نبض فلسطين الأخضر
نبض فلسطين الأخضر
في بيتٍ حجري قديم يفوح منه عبق الزعتر والزيت، كانت ريم تجلس بجوار جدتها "أم محمد" في حوش الدار. الشمس الذهبية تميل نحو المغيب، تلقي بظلال طويلة على شجرة الزيتون العتيقة التي تتربع في وسط الفناء. كانت ريم، الفتاة ذات العشر سنوات، تتأمل الشجرة بعينيها اللوزية الواسعتين، بينما كانت جدتها تحيك ثوباً فلسطينياً مطرزاً.
"يا جدتي، هل هذه الشجرة أكبر من جدي؟" سألت ريم بفضول طفولي، مشيرةً إلى جذع الزيتونة الضخم المتشقق.
ابتسمت أم محمد ابتسامة دافئة مطوية كسنوات عمرها، وتوقفت عن حياكتها. "بل هي أكبر بكثير يا حبيبتي. هذه الشجرة شاهدة على أجيال وأجيال. زرعها جد جدي، أي منذ زمنٍ بعيدٍ جداً، قبل أن تولدي أنتِ وأنا وجدك."
اقتربت ريم وجلست عند قدمي جدتها، تتلمس يديها المجعدتين. "ما سر هذه الشجرة يا جدتي؟ لماذا نحبها كثيراً؟"

تنهدت أم محمد، وأخذت نفساً عميقاً من هواء المساء البارد. "شجرة الزيتون يا ريم ليست مجرد شجرة، إنها قلب فلسطين النابض. انظري إليها، جذورها متشبثة بالأرض بقوة لا تلين. تعلمنا الصبر والثبات، يا بُنيتي. تماماً كأهلنا، رغم كل العواصف والظروف، نبقى متجذرين في أرضنا، لا نبرحها."
"أليست تعطينا الزيتون والزيت اللذيذ يا جدتي؟" قالت ريم وهي تتذكر طعم زيت الزيتون الصباحي مع الخبز.
"بالتأكيد يا روح جدتك. تعطينا الزيتون المبارك، الذي هو رزقنا ودواءنا ونور بيوتنا. لكن رمزيتها أعمق من ذلك بكثير. أغصانها الخضراء الممتدة هي رمز للسلام، سلامٌ ننشده ونتمسك به رغم كل شيء. وكل حبة زيتون، هي قصة كفاح، قصة صمود، وقصة ارتباط لا ينقطع بهذه الأرض المباركة."

أشارت أم محمد إلى الشجرة بحنان. "هذه الشجرة، يا صغيرتي، هي هويتنا. هي الشاهد الصامت على تاريخنا الفلسطيني. عندما يحاولون قلعها، هم يحاولون قلع تاريخنا وذاكرتنا. ولهذا، نحن نحميها وندافع عنها، لأن حمايتها هي حماية لأنفسنا ولأرضنا ولحقنا في البقاء هنا."
"كلما رأيتِ شجرة زيتون، تذكري أنكِ تنظرين إلى تاريخ فلسطين كله، إلى صمود أجدادك، وإلى الأمل الذي لا يموت في قلوبنا. تذكري أن الزيتونة لا تموت، حتى إذا قطعوا أغصانها، فجذورها تبقى حية تنتظر أن تنبت من جديد."
نظرت ريم إلى الشجرة مرة أخرى، لكن هذه المرة بعينين تلمع ،فيهما فهم جديد وعميق. لم تعد مجرد شجرة، بل أصبحت أمانة و رمزاً مقدساً. مدّت يدها الصغيرة لتلمس لحاء الجذع الخشن.
"سأعتني بها يا جدتي، وسأروي قصتها لأبنائي كما رويتيها لي." قالت ريم بهدوء وثقة.
ابتسمت أم محمد بامتنان، وضمت حفيدتها إلى صدرها. "هكذا تكونين يا ريم، زيتونة جديدة تنبت في أرض فلسطين، تحملين بركتها وذاكرتها للأجيال القادمة." وهمست: "لا تنسي أبداً، يا صغيرتي، أننا أهل الزيتون وموطنه، أهل الأرض."