"موعدنا الأول تحت المطر"

"موعدنا الأول تحت المطر"

0 المراجعات

عنوان القصة: حين التقينا تحت المطر

المقدمة:٠

الحب لا يطرق الأبواب في موعد محدد، ولا ينتظر منا الاستعداد… أحيانًا يأتي كنسمة دافئة في قلب شتاء بارد، أو كقطرة مطر تسقط فجأة فتوقظ فينا مشاعر لم نعرفها من قبل. في هذه القصة، ستتعرف على كيف يمكن للصدفة أن تصنع بداية لعمر كامل، وكيف يمكن للحظة عابرة أن تتحول إلى حكاية تُروى للأبد.

القصة:

كانت السماء ملبدة بالغيوم، والريح تداعب أغصان الأشجار في رقّة، كأنها تمهد لقدوم المطر. خرجتُ من المكتب متأخراً ذلك اليوم، أحمل أوراق العمل بين يدي وأفكاري غارقة في حسابات ومواعيد. لم أكن أتوقع أن يغير لقاء واحد مسار حياتي، لكن الحياة، كما يبدو، تحب أن تفاجئنا في اللحظات الأقل توقعًا.

حين وصلت إلى الرصيف، بدأ المطر ينهمر فجأة، بلا إنذار، كأنه قرر أن يغسل المدينة دفعة واحدة. أسرعت بخطواتي نحو المظلة الوحيدة في الشارع، وهناك رأيتها. كانت واقفة، تمسك بكتاب صغير، وتحاول أن تحميه من قطرات المطر أكثر مما تحمي نفسها. شعرها البني كان يلتصق بكتفيها، وعيناها تبحثان عن ملاذ من هذا الطوفان المفاجئ.

اقتربت منها بخطوات مترددة، ومددت المظلة نحوها قائلاً:

“تفضلي… يبدو أن المطر قرر أن يختبر صبرنا اليوم.”

ابتسمت بخجل وهي تشكرني، ثم أخذت خطوة صغيرة لتقف بجانبي تحت المظلة. كان الصمت يلفنا، لكن ذلك الصمت لم يكن ثقيلاً، بل دافئاً بشكل غريب، كأننا نعرف بعضنا منذ زمن. لمحت عنوان الكتاب بين يديها، فقلت على سبيل كسر الجليد:

“هذا كتابي المفضل… هل وصلتِ إلى الفصل الأخير؟”

هنا، بدأ الحديث يتدفق بيننا كما يتدفق المطر على الأرصفة. اكتشفت أنها تحب الأدب الكلاسيكي، وتؤمن بأن القراءة ليست مجرد هواية، بل نافذة إلى أرواح الآخرين. كانت كلماتها تحمل عمقًا نادرًا، وعينيها تتألقان كلما تحدثت عن الأشياء التي تحبها.

مرّت دقائق، وربما ساعات، لم أعد أميز الوقت. المطر خفّ، لكننا لم نتحرك. شعرت أنني لا أريد أن ينتهي هذا اللقاء. وعندما أوشكت أن أودعها، تجرأت وقلت:

“هل يمكن أن نكمل حديثنا على فنجان قهوة؟”

وافقت بابتسامة، ومنذ ذلك اليوم، لم يمر أسبوع دون أن نلتقي. اكتشفنا أننا مختلفان في أشياء كثيرة، لكننا نشبه بعضنا في الجوهر. كنا نكمل جمل بعضنا أحيانًا، ونختلف أحيانًا أخرى، لكن الاختلاف كان يضيف ألوانًا لعلاقتنا بدل أن يبهتها.

مرت الشهور، وتحول اللقاء تحت المطر إلى حكاية نحكيها للأصدقاء، ثم إلى ذكرى مقدسة بيننا. وفي يوم شتوي آخر، وبينما كانت الغيوم ترقص فوق المدينة، طلبت منها أن ترافقني طوال العمر.

قالت وهي تنظر إلى السماء الملبدة:

“أتعلم؟ منذ ذلك اليوم، لم أعد أخاف المطر… لأنني كلما هطل، تذكرت أول مرة التقينا فيها.”

ومنذ ذلك الحين، كل فصل شتاء يصبح بالنسبة لنا بداية جديدة، لا مجرد تكرار للماضي. نتعمد الخروج مع أول زخات المطر، نضحك ونحن نتذكر كيف التقينا، ونلتقط الصور تحت المظلة ذاتها التي جمعتنا أول مرة. صار المطر شاهدًا على حكايتنا، وأصبحنا نحن شهودًا على أن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى مواعيد أو خطط، بل يحتاج فقط إلى قلبين مستعدين لتلقّي المفاجأة. علّمتني هي أن الجمال يكمن في التفاصيل الصغيرة، وأن اللحظات العابرة قد تصبح أبدية إن شاركتها مع الشخص الصحيح. واليوم، أعرف أن المطر لم يكن صدفة… بل كان قدرًا ينتظرنا، ليكتب معنا أجمل فصول حياتنا، بحبر السماء ودفء القلوب.تحت مطر لا ينتهي أبدًا"

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

1

متابعهم

2

مقالات مشابة