أسرار البيت المهجور: الليلة التي لا يعود منها أحد
الليله الملعونة
في قريةٍ صغيرة مهجورة تحيط بها الغابات الكثيفة، كان هناك منزل قديم ضخم مهجور. كان الناس يتداولون شائعات عن هذا المنزل، يُقال إنه يسكنه أرواح قديمة وكيانات مظلمة لا ترى النور. جدرانه المتهالكة تغطيها الطحالب، ونوافذه تظلّ مغلقة، فيما تعلو صريرها في الليل، وكأنها تحكي قصصًا مرعبة لأحداث لا يعرفها إلا من عاش هناك.
في ليلةٍ خريفية باردة، قرر أربعة أصدقاء مغامرون زيارة ذلك المنزل الملعون لكشف أسراره. كان الأصدقاء هم ماجد، الشاب الجريء الذي لا يعرف الخوف، وليلى التي تتميز بفضول لا حدود له، وسالم الهادئ الذي دائمًا يحلل كل شيء، وأخيرًا نور، الفتاة التي تكره الرعب لكنها وافقت على المغامرة بدافع الفضول. انطلقوا في منتصف الليل بعد أن تكوّنت لديهم فكرة عن موقع المنزل.
عندما وصلوا إلى التل الذي يقبع عليه المنزل، كان الضباب يحيط بالمكان وكأن الطبيعة نفسها تحاول إخفاءه. بعيونهم المترقبة، وقفوا أمام الباب الخشبي الكبير الذي بدا وكأنه لم يُفتح منذ قرون. تردّدوا للحظة، لكن ماجد دفع الباب، الذي أصدر صوت صرير حاد مزعج. دخلوه وأحاطت بهم رائحة العفن والرطوبة.
في الداخل، كانت قاعة المنزل واسعة، جدرانها مغطاة بلوحات زيتية قديمة تملؤها ملامح وجوه غامضة. إضاءة خافتة تنبعث من شموع قديمة تضيء الغرفة، رغم أن أحدًا لم يضعها هناك. تبادلوا نظراتهم المتوترة ثم ضحكوا قليلاً ليخففوا من خوفهم، إلا أن تلك الضحكات اختفت سريعًا عندما شعروا بشيء غريب في الجو، وكأنهم تحت أنظار خفية.
سارت المجموعة إلى إحدى الغرف الجانبية، حيث وجدوا مرآة ضخمة مكسورة إلى عدة قطع. عندما اقتربوا منها، بدأت الانعكاسات تتحرك ببطء رغم أنهم واقفون بلا حراك. ليلى لمحت شيئًا غريبًا، انعكاسها في المرآة كان يبدو أكبر سنًا وأشبه بشخص آخر. تراجعت ليلى مفزوعة، وسألت أصدقاءها إن كانوا يرون نفس الشيء، لكن قبل أن يجيبوا، انطفأت جميع الشموع، وحل ظلام دامس على المكان.
بدؤوا يشعرون بالخوف الحقيقي، وسمعوا خطوات ثقيلة تقترب، تلتها ضحكات مشؤومة تأتي من كل جهة. ارتجف سالم وأمسك بيد نور، محاولًا بث الطمأنينة في نفسه قبل أصدقائه. تملكتهم الحيرة، ورغم أنهم حاولوا فتح الباب للهروب، إلا أنه كان مغلقًا بإحكام، وكأن المنزل يرفض السماح لهم بالمغادرة.
توجهوا ببطء وحرص إلى غرفة أخرى، حيث كانت الكتب مرمية على الأرض ومغبرة، وأحد الكتب كان مفتوحًا على صفحة تظهر فيها رموز غير مفهومة، كتب بلغة غريبة. وبينما كان سالم يتفحص الكتاب بفضول، بدأت نور تسمع همسات ناعمة قادمة من الجدران، وكأنها أصوات لأطفال يبكون في أماكن بعيدة.
فجأة، بدأت ليلى تشعر بضيق في التنفس، وكأن قوة غامضة تضغط على صدرها، ثم بدأت تتحدث بصوت غريب لا يشبه صوتها. كانت عيناها تحدقان في الأصدقاء بلا حركة، ثم قالت بصوت خافت: "المنزل يحتاج لأرواح جديدة..." فجأة أغمي عليها، وسقطت على الأرض.
ماجد حاول إيقاظ ليلى، لكنه شعر بشيء يمسك بيده بقوة، وحين نظر حوله لم يجد أحدًا. أصابه الهلع وبدأ يرتجف. سالم أخذ الكتاب بيد مرتعشة، وتساءل إذا كانت هناك طريقة لطرد الأرواح أو إيجاد مخرج من هذا الفخّ المرعب.
بينما كانوا يحاولون إيقاظ ليلى، بدأت الغرفة تتغير من حولهم. الجدران أخذت تتشقق والأثاث يهتزّ، وظهرت ظلال سوداء تتسلل من زوايا الغرفة، ظلال لها ملامح مرعبة، بوجوه مشوهة وعيون تحترق بلون الدم. اقتربت الظلال منهم ببطء، تحيطهم كأنها تستمتع بخوفهم.
فجأة، فتحت ليلى عينيها، ولكن لم يكن فيها أثرٌ لحياة أو بريق. نظرت إليهم نظرة باردة كالصقيع، وابتسمت بوجه لا ينمّ عن ملامحها الحقيقية. وقالت بصوت غريب: "أنتم لستم بأمان هنا، لقد حذرناكم." ثم بدأت تضحك ضحكة مجنونة، فيما ارتعش أصدقاؤها من شدة الرعب.
بدأ الأصدقاء يصرخون ويطرقون الباب بقوة، لكن لا أحد يسمعهم. اختلطت صرخاتهم بصدى أصوات الضحكات المخيفة في أرجاء المنزل. أدركوا أخيرًا أنهم وقعوا في فخّ لا نجاة منه، وأن كل الشائعات التي سمعوها كانت حقيقة. كان المنزل كما قيل، يجمع الأرواح ويحبسها لتظلّ فيه إلى الأبد.
وفي الصباح، عندما عاد أهل القرية الذين سمعوا عن مغامرتهم في الليل، لم يجدوا أثرًا للأصدقاء الأربعة. إلا أنهم وجدوا الباب مفتوحًا، ووجدوا الكتاب القديم ملقىً على الأرض، وعليه ملاحظات بخط مشوش، تقول: “لقد استمتعنا بزيارتكم... وستبقى أرواحكم هنا.”
---
تلك كانت قصة الليلة الملعونة، حكاية امتزج فيها الرعب بالغموض، وأخذت القراء في رحلة مرعبة داخل منزلٍ لا يعفو عن من يدخل فيه، فإما أن تكون جزءًا منه... أو لا تعود أبداً.