من يوميات طبيب قلب
💚من يوميات طبيب قلب وعلى لسانه:
جات لي أم بسيطة رقيقة الحال معاها ابنها سنه حوالي ١٢ سنة.
الأم بتحكي لي إن ابنها فجأة جسمه كله ورم و مش قادر ياخد نفسه.
جريت بيه بسرعة على أقرب دكتور أطفال ؛ أول ما شاف الولد حوله مستشفى أبو الريش الجامعي.
الولد اتحجز في المستشفى و كانوا شاكين إنه عنده المتلازمة النفروتية و ده مرض بيصيب الكلى و بيسبب فقدان كميات كبيرة من بروتينات الد*م عن طريق البول مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الزلال في البلازما و تورم الجسم كله.
الولد عمل كل التحاليل و الفحوصات اللي تخص المتلازمة النفروتية و كانت النتيجة في الآخر إن الكلى سليمة و إن الطفل لا يعاني من أي مشاكل فيها وطلبوا من الأم تعرض الولد على دكتور قلب.
الأم جابت لي الولد ؛ و فعلا لاقيت جسمه مورم بشكل غريب لدرجة إن عينيه مقفولين من شدة التورم.
فحصت الولد و عملت له رسم قلب و أيكو
ضربات القلب سريعة شوية لكن كفاءة عضلة القلب ممتازة و صمامات القلب سليمة لكن استوقفتني ملحوظة غريبة جدا ً.
غشاء التامور المحيط بالقلب بيلمع بشكل مش طبيعي و الوريد الأجوف السفلي و الأوردة الكبدية واسعين بشكل غريب.
اللي مش عارف غشاء التامور .. هو عبارة عن كيس يحيط بعضلة القلب و بيسمح بحركة القلب و انقباض و انبساط العضلة بشكل سلس داخل الكيس ده.
شكيت إن الطفل عنده مشكلة اسمها ( التهاب تضيقي في غشاء التامور)
النوع ده من المشاكل بيكون من أغلس أنواع مشاكل القلب من حيث التشخيص و العلاج.
و عشان ابسط لكم المشكلة دي تخيل كده انك ماسك قلب شخص جوة قبضة ايدك و ضاغط عليه بكل قوتك .. هل القلب هيقدر يستقبل الد*م اللي راجع له من الجسم عشان يضخه مرة تانية للجسم ؟!
أكيد لا .. أهو الالتهاب التضيقي في غشاء التامور نفس الفكرة .. القلب مخنوق و معصور بقوة داخل الكيس ده لان الكيس فقد المرونة بتاعته تماماً و بقى القلب كأنه متحوط بصبة خرسانة.
طلبت من الطفل تحاليل كتير و فحوصات كتير و أهمها رنين مغناطيسي على القلب عشان أتأكد من صحة تخميني و عشان نوصل للسبب لو أمكن و كتبت له مدر بول خفيف عشان يفضي جسمه شوية من الورم و يخفف الاعراض لحد ما يرجعلي بالفحوصات المطلوبة.
والدة الطفل توجهت للتأمين الصحي لان الفحوصات المطلوبة غالية و مكلفة ؛ و بالفعل الطفل عمل كل المطلوب و تأكدت من خلال الرنين المغناطيسي على القلب إصابة الطفل بالالتهاب التضيقي في غشاء التامور دون وجود سبب واضح.
الأم قبل ما ترجع لي عرضت الفحوصات على الأطباء في التأمين الصحي و قالولها إن أغلب الظن ابنك محتاج تدخل جراحي لتقشير القلب من غشاء التامور حتى يتحرر القلب من الكيس الاسمنتي المحيط به.
الأم رجعت لي منهارة من البكاء بسبب الكلام اللي سمعته و خصوصا ً إنهم قالوا كمان إن العملية كبيرة و خطيرة و ممكن الطفل يفقد حياته فيها.
هديت الأم و قلت لها هنبدأ علاج دوائي من خلال نسب محسوبة من مادة الكورتيزون و الكولشسين و هنشوف النتيجة بعد شهر.
الأم ما كملتش الشهر و عدى أسبوعين فقط و جات لي إمبارح ؛ مش عشان الولد لسة تعبان .. لا .. الولد رجع طبيعي بنسبة ٩٠٪ و الورم نزل و ضيق التنفس راح و بقى ياكل و يشرب و ينام كويس و بيخرج و يلعب و يركب عجلة كمان.
الأم جاية منهارة من البكاء لانها حست إن ابنها رجع لها بعد ما كانت حاسة إنه بيروح منها و الأجمل من كده و اللي خلى الدموع فعلا ً تملى عيني هو إنها قالت لي إنها صامت العشرة الاوائل من ذي الحجة و مع كل أذان مغرب و هي بتفطر كانت بتدعي لي.
فحصت الولد و بصيت عليه بالايكو تاني لاقيت الأمور أتحسنت بشكل ملحوظ جدا ً لدرجة إن قلبه فعلا بقى شبه طبيعي.
نصحت الأم إنها تكمل بروتوكول العلاج و أشوف الولد تاني بعد أسبوعين عشان نبدأ نسحب الكورتيزون بالتدريج.
الأم سألتني .. يعني كده مفيش عملية؟
قلت لا .. بإذن الله كده مفيش عملية.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
