الغريب في الطابق السفلي
كان المنزل القديم في نهاية الشارع المهجور يثير الفضول والخوف في آن واحد. لم يكن أحد يتجرأ على الاقتراب منه، فقد كانت الشائعات تتحدث عن أصوات غريبة تخرج من الطابق السفلي ليلاً، وعن أضواء تنبعث من النوافذ المحطمة، رغم أنه لم يسكنه أحد منذ عقود.
في إحدى الليالي المظلمة، قررت لينا، وهي شابة شجاعة ومولعة بالقصص الغامضة، أن تكشف سر هذا المنزل. كانت تعشق المغامرة، واعتبرت المنزل تحديًا يجب مواجهته. أخذت مصباحًا كهربائيًا وكاميرا صغيرة، وتوجهت نحو البيت الذي ظل صامتًا، عدا عن صوت الرياح التي تعوي بين جدرانه القديمة.
عندما وصلت إلى المنزل، لاحظت أن الباب الأمامي كان مفتوحًا قليلاً، وكأن أحدهم كان ينتظر دخولها. ترددت للحظة، ولكن فضولها دفعها للدخول. ضغطت على المصباح لينير الظلام الكثيف، وأخذت تخطو بحذر بين الغرف المغبرة والمهجورة.
رائحة العفن والغبار كانت تملأ المكان، والجدران كانت مليئة بالخدوش وكأن شخصًا ما حاول أن يخرج منها. فجأة، سمعت صوتًا خافتًا، صوتًا كهمس بعيد. توقفت لينا وحاولت أن تستمع. الصوت كان يأتي من الطابق السفلي، من تلك السلالم الخشبية القديمة التي تنزل إلى الأعماق المظلمة.
تقدمت نحو السلالم ببطء، وكل خطوة تخطوها كانت تصدر صريرًا عالياً كأنه تحذير. عندما وصلت إلى الأسفل، واجهت بابًا خشبيًا قديمًا، كان مكسوًا بخدوش عميقة وعلامات غريبة لم ترها من قبل. مدت يدها ببطء وفتحت الباب، ليكشف عن غرفة كبيرة ومظلمة.
في زاوية الغرفة، كان هناك كرسي قديم، يجلس عليه رجل عجوز بملابس ممزقة ووجه مغبر، عيناه تتوهجان في الظلام. رفعت لينا المصباح لتراه بوضوح، ولكن ما رأته جعلها تجمد في مكانها. الرجل لم يكن يبدو حيًا، ولم يكن يبدو ميتًا. كان في حالة بين الحياة والموت، وكانت عيناه تتحركان ببطء نحوها.
قبل أن تستوعب لينا ما يحدث، بدأ الرجل يتحدث بصوت ضعيف ومخيف. "لقد انتظرت طويلاً... أحدهم كان عليه أن يأتي." بدأت لينا تشعر برعب شديد، وكأن الغرفة تضيق عليها. الرجل استمر بالحديث عن لعنة قديمة، وعن أرواح حبيسة تبحث عن مخرج. "أنتِ الآن جزء من هذا المكان، لا يمكن لأحد الهروب."
بدأت الجدران تهتز، والأصوات الخافتة تحولت إلى صرخات عالية تأتي من كل زاوية. حاولت لينا الهروب، ولكن الباب الذي دخلت منه اختفى. أصابها الذعر، وبدأت تركض في كل الاتجاهات، تبحث عن مخرج. شعرت بيد باردة تلمس كتفها، ولكن عندما استدارت، لم يكن هناك أحد.
المكان كان يتغير من حولها، والجدران أصبحت أقرب، وأصوات الصرخات كانت تزداد شدة. شعرت وكأنها تُسحب إلى أعماق الظلام، حيث لا يوجد أمل أو نور. كلما حاولت التقدم، شعرت بشيء يعيق حركتها، كأن الظلام أصبح كيانًا حيًا يحاول ابتلاعها.
عندما أدركت لينا أنها محاصرة، وأنها لن تخرج أبدًا، بدأت تشعر بالاستسلام. سقطت على الأرض، والدموع تنهمر من عينيها، ولم تستطع سوى التفكير في الرجل العجوز وكلماته. المكان كان ينتظر أحدًا، والآن أصبح لها.
وبينما كانت تفقد وعيها، أدركت أن الطابق السفلي لم يكن مجرد غرفة في منزل قديم. لقد كان بوابة إلى شيء أبعد بكثير، شيء لم يكن يجب لأحد أن يعرفه. ومنذ تلك الليلة، لم ير أحد لينا مرة أخرى، وأصبح المنزل القديم في نهاية الشارع أكثر غموضًا ورعبًا، بأصوات جديدة تضيف إلى لحن الخوف الذي يعزف في الليل.