موضعه، وهو يشعر بشيء ساخن يلفح جانبه الأيسر مع ضرر أحمر من يساره، في حين نظر (إسلام) بتركيز نحو شيء ما يتشكل على يسار (حامد). اللون الأحمر يتسرب إلى مساحة صغيرة ويتشكل على هيئة طفل قصير لا يتجاوز طوله مترًا أو أقل، ولكن معالم جسده عندما تتضح تظهر أشياء غريبة كقرون في رأسه ولون جلد غير طبيعي. كان يبدو مرهقًا وهو يميل على ركبتيه، ويستند على يديه.
لم يدخل تلك الغرفة إلا قلة قليلة، ناهيك عن أن من خرجوا منها أقل من دخلوا إليها.
أمثال (حامد) كانوا يتحدثون عن (الدقي) المشهورة، والمُعيّن ينتظرهم ليخفف همومهم على عرباته. لكن في تلك اللحظة كان (جيامه) و(إسلام) يجلسان، و(حامد) يتحدث عن شيء ما بجدية بالغة، و(إسلام) يستمع إليه وينصت له بتركيز.
"هل تريد مني أن أثق برجل يقوم بأعمال السحر ويقوم بعمل الأحجية وكتابة التعاويذ ليضر بالناس؟.. أنت فقدت عقلك بالتأكيد."
"من قال إننا نثق به؟.. ولكنه رجل يعرف في تلك الأمور، فلماذا لا نستفيد من معرفته؟.. ألا يمكنك أن تذهب إلى المكان الذي يبيع الأسلحة وتشتري سلاحًا لتدافع به عن نفسك، بالرغم من أن هذا المكان من الممكن أن يضر أحدهم عندما يشتري البعض سلاحًا ليقتل به؟.. ضع ثقتك في هذا. ألا ترى؟"
"جيد، إذن هيا بنا لنذهب إليه."
أمسك (حامد) بيد صديقه، ساحبًا إياه، والخبر ينظر له بتركيز.
ترجل (حامد) من (الميكروباص)، تلاه (إسلام)، الذي نزل معه عند توقف (الميكروباص) النهائي. سار الاثنان نحو البناية، حيث وصلا إلى عمارة كبيرة. فنظر (حامد) حوله، ثم سحب (إسلام) من يديه، ودخلا من الباب الحديدي الكبير. في الدور الأرضي، وقف أمام باب الشقة الوحيدة، وضغط على الجرس.
فتح الباب رجل في الثلاثين من عمره، ودعاهما للدخول.
داخل الغرفة، وقف (إسلام) يتأمل الغرفة التي أدخلهما إليها الرجل. كانت الغرفة تتكون من بضعة مقاعد ومكتب صغير. شكل الغرفة يذكره بغرفة الانتظار في العيادات حيث ينتظر المرضى للطبيب. وبالفعل جلس الاثنان من الرجال، يتحدثون في الداخل، وكأنهم في عيادة بالفعل.
جلس (إسلام) و(حامد) في حين أن أعينهم تعلقت بباب الغرفة أمامهم، يبدو أن الرجل المنشود يقبع هناك. مرّت اللحظات في سكون رهيب، فلا أحد يتكلم، ولا الرجل الذي أدخلهما طلب نقودًا حتى يدخلوا. يبدو أن النقود يتم دفعها أثناء الخروج من المقابلة، لأن السيدة التي خرجت من الغرفة بعد قليل توجهت إلى المكتب الذي يجلس عليه الرجل، وقامت بدفع مبلغ، يبدو أنه مبلغ عُلمت قيمته من الداخل.
قدم الرجلان إلى الغرفة، في حين أن الرجل الجالس على المكتب قد قدم لـ (إسلام) و(حامد) كأسين من العصير، الذي لم يشربه (إسلام)، ولكن (حامد) تناول كوبه ورشف منه بضع رشفات. بعد قرابة نصف الساعة، رجع الرجل إلى المكتب، ثم طلب من الإثنين الدخول إلى الغرفة.
دخلوا إلى غرفة واسعة الطراز، حوائطها مطلية باللون الأبيض وكأنها غرفة طيبة بحق. مكتب كبير ومقاعد فاخرة، وعلى المكتب تراصت أوراق كثيرة، وبعض الأكياس وأشياء أخرى لم يتمكن (إسلام) من معرفتها من النظرة الأولى. ولكن، من خلف المكتب، انطلق صوت رخيم يقول بود:
- "أهلاً (حامد)، أهلاً (إسلام). ماذا لم تشرب العصير؟ (إسلام)، هل اعتقدت أني أقدم لك عقارًا مثل تعاويذ الهيرم؟"
ابتسم الشخص الجالس خلف المكتب.
كانت ملامح الرجل على المقعد ثابتة وهادئة، عيونه، كأنها عيون الشيطان الذي يجلس أمامهم. كان يرتدي ملابس عادية وقبعة صغيرة على رأسه، لكن وجهه، تحته حاجبين كثيفين، بدا وكأنه متلاشى. هناك شارب ولحية قصيرة جدًا. كانت تقاسيم وجهه تقارب تقاسيم الراهب الروسي، ولكن مع فارق أن هذا الرجل أقصر بكثير مقارنة بالراهب، وحواجبه أكثر كثافة أيضًا.
كانت العبارة التي أطلقها الرجل تأثيرها كالصاعقة على (إسلام) تحديدًا لأنه كان يفكر في تلك الفكرة وهو في الخارج. قال في نفسه ربما تكون صدفة، ولكن كيف عرف هذا الرجل باسم (حامد)؟ ألم يخبره أنه سيأتي معه، أو أنه سيذهب من الأساس؟ هنا نطق الرجل قائلًا:
- “أنا (عباد): الرجل الذي تبحثون عنه. تفضلا، اجلسا، أنا تحت أمركما.”
جلس الاثنان برهبة وهما ينظران إلى هذا الرجل، فتحدث (حامد):
- "في الحقيقة، نحن لم نأت إلى هنا لعمل سحر أو فلك سحر. والموضوع باختصار أننا نحتاج للاستشارة فقط."
ظهرت علامات الاستفهام على وجه الرجل وهو ينظر إلى (حامد)، ثم نظر إلى (إسلام) ليكمل هو فقال (إسلام):
"بدأ الموضوع كله بحادثة قتل. كل شيء بدأ بحادثة قبل أربعة أيام من أصدقائي، ومن ثم تطور الموضوع إلى أشياء غريبة، قد تكون مرتبطة بعلم السحر أو غيره."
"لأفهم بشكل أفضل. يبدو أن هناك علاقة بين الحادثة وكل ما تقوله. لم أفهمك جيدًا. أرجو أن توضح أكثر."
أخرج (إسلام) من جيبه بعض الأوراق المكتوبة بخط اليد، وقدمها للرجل الذي أخذها وقرأها بعناية. كانت الأوراق تتحدث عن "إسحاق"، الرحالة العربي الذي دخل مدينة قد مات جميع من فيها. تحتوي الأوراق على نقل كامل للمخطوطة التي يمتلكها (إسلام)، إلا أن جزءًا معينًا قد استبدل (إسلام) الكلمات الخاصة باستدعاء خادم بآية قرآنية.
انتهى الرجل من القراءة ثم نظر إلى (إسلام). طلب التوضيح، فقال (إسلام):
- "هذه الكلمات منقولة نصيًا من المخطوطة الحقيقية التي أمتلكها. لكنني لم أكتب الكلمات الخاصة بتحضير الجن. أريد رأيك في صحة تلك المخطوطة."
نظر الرجل إلى (إسلام) بحيرة، وحاجباه يتعقدان أكثر، وعيناه تتسعان قليلًا، كدلالة على الغضب الشديد، وشفتاه تتحركان حركة بسيطة، كأنه يهمس لنفسه بكلمات مبهمة. وفجأة، ضرب المكتب بقبضته، وهو يقول بصوت غاضب:
- "هل تستهزئ بي، أيها الصبي؟ أخرج الأوراق التي تخفيها في جيبك الأيسر."
نظر الرجل إلى (إسلام) وحاجباه يتعقدان، كان هناك مسة من الغضب. لاحظ (إسلام) أن هناك مجموعة من الأشخاص السود البشرة، الذين يمتلكون ما يشبه الأجنحة خلف ظهورهم. انطلقت عينا الرجل وتوقف عن الكلام، وبدأ يهمس بكلمات مبهمة، ثم تحرك أحدهم بسرعة ليمسك بـ (إسلام) ويضع يده اليسرى على صدره، بينما أمسك بيده الأخرى وجهه. كان (إسلام) غير قادر على الحركة، لكن الرجل ضرب صدره مرة أخرى، وقرب وجهه من وجه (إسلام)، كأنه يستمع له، ثم عاد إلى مكانه، وهمس شيئًا في أذن (إسلام). ثم عاد الرجل ليضرب المكتب بقبضته، وهو يقول:
- "هل تستهزئ بي، أيها الصبي؟ أخرج الأوراق التي تخفيها في جيبك الأيسر."
نظر (إسلام) إلى الرجل، عينيه مليئتين بالخوف من كلماته، وتساءل أين كان الورق الذي حمله معه، لكنه لم يكن يتوقع أن يعرف هذا الرجل مكانه. لم يكن لديه شك في أن الرجل يعلم أكثر مما يبدو.
"من أين عرفت أنني أخفي ورقة في جيبي؟"
"أنت تحمل ورقة مصورة عن ورقة قديمة، مكتوبة منذ قرون، ولكنك حذفت بعض عباراتها."
أخرج (إسلام) الورقة وأعطاها للرجل، الذي تأملها وقرأ كلمات استدعاء الجني التي كتبت في المخطوطة التي أخرجها (إسلام). نظر الرجل إلى (إسلام) بحدة، بينما ابتلع (إسلام) لعابه بصعوبة. ارتفع صوت (حامد) المرتعش وهو يقول:
- "هل هناك حمام قريب من هنا؟"
تجاهل الرجل عبارة (حامد) وقال لـ (إسلام) ببرود:
- "كم شخص اطلع على تلك الأوراق غيرك؟"
مرت لحظات و(إسلام) يفكر هل يذكر أسماء معينة أم يكذب ويقول إنه لم يطلع عليها أحد. ولكنه قرر أن يقول:
"لا أحد."
"كيف لا تعلم؟"
"لأن تلك المخطوطة تخص صديقي، الذي امتلكها قبيل وفاته، ولا أعلم الأشخاص الذين اطلعوا عليها بعد ذلك."
"أنت تحمل في يديك شيئًا لا تعلم قيمته، ولكن هذه الصورة الضوئية ليست الأصلية."
"الأصل موجود في المنزل."
سكت الرجل قليلًا ثم قال:
"وماذا تريد مني؟"
"أريد أن أعرف معنى تلك الكلمات، وهل لها قدرة حقيقية على استحضار الجن، وكيف مات أصدقائي."
"لنكن واقعيين أكثر. أنت تريد معلومات، وأنا أريد شيئًا سأطلبه منك: بعد أن أحضر لك المعلومات، هل توافق؟"
"أوافق."
"إذن نكتب عقدًا بذلك."
"ماذا؟"
توقف (إسلام) للحظات متفاجئًا من موضوع العقد، ولكن الرجل أكمل:
"لا حاجة لعقد قانوني، ولكنها عقد مكتوب بوضوح. إنك ستنفذ ما اتفقنا عليه مقابل الخدمة التي سأقدمها لك. العقد لا يلزمك بشيء، ولكن يعطيني قليل من الاطمئنان في التعامل معك."
"وماذا لو رفضت؟"
"يمكنك أن تخرج من هنا وتبحث عن طريق آخر للحصول على إجاباتك، والتي لن تجدها إلا معي هنا."
كانت نظرة الرجل، الذي يدعى (عباد)، توحي بثقته الكبيرة وقدرته على معرفة إجابات الأسئلة التي طرحها (إسلام)، مما جعل الفضول يقطع (إسلام) للتعامل مع الرجل.
جلس (إسلام) ينتظر رد الرجل، فقال:
- "وافقنا."
أخرج الرجل ورقة طويلة من أحد أدراج مكتبه وقدمها إلى (إسلام)، الذي نظر إليها ليجدها كلها مكتوبة باللون الأحمر بلغة لا يعرفها، برموز غريبة، مليئة بالخطوط والنقاط والتعقيدات. نظر (حامد) إلى الورقة بنظرة بلهاء، وهو يتحدث لنفسه:
- "لا يختلف كثيرًا عن عقد شقة زوج أختي، الذي أجرته له."
نظر (إسلام) إلى الرجل، الذي فوجئ بأنه يعطيه دبوسًا صغيرًا. نظر (إسلام) إليه مستفسرًا، فقال الرجل:
- "توقيعك سيكون بقطرات من دمك على الورقة."
ساد الصمت في الغرفة، إلا من تعليق أطلقه (حامد) بدهشة من طلب السحراء لقطرات الدم والبول. ربما لم يعرف أحد أن (إسلام) كان مستعدًا لدفع عمره لمعرفة قاتل أصدقائه. رغم أن جميع أفعاله كانت متهورة، إلا أنه كان مستعدًا لطعن إصبعه بالدبوس، لتقطير دم بسيط على الورقة، التي سحبها الرجل بابتسامة. ثم قام من على مقعده وتوجه إلى أحد أركان الغرفة، وقال:
- "أنت الآن مؤهل لدخول الغرفة النحاسية، يمكنك اصطحاب صديقك معك."
نظر (إسلام) بدهشة إلى (حامد)، الذي نظر له بدوره بدهشة، وقال:
- "من يقصد بصديقك هذا؟"
نظر الاثنان إلى الرجل، الذي توجه إلى أحد أركان الغرفة وفتح ما يشبه السلم الصغير الذي يقود إلى درجات تقود لأسفل.
جلس إسلام وحامد في الغرفة النحاسية، متفاجئين من تفاصيلها الغريبة وأجوائها التي توحي بالسرية والغموض. كان الضوء الأبيض المنبعث من النقوش على الجدران يخلق تأثيرًا مذهلًا، ويبدو أن النقوش تتحرك بشكل غير منتظم، مما يزيد من رهبة المكان.
سأل إسلام بفضول:
- "لماذا اخترت هذه الغرفة بالذات؟ وما أهمية كل هذه التفاصيل الفلكية والنقوش؟"
رد عياد، وهو ينظر إلى النقوش المتغيرة:
- "هذه الغرفة ليست مجرد مكان عادي. إنها مصممة بطريقة خاصة لتكون محصنة ضد أي تدخل غير مرغوب فيه. النقوش هنا تتبع مواعيد فلكية وخرائط غامضة تتعلق بعوالم أخرى، مما يجعل من الصعب على أي شخص كشف وجودها أو الاقتراب منها. كل حركة في هذه النقوش تعكس تغييرات في العالم المحيط بنا وتساعدنا على حماية أنفسنا."
أضاف عياد وهو يشير إلى الأرفف المليئة بالأوعية والقطع الغربية:
- "القطع الموجودة هنا ليست عادية. يمكنني استخدامها لربط الكائنات والعناصر التي أستدعيها باستخدام الكلمات الخاصة التي تحملها. يمكنني أيضًا التحكم فيها بفضل هذه القطع."
فحص إسلام الأوعية والقطع بعينين متسائلتين، وقال:
- "أنت تعني أن بإمكانك ربط الأشياء بفضل هذه الأدوات؟"
ابتسم عياد وأجاب:
- "بالضبط. هناك قوى غير مرئية يمكن التحكم فيها إذا كنت تمتلك الأدوات المناسبة. سأعرض لك مثالاً الآن."
اقترب عياد من أحد الأرفف وأخذ قنينة شبيهة بالتي تستخدم في الكيمياء. وضعها على الطاولة وبدأ بقراءة كلمات خاصة بصوت خافت. فجأة، بدأ الإناء يضيء بلون أحمر وأصدر حرارة، فتشكلت أمامهم صورة كائن صغير، يشبه الطفل ولكن بملامح غريبة وألوان غير عادية.
