
السماء لا تتسع لنا -الفصل الخامس عشر (الكاتبة علا ابراهيم)
وصل فاروق إلى منزل أروى في اللحظة ذاتها التي كانت فيها اروى تقف أمام باب المنزل برفقة لينا.
لينا، قبل أن تفتح الباب بالمفتاح الذي تحمله، قالت بابتسامة متعبة وهي تنظر لاروى :
— «تحبي أمسك عنك الحاجات عشان تعرفي تفتحي الشقة؟»
كم وصفت أروى نفسها بالغبية في تلك اللحظة! هي لا تمتلك مفتاح الشقة أصلًا، ومع ذلك كان لابد أن تخرج وتتسوق مع لينا، مستغلة هذه الفرصة النادرة.
قالت أروى بهدوء متجاهلة ما يحدث:
— «لا، ادخلي إنتِ يا لينا… كفاية إنك شايلة أسر وماسكة الأكياس.»
هزت لينا رأسها وكادت تدخل. وقبل أن تسألها أروى عن رقم هاتف السيد فاروق، كان فاروق قد خرج من المصعد. في تلك اللحظة، كانت لينا قد فتحت باب منزلها أخيرًا ودخلت، قبل أن تراه أو يراها فاروق.
توقف فاروق أمام أروى، يرمقها باستغراب، وبرود مغلف بالجدية، قبل أن يطلق سؤاله:
— “إيه اللي موقفك كده؟ وإيه اللي خرجك من البيت اصلآ؟”
ظل ينظر إليها طويلًا، تتسلل إلى عينيه نظرة شك واضحة، وهو يكرر:
— “كنتِ فين؟”
أما هي، فكانت تتألم من ثقل الحقائب بين يديها، بينما هو لم يكلف نفسه حتى عناء النظر لما تحمله.
قالت بصوت نفد منه الصبر، وهي تحدق بالباب، متجنبة عينيه:
— “افتح الباب يا فاروق.”
لم تكن ترغب في مواجهة المشاكل التي ستشتعل لو لامته على تصرفاته، التى حتى الآن لا ينتبه لها. أروى بطبعها كتومة، تتحمل بصمت… والمفاجاة أن هذا الأسلوب يريح فاروق، يشعر أنها تشبهه، على عكس طبع سيدرا الجريئة التي تعشق المواجهةولا تصمت.
السماء لا تتسع لنا

أخرج المفتاح من جيبه وأداره في القفل، ففتح الباب. تقدمت أروى إلى الداخل، ودخل هو خلفها، ثم أغلق الباب وهو ما زال يلاحقها بأسئلته:
— “كنتِ فين؟ وخرجتي من إمتى؟”
رفعت أروى الأكياس أمام وجهه، تريه اياهم:
— “تفتكر كنت فين؟”
حينها فهم فاروق أنها خرجت لإحضار الطعام، وأنه تركها دون أن يأتي ليسأل عنها، رغم أن البيت كان خاليًا من أي شيء. لكنه آثر التهرب على الاعتراف، وردّ ببرود:
— “طب ما تقولي كده من بدري.”
شعرت أروى بالإحراج والغيظ من بروده، فردّت:
— “أديني قلت… عندك أي أسئلة تانية يا فاروق بيه؟”
لم يرد، واكتفى بالنظر إليها، بينما كانت تفرغ ما في الأكياس. ظل يحدق بها، يتنفس بعمق، كأنه يبحث عن مدخل للحديث. التفتت بسرعة نحوه، فحمحم بارتباك، وتهرّب من النظر في عينيها:
— “ما سألتيش… هنعمل إيه في موضوع جوازنا؟”
حدقت فيه أروى بدهشة، تلتقط توتره. كانت تريد أن يرفع عينيه ويلتقي بنظراتها، لكن صوته سبقها:
— “أنا هطلّقك.”
كلماته سقطت عليها كصفعة. صدمة قاسية ارتسمت على ملامحها… هل هي لعبة؟ هل لا تساوي عنده شيئًا حتى يلعب بها بهذه الطريقة؟
ابتلع ريقه وأكمل، حين رأى الدموع تتكثف في عينيها:
— “اعتقد إن دا كان اتفاقنا… وإنتِ عارفة إننا هنتطلق. وبالمناسبة، أنا مش هاخد منك الشقة… هتفضلي قاعدة فيها.”
كان يتحدث وكأنه يبرر كل ما يقوله. أغمضت أروى عينيها، فانسابت دموعها، ثم التفتت للجهة الأخرى، لا تريد أن يراها بهذا الضعف. كان الألم يعصف بقلبها… هو من أراد الطلاق أولًا، قبل حتى أن تطلبه منه.
— “لو مش عايزة تتطلقي، فأنا هتجوز… وممكن ما نطلقش، بس ما تقوليش اللي هتجوزها إني جوزك. ولا هي تعرف حاجة عنك.”
أغمضت عينيها أكثر، تتمنى أن يصمت. كلماته كانت كسكين تنغرس ببطء داخلها. استجاب لصمتها أخيرًا، فقط لأن هاتفه رن. كانت خالته على الخط.
نظر إليها للحظة، ثم فتح الخط، استمع قليلًا، وخرج مسرعًا، يهرول، تاركًا أروى مكانها.
حدقت في أكياس الطعام التي كانت على وشك إعدادها… فجأة لم تعد ترغب في الأكل. تركت الأكياس، وتركت دموعها تنساب، تبكي بصمت. لا تعرف أين تذهب، ولا لمَن تشكو.
رن جرس الباب. مسحت دموعها على عجل، رتبت شعرها، وفتحت… لتجد لينا أمامها. وبمجرد أن وقعت عيناها عليها، ارتمت أروى في حضنها بقوة، بينما لينا تنظر إليها بدهشة، ثم تدخل معها بصمت.
الكاتبة : علا ابراهيم