في قلب الغابة

في قلب الغابة

0 المراجعات

في قلب الغابة

كانت عائلة “الحسيني” تخطط لرحلة إلى الغابة طوال الأسبوع. كان الأب، يوسف، متحمسًا لأخذ أسرته في نزهة للاستمتاع بالطبيعة. كانت زوجته، ليلى، وطفلاهما، سامي وزينب، ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر. في صباح يوم الرحلة، استعدت العائلة جيدًا، وجمعت الطعام والشراب، وانطلقت نحو الغابة.

وصلوا إلى الموقع المحدد، حيث كانت الأشجار الكثيفة تحتضنهم، وأصوات الطيور تعزف سيمفونية طبيعية. أقاموا خيمتهم في منطقة مفتوحة، وبدأوا في إعداد الغداء. كانت زينب، الطفلة الصغيرة، تلعب بالقرب من خيمتهم، بينما انشغل يوسف وليلى في تحضير الطعام.

بعد الغداء، قرر يوسف أن يأخذ الأطفال في جولة لاستكشاف الغابة. “هل أنتم مستعدون لمغامرة؟” سألهم بابتسامة. “نعم!” هتف سامي وزينب معًا. بدأوا السير على طول ممرات الغابة الضيقة، محاطين بأشجار عالية وأعشاب كثيفة.

بينما كانوا يستكشفون، رأى سامي شيئًا لامعًا بين الأشجار. “انظروا! هناك شيء!” قال بحماس. ركض نحوه دون تفكير، وبدأ يتوغل في الغابة. “سامي، انتظر!” صاحت ليلى، ولكن كان سامي قد اختفى بين الأشجار.

توقف الجميع في ذهول. “سأذهب للبحث عنه!” قال يوسف، وبدأ في التوجه نحو المكان الذي رأى فيه سامي آخر مرة. بينما كانت زينب تشعر بالخوف، بدأت ليلى تبكي. “يجب أن نجد ابننا!” صرخ يوسف، عائدًا إلى عائلته بعد دقائق من البحث دون جدوى.

حاولت العائلة الاتصال بسامي، ولكن صدى أصواتهم كان يتلاشى في الهواء. كان المكان يزداد هدوءًا وغموضًا. مع مرور الوقت، بدأت أشعة الشمس تختفي، تاركة الغابة في ظلام دامس. قرروا العودة إلى المخيم والانتظار هناك، لكن الأمل كان يتلاشى.

في تلك الليلة، اجتمعوا حول نار المخيم، قلقين وخائفين. “سأذهب للبحث عنه مجددًا!” قال يوسف، عازمًا على العودة إلى الغابة. “لا، لا تذهب!” صاحت ليلى، لكن يوسف كان مصممًا.

انطلق يوسف إلى الداخل، مستعينًا بمصباحه اليدوي. كانت الأشجار تبدو وكأنها تتراقص في الريح، والظلال تتلاعب بعينيه. كان ينادي سامي، لكن لم يكن هناك جواب.

بينما كان يستمر في السير، شعر بشيء غريب. كانت أصوات همسات تتردد من حوله، كما لو كانت الغابة تتحدث. “سامي، أين أنت؟” صرخ، لكن الصوت لم يُسمع إلا من خلال صدى الغابة.

استمر في السير حتى وصل إلى منطقة غريبة. كانت الأشجار هناك أكثر كثافة، والأرض مغطاة بأوراق الشجر المتعفنة. وبينما كان يستكشف، لمح شيئًا يتحرك خلف شجرة. “سامي!” صرخ، وركض نحو المصدر. لكن عندما اقترب، وجد نفسه أمام دمية ممزقة.

شعر بقلق شديد. هل من الممكن أن يكون هذا هو ما تركه خلفه؟ بينما كان ينظر إلى الدمية، سمع فجأة ضحكة طفل. ارتعد جسده من الخوف. كان الصوت مألوفًا، لكنه جاء من مكان بعيد. “سامي!” صرخ مرة أخرى، لكنه لم يحصل على إجابة.

رجع يوسف إلى المخيم، وكانت عائلته في حالة من الانهيار. “لم أجده”، قال بصوت منخفض. “يجب أن نخبر الشرطة”، اقترحت ليلى، لكن الأمر كان أكثر تعقيدًا. كانت الغابة تتسم بالغموض، وكان كلما زاد الوقت، زاد شعورهم بالفقد.

