المدينة التي احترقت في دقيقة

المدينة التي احترقت في دقيقة

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

رماد الفجر

image about المدينة التي احترقت في دقيقة

1. صباح عادي

كانت هيروشيما مدينة عادية في صباح صيفي هادئ. الأطفال يتجهون إلى مدارسهم، التجار يفتحون متاجرهم، والنساء ينشرن الغسيل على الأسطح. بدت الحياة طبيعية، بل مطمئنة، كأن لا شيء قادر على أن يقطع هذا الإيقاع الرتيب.

2. اللحظة التي غيرت كل شيء

لكن الساعة الثامنة والربع كانت على موعد مع حدث سيحوّل كل ذلك إلى رماد. في لحظة واحدة، لمع ضوء أبيض كأن الشمس نزلت من عليائها، ثم دوّى انفجار هائل هزّ الأرض والسماء معًا. خلال ثوانٍ، تحولت البيوت إلى ركام، والطرقات إلى جمر، والمدينة إلى صرخة جماعية يتردد صداها بلا انقطاع.

3. نجاة الطفلة أكيو

من بين الناجين القلائل، كانت الطفلة "أكيو" التي لم تتجاوز الحادية عشرة. فتحت عينيها وسط الغبار والحرائق، لتجد بيتها مدمّرًا بالكامل. حاولت أن تنادي أمها فلم تسمع سوى صدى صوتها المبحوح. وبين الركام، لمحت يدًا صغيرة تمتد من تحت الخشب المحترق—يد شقيقتها الصغرى. مدت أكيو ذراعيها بكل قوتها، لكن الأنقاض أثقل من أن تزحزحها. وظلت تستمع إلى الأنين يضعف حتى خيّم الصمت الأبدي.

4. مدينة بلا ملامح

في الخارج، لم تعد الشوارع كما عرفتها. أجساد محترقة تتمايل بحثًا عن الماء، أطفال يركضون عراة وجلودهم تتقشر من شدة النار، رجال ونساء يسقطون عند ضفاف النهر في محاولة يائسة للنجاة. كان المشهد أكبر من أن يُحتمل، كابوسًا مفتوح العينين.

5. السحابة التي ابتلعت الأحلام

جلست أكيو على جسر نصفه مدمر، تبكي بلا صوت. إلى جوارها، رجل يحتضن طفلته التي فارقت الحياة، ينظر إلى الفراغ كأنه فقد القدرة على البكاء. رفعت الطفلة رأسها فرأت السحابة الهائلة التي ارتفعت في السماء، تشبه فطرًا عملاقًا، كأنها وحش يبتلع المدينة وكل ما فيها من أحلام وذكريات.

6. ليل الرماد

مرت الساعات ثقيلة، بلا طعام ولا ماء ولا أمل. الليل نزل على هيروشيما الممزقة، والدخان ما زال يتصاعد من البيوت والقلوب. أكيو أغمضت عينيها وهي تردد همسًا اسم شقيقتها، قبل أن يغلبها النوم بين الركام.

7. موت بطيء

الأيام التالية لم تكن أرحم. الناجون بدأوا يتساقطون واحدًا تلو الآخر. الحروق والمرض الغامض الذي جعل الأجساد تنزف بلا جرح، حصد أرواحًا كثيرة. شعر أكيو تساقط، جسدها ضعف، لكنها بقيت متمسكة بخيط الحياة، ربما فقط كي تحمل شهادة على ما جرى.

8. مدينة جديدة… وقلب قديم

مرت سنوات طويلة. المدينة أعيد بناؤها، الحدائق امتلأت بالزهور، والأطفال عادوا يلعبون في الشوارع. لكن في قلب أكيو ظلت هيروشيما القديمة تحترق. كلما أغمضت عينيها رأت يد سايوري الصغيرة تخرج من تحت الأنقاض. كلما دوّى انفجار بعيد، ارتجف قلبها.

9. زهرة للغفران

وحين وقفت بعد عقود أمام النهر نفسه، ألقت زهرة بيضاء في الماء، همست بصوت متهدج:

“سامحينا يا هيروشيما… سامحينا يا إنسانية.”

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-