قال عياد:
- "هذا الكائن هو مثال على ما يمكنني فعله باستخدام هذه الأدوات. أستطيع استحضار كائنات والتحكم فيها وفقاً لما أحتاجه."
أضاف حامد بفضول:
- "لكن كيف يمكننا أن نكون متأكدين من أن كل هذا ليس مجرد خدعة؟"
رد عياد بهدوء:
- "سترى بنفسك. كل ما تحتاجه هو الصبر وفهم العمليات التي أستخدمها. إذا كنت مستعداً، سنبدأ في تحليل الأوراق التي أحضرتها، وسنرى ما إذا كان يمكننا العثور على المعلومات التي تبحث عنها."
بدأ عياد بفتح الكتاب الضخم على الطاولة، وهو يظهر صفحات مليئة بالرموز الغامضة والتفاصيل المعقدة. قال لإسلام:
- "نحن بحاجة إلى تحليل هذه المعلومات بعناية. دعنا نبدأ بقراءة النصوص وفهمها بشكل صحيح. هذا سيمكننا من تحديد كيفية استخدامها وكيفية حماية أنفسنا من أي تهديدات."
بدأ إسلام وحامد في دراسة النصوص والرموز، بينما عياد أضاف بعض التعديلات على الأدوات والأواني لتحضير البيئة المناسبة لتحليل المعلومات. كان الجو في الغرفة مزيجاً من الحذر والتشويق، مع الإحساس بأن كل خطوة قد تكون حاسمة في اكتشاف الحقيقة وراء الألغاز التي يواجهونها.
"هل هناك شيء قريب على حاني الأمس؟ بل النص؟" قال حامد تلك العبارة وهو يرتعش، غير مصدق. "نعم يا صديقي، هناك عفريت يتشكل على الجهة اليسرى."
كانت تلك العبارة المحيرة لحامد قبل أن يغشى عليه من الخوف. التقطه إسلام، الذي ما زال يحتفظ برباطة جأشه، وساعد صديقه على الاستيقاظ. عياد يقرأ بعض الكلمات وهو ينظر إلى القنينة حيث اختفى المسدس الذي تشكل في الهواء مع استمرار سماع صوت الهواء لحظات بعد اختفاء المسدس من الغرفة.
مرت لحظات قبل أن يفيق حامد من إغمائه ويقول بصوت بدا عليه علامات التعب: "هل تعلم، يبدو أنني كنت أحلم بحلم مرعب. رأيت رجلاً يقوم بتحضير عفريت."
نظر بوهن حوله ثم إلى عباد، وقال: "وهذا الرجل يشبه من كان يقوم بالتحضير. يبدو أنني ما زلت في الفيلم."
خضع حامد متردداً، وإسلام يساعده، حيث ارتفعا في مواجهة عياد، الذي قال: "وأنت الآن صدقت أنني قادر على السيطرة والتحكم بأمور العالم بواسطة الغرفة؟"
بينما شفتاه نطقت بعبارة، قال عياد: "والآن لنرجع إلى الأسئلة. الأسئلة التي تخص ترتيب سحري لأحد أصدقائي الوحيدين بالرفقة." نظر عياد إلى إسلام بابتسامة، وهو ينظر إلى الصوت الخافت القادم من خلفه قائلاً: "قم بإلقاء سؤالك الآن."
نظر إسلام أو حامد خلفهم، واكتفى إسلام بأن قال نفس ما حدث في كل سؤال، ولكن هذه المرة ظل الصوت صامتًا لمدة لا تقل عن دقيقة. ثم سمع الجميع صوت دقة على الأرض، ولكن لم يظهر الجراب. فوجدوا عياد يقول بدهشة: "أهي إحساس؟"
صوت قال: "الملوك السبعة سحرة لأنهم تخطوا القوانين."
"من هو قاتل أصدقائي؟" مرت ثوانٍ طويلة مع استمرار الصوت خلفهم، ثم دق شيء ما على الأرض، وقال الصوت أخيرًا: "المسلي بن ذاعات."
"وما قلهم؟" سأل عياد.
مرت الثواني مع صوت الخرفشة، ثم دق شيء، وجاءهم الصوت يقول: "ابن فياب."
"العلي أراد أن يعلن عودته لمشاعر أمن قيدوه، وأن تكون تلك العودة مؤثرة وتوقف وأراد أن..."
وجد إسلام نفسه يقول: "من هم الملوك السبعة؟"
قنع ابن طارحفيل: "أما اختيار أصدقائك، فليس عشوائيًا. لديك صديق يدعى يوسف بن حسن بن حمد بن علياء بنت صالح بن ديهم بنت أحمد بن إسماعيل الحلاج. صديقك هو حفيد إسماعيل الحلاج، الذي قام بعمل عهد مع المخملي ثم غدر به وأبلغ عنه بفساد عهده، فقاموا بسجنه مدى الحياة. اعتار صديقك، لأنه الحفيد الخامس من الرجال في نسل إسماعيل الحلاج، كما وضح العهد بينهم ليحضر الحفيد الخامس قرائن جديدة، ولي في نفس الوقت للانتقام من جده الحلاج. القرائن كانت أصدقائك، وأكثر من ذلك لا يمكنني أن أعرف."
لاحظ حامد من تغير ملامح عياد أنه قد اندهش من سماع تلك المعلومات، ولو إنه حاول أن يحافظ على صلابة ملامح وجهه. ران الصمت على المكان، حيث تكلم حامد: "أريد أن أسأل سؤالاً."
ترجمه العبادي لرصودة: "اترك لي أنا تلك المهمة البسيطة." قال عباد بابتسامة باردة، ثم أكمل قائلاً: "هي ليست كلمات مترابطة لمعنى المفهوم؛ فهي تختص بقسم بحق أسماء من ملوك الجن. إذ يتم أمر ما يتعلق بالمسلي بن ذاعات، ثم دعوة للمخلي أن يتحد مرة أخرى لشيء ما. اللغة المستخدمة هي اللغة السريانية أو الأرامية مع اللغة العربية. وقد رأيت أسماء لوحية الحان، لكنها غير مفهومة لي. ولكن يبدو أن هناك نوعًا من الشرك أو اللعن في تلك الكلمات، حيث إن من كتبها لم يوضحها جيدًا لتعرف عن أي الأشياء يتحدث. قد كتب العهد أو القسم المطلوب، وقسم استدعاء الجيش، ملحقًا ببعض الأسماء غير المعروفة لنا ولكنها تدل على دلالات معينة."
رد حامد بجدية بعد انتهاء عبارة عباد: "إذًا هناك أمر كبير يتم التحضير له. وقد كان القتل في تلك الليلة هو البداية. دعني أسأل سؤالًا حيرني. يقول إسلام إنه شاهدني وأنا أجلس معه وأتحدث، رغم جلوسي في منزلي في تلك اللحظة. هل يمكنك أن تفسر لي ذلك؟"
"تفسيرها بسيط. بعض الأفراد من الجن يمتلكون قدرة على التشبه بالبشر، ناهيك عن وجود قبائل كاملة لديها القدرة على محاكاة أي شكل بشري. بالتأكيد أحدهم كان الذي حضر معكم تلك الليلة."
انتظر عباد لحظة، ثم قال كما تذكر شيئًا ما: "قيل أن أنسى، لا أعتقد أنه من الجيد أن تتخلص من (ابليى) قبل ميعاد فكه. كان يحب أن توضع فيه أكثر من ذلك، كي تعلم العظام.". "ولم أقل لك أن قدمي كانت موضوعة في الميس! ومن أدراك أنني قمت بفكه قبل ميعاده؟"
"الأحجية هي صخرية."
نظر إسلام فجأة إلى حامد متذكرًا وقال له: "لماذا فككت هذا الميس، وقد تركتك أمس به؟ أليس هذا خطيرًا عليك؟" حرك حامد رأسه بطريقة لا تدل على شيء ثم نظر بنظرة حائرة لعباد، الذي ابتسم له. ليث عاد الشيخ محمد من عمله، ثم توجه إلى غرفة نومه. وعلى وجهه علامات الإرهاق، بدأ في تغيير ملابسه لكي ينام قليلًا قبل صلاة المغرب. بعد أن خلع ملابسه، نظر إلى الدولاب حيث نُحتت عبارة، فوقف وهو يفكر. منذ أن نُحتت العبارة، بدأ يظهر في ذهنه يوسف، لا يعرف لماذا، ولكنه يشعر بإحساسه... ولكنه يتساءل كيف يمكن إرسال رسالة إلى عالم ما بعد الموت؟ عالم ما بعد الموت محجوب عنا، ولا توجد معلومات كافية عنه ما يجعله لغزًا يربك العقول.
حاول الشيخ حمد أن يتجاهل الفكرة، لكن ميتًا يمكنه أن يتصل به أو يرسل له شيئًا ما، ولكنه لم يكن متأكدًا من أي شيء. بل هو طلب أو رسالة اقتصادية بأحجية. شيء مفزع أكثر منه غريب. كاد الشيخ حمد، أثناء تفكيره، أن ينتهي من ارتداء ملابسه المناسبة للنوم، وأتمه للفراش ليريح جسده. لم يكن يعرف ما الذي حدث، ولكنه وجد نفسه قد غط في سبات عميق... ليس نومًا بالمعنى التقليدي، بل كان يرى نفسه وكأنه مستيقظ ومازال حالماً. جلس على فراشه، ولكن الألوان كانت مشوشة وضبابية، وكانت أكثر سرعة. هناك شخص يقترب من فراشه... يقترب، وتميلس، وهو يبتسم له... يوسف!
صوته ارتفع متهدجًا، يناديه بصوت عالٍ: "يوسف!" تململ يوسف على طرف الفراش أمام الشيخ، الذي نظر إليه بدهشة غير مصدق. تكلم يوسف بابتسامة: "كيف حالك؟"
لم يرد الشيخ بل ظل ينظر إليه بعين مفتوحة من أثر الصدمة. قال يوسف: "ألا تفهم؟ أنا لست هنا لإقناعك. أنا هنا لأكمل طلبي منك."
هناك مرآة معلقة على الجانب الآخر من الغرفة، تظهر مظهرًا متوسّطًا للغرفة والفراش. لا يعلم الشيخ ما الذي ينظر إليه، ولكنه قرر أن يتحدث: "ماذا؟"
قال يوسف: "سوف تحتاج إلى فتاة عذراء، يا شيخ، سيأخذها (حبية) من الأسف. فرأى نفسه يجلس على الفراش كما هو، ولكن لا أثر ليوسف."
"وماذا أفعل، يا يوسف، كي أحقق ذلك؟"
قال يوسف: "ستفعل، ولكن سأطلب منك أن تكون في حالة استرخاء الآن. سأساعدك وسأتحدث إليك للحظات." ثم قال: "ما تحتاجه هو أن تقبل المساعدة التي ستأتي لك، ولا تفكر في التفاصيل الآن."
سأله الشيخ: "ماذا تريد، يا يوسف؟"
أجابه يوسف: "أي مساعدة تريد؟ هناك الكثير من ضحايا (المخلي) الذين يريدون الانتقام. الحرب بدأت الآن. عليك أن تبذل قصارى جهدك لحماية أصدقائك."
أعدك، يا يوسف... أعدك."
قال يوسف: "تذكر عبارة (لمذيحة)... ستساعدك في ما تحتاجه."
"لا أفهم!"
قال يوسف: "بمارد من أبلية، اسمه (المخلي)، وهو من عاد لينتقم. إنه يريد أن يأخذ أصدقائي لاكتمال القرائن ويطلب فتاة عذراء."
"والآن، استرخي بعمق، يا شيخ، لأن عقلك سيشعر بالضغط من هذه المحادثة. فلتسترخِ، وعندما تفيق، عليك بالاهتمام بأصدقائك. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
قال الشيخ: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. رحمك الله."
سار حامد وإسلام في طريقهما صامتين، حيث ارتفع صوت هاتف إسلام المحمول، تأرجح الهاتف على شاشته وانعقد حاجباه، وهو يقول بدهشة: "عماد! من عماد هنا الذي سجلت أمه ورقم هاتفه على هاتفي؟"
"ألو... وعليكم السلام. الحمد لله، من معي؟" قال عماد: "نعم، تذكرتك. آسف على سهوّي. ماذا تريد أن تقابل الآن؟ سأعود إلى منزلي عند الساعة السادسة. ما رأيك؟ هل تعرف حي روض الفرج؟ جيد جدًا، اتجه إلى المول المشهور هناك، اسمه (الأمير). نعم، هو هناك. اسأل عن شارع الكركي، نعم عمارة رقم 287، الدور الثالث. سأنتظرك أنا وصديقي حامد. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته."
"ماذا يريد عماد أن يقابلك؟"
"لا أعلم، ولكن يجب أن أضمن عدم وجود ردود غير متوقعة في المول كي نتمكن من النقاش جديًا. لا تكثر من الأسئلة عن تفاصيله."
"سمع، يمكنك الاتصال بشقيقتك لتخبرها أنك تحتاج إلى المنزل الليلة، وتطلب منها أن تتصل بوالديك، وتطلب منهم ألا يتأخروا ليأتيوا في الوقت المناسب."
"بالتأكيد هي لن تذكر شيئًا لك، ولكن تأكد من إخبارهم عندما يحين الوقت.""ولم أقل لك أن قدمي كانت موضوعة في الميس! ومن أدراك أنني قمت بفكه قبل ميعاده؟"
"الأحجية هي صخرية."
نظر إسلام فجأة إلى حامد متذكرًا وقال له: "لماذا فككت هذا الميس، وقد تركتك أمس به؟ أليس هذا خطيرًا عليك؟" حرك حامد رأسه بطريقة لا تدل على شيء ثم نظر بنظرة حائرة لعباد، الذي ابتسم له. ليث عاد الشيخ محمد من عمله، ثم توجه إلى غرفة نومه. وعلى وجهه علامات الإرهاق، بدأ في تغيير ملابسه لكي ينام قليلًا قبل صلاة المغرب. بعد أن خلع ملابسه، نظر إلى الدولاب حيث نُحتت عبارة، فوقف وهو يفكر. منذ أن نُحتت العبارة، بدأ يظهر في ذهنه يوسف، لا يعرف لماذا، ولكنه يشعر بإحساسه... ولكنه يتساءل كيف يمكن إرسال رسالة إلى عالم ما بعد الموت؟ عالم ما بعد الموت محجوب عنا، ولا توجد معلومات كافية عنه ما يجعله لغزًا يربك العقول.
حاول الشيخ حمد أن يتجاهل الفكرة، لكن ميتًا يمكنه أن يتصل به أو يرسل له شيئًا ما، ولكنه لم يكن متأكدًا من أي شيء. بل هو طلب أو رسالة اقتصادية بأحجية. شيء مفزع أكثر منه غريب. كاد الشيخ حمد، أثناء تفكيره، أن ينتهي من ارتداء ملابسه المناسبة للنوم، وأتمه للفراش ليريح جسده. لم يكن يعرف ما الذي حدث، ولكنه وجد نفسه قد غط في سبات عميق... ليس نومًا بالمعنى التقليدي، بل كان يرى نفسه وكأنه مستيقظ ومازال حالماً. جلس على فراشه، ولكن الألوان كانت مشوشة وضبابية، وكانت أكثر سرعة. هناك شخص يقترب من فراشه... يقترب، وتميلس، وهو يبتسم له... يوسف!
صوته ارتفع متهدجًا، يناديه بصوت عالٍ: "يوسف!" تململ يوسف على طرف الفراش أمام الشيخ، الذي نظر إليه بدهشة غير مصدق. تكلم يوسف بابتسامة: "كيف حالك؟"
لم يرد الشيخ بل ظل ينظر إليه بعين مفتوحة من أثر الصدمة. قال يوسف: "ألا تفهم؟ أنا لست هنا لإقناعك. أنا هنا لأكمل طلبي منك."
