الكتيبه 418 العائدون من الموت
الكتيبة 418: العائدون من الموت
في صباح يوم 8 أكتوبر 1973، تلقت الكتيبة 418 للدفاع الجوي أمراً سرياً بالتحرك إلى المنصورة في سرية تامة، دون معرفة وجهتهم النهائية. بقيادة الرائد أيمن سيد أحمد، انطلقت الكتيبة دون علمهم أنهم سيشهدون قريباً ملحمة تاريخية في حرب أكتوبر.
مع وصولهم إلى المنصورة، استقبلهم مندوب اللواء 92 للدفاع الجوي، الذي سلمهم توجيهات جديدة للتحرك نحو بورسعيد عبر الطريق الساحلي. نظراً لأهمية السرية، تحركت الكتيبة في مجموعات صغيرة مكونة من ثلاث مركبات كحد أقصى، بهدف الوصول إلى منطقة رجب عباس في بورسعيد دون كشفهم من قبل الطيران الإسرائيلي.
عند وصولهم، كانت الأرض في حالة دمار كامل؛ الحفر وآثار القصف تملأ المكان، مما زاد من التحدي الذي واجه الكتيبة. كان مطلوباً منهم تنظيف الموقع وإعداد حائط دفاع جوي قبل شروق الشمس لتجنب أي هجمات جوية إسرائيلية قد تكتشف وجودهم. بمساعدة وحدات المهندسين العسكريين، تمكنت الكتيبة من تجهيز الموقع ووضع ستائر خرسانية لحماية الأسلحة والصواريخ.
وفي تمام السادسة والنصف صباحاً، تلقت الكتيبة إشارة من مصادر الاستطلاع تفيد بإقلاع 16 طائرة إسرائيلية من مطار العريش باتجاه بورسعيد. أصدرت الكتيبة أوامر بإطلاق صاروخين، وتمكنت من إسقاط طائرتين في البحر المتوسط، ما أثار دهشة القيادة الإسرائيلية، خاصة بعد أن ظنوا أنهم قد دمروا جميع الدفاعات الجوية في بورسعيد.
استمرت الاشتباكات لعدة ساعات بين الكتيبة والطائرات الإسرائيلية، وأسفرت عن إسقاط ست طائرات إسرائيلية دون أي خسائر في صفوف الكتيبة المصرية. وفي صباح يوم 12 أكتوبر، شنت الطائرات الإسرائيلية هجوماً أضخم على بورسعيد بـ 68 طائرة، لتكون الكتيبة 418 مجبرة على مواجهة هجوم جوي مكثف هدفه القضاء عليها. لكن براعة رئيس العمليات الرائد سعيد العشري ظهرت حين اقترح استخدام ساتر دخاني كثيف، مما ساهم في تمويه الموقع وتقليل الخسائر.
بفضل هذا الساتر، تمكنت الكتيبة من الحفاظ على موقعها، ومع نهاية ذلك اليوم تمكنت من إسقاط خمس طائرات أخرى، لتصل حصيلة الخسائر الإسرائيلية إلى 11 طائرة خلال يومين. ورغم تعرضها لأضرار جسيمة، رفضت الكتيبة الاستسلام، وواصلت القتال كحائط صد أخير لحماية بورسعيد. حينها، أرسلت القيادة الإسرائيلية تقريراً يُفيد بالقضاء على الكتيبة 418، لكن الطائرات الإسرائيلية فوجئت بوجودهم مجدداً في 16 أكتوبر. حاولت الطائرات الإسرائيلية تدمير الكتيبة بشكل نهائي، في وقت أعلن فيه الرئيس السادات انتصار الجيش المصري.
كانت كلمات الرئيس السادات معبرة حين قال: "عاهدتم وكنتم الأوفياء للعهد، وكنتم أشرف الأصدقاء وأشجع المقاتلين". هكذا، سطر أبطال الكتيبة 418 صفحة خالدة في تاريخ حرب أكتوبر، وخلدت تضحياتهم اسمهم كرمز للبطولة والفداء.
رحم الله شهدائنا الأبرار وأسكنهم فسيح جناته.