فيلم في الظلام
في الظلام
كان هناك بيت قديم ومهجور على حافة قرية صغيرة، تتناقل عنه الألسنة قصصًا مرعبة. كان يُعتقد أنه مسكون بأرواح الماضي، وكانت أصوات الهمسات تتردد من داخله كلما هبت الرياح. رغم التحذيرات، كان هناك دائمًا من يسعى لتحدي الخوف.
في إحدى الليالي العاصفة، قرر صديقان، أحمد ومريم، استكشاف هذا البيت. كانت السماء ملبدة بالغيوم، والبرق يضيء السماء بين الحين والآخر. بعد تجاذب الحديث والتأكيدات المتبادلة، قاما بجمع بعض الأدوات الأساسية مثل الكشافات والبطاريات، وتوجهوا نحو البيت.
عند الوصول، كان الباب الخشبي الكبير مفتوحًا قليلاً، وكأن البيت يدعوهم للدخول. أخذ أحمد نفسًا عميقًا، ودفع الباب ليدخل أولاً، تلاه مريم، التي كانت تشعر بمزيج من الفضول والخوف. بمجرد أن دخلا، أغلق الباب خلفهما بصوت صرير مرعب. عمت الظلمة المكان، وكأن الضوء هرب بعيدًا.
استخدم أحمد كشافه، وشعاع الضوء الذي أطلقه كان يتراقص على الجدران المغطاة بالصدأ والأتربة. تململ الفضاء حولهما، وكانت أصوات الخفافيش تملأ المكان. "يبدو أن لا أحد هنا"، قال أحمد بصوت مرتجف. لكن مريم كانت تشعر بشيء غير مريح.
مع كل خطوة، كانت أصوات الهمسات تتعالى. "أحمد، هل تسمع ذلك؟" سألت مريم بقلق. لكنه كان مشغولاً باستكشاف الغرف. في غرفة المعيشة، وجدوا مرآة قديمة مغبرة. بينما كان أحمد يتأمل في المرآة، شعرت مريم بشيء غريب خلفه.
تراجعت ببطء، وعندما نظرت، لم يكن هناك أحد. لكنها شعرت بشيء ثقيل يثقل قلبها، وكأنها ليست وحدها. في تلك اللحظة، انطفأ الكشاف فجأة، وعمت الظلمة المكان مرة أخرى. صرخ أحمد، بينما كانت مريم تتلمس طريقها للخروج.
في خضم الفوضى، بدأت الهمسات تتردد في أذنيها. "لا تتركينا..." كانت كلمات غامضة، لكنّها أحست بشيء كالرعب يتسرب إلى أعماقها. بدأت مريم تتوجه نحو الباب، لكن الظلام كان كثيفًا، وكأن شيئًا يحاول منعها من الخروج.
شعرت بشيء يمسك بكتفها، وصرخت بأعلى صوتها. لكن عندما استدارت، لم تجد أحدًا. كان المنزل خاليًا، لكن الهمسات كانت تقترب أكثر. استخدمت كل قوتها لتدفع الباب، واستطاعت أخيرًا الخروج إلى الهواء الطلق.
عندما خرجت، كانت الأمطار تتساقط بشدة، وأحمد لم يكن وراءها. استدارت في فزع، وصرخت باسمه، لكن الصدى كان هو الجواب الوحيد. شعرت ببرودة تسري في عظامها، وعندما نظرت إلى المرآة الكبيرة في المدخل، رأت انعكاسها. ولكن لم يكن ذلك انعكاسًا عاديًا.
رأت نفسها، لكنها بدت مختلفة. عيونها كانت مظلمة، وابتسامة شبحية تزين وجهها. وكأن شيئًا ما قد أخذ مكانها، وكأنها كانت محاصرة بين عالميين. عرفت مريم في تلك اللحظة أن الظلام لم يكن مجرد غياب للضوء، بل كان شيئًا أكثر عمقًا.
أدركت أن البيت كان لا يزال يحتفظ بأسراره، وأن بعض الأماكن لا تُنسى. في تلك اللحظة، أصبح الظلام كائنًا حيًا، يراقب ويتحكم، يأسر الأرواح ويحتفظ بها إلى الأبد. وقررت مريم أنها لن تعود أبدًا إلى ذلك المكان، لكن الشبح الذي في المرآة كان يبتسم، كما لو كان يعدها بلقاء آخر في ظلام آخر.