هناك مرآة معلقة على الجانب الآخر من الغرفة، تظهر مظهرًا متوسّطًا للغرفة والفراش. لا يعلم الشيخ ما الذي ينظر إليه، ولكنه قرر أن يتحدث: "ماذا؟"
قال يوسف: "سوف تحتاج إلى فتاة عذراء، يا شيخ، سيأخذها (حبية) من الأسف. فرأى نفسه يجلس على الفراش كما هو، ولكن لا أثر ليوسف."
"وماذا أفعل، يا يوسف، كي أحقق ذلك؟"
قال يوسف: "ستفعل، ولكن سأطلب منك أن تكون في حالة استرخاء الآن. سأساعدك وسأتحدث إليك للحظات." ثم قال: "ما تحتاجه هو أن تقبل المساعدة التي ستأتي لك، ولا تفكر في التفاصيل الآن."
سأله الشيخ: "ماذا تريد، يا يوسف؟"
أجابه يوسف: "أي مساعدة تريد؟ هناك الكثير من ضحايا (المخلي) الذين يريدون الانتقام. الحرب بدأت الآن. عليك أن تبذل قصارى جهدك لحماية أصدقائك."
أعدك، يا يوسف... أعدك."
قال يوسف: "تذكر عبارة (لمذيحة)... ستساعدك في ما تحتاجه."
"لا أفهم!"
قال يوسف: "بمارد من أبلية، اسمه (المخلي)، وهو من عاد لينتقم. إنه يريد أن يأخذ أصدقائي لاكتمال القرائن ويطلب فتاة عذراء."
"والآن، استرخي بعمق، يا شيخ، لأن عقلك سيشعر بالضغط من هذه المحادثة. فلتسترخِ، وعندما تفيق، عليك بالاهتمام بأصدقائك. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
قال الشيخ: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. رحمك الله."
سار حامد وإسلام في طريقهما صامتين، حيث ارتفع صوت هاتف إسلام المحمول، تأرجح الهاتف على شاشته وانعقد حاجباه، وهو يقول بدهشة: "عماد! من عماد هنا الذي سجلت أمه ورقم هاتفه على هاتفي؟"
"ألو... وعليكم السلام. الحمد لله، من معي؟" قال عماد: "نعم، تذكرتك. آسف على سهوّي. ماذا تريد أن تقابل الآن؟ سأعود إلى منزلي عند الساعة السادسة. ما رأيك؟ هل تعرف حي روض الفرج؟ جيد جدًا، اتجه إلى المول المشهور هناك، اسمه (الأمير). نعم، هو هناك. اسأل عن شارع الكركي، نعم عمارة رقم 287، الدور الثالث. سأنتظرك أنا وصديقي حامد. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته."
"ماذا يريد عماد أن يقابلك؟"
"لا أعلم، ولكن يجب أن أضمن عدم وجود ردود غير متوقعة في المول كي نتمكن من النقاش جديًا. لا تكثر من الأسئلة عن تفاصيله."
"سمع، يمكنك الاتصال بشقيقتك لتخبرها أنك تحتاج إلى المنزل الليلة، وتطلب منها أن تتصل بوالديك، وتطلب منهم ألا يتأخروا ليأتيوا في الوقت المناسب."
"بالتأكيد هي لن تذكر شيئًا لك، ولكن تأكد من إخبارهم عندما يحين الوقت." ". 2
-
"عرّفكم بالشيخ محمد عند الفتاج، شيخ حمد، وأعرفكم بالأستاذ (عماد) وصديقه (حازم). كان التعارف سريعًا، فتقدم (عماد) وهو ينظر للشيخ، وتركب ليصافحه، ثم تقدم (حازم) ليصافح الشيخ بابتسامة كبيرة، وهو يقول:
"شيخ محمد عبد الفتاح، ومن لا يعرفه؟ لقد تشرفت بلقاءك، يا شيخنا. شهرتك تسبقك."
"أشكرك على المجاملة، يا أستاذ... ألم تسمع بي من قبل، يا شيخ؟"
بدا أن الشيخ لم يكن يجيب، نظر (حازم) إلى إسلام مستفسرًا، فدلّه إسلام على دورة المياه وأوصله إليها، ثم عاد إلى الصالون.
"تفضل، يا شيخ..."
"ماذا كنا نقول، يا شيخ؟ لا تخف، فالأستاذ (عماد) جاء اليوم لأقوم بحمايتكم. يعرف الموضوع منذ زمن، وقريبه هو أحد أصدقائي الذين قلنا لهم تلك الليلة."
فجأة، رن جرس الباب مرة أخرى. هرع (إسلام) ليفتحه، وكان الشخص الموجود خلف الباب هو الشيخ (حمد) نفسه، مفاجأة كبيرة!
نظر (إسلام) إلى الشيخ ثم ضاقت عيناه من الغضب، ونظر حوله ليجد أن (حازم) عائدًا من دورة المياه، ذاهبًا إلى الصالون. أشار (إسلام) للشيخ بالدخول بسرعة وأغلق الباب خلفه، ثم اقترب ببطء من الصالون حيث كان (حازم) يقول للشيخ:
"من الأشياء الفظيعة التي لا أتحملها أن يُكذب أحدهم عليّ، يا شيخنا."
"ماذا كذّب عليك؟"
أجابه (حازم) بلهجة غاضبة:
- "عندما قلت أنك لم تسمع بي من قبل، عندما أتيت."
قام الشيخ من مجلسه ليخرج من الصالون، ولكن (حازم) حجزه من الخلف، مُطوقًا رقبته بسكين مطبخ أخرجها من طيات ملابسه بسرعة، وقال:
- "لا تتحرك من مكانك، وإلا ستندم، أيها الغول الصغير."
في تلك اللحظة، دخل الصالون الشيخ (حمد) مع (إسلام) ووقف (حامد) و(عماد) ليقفوا أمام الشيخ الفتي، الذي كان يتعرض للتطويق من قِبل (حازم). كانت مفاجأة للشيخ (حمد) أن يرى الشبيه له في الصالون، وهناك شخص آخر يطوقه.
"من أنت؟" نطقها (حامد) بفزع، وهو ينظر إلى الشيخ الذي يطوقه (حازم)، الذي كان يحاول الفكاك منه، فقال (عماد) بفضب:
"أمرُك على الرحل الذي يجلس معكم، وجَل من قبائل الفلان."
حاول الشبيه، في تلك اللحظة، أن يزيد من مقاومته لـ(حازم)، ولكن هذا الأخير قال بصوت منخفض ومرعب:
- "قلت لك لا تتحرك: قتلك الآن لا يساوي عندي قتل حشرة، وأنت تعلم أنني لا أتراجع في المعركة."
كان الشبيه في حالة من الصدمة، ولكن عندما لفت انتباه (إسلام) لحديثه، أفاق من ذهوله وحاول إمساك (إسلام)، إلا أن (إسلام) قام برفع الشبيه من على الأرض وكأنه يحمل دمية، ثم دار به دورة في المكان وقذفه على أحد المقاعد. طار الشبيه ليصطدم بالمقعد ويسقط على الأرض، ولكنه بعد سقوطه نظر إلى الأعلى، ليجد (إسلام) قد صار أمامه، وعلى وجهه علامات الغضب التي تتخللها ابتسامة وحشية، كأنه أسد يتربص بفريسته. أمسك بشعر رأس الشبيه بيده اليسرى، واليد الأخرى كانت ممسكة بالسكين التي سقطت من الشبيه، وضع السكين على رقبته وقال بغضب:
- "من أعطاكم الحق بأن تقرروا مصير أصدقائي؟ انتهى زمن الألعاب الصبيانية، وحان الوقت لتبدأ الحرب الحقيقية."
لم يكن الشبيه قادرًا على التحرك بسبب الصدمة، ولكن عندما لفت انتباه (إسلام) لحديثه، أفاق وحاول إمساك (إسلام)، إلا أن (إسلام) كان قد طعنه بالسكين.
وقف (إسلام) وهو يحمل السكين بيده، والدماء تغرق أكمام قميصه ويديه. ظل الشبيه يتخبط بحركة عشوائية حتى بدأت ملامح وجهه في الزوال، وتحولت إلى لون أسود متفحم. نظر (حازم) حوله وصرخ قائلًا:
- "أحضر حراسك! دعهم يتدخلون قبل أن نندم."
أصبح المكان في حالة من الفوضى. بينما كان (إسلام) واقفًا، ممسكًا بالسكين والدماء تملأ أكمامه، كان (عماد) يقترب منه بهدوء، موجهًا له كلمات الدعم:
- "لا تخف، يا (إسلام)، أنت فعلت الشيء الصحيح، وهو يستحق القتل بالفعل. أعطني تلك السكين."
تغيرت ملامح (إسلام) فجأة، وهو يقول بقلق:
- "لا تخف، أنا ما زلت في وعبي. يمكنك أخذ السكين ولا تعض."
بينما كان (عماد) يتناول السكين، انفتح باب الغرفة فجأة، وأخذت حركات (حازم) تتسارع، وهو يتحدث بلغة غير مفهومة، مما زاد من توتر الجميع.
في الزاوية، كان (عباد) ينظر إلى أحد الأركان حيث كانت إحدى النقوش تتحرك بسرعة، ثم ظهرت امرأة شابة، وتوقف النقش لحظة، ثم تحرك نقش آخر ضخم ومخيف. نظر (عباد) للنقش، وتأمل في المنظر بدهشة.
الساعة السابعة والنصف مساءً، في أسيوط، مركز منقوط، قرية بني العشاب (اسم محرف عن اسم القرية الأصلية). القرية التي تبعد عن الطريق الصحراوي مسافة كيلومترين.
جلس (حمد) وصديقه (عيد الباري) على إحدى التلال الرملية، يتحدثان بينما دخنوا السجائر. كانت الصحراء القاحلة تحيط بهم، والليل قد أسدل ستاره، وقاموا بالحديث عن تاريخ الحملة الفرنسية.
"هل تذكر ماذا قال أحد الأطفال في المدرسة عن تاريخ الحملة الفرنسية؟"
"ماذا قال؟"
"قال إن جده روى له عن جثث مدفونة تحت الأرض في القرية، وأنهم كانوا يسمعون أصوات بكاء تأتي من تلك الأرض، لكن لم يخرج أحد من القرية أثناء تلك الأصوات."
ابتسم (عيد الباري) وهو يتذكر القصص التي سمعها في الصغر، وقال:
"هل تتذكر عندما كنا صغارًا ونتبادل القصص الرعبية من أهل البلدة؟"
"بالطبع أذكر، القصص عن النداهة والشيطان الذي يظهر في شكل كلب ويعيش في القبور."
تحدث (عيد الباري) وهو يتذكر القصص التي كان يسمعها من صغره. وهو إن تلك الأرض دفن فيها الرجال والنساء لتقوا ضد الاحتلال الفرنسي من بلدتنا، وأرواحهم مازالت تئن. وأنا كنت أظهر خطأ في روايتك: لأن جثث المقاومين الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي دفنت تحت قرية أوم، ليست بالبعيدة. وكنت أنا الذي أقوم برواية قصتي وأصر عليها.
هنا قال (عماد) وهو يتذكر لحظات:
- "نعم، نعم. كنت تقول إن أحد أجدادك هو الذي عاصر ذلك الاحتلال. وأن هنا للقرية قديمة هدمها أحد العشائر لتسكن مكانها ثم تطورت تلك الأعشاش لتصبح قرية كبيرة خلال سنوات. ولم يبقَ من القرية القديمة إلا المقابر التي تخصهم، والتي أُستخدمت الأحجار التي كتبت عليها أسماء الموتى في بناء بعض بيوت قريتنا وسور طويل تم تشييده حولها، وهناك من يعتقد أن الأعشاش كانت تبني فوق المقابر القديمة، لأن هناك أصوات صراخ تأتي من أماكنها كل عام، وهناك من شاهدوا أشخاصًا يقفرون في هذا المكان ويتحدثون والبعض يبيع والبعض يشتري وكأن هناك من يقوم بطقوس!! وذلك يستمر لسبعة أيام، وينتهي بصراخ مرير لأولئك الأشخاص، ثم يموت كل شيء بالتدريج."
هنا قال (عبد الباري) بعد أن انتهى (عماد) قائلًا:
- "وكيف نذهب أنا وأطفال القرية إلى تلك المنطقة؟ نحن نملس عليها الآن، لأن المقابر بها. ونتذكر أننا في البداية ذهبنا جميعًا وحاولنا أن نبحث عن القبور، لكننا لم نصادف أي شيء في أول ليلة، ثم أصبح لقاؤنا لتلك المنطقة شيئًا طبيعيًا كل بضعة أيام، ولكنه لم يكن يستمر أكثر من نصف ساعة كي لا نغيب عن القرية."
وهنا تغيرت ملامح (عيد الباري) وقال:
"ولم نر شيئًا مرعبًا حتى الآن، أليس كذلك؟"
"هل تريد أن تلعب معي؟ لو لتفقنا، فهيا بنا نلعب بعيدا عن مقابرنا."
للحظة ثم نظر (عيد الباري) إلى (عبد الباري) بوجه مرتبك. لم يعرف ماذا يفعل؛ ولكن الصيغة كانت:
"بالتأكيد، لم يلاحظ أحدنا شيئًا، قال مرة أخيرة."
"هل تريد أن تلعب معي أم لا؟"
تلقى ردًا من (حمد)، فكرر للمرة الثالثة العبارة بصوت أكثر حدة، فما كان من (حمد) إلا أن هز رأسه علامة النفي، وملامح القلق تغلف وجهه، وجسده لا يكف عن الارتعاش. ثم أشار الطفل برأسه بأسى وسار بعيدًا. لم يتمالك (حمد) نفسه وأحس أن رأسه يدور ببطء، والدنيا تظلم أمامه، وألم خفيف يغزو مقدمة رأسه. بعدها وقع أرضًا للحظات، وأحس أنه يفقد وعيه، لكنه قام مترنحًا يحاول أن يتمالك نفسه، فسقط مرة أخرى، فحاول ثانية، وهذه المرة أحس أن وعيه قد عاد، فأخذ في الجري باتجاه أصدقائه وهو يتعثر، ويقوم مرة أخرى، حين وصل إليهم.
بعقله الطفولي، ظن أنه لو روى لأصدقائه ما رأى، سيكون مضحكًا لأهل بلدته، فقال لهم إنه رأى كابوسًا فقط. هذا هو سبب جريه المتواصل، ووجهه الشاحب، الذي سأله الصبيان عنه. لم يعلم أن (عيد الباري) كان الوحيد الذي كان ينظر لملامح وجهه بشك، ولكنه تردد أن يسأله سؤالاً، وهو: هل عرض عليك أحدهم أن تلعب معه؟
كان الارتباك يلف ملامحهم، وكل منهم يحاول أن يتمالك أعصابه كي لا يفضح عنما بدا عليه أو يلاحظ الآخر أي شيء غريب. الحراس كانوا يجلسون في تلك المنطقة ليلاً، استأذن (حمد) ليذهب بعيدًا قليلاً ليقضي حاجته، ثم عاد إلى السير كي يتمدد قليلاً عن صوته الطويل.
كان يتأمل طفلًا يشبه طوله لطول (حمد) عندما كان طفلًا. فجأة، توقفت خطواته وسكت، فتوقف الصوت. نظر خلفه فوجد صبيًا مغطيًا بالدما، بوجهه وعينيه الواسعتين تنظر له على اتساعهما! صرخ (حمد) فزعًا، ولكن الطفل وضع يده على فمه، فكتم صرخته، ثم اقترب ببطء من وجهه وقال بصوت ناعم خفيض:
"لا تخف، أنا لست هنا لأؤذيك."
قرر الاثنان ألا يخبروا أي أحد. بالرغم من أن أحدهما لم يخبر الآخر شيئًا، إلا أن الاجتماعات تكررت مرة أخرى للأطفال في ذلك المكان، وخاصة مع إمكانية لعب الكرة هناك، بدون أن يزعجهم أحد. لقد قرر الاثنان من داخلهما أن ما حدث ما هو إلا خيال، وطالما أنهما مبتعدان عن ذلك المكان الذي يقول أهل القرية إنه مقابر قديمة، فلا خطر.
لكن السؤال من الأطفال كان لماذا كانت تلك المنطقة أعلى من باقي المناطق الأخرى وكأنها على تلة مرتفعة؟
الأحداث تنتشر بسرعة، وتدور حول نفسها وهي تصرخ، ولكنها تندلع مرة أخرى، ثم تشتعل مرة ثانية، وتظل تشتعل مرة أخرى!
أحد حراس (المعملي) يقف بعيدًا عن برودة الأحداث في شقة (إسلام) وهو يشاهد: (عماد) يقترب ببطء من (إسلام) الذي تراجع للخلف، حيث التصق بالخائط، أما (حازم) فكان يتحدث باللغة الأوردية، وعلى وجهه علامات الدهشة. (عماد) يقترب وهو يقول:
"لا تخف يا إسلام، أنت فعلت الشيء الصحيح، أعطني تلك السكين."
تغيرت ملامح (إسلام) في لحظة، وقال بمدى:
- "لا، أنا مزعج في وضعي، يمكنك أخذ السكين، ولكن دعني أشرح لك."
التفت الحارس (حسام) نحو (إسلام) وأحس بالتوتر، وطلبت منه (حازم) أن يتوقف.
قال (حازم) في إصرار:
- "لا تقتل مرة أخرى، يا إسلام، كفاك دماء."
وقف الجميع في صمت، وكان شيخهم ينظر لهم نظرة شفقة، وعيناه تعبران عن القلق. بدأ الموقف يزداد توترًا، وظهرت بقعة من الضوء على الأرض، صغيرة في الحجم، تتوهج بلون أبيض ثم تتغير تدريجياً إلى الأحمر، ثم يتزايد الضوء تدريجياً.
نزل (إسلام) على ركبتيه، وتبعه حازم قائلاً بالعربية:
- "أجبر الأسير على الظهور."
كان الاثنان ينظران إلى بقعة على السجاد، وبالفعل ظهر ضوء أصفر كأنه من مصباح صغير يتوهج للحظة، ثم غمق قليلاً. وضع كل من (عماد) و(حازم) أيديهما على رؤوسهم من الألم الذي شعروا به، وقال (عماد) بدون أن يرفع عينه عن البقعة ذات اللون الأبيض:
- "لا مشكلة، سينتهي الألم قريبًا لأن الغرفة مليئة بالمواد."
أنزل (إسلام) جبهته على الأرض، ونظر إلى البقعة ثم اقترب منها، ونظراته الحادة تميل بالبقعة، التي تغير لونها من الأبيض إلى لون يشبه الأرجواني ثم نعيم الضوء، ليظهر غشاء صغير لا يتعدى الثقب، ويرقد بجانبه وهو يتأوه بصوت خفيض.
قيلت تلك العبارة بصوت قريب من النبوة، فنظر المميع إلى البقعة باندهاش، كان (إسلام) هو من نطق السؤال، وكان الأكثر تعجبًا من الجميع. لم يكن صمت دهشة، بل صمت الأذى، حيث عجز المميعون عن التعليق على العبارة، وكأنهم ينتظرون الضيف.
مرت ثوانٍ كالعمر، ثم قطعها صوت طويل، لم يكن يمكن تحديد مصدره، وكأن هناك شيء يزحف على السجاد في بقعة معينة، يصدر منها الصوت. التفت (عماد) إلى (حازم) وهو يشير إلى بقعة على السجاد، وأكد أن الأسير هو من أجبر على الظهور.
وأيضًا النيران اشتعلت مرة أخرى، وبدأت تلتهم (حبي)، ووالدها. ظهر شاب يحمل دلو ماء من داخل الشقة، وأفرغه مرة أخرى على بداية النيران.
قال عماد بقلق وهو ينظر إلى إسلام، ممسكًا بهاتفه المحمول: "يجب عليك أن تحاول حتى تأخذ هي على أمان."
رد إسلام وهو ينظر إلى عماد: "أعطنا تحديد الشخص المطلوب الآن في عالم الحان."
تصاعد صوت حازم وهو يتكلم: "وقاضيي فرك يسود فقيفه مرة أخرى بعد أن تلفنهم."
نظر له إسلام معترضًا، فقال حازم: "لا يجب علينا أن تحتفظ به؛ نحن في غنى عن المشاكل الآن."
بدأ الجسد الملقى على الأرض يغلف بالأغطية السوداء إلى أن اختفى. في حين تكلم الشيخ فقال: "لم أكن سأصدق أنني سأتعرض لكل تلك الأشياء في هذه اللحظات."
نظر حامد إلى حازم، ونظر حازم إلى إسلام، بينما كان إسلام مشغولًا بالاتصال بهاتف حبيبة. قال عماد: "لماذا لا نرتب أفكارنا الآن؟"
جلس الشيخ وهو يقول لعماد: "نسم هذا هو المطلوب الآن، وكما ترى، يجب أن تفهم الكثب أكثر."
قال إسلام: "قبل كل شيء، أريد أن أعرف ماذا فعلتم اليوم صباحًا."
وجهت تلك العبارة إلى حامد من قبل حازم، فرد حامد قائلاً: "ذهبنا اليوم صباحًا إلى رجل اسمه عياد، وقد طلبنا مشورته في موضوع المعطيات."
نظر عماد إلى حازم، والذي ارتسمت على وجهه ملامح قلق، في حين قال إسلام: "ولكن ما هي أهمية هذا السؤال؟"
رد عماد بسرعة: "لأنه ساحر."
نظر الجميع بدهشة إلى بعضهم البعض بعد هذه الكلمة. حينها، قطع إسلام الصمت قائلاً: "ولكن يا سيد حازم، هل يمكن أن تعرفنا أكثر عن نفسك وعن الأشخاص الذين تتحدث عنهم بلغة غريبة، ولديهم القدرة على إحضار الجن؟ لأنني أظن أنك أيضًا ساحر مثل الرجل الذي قابلناه اليوم."
هنا تكلم الشيخ بوجه جامد قائلاً لحازم: "هل تستعين بالجن يا بي؟"
نظر حازم إلى الشيخ، وقال: "نعم يا شيخ، ولكنني لا أستعين بهم فيما يغضب الله."
رد الشيخ: "خطأ يا بي. نحن بشر والأخطاء تصيبنا. واستعانتك بالجن ضعيفاً في هذا السياق."
لم يتكلم حازم، ولكن الشيخ نظر إلى إسلام بغضب وقال: "وأنت يا إسلام، لماذا استعنت بساحر؟ ألم تعرف أن السحر من الموبقات التي حذرنا منها رسول الله، وأن الساحر يكفر بالله عندما يستعين بالجن في ضرر البشر؟"
رد إسلام: "لم نذهب إلا لطلب تفسير الكلمات الغامضة التي لدينا، لا أكثر ولا أقل، ولم نطلب منه أي ضرر."
أنهى إسلام عبارته، وواصل محاولة الاتصال بحبيبة. في حين تكلم عماد موجهًا حديثه إلى حامد: "حامد، هل يمكنك أن تخبرنا ما حدث في الجلسة مع هذا الساحر بالتفصيل؟"
نظر حامد إلى إسلام مستفسرًا عما إذا كان يروي كل شيء أم يحذف شيئًا، فنظر إسلام إليه وهو مازال يمسك الهاتف وأشار له برأسه علامة الموافقة. بدأ حامد في الحديث عما حدث اليوم، كما طلب منه عماد، ولكن حازم جلس على مقعده، وهو ينظر إليه بنظرة تشكك.
قال حازم: "هل لي أن أتكلم يا حضرة المأمور؟"
نظر المأمور إلى العقيد جلال لحظات بصمت قبل أن يقول: "تكلم يا سيادة العقيد."
قال العقيد: "هناك ما يشغل بالك منذ أيام لدرجة أن جميع ضباط القسم لاحظوا شرودك."
وقف المأمور، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الغضب، وقال: "ماذا تقول يا سيادة العقيد؟"
رد العقيد: "لا أقصد شكوى، ولكن من خوفنا أن يكون هناك شيء يزعجك أو مشكلة يمكننا أن نساعد في حلها."
رد المأمور: "ليست هناك أي مشاكل."
بدأ المأمور يفكر بعد عبارته الأخيرة، ثم نظر إلى العقيد وقال: "هل علمت عن الحادثة التي حدثت في الشقة من سرقة مجموعة من الجثث، الذين تم نقلهم بعد حادثة شير؟"
ارتبك العقيد لثوانٍ، وقد ظهر اصفرار وجهه، ولكنه قال بصوت مهزوز: "أي حادثة تقصد يا سيادة المأمور؟"
قال المأمور: "الحادثة التي قتل فيها أربعة شباب وتم تقطيع جثثهم."
جاءت الإجابة من العقيد كما توقعها المأمور عندما قال: "لا أعلم شيئًا عن تلك الحادثة يا سيدي."
نظر المأمور إلى العقيد، لكنه تجنب النظر إليه مباشرة وقال: "ولكنك كنت أحد الذين انتقلوا لمعاينة مكان الحادث فور اكتشاف الجريمة."
رد العقيد: "لم أعلم عن جريمة بذلك الكيفية يا سيدي."
سأل المأمور: "لماذا المميع جدير بالتكفيل؟"
قال المأمور بصوت عالٍ ثم أكمل بنفس الصوت: "لا يوجد من أسأله منذ أيام عن الحادث إلا ويذكر معرفته بحادث مشابه. جميع الأوراق والأدلة لا تتطابق. ماذا تقول لأهالي القتلى؟ هل سنذكرهم أيضًا بما حدث، أم أن القاتل سيبقى مجهولاً؟"
رد العقيد بصوت هادئ: "لكن لا علم لي بما حدث، ولا أستطيع المساعدة."
تبدلت ملامح المأمور من الغضب إلى الهدوء، ثم أضاف: "لا عليك، يمكنك الانصراف الآن."
توجه العقيد باحترام نحو الباب وفتحه وهم بالانصراف، ولكنه توقف مترددًا، وأدار رأسه ناظرًا إلى المأمور مرة أخرى وقال بصوت منخفض: "آسف يا سيدي، ولكنني أعول على أطفالي."
لم تتغير ملامح المأمور، وظلت هادئة، ثم تابع خروج العقيد بعد أن قال عبارته. ثم أطرق برأسه لأسفل مفكرًا، ثم تناول سماعة الهاتف من جانبه، وطلب رقمًا ما.
في مدينة الموتى:
"إذاً، قادم الغرفة هو الجساس، وهو بالتأكيد غير معروف لعالم البشر أو الجن، وقدرته تفوق المعهود في العالمين. الغرفة تخفي الإشعاعات الكهربائية والحرارية التي تبعث من أجسادنا كما تخفي أحساد الجن. الغرفة نفسها مختفية عن الجن وكأنها غير موجودة. يرونها البشر، لكن لا يرى الجن. ولذلك، لو تم استدعاء جن إلى هذا المكان ووافق ودخل الغرفة، فإنه يختفي تمامًا ولا يعرف عنه شيء. الغرفة بشكل عام تسيطر على الإشارات."
نظر أحمد وعبد الباري إلى بعضهما بدهشة، حينما سمعا ذلك الصوت. إنه صوت صفير طويل! بلع أحدهما ريقه وقال للآخر بدهشة: "هل هذا هو صوت الرياح؟"
رد الآخر: "بالطبع لا، إنه يشبه الصفارة التي تحدث عندما يمر شيء."
أطفأ عبد الباري السيجارة التي كانت في يده بعد أن تلاشى صوت الصفير. تحرك الاثنان مبتعدين قليلاً عن تلك التلة الرملية العالية. كانت مساحة كبيرة جداً، تعلو عن الأرض بسبب تراكم الرمال عليها. لكن الغريب أن الرمال تتحرك! اعتقدا أن الرياح تلعب بها، لكن الرمال من المفروض أن تكون ثقيلة جداً، مثل الرمل. الصفير يأتي من تلك التلة ويعلو مع إزاحة الرمال التي بدأت تظهر طبقة بلون مختلف من الرمال. ظلّت طبقات الرمال تتزاحم حتى ظهرت الطبقة الحقيقية، وهي طبقة غير ممهدة من مواد طينية، مختلطة بمواد أخرى تصنع ما يشبه طبقة لحماية البناء. طبقة غطت التلة بالكامل وهذا هو السبب في علوها عن باقي الأرض.
كان هذا المكان أحد أسرار قرية بن العشاب، عندما تعاون الرجال على ردم تلك المقابر بالمواد التي أحضروها من القاهرة. وكانت مساعدة عسكر الوالي وحمل علي باشا عندما طلب منه أحمد الظامر، بإرسال بعض العسكر ومواد الردم لردم مقابر قديمة بجانب القرية، التي أقامها أولاد العشاب، لأن الفظائع كانت تأتي منها كل ليلة. أعلن محمد علي باشا عندما سمع كلمات أحمد الظاهر، وهو يتناول معه القهوة في تلك الليلة الحارة في قصره بشبرا. وكان من ضمن من يجلس معهم، بالمصادفة، مشيد عمائر الوالي (ذو الفقار كتخدا)، والذي سأل أحمد الظاهر عن تلك الفظائع فأسكته الوالي بهز رأسه بالموافقة دون أن يسأل أي سؤال.
وبعدها بأيام، تحرك بعض المسكرين مصاحبين عمال بناء على رأسهم أحمد الظاهر إلى أسيوط، حيث وصلوا إلى بن العشاب. وعندما بدأت أعمال الردم، قوبلت بالمقاومة من الحفر التي عُثر فيها على بعض الكتل الصخرية الكبيرة، والتي وجدت في الأرض كما طلبها الوالي في المكان. " لا حول ولا قوة إلا بالله. لقد سترها الله وانتهى الموضوع على خير. رأيتُ المشهد كما هو، وقد أخبرني الخبير بالأمر.
قالت والدتي: "هل أنت زميلها في الجامعة؟"
أجبت: "نعم، وأرجو أن أطمئن عليها بسرعة. سأنتظر اتصالها من الأهل حين تتمكن من الاتصال، لأطمئن بنفسي."
أغلق (إسلام) المكالمة مع والدته ونظر للجميع، الذين كانوا يستمعون للمكالمة بهدوء وبصمت. فقال: "تقول والدتي أن هناك حريقًا بدأ في غرفة نومها ثم انتقل لباقي الشقة. أعتقد أنه من فعل الجن."
نظر (عماد) إلى (حازم) بجدية وقال: "ما الموضوع، حازم؟"
نظر (حازم) إلى يساره، وقال كلمات بصوت منخفض ثم سكت، وهو يضع يده على جبينه، وقال بمرارة: "لا حول ولا قوة إلا بالله."
"الرحل الذين تركهم (قاصيم) لغاية (حبيبة) مات معظمهم وهم يدافعون عنها ضد رجال من قبائل مختلفة ليست بينهم وبين رجال (قاصيم) عهود."
أجاب (حازم) وهو ما زال يضع يده على جبينه: "هل فشلنا؟"
قال الشيخ بحرج: "ما معي ليس بينهم وبين الرجال عهود؟"
"يا مولانا، قبائل الجن تقوم بعمل العهود بينها ومنها عهد (الحماية) و(المناصرة) وعهد (الشدة). وعهود مختلفة كي لا يسارع حان القبائل بعضها إلى بعض. ولذلك، في بعض الأحيان، مشيت الرحالة عن أن يخرجوني عن وجود حان قريب في بعض الأحيان. إذا كان بينهم وبين قبيلة هذا المي مماهدة، فقم يتفاهمون مع بعضهم لعدم إثارة مشاكل بين القبيلتين. وهنا السبب، فإني في بعض الأحيان أشك في كلمات حراسية. فأضطر لاستدعاء (قاصيم) نفسه ليخبرني. لأنه لو كان الموضوع يتعلق بمريض متواجد بالحان، فسيخبرني الحقيقة لأنه أمانة علاج. أما لو كان جن يعبر من أمامي فقط أو متواجد في نفس مكاني، فإنه لا يخبرني به. وقد وضعت بعض رجالي من الحان لحراسة (حبيبة)، وقد دارت معركة بينهم وبين رجال من قبائل مختلفة لا عهود بين قبائلهم، وهذا يعني أن عائلات الرحالة سيطالبون بالثأر من القبائل الأخرى. رجالهم لهم حمايتهم الخاصة، وزوجاتهم وأبناؤهم وأحبابهم لن يمروا بهذا الأمر بسهولة."