في اليوم التالي، انطلقت العائلة مع رجال الشرطة والعديد من المتطوعين للبحث عن سامي. كان الجو ملبدًا بالغيوم، كما لو كانت السماء تشاركهم في حزنهم. اقتحم الجميع الغابة، ينادون باسم سامي، لكن لا أحد كان يسمع ردًا.

مرت الأيام، وتحولت عملية البحث إلى كابوس مستمر. كانت القرية كلها تعيش في حالة من القلق. وتحدث الناس عن أسطورة الغابة، حيث يُقال إنها تحتفظ بأسرار مظلمة، وأن الأرواح الضائعة تسحب الأطفال بعيدًا عن عائلاتهم.

بعد أسبوع من البحث، بدأت العائلة تفقد الأمل. ولكن في ليلة من الليالي، بينما كان يوسف جالسًا بمفرده بجوار النار، شعر بشيء غريب. كانت الرياح تعصف بالأشجار، وسمع ضحكة سامي تتردد في الأفق. استدار بسرعة، لكنه لم يجد شيئًا.

عادت ليلى، وجلسوا معًا في صمت. كان في قلبهما شعور بعدم اليأس، بل بالأمل الذي لا ينتهي. استمرت العائلة في الزيارة إلى الغابة، كل يوم يأملون في العثور على سامي.
 

ًوبعد عدة أشهر، وفي يوم مشمس، بينما كانوا يجلسون بالقرب من الخيمة، لاحظت زينب شيئًا يتحرك بين الأشجار. “ماما، انظري!” صاحت، وفي تلك اللحظة، انتبهت العائلة إلى ما يبدو أنه طفل صغير يخرج من بين الأشجار. كانت قلوبهم تخفق بشدة، لكن عندما اقترب الطفل، كانت المفاجأة.

ظهر الطفل وهو يرتدي ثيابًا ممزقة، وعيناه تشعان بالبراءة، لكنهما كانتا مليئتين بالخوف. “سامي!” صرخ يوسف، وركض نحو الطفل. احتضنه بقوة، بينما كانت ليلى تبكي فرحًا. “أين كنت؟” سأل يوسف، بينما كانت زينب تراقب بعيون واسعة.

“كنت ألعب… ثم ضعت”، قال سامي بصوت خافت. “لكن هناك أشياء غريبة في الغابة. أسمعت همسات، وكأنها تريدني أن أذهب معها.”

تجمدت قلوب الوالدين. “ماذا تقصد بهمسات؟” سأل يوسف، لكن سامي لم يستطع أن يشرح أكثر. كانت نظراته تتجه نحو الأشجار، وكأنه يراها بشيء من الخوف.

بعد أن تأكدوا من سلامته، قرروا العودة إلى المنزل. لكن في كل مرة حاولوا الخروج، شعر يوسف بشيء غريب في المكان. كانت الأشجار وكأنها تشاهدهم، والهواء مليء بنفحات الغموض.

عادت الأسرة إلى القرية، ولكن ما حدث في الغابة ترك أثرًا عميقًا في نفوسهم. قرر يوسف أن يتحدث إلى بعض الحكماء في القرية عن الأسطورة التي سمعوا عنها. وعندما سمعوا القصة، أدركوا أن الغابة كانت تملك أسرارًا مظلمة، وأنها لا تُظهر رحمتها بسهولة.

بدأت العائلة في زيارة الغابة مرة أخرى، ليس لاستكشافها، بل للتواصل مع ذكرياتهم وشفاء جراحهم. تعلموا أن الغابة ليست مكانًا للعبث، بل هي كائن حي يحمل قصصًا وأسرارًا.

مرت الأيام، وتجاوزوا الفقد، لكن الهمسات ظلت تلاحقهم، تذكرهم بما حدث، وتحذرهم من الاقتراب منها مجددًا. فقررت العائلة أن تحافظ على مسافة آمنة بين قلوبهم وبين الغابة، حيث تُركت أسرارها ومخاطرها.

ومع كل زيارة، أصبحت الأشجار تنحني لهم كأنها تعترف بوجودهم، لكنهم عرفوا أنه لا ينبغي عليهم استكشاف أعماقها مرة أخرى. كانت تلك التجربة درسًا لم يُنسى، وقصة تُروى للأجيال القادمة، حتى يبقوا بعيدين عن الغابة التي تظل تحتفظ بأسرارها في قلبها.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

5

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة