
حين نظرت في عيني الماضي
في الجزء الأول من هذه القصة…
كنت أظن أنني دخلت عالمًا من الرفاهية والأمان عندما تزوجت من أغنى رجل في المدينة. لكن خلف كل تلك الفخامة، كان هناك ما هو أعمق وأخطر. شيء لم أستطع رؤيته في البداية…
في ليلة زفافنا، وبينما كنت أحاول فهم صمته الغريب وعينيه الممتلئتين بالأرق، دخل رجل غامض إلى الغرفة، وغيّر كل شيء.
وهنا تبدأ اللحظة التي كشفت أول خيط من السر...
تسمّرتُ في مكاني، لا أستطيع الحراك. كانت عيناي تتنقلان بين الظل الذي يبتلع ملامح الرجل الغريب، وبين وجه رائد الهادئ بشكل مخيف. "كنت أعرف أن هذه اللحظة ستأتي." كلماته تلك لم تكن مجرد اعتراف، بل كانت إعلانًا عن عالم كامل من الأسرار لم أكن أدرك وجوده. لم يكن هناك خوف في صوته، ولا حتى دهشة، فقط قبول بارد ومُتوقع.
ظل الرجل الغريب واقفًا في الظل، صامتًا كتمثال، لكن وجوده كان يصرخ بالتهديد. شعرتُ ببرودة تسري في عروقي، ليست برودة الغرفة، بل برودة الخوف الذي بدأ يتسلل إلى أعماقي. من هذا الرجل؟ وماذا يعني حضوره في هذه اللحظة بالذات؟ هل هو جزء من ماضي رائد المظلم؟ أم أنه يمثل خطرًا جديدًا يهدد حياتي التي ظننتها آمنة؟
لم أستطع أن أتحمل هذا الصمت الثقيل. "رائد؟" همستُ، صوتي بالكاد يخرج. "من هذا؟ ماذا يحدث؟" لم يجبني. ظل يحدق في الرجل الغريب، وكأن بينهما لغة صامتة لا أستطيع فك رموزها. كانت تلك اللحظة أطول من أي لحظة عشتها في حياتي، لحظة معلقة بين الحقيقة والخيال، بين الأمان الذي ظننته وبين الخطر الذي بدأ يتجسد أمامي.
فجأة، تحرك الرجل الغريب. خطى خطوة واحدة إلى الأمام، كاشفًا عن قامة طويلة وبنية قوية. لم أستطع رؤية وجهه بوضوح بسبب الظل، لكنني شعرت بنظراته الثاقبة تخترقني. لم يكن يحمل سلاحًا ظاهرًا، لكن حضوره كان سلاحًا بحد ذاته. كان الجو مشحونًا، وكأن الهواء نفسه قد تجمد من التوتر.
ثم تحدث الرجل الغريب، وصوته كان عميقًا وهادئًا، لكنه يحمل نبرة لا تقبل الجدال: "حان الوقت يا رائد." لم يقل أكثر من ذلك. كانت كلماته كافية لتجعل قلبي يقفز في صدري. حان الوقت لأي شيء؟ هل هو تهديد؟ هل هو أمر؟
نظر رائد إليّ مرة أخيرة، نظرة لم أستطع تفسيرها. هل كانت اعتذارًا؟ هل كانت وداعًا؟ أم كانت مجرد نظرة باردة لرجل يستسلم لمصيره؟ ثم نهض من السرير بهدوء، وكأنه يتبع أمرًا لا يملك حق رفضه. لم ينظر إلى الرجل الغريب، بل سار مباشرة نحو الباب، وكأنه يعرف طريقه جيدًا.
"رائد!" صرختُ، محاولة الإمساك به، لكن الرجل الغريب تحرك بسرعة مذهلة، ووقف بيني وبينه. لم يلمسني، لكن وجوده كان حاجزًا لا يمكن اختراقه. شعرتُ بالعجز التام، وأنا أرى زوجي يغادر الغرفة مع هذا الغريب، تاركًا لي وراءه صمتًا أثقل من أي كلام، وغموضًا يلتف حولي كالكابوس.
بقيتُ وحدي في الغرفة، أرتجف من البرد والخوف. هل كان هذا حلمًا؟ هل كنت أعيش كابوسًا؟ لكن الواقع كان أقسى من أي حلم. قمتُ من السرير، ركضتُ نحو الباب، فتحته، لكن الممر كان مظلمًا وفارغًا. لا أثر لرائد ولا للرجل الغريب. وكأن الأرض قد ابتلعتهما.
عدتُ إلى السرير، جسدي يرتعش، وعقلي يدور في دوامة من الأسئلة. من هو هذا الرجل؟ وما هي العلاقة التي تربطه برائد؟ وما هو السر الذي كان رائد يعرف أنه "حان وقته"؟ هل حياتي في خطر؟ هل زواجي مجرد واجهة لشيء أكبر وأكثر خطورة؟
مرت الساعات ثقيلة كالحجارة. لم أستطع النوم. كل ظل في الغرفة بدا وكأنه يخفي سرًا، وكل صوت خافت كان يثير الرعب في قلبي. مع بزوغ الفجر، شعرتُ بإرهاق شديد، لكن عقلي كان يقظًا بشكل مؤلم. لم أعد أرى رائد كزوجي فقط، بل كشخص غامض، محاط بأسرار لا يمكنني فهمها.
قررتُ أنني لن أبقى مكتوفة الأيدي. هذا القصر، الذي كان رمزًا لأحلامي، تحول إلى سجن من الغموض. يجب أن أكتشف الحقيقة، مهما كان الثمن. يجب أن أعرف من هو رائد حقًا، وما هو هذا العالم المظلم الذي يبدو أنه جزء منه. لم أكن أعلم أن رحلتي في كشف الأسرار قد بدأت للتو، وأنها ستقودني إلى أماكن لم أتخيلها قط، وتكشف لي حقائق قد تهز كياني.
يتبع...