عندها، قال (حازم) بعبوس: "ما هي خطوتنا القادمة؟"
قال (حامد) بتردد: "يعرض كل منا ما يعلمه عن الموضوع. نحن حكينا ما حدث لنا عند (عياد) والغرفة النحاسية."
انتفض هنا (عماد) وقال: "كيف، يا (إسلام)، تقبل أن تعطي قطرات من دمك للساحر؟"
قال (حازم): "هذه الطريقة التي استخدمها هذا الساحر، نشاهدها في الأفلام الأجنبية. لن يستطيع الساحر أن يأخذ قطرات من الدماء لمجرد إمضاء العهود، لأنه ليس بين البشر عهود هنا."
نظر (عماد) مستغربًا إلى (حازم) وقال: "أنسيت، يا (حازم)، أن الدماء تثبت أينما كانت؟ من خلال دمائه يمكن أن يتعرف عليك في أي لحظة، دون أن يكون هناك حاجة لأن يخبرك بذلك."
خبط (حازم) على رأسه دلالة الإحراج، ثم قال: "وماذا يعني أن أعرف مكان كل شيء الآن؟"
قال: "الغرفة النحاسية، أعرف عنها القليل."
أكمل (حازم): "الغرفة النحاسية معروفة في العالم عند بعض الطوائف الدينية. فهي موجودة تحت معبد فرعوني للأسرة التاسعة والعشرون تحت الأرض، وموجودة كذلك عند اليهود في فلسطين، وهنا غرفة في مصر وواحدة في الهند وثلاث غرف في المغرب. سر بنائها يقل من الأزمان القديمة وهي غرفة محاكية لواقع العالم الحقيقي، من حركات النجوم والكواكب، ومن ثقوب سوداء وحركات في الزمن والأبعاد. وسجلت تاريخ قبائل الحان وملوكها، مثل الحروب والأحكام والثورات والانقلابات. للغرفة سيد من البشر يتوارثها من أجداده، وعدد من الجن لديهم المقدرة على الدخول للغرفة، والتجول بين العوالم والأبعاد بسهولة مثل عالم الحان والبشر. والغرفة هي مفترق الأبعاد..."
قاطعه (إسلام) متذكرًا شيئًا: "المساس، نعم، هذا هو اسم من قام بحراستها. ألم تخبرهم، يا (حامد)، عن الاسم؟"
قال (حامد): "وكيف لي أن أتذكر الاسم؟ هل هو اسم زوج؟ هل حفظته؟ أم اعتقدت أن اسم (الحساس) كالأسماء التي يوقعها العشاق؟ (الحساس)، (العاشق)، (المتيم)، (أبو داليا) وغيرها."
أكمل (حازم) كلماته قائلًا: "إذن، فخادم الغرفة هو (المساس)، وهو بالتأكيد غير معروف لعالم البشر أو الحان، وقدرته تفوق الحدود في العالمين. الغرفة تتفاعل مع الكهرباء والحرارة التي تصدر من أجسادنا، كما تخفي أجساد الجن. لذلك، الغرفة نفسها تتفرد عن الجن وكأنها غير موجودة، فهي مرئية للبشر لكن لا يرونها. لذا، إذا استدعي جن إلى هذا المكان ووافق، وذهب إلى الغرفة، فإنه يختفي تمامًا ولا نعرف عنه شيئًا. الغرفة بشكل عام تسيطر على الذاكرة."
قال الشيخ: "وسيد الغرفة، هل هو جيد أم سيء؟"
أجاب (حازم): "سؤال بلا إجابة، يا شيخ. فلم يمر جني داخل الغرفة لنسأله. لكن الإجابة، بشكل عام، هي أنهم لا يستخدمون الغرفة إلا للأمور القوية. فهل الأمور القوية جيدة أم سيئة؟ هذا التصنيف لم أصل إليه بعد."
نظر (إسلام) إلى الأرض مفكرًا وعيناه تتأملان الحسر، وتذكر جلسة مشاهدة تمت بينه وبين أصدقائه. وكان الحديث عن المخطوطة التي جاء بها أحدهم.
قال (عماد): "كيف عرف الساحر مكان المخطوطة في حقيبتك؟"
أجاب (إسلام): "لا أعرف، ظننت أنك ستجيب على تلك المعضلة."
قال (حامد): "أنا لست ساحرًا، أنا أرى الجن وأعرف عنهم الكثير، لكن الكثير من الطرق تختفي عني."
قال (حازم): "انتظر، يا (عماد)، أنا أعتقد أنني عرفت كيف يتعامل (عباد) هذا مع من يزوره."
نظر (عماد) إليه بتركيز ثم قال بصوت هامس: "عرفت الموضوع. إن (عباد) يقوم بإرسال أحد خدامه لاستحضار قرين من يقف أمامه."
سأل (حامد): "كيف يستحضره؟"
أجاب (حازم): "القرين يراقبك دائمًا ويعد كخزانة أسرارك. يحتفظ بكل ما مر به في حياتك، وبعد موتك، يظل القرين على قيد الحياة. للقرين أسرار كثيرة لا تعرفها. فهو لا يموت ولا يختفي، ولكن يمكن تعذيبه بالضرب لمعرفة أي شيء حدث لك. فترسل أحد أتباعنا الأشداء لضرب قرينك قليلًا ويسأله عن فترة زمنية من حياتك، فالقرين لا يتحمل ألم الضرب، وكل قرين وقوة تحمله للضربات. وبعد أن يتعرض للضرب المبرح، يروي الخادم المعلومات التي حصل عليها للساحر. بهذه الطريقة يعرف (عباد) بعض المعلومات عنكم."
قال (عماد): "لكن أنا لا أرى القرناء، يا (حازم)!؟"
أجاب (حازم): "لأنك ترى البعد الذي يسير فيه البشر فقط. أما القرين فهو في بعد غير الذي تعرفه. أنت ترى البشر في بعدهم الطبيعي، أما أنا فأراهم لأن خدامي هم من يمكنهم رؤية القرناء في بعدهم المناسب. ولذلك أيضًا، خدامي يراقبون بعض الجان ليعرفوا حال وجود عهد بين قبيلتهم وقبيلة من يراقبونه."
قال (عماد): "ماذا يحدث؟"
قال الشيخ باستفسار: "ماذا يحدث؟"
أجاب (حازم): "رأيت عيونك تتطلع للحظة. وضعت احتمال المصادفة في البداية."
قال (عماد) وهو ينظر بعيدًا، ثم اقترب أكثر من باب الصالون وخرج وهو يفتح عينيه على مصراعيها.
قال: "يبدو أن هناك الكثير من الجن يسيرون داخل الشقة، ينظرون لنا ويتحركون حولنا، ثم يختفون بلا سبب. يرتدون نفس الملابس، والآن هناك اثنان يحملان الرماح ويقفون بوضع استعداد."
قال (حازم): "الرماح تشهر في حالتين: إما الحماية أو الهجوم."
قال (عماد): "جاءني إحساس غريب عند قراءتي للمخطوطة، لكن لم أتوقع أن يكون هذا هو السبب."
قال (حازم): "لابد أن هناك شيئًا نجهله، لكننا في النهاية نتعلم من تجاربنا."
قال (عماد): "لابد أن نكون حذرين، فهذه الأمور تتطلب تركيزًا كبيرًا."
ثم عم الهدوء في المكان، وبدأ الجميع بتفحص الوضع الحالي والعمل على إيجاد حلول لكل ما يواجهونه. صديقه: الذي ظهرت حقيقة تعامله مع أبغان.
انصرف الجميع من مكان (حامد) الذي حل من أن يحدثه بعد انتهاء اللقاء، واتصرف صاًا.
فجأة ظهرت (حبية) أمام عينيه الشاردتين. وقف لها وهي تلقي عليه التحية بوجه مرهق. تأمل وجهها الذي ظهرت عليه معالم الإرهاق والألم؛ فقد خرجت لتوها من عملية جراحية خطيرة. حاول الابتسام لها، فحاولت هي الأخرى، ولكن اكتشفا أنهما لا يستطيعان الابتسام؛ فكلاهما قلق على مصيره بالخوف والأفكار الرعب: والنهايات الغامضة. لذلك، عندما جلست (حبية) أمامه، دخلت في الموضوع بلا مقدمات:
"كان يجب أن أقابلك أمس، لكن عندما حاولت الاتصال بك أكثر من مرة لم أفلح في الوصول إليك؛ وعندما استطعت الوصول، تأخر الوقت، وأصبح من المستحيل أن أطلب منك اللقاء أو الذهاب إلى منزلك، لذلك طلبت منك مقابلتي اليوم، كي تتحدث."
ظللت طوال الليل في حالة من القلق بعد مكالمتك. وخاصة أنها جاءت في وقت عصيب.
"أعرف ما مررت به أمس؛ وعندي لك التفسير."
فتحت (حبية) فمها مندهشة، فأكمل:
"أنت مطلوب في عالم اللحان يا (حبية)."
"مم ماذا؟"
وبدأ (إسلام) في الشرح:
"صلت بمباحث أمن الدولة مدينة نصر."
كان قائل العبارة هو المأمور، ممسكًا بالهاتف الأرضي وهو جالس على مكتبه. نظر قليلاً نحو حائطة على الطرف العلوي.
"أريد الرائد (حمد الشورجمي)... قل له مأمور قسم روض الفرج."
نظر قليلاً حين سمع حديثه على الهاتف الآخر، فابتسم المأمور وقال:
"ماذا حدث لك يا ولد؟ هل نسيت زيارة عمك طوال الشهرين السابقين؟! لا تتحجج بمشغولياتك في إدارة الأمن الوطني، فهذا لا ينطوي. أنت معزوم الليلة على العشاء في منزلي. لا أريد مشغولياتك، قدر ما يهمني وعدك لليلة. سأنتظرك حين الفجر."
انتهى المأمور من محادثته القريبة، وأغلق الهاتف، ثم نظر لورقة ألقيت على مكتبه: كتبها بخط يده، حاول جمع بعض المعلومات عن حادثة مقتل الشباب. أمسك الورقة، ونظر لها مرة أخيرة ثم طواها ووضعها داخل ملابسه.
فزع (عماد) من نومه بسبب صوت هاتفه الذي يرن منذ مدة طويلة، ولكن أذنه لم تنقط النغمة إلا الآن. أمسك هاتفه، ووضعه على أذنه؛ ليكتشف أن الهاتف ما زال يرن لأنه لم يضغط زر الرد.
"ألو، من (حازم) هنا؟ نعم، نعم، تذكرت أنت (حازم) الذي قابلتك أمس. من أعطاك رقم هاتفي؟ أنا!"
"نعم، تذكرت، نلتقي بعد ساعتين من الآن في المقطم."
أغلق (حامد) الهاتف، ورمى يديه، ثم قال (حامد) بتأفف، وهو ما زال مغمض العينين:
"أريد أن أنام قليلاً، لكنني لن أفوت الموعد. أيقظني بعد ساعة من الآن."
ثوانٍ وفتح (حامد) عينيه، ونظر إلى أسامه وقال:
"اهدي أسي، لم أقصد أنك تعمل كمنبه لدي."
فجأة، (حامد) من فراشه وقفز من فوقه، قال:
"لا، يا (رحيم)، كل شيء إلا الماء البارد، اترك حركات الأطفال تلك."
خرج (حامد) من الغرفة، وتوجه إلى الحمام.
أغلق (حازم) المكالمة مع (حامد)، لينظر إلى عماد الذي كان يجلس على مكتبه.
"سأقابل (حامد) بعد ساعتين من الآن، ونتوجه إلى المقطم عند (عباد). هل من حدث جديد؟"
"لا، القفة النحاسية سر غريب؛ الكتب أو المخطوطات التي تتحدث عنها تذكرها بشكل عام أكثر من اللازم."
ذهب (عماد) ليجلس على مكتبه، الذي كانت فوقه كتب كثيرة، متراكمة على صفحات تتحدث عن الغرفة النحاسية. وقال وهو يسترخي:
"بالإضافة للمعلومات التي تعرفها أنت عن الفرقة، لم أصل للكثير عن خدام الغرفة الميئ وسيد الغرفة البشري. سيد الغرفة رحل على الحياد بين عالم البشر وعالم المان، ويراقب الأجواء فقط، وإن أراد التدخل، فبإمكانه قلب الموازين. أما خدام الغرفة، والذي قال عنه (إسلام) إن اسمه (اللمسامن)، فهو تسلل من اللحا، يخدم تلك الغرفة فقط، يستطيع رؤية الغرفة والدخول إليها والخروج منها بسهولة؛ وإن كنت أشك أن (ببمساس) ليست له تلك المقدرة في الأصل، بل إن سيد الغرفة هو من يعطيها له، فيجعل له الغرفة مرئية، ويفتح له منفذًا للدخول والخروج منها بلا أضرار."
"إذن فهناك منفذ للغرفة، يدخل منه (الحساس) ويخرج."
"أفترض هذا فقط."
"عندما نذهب أنا و(حامد) لمقابلة (عباد)، سيكون بعينًا."
"بالتأكيد."
"سأدخل ومعي كامل حماية مقابلته، صحيح؟"
"صحيح."
"لكي سأترك معك (قاصيم) وبقية رجاله ليحموا الموقع طوال فترة تواجدي مع عباد."
"حسنًا."
"لأنك ستفعل ما سأقوله لك بالحرف الواحد."
ثم بدأ (حازم) بالشرح، وملامح (عماد) تتفرج.
هبط (حامد) من الميكروباص، وأخرج هاتفه المحمول، وطلب رقم هاتف (حازم) ليستفسر عن مكانه، وضع يده على كتفه، نظر على أثرها، ليجد (حازم) يقف مبتسمًا.
"كيف حالك؟"
"الحمد لله. أين منزل (عباد)؟"
"قريب جدًا من هنا، هيا بنا."
أشار (حامد) بيده للأمام ليسيرا معًا، وما زالا يتحدثان.
"نسيت أن أخبرك بأنني أطلقت سراح الذي اعتقلته لاستجوابه أمس."
"وماذا عرفت منه؟"
"عرفت أن سيده (يصفيدش) أرسل معهم رسالة إلى (عباد) بأنه يريد التعاون معه لينقل إلى (عياد) معلومات عن تحركات المان، وتحركات (المخلبي)، وأماكن البوابات، ولكن (عباد) رفض التعاون."
.
5
- "جيد، فأنت اختصرت على لم يلاحظ، رزن (يصفيدش)."
8 2 أمس.
لم تظهر الدهشة على (حازم) ولكن ابنسم جنين، فأكمل
(حامد).
- يلتق رسالة... (يصفيدش) مستعد أن يساعدك على خطفك لأحد رجاله، مقابل أن تقيم خادمك الشعصي (قاصيم) هو وقيئه معاهدة مع (يصفيدش) وبقية اتحادم والمطلب الثاني هو أن تفتح (عباد) بأن يقبل بالتعاون مع (يصفيدش).*
توقف (حازم) عن السير ونظر لحامد، الذي تردد هو و(حامد)؛ ثم قال:
- "لا أعرف، فالأمر متروك لك. وعلى كل، يبدو أن (عباد) هناك... لقد وصلنا.
أشار (حامد) بيده ناحية عمارة قريبة، وسار نحوها ليتبعه.
راقب (حازم) الذي أخرج هاتفه المحمول، طلب رقمًا بسرعة، وضغط زر الاتصال، ثم انتظر لحظات وأغلق الهاتف. كل هذا دون أن يلاحظ (حامد).
رن هاتف (عماد) المحمول، الموضوع على منضدة الطعام، فنظر له (عماد) بسرعة، ثم قام من مقعده الذي كان يجلس عليه يشاهد التلفاز، وأمسك هاتفه ليتصل بـ (حازم) الذي أغلق للتو. أشار (عماد) إلى النفق عليه وقال:
- "هيا يا شباب، استعدوا عند دخول (حازم) لمقابلة (عياد)."
جلس (حازم) و(حامد) في انتظار دخولهما لغرفة مكتب (عباد)، وقد قدم لهم منظم الدعوات لمكتب (عباد) كؤوسًا من العصير. شرب (حازم) كوبه، وقارب (حامد) على الانتهاء من كوبه. كانت قد مرت ساعة على جلوسهم، والزبائن يدخلون ويخرجون من غرفة (عياد)، ويدفعون عند خروجهم للمنظم الجالس، حتى أصبح الدور القادم عليهما، وبقيا في انتظار من سيخرج ليدخلوا. وفي نفس اللحظة تقريبًا وضع (حازم) يده في جيبه، وأمسك بهاتفه المحمول، وقام بالاتصال بآخر رقم اتصل به، ليرن عليه للحظات، وهو ينهض هو و(حامد)، ثم أغلق الهاتف قبل دخول الغرفة.
رن هاتف (عماد)، فأمسك به، وابتسم ونظر له، ثم قال:
- "ما رأيك فيما سنفعل يا (قاصيم)؟"
أجاب (قاصيم):
"رأيي كما هو، لا أحبذ استخدام طبائع الأسماء. وخدامهم ليست مضمونة."
"قَد الوقت، فحازم دخل الآن الغرفة (عباد) ويجب أن نبدأ فورًا."
جلس (عماد) من خلف مكتبه، ووقف عند دائرة موضوعة على الأرض بالطباشير، وكتب بعض الأسماء بالألوان. ركع (عماد) مستندًا على ركبتيه، وقرأ الكتابة بتأني، ثم قال:
- "تأكد من تلك الأسماء يا (قاصيم)، حتى أقوم بإكمال اللائحة وكتابة بقية التعازيم."
ثم عند المكتب، أخرج من أحد الأدراج بعض الأعواد البلاستيكية، وبدأ بشعلها وتوزيعها على أركان الغرفة، ثم عاد للمكتب، وتناول ورقة بيضاء وقلمًا، ثم فتح كتابًا كان ملقى على المكتب، وأخذ ينظر إليه وينقل ما يراه أمامه.
انتهى (عماد) من كتابة الورقة، ثم نظر حوله وقال متذكرًا:
- "أحتاج المطارق والشاكوش لأحضرها معي."
سأل (عياد):
- "كيف حالك وحال (قاصيم)؟"
أجاب (قاصيم):
- "بخير، وكيف حالك؟"
ضحك (عباد) وجلس على مقعده، وجلس (حازم) و(حامد) أيضًا.
- "لي الشرف أن أقابل من هم مثلك، (سازنيها أنت)، عملة نادرة بين الناس."
كانت الأجواء مليئة بالحيرة، بينما قال (عباد):
- "حافظت على ما حدث لكم، أرسلت كل شيء."
ابتسم (حامد) بمرح، وقال:
- "كيف عرفت؟"
ضحك (عباد) و(حازم) بشدة، حيث قال (عباد) وهو يرمي بنظرة على (عياد):
- "بالتأكيد عن طريق القرفة النحاسية. و(المساس)."
ابتسم له (عياد)، وقال متذكرًا:
- "نسيت أن أسأل، ابن (قاصيم)؟"
قال (عماد) وهو يضع الورقة في جيبه:
- "هذا سيعجل بنهايت أفكاره."
أخذ (عماد) المطرقة، وكتب على الأرض خطًا، ثم وضع الدائرة واللسمار، وبدأ بقراءة التعويذة:
- "أيها الموكل، حَرِّف اليمين. أسألك بالذي علقك، أن تحقق مطلبي هنا. تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، فلم تمسك النيران في ملابسه. استطاع التهوض في تلك اللحظة، بينما اللهب يتضخم داخل الدائرة، وصوت الصراخ يفرغ أعصابه. عندما ابتعد قليلًا وشعر بالأمان بعيدًا عن اللهب، دقق في اللهب ليجد أنه يخفض تدرجًا خلفه، ويشبه القرد، وله ذيل يتراقص. لم يستطع (عماد) منع نفسه من الاقتراب من الدائرة ليدقق في ذلك الممسك الذي يتحرك بسرعة، وهو ينظر حوله بغضب. نظر إلى وجهه الأسود المليء بالشعر، وعينيه الخضراوين، وفمه الضخم البارز كفم القرد، وأسنانه التي تنفذ من ورائه. كان الممسك يتحرك داخل الدائرة بسرعة، ويبدو أنه لا يستطيع الخروج منها، وكأن هناك حاجزًا يمنعه من ذلك. نظر الممسك إلى عماد بغضب، وفتح فمه كأنه سيتكلم، ولكن من خلفه ظهر (قاصيم) وعشرة رجال يحملون رماحًا طويلة، واندفعوا من الخلف، وصرخ الممسك ونظر بانزعاج إلى (قاصيم) وهو يتكلم بلهجة غربية وسريعة، فنغزه (قاصيم) مرة ثانية وهو يقول بالعربية:
- "قل لمن يقف قرب زر الإضاءة أن يغلقه."
فجأة ساد الظلام في الغرفة، لا يُرى الظلام إلا من خلال ضوء خافت من البخور الموضوع في أركان الغرفة. تجمد (عماد) حيث قال:
- "سأبدأ الآن. لو حدث لي أمر ما، يجب أن يكون لديك خطة. أما إذا تمكنت، فعليك أن تقف كما يجب. والآن اشعل قليلًا من الضوء أمامي."
ظهر ضوء أزرق خافت من نقطة، ويزداد تدريجيًا ليصبح بحجم ضوء الشمعة أمام (عماد)، الذي تناول الشاكوش. وضع المسمار على حرف الـ (م) وضرب بالشاكوش على المسمار، قائلًا:
- "أيها الموكل، حرف اليمين، أسألك بالذي علقك أن تحقق مطلبي هنا، أن تمنى من يحور معادنك، وينابيع ملكوت جروت الأنوار، أن تحقق طلبي، أطلب منك خادم (عياد) أن يحضر (الجساس) خادم (عباد)."
عندما انتهى (عماد) من عبارته، لم يحدث شيء. نظر حوله، ثم سمع صوت (قاصيم) في أذنه يقول:
- "جرب حرف الياء."
أزال (عماد) المسمار من على حرف اليمين ووضعة أعلى حرف الباء، ودق عليه بالشاكوش، وهو يقول نفس التعويذة، ولكن هنا شم (عماد) رائحة الكبريت، وسأل (قاصيم) مستفسرًا. فسمع صوته في أذنه يقول:
- "ابتعد عن الدائرة، (عماد). (المساس) في الطريق."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة، وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. لامس اللهب جزءًا من جسد (عماد)، ولكنه شعر بالسخونة فقط، إلى أن وصل إلى المنضدة المزخرفة. وقفت (عياد) هناك، بينما نظر (حازم) حوله بقلق، فقال (عياد) دون أن يرفع عينيه عن الكتاب:
- "أمك تركوك في الخارج، ولا يستطيعون التحرك الآن. لا يرون الغرفة، ولا يمكنهم الدخول إلا إذا فتحت."
رد (حازم) بقلق: "لا أستطيع إعفاؤهم، فأنا أثق بك."
رفع (عياد) عينيه نحو (حازم) للحظات ثم عاد ينظر إلى الكتاب وقال: "أنصحك بعدم أخذ الأمور بهذه السهولة. قلت لي أنه يجب أن تذهب إلى الغرفة النحاسية، وها أنا هنا. ماذا تريد أن تقول؟"
قال (عياد): "أريد أن أقول إن حساسك قد يكون مفيدًا لك، وإن أردت إبقاء ظلّك باستدعائه."
ابتسم (عياد) ثم عاد وجهه للتجهم عندما سمع صوت صراخ مفاجئ. نظر بسرعة نحو اليسار، حيث كان هناك باب في منتصف الغرفة، مليء بسائل مضيء يهتز كأنه يغلي، ويخرج فرقعات صغيرة. هذا الباب يمثل منفذ الدخول والخروج للغرفة النحاسية، وغليان السائل يعني أن هناك أكثر من فرد يدخلون الآن.
نظر (حازم) بغضب، وسار نحو الباب بسرعة، لكنه فُجِئ بطرده بعيدًا بسبب صوت فرقعة عالية. اجتاحت الغرفة حرارة شديدة، مما جعل (حامد) و(حازم) يديران وجهيهما ويغمضان أعينهما. بعد أن انتهت الحرارة، ظهرت طبقة من الغبار تغطي منتصف الغرفة.
استفاق (عباد) من على الأرض، يضغط على جرح ينزف من السقوط. كان غلافه ممزقًا كأنه لم يصمد أمام قوى الطبيعة. خلفه، كان (قاصيم) يقف أمام المنضدة، يحمل سيفًا رفيعًا ويوجهه نحو الجساس الراقد على الأرض، وهو بدين وعليه آثار الإرهاق. حول (قاصيم) كان يقف عدد من اللمان، يرفعون رماحهم ويتأهبون بسرعة. صاح (قاصيم) بصرخات عالية:
- "حازم.. أين أنت؟ لا أراك!"
رد (حازم) قائلاً: "أنا هنا يا قاصيم، ألا تراني؟"
أجاب (قاصيم): "أسمعك، ولكن لا أرى إلا ضبابًا أسود يحيط بي وبرجالي."
سأل (عباد) غاضبًا: "ماذا فعلت يا غبي؟"
كان ذلك عندما جاء (عباد) وهو يجري نحو (حازم)، وأمسك به بعنف قائلاً: "أمرت رجالي بتعذيب الخسيس لكي يدخلوا معه إلى الغرفة من المكان الذي يدخل منه."
توقف (حازم) بينما كان (حامد) يحاول تهدئة الوضع، و(عباد) يهزه بعنف، قائلاً: "أعطِ الأمر، لا يرون شيئًا في الغرفة، يمكنهم الآن."
رد (حازم) غاضبًا: "لكنهم يسمعون أوامري. يمكنني أن أمرهم بقتل الخسيس قبل أن تفتله أنت. اهدأ يا عباد لنرى كيف نتصرف."
نظر (عباد) إلى الحساس ثم إلى (حازم) قائلاً: "أعتذر، لكنك لن ترضى التعاون معي إلا بعد أن تفهم قدرتي."
قال (حازم): "ما فعلته بقدراتك هو اختراق الأبعاد بين اللمان والبشر باستخدام مجموعة ضخمة من الحروف. يجب أن تدخلوا الغرفة النحاسية."
سأل (عباد): "ما معنى اختراق الأبعاد بين اللمان والبشر؟"
أجاب (حازم): "يعني أن طبيعة رحالك في تلك الغرفة أصبحت مادية."
سأل (عباد): "وكيف أستطيع إصلاح ذلك؟"
أجاب (حازم): "أجسادهم أصبحت كأجساد البشر لأنهم دخلوا عبر المنفذ البشري، وفقدوا قدرتهم على استخدام قوى اللمان."
جلس (عباد) على الأرض متأثرًا، وقال: "الآن تريد الإصلاح ونسيت ما فعلته منذ قليل!"
نظر (حامد) إلى (قاصيم) ورجاله الذين كانوا ينظرون حولهم بقلق، بينما تقدم (حازم) نحو (عباد) قائلاً: "اللمان لا يعرفون من الخسيس إلا اسمه ومهنته، لكن لو..."
سأل (عباد): "كيف حدث هذا؟"
أجاب (حازم): "أنا من نظم الدخول والخروج للغرفة من خلال فتح المنافذ وإغلاقها في اللحظة المناسبة. المنفذ بين عالم اللمان وعالم الغرفة، لأن الغرفة تقع على شفا الأبعاد، لكنها ليست عالم البشر أو عالم اللمان، لأنها تتبع أجساد الاثنين."
قال (عباد) بسخرية مريرة: "لكن عندما أجبر رجالك الخسيس على الدخول عبر المنفذ، فتح المنفذ وأصبحت الغرفة كعالم البشر، وكل من دخل إليها من المنفذ اكتسب صفات البشر، لكن بلا رؤية واضحة لأن عيون اللمان لا تستطيع رؤية تلك الإشارات الجديدة. تظل الترددات الصوتية، أي الأصوات التي تُترجم في أعينهم، لكنهم لا يرون شيئًا واضحًا."
رد (حازم): "لا أعتقد أنك ذكي بما يكفي، لأن اللمان لا يستطيعون."
أجاب (عباد): "لأنهم لا يستطيعون الوصول للحساس، والبشر يستطيعون، لكنهم إن وصلوا لن يقدروا عليه. جعلت رجلاً من البشر يستخدم الحروف، واللمان يعذبون الخسيس، وهذا يقودنا إلى نهاية نواحينا."
قال (حازم): "عنادك هو ما أوصلني إلى ما يحدث. لم أكن لأستخدم تلك الطريقة لولا رفضك غير المبرر للتعاون."
سأل (عباد): "أتجمع على التعارض؟"
اقترب (حازم) من (عياد) وقال له: "لا تخف، سأريك وجهك قريباً، لكنه الآن مغطى."
حاول (عماد) الابتعاد عن الدائرة، ولكن قبل أن ينهض، ظهر لهب من الدائرة وصوت صراخ كصراخ الذئب يأتي من النار. طال جزء من اللهب جسد (عماد)، لكنه شعر بالسخونة فقط، ولم يؤثر عليه بشكل كبير، فاستطاع أن يصل إلى المنضدة الموضوعة على النقش البارز.
فوقف بسرعة. نظر فجأة (حازم) حوله، فقال (عياد) بدون أن ينظر إليه:
- "أمك تركوك في الخارج، ولا يستطيعون التحرك الآن. لا يرون الغرفة، ولا يستطيعون الدخول إلا إذا فتحت."
رد (حازم) قائلاً:
- "لا أعني أنهم لا يستطيعون التحرك. فأنا أثق بك."
أعاد (عياد) النظر إلى (حازم) للحظات دون أن يتغير تعبيره، ثم عاد ينظر إلى الكتاب الموضوع على المنضدة، وقال:
- "أنصحك بألا تقبل بهذه السهولة. قلت لي إنني يجب أن أدخل إلى الغرفة النحاسية؛ وها أنا هنا. ماذا تريد أن تقول؟"
قال (حازم):
- "أريد أن أقول أن حساسك قد يفيدك، وإن أردت إبقاء ضلك، باستدعائه."
رفع (عياد) وجهه ينظر إلى وجه (حازم) بابتسامة ساخرة، لكن سرعان ما عاد وجهه إلى الجدية عندما سمع صرخة مدوية. لم يكن قد انتبه لها من البداية. نظر إلى يساره بقلق، وعندما توقف أمام نافذة الغرفة، رأى باباً يخرج منه سائل مضيء. وكان السائل يهتز كأنه يغلي ويخرج على شكل فرقعات صغيرة منتظمة. هذا الباب يمثل منفذ الدخول والخروج للغرفة النحاسية، وغليان السائل يعني أن هناك أكثر من فرد يدخلون من هذا المنفذ، وهذا يعني أن المنفذ قد تم اختراقه الآن.
نظر (حازم) بغضب إلى (عياد) وسار نحوه بخطوات سريعة، لكنه فجأة طار من موضعه بعد سماع فرقعة عالية في منتصف الغرفة، وشعور شديد بالسخونة لفح الجميع. (حامد) و(حازم) أدارا وجهيهما من شدة السخونة، وأغمضا أعينهما. وبعد ذلك، انتهت السخونة، وظهرت طبقة من الغبار تغطي منتصف الغرفة.
وقف (عباد) من على الأرض، وهو يضغط على جرح ينزف منه الدماء من جراء السقوط. استعاد قواه ببطء وكأنه لا يزال تحت تأثير الصدمة. نظر إلى (قاصيم) وهو يحمل سيفًا ويتجه نحو الجساس الراقد على الأرض. كان الجساس بدينًا وعليه آثار الإرهاق، وحوله يقف عشرات من اللمان، يرفعون رماحهم ويتأهبون، وينظرون إلى الأمام بسرعة. صاح (قاصيم) بصوت عالٍ كأنه ينادي:
- "حازم! أين أنت؟ لا أراك!"
نظر (حازم) إلى (قاصيم)، وقال بصوت عالٍ:
- "أنا هنا يا (قاصيم). ألا تراني؟"
رد (قاصيم) قائلاً:
- "أسمعك، ولكن لا أرى سوى لوث أسود يحيط بي وبالرجال."
قال (عباد) وهو يجري نحو (حازم) ويجذبه من تلابيبه:
- "أمرت رجالي أن يعذبوا (الخسيس) حتى يدخلوا معه إلى الغرفة من المكان الذي يدخل منه."
توقف (حازم) بينما حاول (حامد) أن يتدخل، و(عباد) يهزه بعنف، صائحًا:
- "أقسم لك أنهم لا يرون شيئًا في الغرفة، يمكنهم الآن التأقلم."
رد (حازم) غاضبًا:
- "هذا غير صحيح، لكنهم يسمعون أوامري. يمكنني أن أمرهم بقتل (الخسيس) قبل أن تقتلهم أنت. اهدأ يا (عباد) لنتحدث."
نظر (عباد) إلى الحساس، ثم نظر إلى (حازم) بغضب، وتراجع:
"أعتذر لك، لكنك لن ترضى بالتعاون معي إلا بعد أن تتعلم مقدرتي."
"ما فعلته بقدراتك هو أنك اخترقت الأبعاد بين اللمان والبشر بمجموعة ضخمة من الحروف؛ فتدخلت إلى الغرفة النحاسية."
"ما معنى اختراق الأبعاد بين اللمان والبشر؟"
أشار (عباد) بإصبعه، وأوضح لقاصيم ورجاله، ثم نظر (حازم) إلى رجاله الذين يقفون خلف (قاصيم) وقال:
"يعني أن رجالك في تلك الغرفة أصبحت طبيعتهم مادية."
"وكيف أستطيع إصلاح ذلك؟"
أجاب (عباد) بجدية:
"أصبحت أجسادهم كأجساد البشر، لأنهم دخلوا بعد البشر. أما الترددات الصوتية، أي التي يمكن ترجمتها في أعينهم، فتسمعها، لكن لا يمكن رؤيتها بوضوح."
"ماذا تقصد؟"
أجاب (عباد):
"أنت لا تقدر على رؤية الأشياء بشكل صحيح، لأن الحساس الذي تملكه لا يستطيع تفسيرها بدقة. لكن البشر يستطيعون فهمها، وإن وصلوا لن يقدروا على التعامل معها."
"عنادك هو ما أوصلني لما يحدث. لم أكن لأستخدم تلك الطريقة لولا رفضك غير المبرر للتعاون."
"أتجميل على التعارض؟"
اقترب (حازم) من (عباد) وقال له:
- "لا أعتقد أن هذه الأمور ستنتهي بخير. نحتاج إلى العمل معًا.": "نعم، يبدو أن الحريق اشتعل. أين (جيي)؟ من هي (حبيبة)؟ لم يرافقك أحد إلى المستشفى. حاول أن تتذكر."
"لا أشعر بأجزاء جسدي، ورأسي ثقيل."
"لأنك أخذت كمية كبيرة من المسكنات."
"لقد أصبت بحروق من الدرجة الثالثة في وجهك، وحروق من الدرجة الثانية في بعض أجزاء جسدك. تحتاج إلى تخفيف الألم."
"ما مدى إصابة وجهي؟"
"إنها أعلى درجة في إصابات الحروق، ولكن لا تقلق. سنحاول علاجها، وإن فشلنا، يمكننا إجراء عملية ترقيع لوجهك، وستشفى إن شاء الله."
"ترقيع؟ ما مدى إصابة وجهي؟"
حاول (حازم) التمرين، لكنه شعر بألم شديد. حاول مرة أخرى، ولكن فجأة ظهرت فتاة جميلة تقترب منه. كانت ترتدي زيًا يشبه زي الفارس وتفحص حالته. نظرت إليه بابتسامة وقالت:
- "لا تحف. سأريك وجهك قريبًا، لكنه الآن مغطى بالضمادات، ولن نستطيع إزالتها الآن. ارتح الآن، وسأظل بجانبك في حال احتجت إليّ. أنا (رقية) وسأشرف على حالتك في الأيام القادمة."
دخل الليل إلى مكتب (عباد)، وما زال (حازم) و(حامد) يتحدثان معه، ولكن بدا على الجميع الإرهاق، وخاصة على (عباد) الذي أنهى إعادة الأمور في الغرفة النحاسية وصعد إلى مكتبه ليتناقشوا فيما يطلبه (حازم). كان (حازم) يتحدث بجدية، و(عباد) يرد عليه بنفس الجدية، بينما (حامد) يضيف تعليقات بين الحين والآخر ولا يهتم بهما.
"لن أضحي بالغرفة النحاسية لأجل (أنت) أو (يصنيدش) أو عالم اللمان كله."
"وأين هي التضحية؟ ستظل الغرفة كما هي، كل ما عليك هو مساعدتنا في رصد تمركزات (المنعلي) ورجاله، وأماكن البوابات وفتحها."
"بنفس الطريقة التي أحرقتم بها الغرفة؟"
"هناك فرق بين الاستعانة بحساسك فقط رغم قوته، والاستعانة بكل رجال الغرفة لحماية غرفتك."
"من الممكن أن يتم تدميري من قبل (يصنيدش) إذا استطاع، لأن تلك الغرفة تعتبر عائقًا لجميع أفراد اللمان."
"إذا أردنا إلحاق الضرر بك، لكنا فعلنا ذلك لأنني كنت في الغرفة. ثم ماذا سيفيد (يصنيدش) إلحاق الضرر بك طالما أنك حليقة؟"
"كلام (حازم) منطقي، يا (عباد). هيا، تعاونوا ولا تدعوا الأحقاد تفرق بينكم."
نظر (حازم) و(عياد) بدهشة إلى (حامد)، الذي ابتسم بشكل غير مريح. أدار (عياد) عينيه إلى (حازم) وقال:
"وما هي الأهمية؟"
"أريد مراقبة كل الغرائب التي تطرأ على عالم اللمان."
"الغرائب كثيرة ودائمة، أي غرائب تقصد؟"
"استجوبت أحد رجال (يصنيدش) وعلمت أن حروب القبائل بدأت، والتحالفات بين (الملي) والقبائل تتسارع، والممالك تتحد على قلب رجل واحد، والجميع ينتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة. سأساعد أنا ورجالي، وإن احتجنا إلى شيء آخر سأكون معك."
"الغرف النحاسية موجودة منذ القدم."
"وهل سيعرف أحد أنك تساعدنا؟"
"بقية الغرف النحاسية متصلة ببعضها، وسيعلمون بالتغيير الذي سأحدثه، كما علموا بما حدث اليوم."
"هل تعرف تفاصيل بقية الغرف؟"
"بالطبع، وأعرف الكثير عن رجال الغرف الأخرى وخدامهم، وإن كنت لا أتعامل معهم وجهًا لوجه. وللعلم، لن أتحدث أو أخبرك عن أماكن أو شخصيات رجال الغرف الأخرى."
نظر (حازم) حوله ثم عقد حاجبيه وقال:
- "ما هي (حبيبة)؟"
ارتبك الجميع، بينما (حامد) و(عباد) نظروا إليه بقلق. فكر (حازم) ثم قال:
- "ما معنى أنه لم تصلك أي معلومات من الرجال الذين استجوبتهم؟ ألا يمكنك الذهاب إلى مكان (حبيبة)؟"
اتسعت عينا (حازم) وهو يقول:
- "لماذا تردّ على عالم البشر؟ هذا أمر مريب، إما أنهم غير متواجدين أو أن الأمور قد تأخرت."
اقترب (حامد) من (حازم) وقال بصوت خافت كأنه يتحدث إلى أحد ما يقف بجانب هذا الأخير:
- "اسأل عن (إسلام)، فقد ذهب اليوم إلى المستشفى ليخبرهم بتفاصيل الأحداث."
ثم نهض (عباد) من خلف مكتبه وتوجه إلى الباب.
- "توقف عن ذلك، لقد تأخر الوقت. سأذهب إلى المستشفى لمعرفة ما حدث."
أغلق (عماد) الخط وهو مصدوم.
- "كيف لم يعرف (قاصيم) بما حدث لإسلام؟ وكيف لم يستجوب قرينه؟"
قال (عماد) بصوت خافت، وغضب واضح، وهو ينظر إلى (حامد) و(حازم) في الغرفة. وأوضح:
- "أخبروني، كل رجال (لاسي) قد قضوا. لم يعد هناك من يساعدنا في هذا الأمر. و(إسلام) اختفى اليوم."
توقف (عماد) عن الحديث، وصمت الجميع، ولكن (حازم) أمسكه من ذراعه ليكمل الحديث وقال بصوت خافت:
"هيا نذهب للبحث عن (إسلام). لا وقت للذهول."
"ماذا تقول؟ القرين لا يغادر المستشفى إلا بموافقة الطبيب، والقرين لا يموت."
"لا تساوم. اسأل (قاصيم) ورجاله. أنا الآن هنا لأتأكد من الأمر وأعرف إذا حدثت أي تغييرات وكيف أصيب (إسلام)."
رفع (حامد) إصبعه نحو غرفة وقال:
- "ها هي غرفة (485) حيث يرقد (إسلام)؟"
دخلوا إلى الغرفة ليجدوا (إسلام) مستلقيًا على السرير. كان مغطى بالضمادات، وظهرت على جسده آثار الحروق.
"من أنتم؟ وكيف دخلتم بعد مواعيد الزيارة؟"
"أنا و(عماد) و(حازم) و(حامد)، نحن أصدقاء وأعدنا التصريح من مدير المستشفى لزيارة (إسلام)."
"آسفة، أنا (رقية)، المشرفة على حالته. الحروق خطيرة ولكنها ليست مميتة. نأمل أن يتعافى قريبًا."
سأل (حامد):
- "هل الحروق خطيرة؟"
أجابت (رقية) بعد أن نظرت إلى (إسلام):
"هي حروق من الدرجة الثالثة، للأسف عميقة في بعض المناطق. نأمل أن تحتاج إلى تدخل جراحي لعملية ترقيع جلد. سنعرف كل شيء بعد العلاج."
"ومتى يمكننا التحدث معه؟"
أجابت (رقية):
"أعتقد أن بإمكاننا التحدث معه بعد أن يتحسن حاله في حال كانت نتائج العلاج فعالة."
"هل تعرفون سبب تلك الحروق، دكتورة؟"
جلست (رقية) على مقعدها وقالت:
- "قالوا لي في الاستقبال إن (إسلام) تعرض لحريق في مقهى بالقرب من جامعة عين شمس. وعندما استفسروا عن (حبيبة)، لم أستطع تحديد السبب."
نظر الجميع إلى بعضهم البعض، ثم قال (عماد):
"هل جاءت معه أي حالات طارئة أخرى؟"
"هو فقط من جاء، لكن من منكم يعرف من هي (حبيبة)؟ ولماذا سأل عنها كأنها كانت ترافقه؟"
نظر الجميع إلى بعضهم البعض مرة أخرى، وساد الصمت بينهم.
(- "ألو... أهلاً يا (عياد)، تريدين الآن! هل عرفت ماذا حدث لإسلام و(حبيبة)؟ ماذا... الموضوع أكبر من ذلك؟ سأكون عندك بعد نصف ساعة."
أغلق (حازم) الهاتف ثم تبادل النظر مع (جامد) و(عماه)، وبدأوا بالتحرك لمغادرة الشقة).
نزل (يصفيدش) من على الدابة المدرعة، وبمجرد أن تقدمه تروليه، استوقفه أحد الرجال قائلاً بصوت خفيض:
"ربي، لماذا لم تمت (إسلام) كما أبلفنما الحراسة؟"
توقف (يصفيدش) مفكراً ثم قال:
"لماذا لم ينجح (مَعَلي) في تصفيته كما كان يخطط؟"
قاطعه الرجل قائلاً:
"نعم نعم... إن رجال (مَعَلي) قتلوا الحراسة التي عينها. (قاصيم) على (حبيبة)، واختطفوها، وأن (إسلام) وقع بعد الحريق، وقد غادر قرينه."
"أي إنه مات."
"ولكنه ما زال حياً... ولكن قرينه غير موجود."
"كفى مزاعم مع حارسك وأكمل البحث."
"إن حدث مرة أخرى!" صرخ (حازم) وهو يقول:
"وكذلك لم نتمكن من معرفة مكان القرين، حاولنا قراءة نسخة مصورة من ملخصات قدم، جالسًا على أريكة."
"هل علم أصدقاؤه باعتفاء القرين؟"
شرب الشاي وقام متسائلاً:
"أعرج على مسنيش؟"
فكر (يصفيدش) قليلاً ثم قال، وهو يكمل سيره: نظر (حازم) في ساعة يده ثم عاد للنظر فيما يطالعه قائلاً:
"يبدو أنني سأضطر لكشف ما أخفيته، مرت أكثر من ساعة منذ طلب (حامد) حضوره."
الساعة الرابعة والنصف مساءً - اليوم التالي
وضع (عماد) صينية الشاي على منضدة صغيرة، وقال وهو يجلس على طرف الأريكة:
"(عماد)، هل صادفكم أي حالة انفصال للقرين عن الجسد؟"
خلف المكتب، جلس (حامد) وهو يفتح كتابًا ضخماً، لكنه لا ينظر إلى (عماد) ويواصل الحديث:
"لا تقل لي إن القرين غير مفهوم لكي نتم أدرى؟ أم إنك من فافض الرمال؟"
سكت (عماد) مفكراً ثم رفع يده ليداعب لحيته والصفير المتصل بالسكسوكة. استمر في فرك لحيته بضع دقائق حتى قال:
"أن تشجع الزمالك؟ أتستهزئ؟ كيف ذلك؟ (حامد) متجهمًا صامته..."
"تكون معي تلك اللحظة وأنت تشجع الزمالك؟ أنا أهلاوي."
- "تفكر في (إسلام)؟"
- "لا انفصال إلا عند الموت، وكل من تكلم عن القرين ذكر بعض القدرات؛ لكن لم يُذكر الانفصال. لكنهم قالوا إن رجال (حامد) لا يستطيعون رؤية قرين (إسلام)!"
قال (حازم) بدون أن ينظر إلى (عماد):
"نعرف. لأنك ترى تردد أحساد القرين فقط، أما القرين فهم في عالم مواز لنا وتردد أحسادهم لا تراه... ما الجديد؟"
- "بالمناسبة، اعتذر لمساعدتك واصرفهم، واتصرف أنت."
كان (حامد) قد تعود على مثل هذه التصرفات، فهز رأسه متفهما واستدار. بمجرد انتهاء الأمر، فتح (عباد) درج مكتبه.
لم يتكلم (عماد)، فنظر له (حازم) مرة أخرى وقال:
"تكلم، ما المشكلة؟" ضغط بلهفة وانتظر (عماد) أن يرد:
"المشكلة هي إنني رأيت قرينًا من قبل."
كيف كانت رواية (عماد) لما حدث؟ رن هاتف (حازم)، فرفع السماعة قائلاً:
"ألو... أهلاً (عباد)، تريدني الآن! هل عرفت ماذا حدث لإسلام و(حبيبة)؟ ماذا؟ أكثر من ذلك؟"
أغلق (حازم) الهاتف، ثم تبادل النظر مع (حامد) و(عماد).
وصل (عياد) إلى باب الغرفة التحقيقية؛ ظهر منها ووجهه شاحب. صعد إلى المكتب، حين فتح باب مكتبه ودخله. جلس على المكتب بلهفة، وضغط على زر استدعاء مساعده. دخل المساعد ومعه قداحة أنيقة من جيبه وأشعلها ليقربها من سيجارته الرخيصة، وسحب نفساً سريعاً ثم أغلق القداحة. كان رجلاً في الأربعينات، يرتدي قميصاً وسروالاً، وشاربه رفيع يتناسب مع حجمه الضخم، يقود سيارة بيضاء.
- "هل أرسلت الحالة القادمة؟"
جلس بجانبه زميله، الذي يعمل معه كباحث في أمن الدولة، ينظر إلى المستشفى حيث يرقد (إسلام).
- "هل تعتقد أن المراقبة التي كلفنا بها من (مروان) يمكنها متابعة قضية بقسم (النقابات والأحزاب) بأمن الدولة؟"
- "ليست المرة الأولى التي نقوم فيها بمراقبة خارج إطار قسمنا، ولن تكون الأخيرة."
قالها زميله باقتضاب، وما زال يركز عينيه على المستشفى. نظر (المسؤول) خلف المقود أمامه وقال بلا مبالاة:
- "على كل، بقيت بضعة ساعات ويتسلم زملاؤنا التقرير."
استرعى مقعده وهو ينظر إلى المستشفى بتأمل، قائلاً في عقله: ماذا يمكن أن يحدث داخل جدران هذا المستشفى الآن؟
داخل المستشفى، حيث يرقد (إسلام)، وبالتحديد في الطابق الأول، حيث توجد غرفة التحاليل الضخمة، كان الدكتور (بحمود) يملأ الغرفة بحركاته، منتظراً النتيجة. كان الدكتور (بحمود) طويلاً، يتميز وجهه بالوسامة، خاصة بفضل عينيه الزرقاوين وشعره الأسود اللامع من كثرة العناية به.
لاحظ الضوء الذي بدأ يتغير خلف الضوء الأبيض الأزرق، يزداد حتى يأخذ هيئة وطول البشر، ثم بدأت ملامح وجهه تتشكل بشرية أكثر لتشكل صورة واضحة. ولكن الأغرب أن الملامح كانت تشبه ملامح (أحمد)... فشعر (أحمد) بالقلق. نظر ليحدد صورة شخصه وهو يجلس، ثم انتبه مفزوعاً.
"سأحتاج ملابسك لأمر هام."
أشار (عباد) بيده إلى النقش الذي يظهر أفرادًا طوال يقفون أمام مرآة بارزة، مملوءة بالسائل الذي يخرج الضوء من الغرفة المحاسبية. ثم قال:
"هذه هي الصورة."
"إنهم..."
"حاول التركيز أكثر في السائل. هل ترى شيئاً مختلفاً عن لون السائل الأصلي؟"
اقترب (حازم) برأسه من النقش وضيق عينيه. ظهرت هناك كرة صغيرة حمراء اللون لا تساوي أكثر من مليمترين تتحرك داخل السائل، وكأن لها إرادتها الخاصة.
"ما هذا؟"
"هذا هو قرين (إسلام)."
نظر (حازم) بدهشة ثم عاد للنظر إلى النقطة الحمراء مرة أخرى، ولكنها اختفت بسرعة، فصاح (عياد) قائلاً:
"لا... اسحب مرة ثانية!"
"اهدأ... كيف عرفت أنه قرين (إسلام)؟"
حاول (عباد) أن يتمالك أعصابه، وهو يقول:
- "نطابق مع رول لورسو دي."
بمجرد أن فتح الرجل الواقف على باب غرفة الأمور، ودخل الدكتور (عادل)، صافح (عادل) وجهه بابتسامة عريضة. دعاه للمكوث على الأريكة، وتوجه (عادل) نحو الأريكة الأخرى، وهو يلوح بالملف.
- "والآن، ما هو الموضوع الذي لا يصلح للهاتف؟"
تتنحنح (خالد) ثم نظر إلى المأمور كي لا يرتبك، وقال:
"الملف يحتوي على تفاصيل حول الأربعة شباب الذين قُتلوا."
"وكيف استطعت أن تصل إلى معلومات عنهم؟"
أجاب (خالد) بنبرة هادئة:
- "لست من الشرطة، والتحقيقات هي مهمتنا."
هز (عادل) رأسه بتفهم، وهو يمد بنظراته نحو الملف.
- "لقد كذبت عليك."
تبدل وجه المأمور بمجرد سماعه العبارة السابقة، واعتدل في مقعده منتظراً أن يكمل (خالد).
"كذبت على...؟"
"نعم، عندما تحدثنا آخر مرة، قلت لك إن جميع التقارير والصور التي التقطت لمسرح الجريمة قد سُرِقَت في ذلك اليوم؛ ولكن الحقيقة أن ما سُرِق هي نسخة مطبوعة من الصور."
أخرج (خالد) من جيبه مجموعة من الصور وناولها (عادل)، قائلاً:
- "هذه هي الصور التي لدينا."
اندهش (عادل) عندما رآها، وسرعان ما بدأ يتفحصها بتمعن. ثم قال:
"من... من أين حصلت على هذه الصور؟"
"لقد قمنا بعمل جيد، ولكن في النهاية، الصور تظل صورة."
"هل لديك أي تفاصيل أخرى؟"
أجاب (خالد) وهو يلمح نظرة فضولية في عينيه:
- "نعم، لدينا تفاصيل حول كيفية الوصول للصور."
نظر (عادل) إلى الصور بانتباه، وأخذ يتفحص تفاصيلها بينما بقي في ذهنه تساؤل: ما هي المفاجأة المقبلة؟
"هذه ليست جثة (يوسف)!!"
"بل (يوسف) حي."
نهض (عماد) من جلسته، لكن (يصفيدش) أكمل هدوءه قائلاً:
- "لقد عذب (يوسف) (للخلي)؛ قطع أصابع كفه الأيمن وهو يستمتع بتعذيبه، ثم بدأ في سلخ جلد جسده وهو حي. بعد أن ظن (للخلبي) أنه مات، غادر قريته وتركه. عندما علمنا بما حدث، ذهبنا لاستجواب عمار شقة (يوسف) بعد تحرر (المسلي). كان ذلك قبل اكتشاف جريمة القتل."
أضاف (عماد) متسائلاً:
"ماذا حدث في الشقة؟"
"الشقة التي حدثت فيها تلك الحادثة منذ قليل كما هي، لم تتغير. كانت مغطاة بالدماء التي انتشرت في كل مكان. يمكنك أن ترى الجثث المعلقة على السقف، بينما أجسام أخرى ملقاة على الأرض."
توجهت الأنظار نحو الأجسام القصيرة المملوءة بأرضية الشقة، وكانت مختلطة ومتعلقة بالسقف، ولكن ما يثير الانتباه هو ما يحدث في وسط تلك الأجسام:
- "ماذا يحدث في منتصف الأجسام؟"
لاحظ (عماد) أن هناك دائرة في منتصف الصالة قد بدأت تظهر لونًا يشع من وسطها، ثم ازداد الاحمرار حتى بدا وكأنها نار مشتعلة. ومن بين تلك النيران، ظهرت أجساد تتأجج نارًا. كان هناك بعض الأجساد التي تشبه البشر، لكن أحدها كان مميزًا عن البقية.
- "إنه (يصفيدش)!"
كان (يصفيدش) يراقب المشهد بهدوء، ثم نظر إلى (عماد) وقال:
- "سيروي الجميع ما حدث في هذا المكان منذ تجمع البشر هنا على يد (للخلبي). ومن سيخالف أوامري، سيُقتل."
تقدم أحد الأشخاص ووقف أمام (يصفيدش) قائلًا:
- "لكن (يوسف) من المفترض أنه مات من جراحه وغادر جسده."
رفع (يصفيدش) رأسه مفكرًا، ثم نظر خلفه وأعطى الأمر:
"سأتحدث نيابة عن الجميع؛ سأخبركم بالحقيقة. اذهب إلى مكتب القائد وأمر بنقل جثة (يوسف) إلى المشرحة."
"كيف سيحدث هذا؟"
"لكم الأمان والعهد من عائلتي، لا تشغل بالك، فقد حدث هذا سابقًا."
جاءت الأصوات البشرية ثانيةً، وعرفوا أن الصوت الصادر كان من جثة (يوسف). اقترب (يصفيدش) من الجثة، فوجد أصابع اليد اليمنى ممزقة وملقاة على الأرض، وكذلك أصابع القدم وقطع من جلد الظهر مفصولة. زاد الأنين مع فتح (يصفيدش) الجثة.
نظر (يصفيدش) إلى الرجلين الآخرين وقال بغلظة:
- "أنتم... تأملوا وجه هذا الشاب، فهو في عمر تقريبي مع وجهه القريب إلى وجه (يوسف). يجب أن يكون فاقدًا للأهلية لمشرحة من مصر."
كان الجميع في حيرة، ولكن بعد النظر والتفحص، اختفيا. أشار (يصفيدش) لأحد الرجال الذي كان مسؤولاً عن التحقيقات قائلاً بغلظة:
- "الرجال يعودون لاستجواب عمار عن الأحداث."
أكمل (يصفيدش) حديثه بهدوء:
- "لقد نقلنا (يوسف) إلى عالمنا وهو في حالة غيبوبة، وما زال هناك أجزاء من جسده مقطوعة. أرسلنا رجالاً لإخفاء جثته كي لا يكتشف (المخلي) حقيقة بقاءه حيًا، ولنتجنب اكتشاف الحقيقة عند التشريح. كان الهدف تأجيل الكشف عن الحقيقة حتى لا يعرف (المخلي) بأمر (يوسف)."
سأل (عماد) بلهفة:
- "ولكني رأيت قرين (إسماعيل الحلاج) يجمد (يوسف). كيف ذلك؟"
ابتسم (يصفيدش) وهز رأسه ثم قال:
- "الشيخ (إسماعيل الحلاج) لم يمت، بل ظل حيًا تحت حماية رجال (للخلبي). وقد تسببت تلك الأحداث في جعل (إسماعيل) يعيش تحت حماية خاصة."
وواصل:
- "في السطور الأخيرة، يظهر أن قرين يوسف لم يتمكن من التحرر من نفسه، بل إن قرين إسماعيل الحلاج هو من يظهر الآن ليبث الرعب في قلوب المخليين.
في إحدى الليالي، عاد حمود إلى غرفة إسلام ليوضع اللحن للمرة الثانية، وفجأةً، انفجر الجدار المحيط به. كان وراء هذا الانفجار كائن غريب. نظرت عيون حمود وإسلام ورقية إلى الجدار المنهار، حيث تناثرت قوالب الطوب وسقطت منها فتحة كبيرة. من خارج الغرفة، دخل الكائن الذي كان مغطى بالتراب عبر الفجوة، وتقدمت قدماه العاريتان نحو الداخل. دخل الكائن الغرفة وسط دهشة الجميع. صرخت رقية من الفزع وسقطت مغشياً عليها، بينما كان إسلام يراقب المشهد، غير مصدق لما يراه.
كان الكائن شاباً عارياً، وأبرز ما كان يميّزه هو عدم امتلاكه لعضو ذكري، حيث كان ذلك المكان مغطى بالكامل. كان ضخم الجثة كلاعبي كمال الأجسام، ولكن وجهه كان غريباً. كان يشبه وجه إسلام، لكن عينيه كانتا مشقوقتين كعيون القطط ولونهما عسلي. ومن وسط شعره برز قرنان بطول ستة سنتيمترات، بلون جلده. هذا الكائن كان قرين إسلام.
اقترب القرين من حمود، الذي حاول التحدث إليه، لكن محاولاته لم يكن لها تأثير. أمسك القرين بحمود ورفعه عالياً، ثم دفعه نحو أقرب جدار وبدأ في ضرب رأسه بقوة. كان حمود يصرخ والدماء تتناثر من رأسه حتى توقفت حركته بعد عدة ضربات. تركه القرين ساقطاً على الأرض، ثم توجه نحو إسلام الذي كان يجلس مرعوباً. توقف القرين أمام إسلام، ونظر إلى عينيه وقال: "منك مرة."
هرع حازم إلى المستشفى وهو يرتجف من الخوف بعد رؤية القرين، ورفع مسدسه قائلاً بصوت مرتعش: "ارفع يدك لأعلى." نظر القرين إلى رجل الأمن ببرود ثم اقترب منه. أغمض رجل الأمن عينيه وأطلق رصاصتين على القرين، ثم فتح عينيه ليكتشف أن القرين لم يتأثر. أطلق رصاصة ثالثة، اصطدمت بصدر القرين لكنها ارتدت بقوة. صرخ رجل الأمن من الفزع بينما كان القرين يواصل التقدم نحوه. فجأةً، اختفى القرين، وبدأ رجل الأمن في النظر حوله في حالة من الذعر، لكنه فوجئ برؤية رقية المفزوعة ومحمود الذي كان قد سقط. كاد المسدس يسقط من يد رجل الأمن من هول ما رآه. بينما كان حمود مغطى بالغبار والدماء، يظهر ببطء وحسده لا يتجاوز الثقل.
قال عباد لحازم: "قبل أن يصل إسلام، لاحظت نقطة شبيهة بتلك النقطة تتحرك بسرعة غريبة في سوائل الغرفة. في البداية لم أفهم ما هي، لكن بعد زيارة إسلام، رأيت تلك النقطة تتحرك بالقرب من منطقة ظهور القرائن."
توقف عباد عن الكلام ونظر حوله إلى السوائل في الغرفة. "حازم، ألا ترى حركة غريبة بين السوائل؟" نظر حازم خلفه ليرى وفجأةً انفجرت الغرفة من الخارج، وطارت حازم وعباد نحو الحائط، وتحولت الألوان إلى الأسود من العدم. توقفت الانفجارات المرعبة، وبقيت الغرفة مليئة بالغبار والأبخرة السوداء. زحف حازم على الأرض، وتغطي وجهه بالغبار والدماء، وزحف نحو جثة عباد الذي لم يظهر وجهه من كثرة الدماء. وصل حازم إلى عباد، الذي كانت عيناه شاخصتين بصعوبة، وهزه بكل قوة، وشاهد شفتي عباد تتحرك بصعوبة. اقترب حازم بأذنه من شفتي عباد ليسمعه بصعوبة وهو يقول بصوت خافت: "يجب أن يكون للغرفة سيد، أنت من الآن سيد الغرفة." بعد أن نطق عباد عبارته، أغمض عينيه ومات.
في غرفة التشريح بمشرحة زينهم، وقف خالد والمأمور أمام الجثة الموضوعة على المنضدة، وارتدى سالم كمامة كما هو الحال مع المساعدين. كانت الجثة على المنضدة تأخذ شكل قرد لكنها عارية، وكان خالد يمرر المشرط الجراحي على الجثة، قائلاً للمأمور: "لم أرَ كائناً من هذه الفصيلة من قبل، كان يمتلك في يده ثلاثة أصابع تشبه أصابع الثعالب."
أجاب المأمور بقرف: "ولن ترى، لولا علاقات الضابط بأمن الدولة لما استطعنا نقل الجثة هنا لتشريحها سراً."
أعاد خالد اليد إلى موضعها، ومرر على الجثة التي تشبه القرد، موضحاً تفاصيل الشعر والأنف الذي يشبه أنف الثعلب. أشار إلى الأقدام قائلاً: "وأقدامها تبدو غريبة عن تكوين أقدام الثدييات، تحتوي على حوافر."
سأل المأمور: "كيف ستبدأ تشريح هذا الكائن؟"
أجاب خالد: "سأبدأ بالرأس، وبالتحديد الفم."
فتح الفم بصعوبة، فظهر فيه عدد كبير من الأسنان الطويلة. أما الفك السفلي فكان يشبه أذن الحصان. قال خالد: "ألم تزد عدد أسنانه عن الأسنان الطبيعية؟" وأعاد عد الأسنان. فتح الكائن عينيه فجأة!
إلى اللقاء في الجزء التالي والأخير من الرواية.
مخطوطه بن إسحاق.
الجزء القادم العائد………