قصة حب أسيد وشهد ( حين تتلاقى الأرواح قبل الأعين )
قصص حب
قصة حب اسيد و شهد(حين تتلاقي الارواح قبل الاعين
في إحدى المدن الهادئة التي تتشابك شوارعها القديمة مع مبانيها الحديثة، كان يعيش أسيد، شاب يحمل من اسمه قوة، ومن قلبه نقاءً يندر أن يوجد في هذا الزمن. عمله في مجال تصميم الديكور جعله دائم الاحتكاك بالعالم، يراقب انعكاس الألوان على وجوه الناس، ويبحث دائمًا عن معنى الجمال الحقيقي، الذي لم يجده لا في التصميم ولا في الواقع… حتى قابل شهد.
أما شهد، فكانت فتاة مختلفة تمامًا. تملك روحًا تشبه النسيم في صباحات الشتاء، هادئة، صافية، وتحمل حضورًا يلفت الانتباه من دون أن تتعمد ذلك. كانت تعمل في مكتبة صغيرة تمتلكها أسرتها، محاطة بالكتب التي تصنع عالمها الخاص. كانت ترى في القراءة نافذة إلى كل ما هو جميل، وتؤمن بأن الكلمات قادرة على أن تغيّر مصير إنسان… ولعلها بالفعل غيّرت مصيرها حين التقت بأسيد.
البداية: لقاء الحبايب
كان أسيد يبحث يومًا عن كتاب نادر في مجال الفنون، سمع أن المكتبة القديمة في شارع الحرفيين قد تمتلك نسخة منه. دخل المكان بخطوات واثقة، لكن ما إن وقعت عينه على شهد خلف المكتب، حتى شعر بأن الكتاب الذي جاء من أجله لم يعد مهمًا، وأن القدر قاربه بشيء لم يتوقعه.
رفعت شهد رأسها بابتسامة بسيطة وسألته بهدوء:
— “تفضل… تحب أساعدك في حاجة معيّنة؟”
للحظة، فقد أسيد قدرته على الرد. لم يعرف إن كان مدهوشًا من رقتها، أم من الطريقة التي بدت بها وكأنها مألوفة له رغم أنه يراها لأول مرة. تماسك وقال:
— “بدور على كتاب نادر، بس واضح إن المكتبة دي عندها حاجات أهم.”
ضحكت شهد بخجل وقالت:
— “إن شاء الله نلاقيه… الكتب دايمًا بتظهر للي يستحقها.”
لم يكن يعرف أن هذه الجملة البسيطة ستكون أول خيط يربطه بقلبها.
حوار يتكرر… وارتباط ينمو
لم يجد أسيد الكتاب في ذلك اليوم، لكنه وجد سببًا يجعله يعود. وفي كل زيارة، كان يتحجج ببحثه عن كتاب آخر، لكنه كان يدرك في داخله أنه لا يبحث إلا عنها. وشهد، رغم حيائها، لم تكن تجهل أن حضوره المتكرر لم يكن مجرد صدفة.
كانت الأحاديث بينهما طويلة، لكنها دائمًا رسمية ومحترمة، محمّلة بالود دون تجاوز. يتحدثان عن الكتب، عن الحياة، عن المستقبل… وكل كلمة كانت تقرّب بين قلبيهما أكثر مما يتوقعان.
ومع مرور الأيام، اكتشفت شهد أن أسيد ليس مجرد شاب لطيف، بل إنسان ناضج يمتلك مسؤولية ورؤية للحياة. أما هو، فكان يشعر أن شهد ليست فتاة عادية، بل قلبًا قادرًا على أن يفهم صمته قبل كلامه.
لحظة صدق تغيّر كل شيء
في إحدى الأمسيات الهادئة، دخل أسيد المكتبة ليجد شهد وحدها، ترتب الكتب قبل الإغلاق. تردد قليلًا، ثم قال بصوت بدا عليه التوتر لأول مرة:
— “شهد… أنا مش جاي النهاردة علشان كتاب.”
توقفت عن ترتيب الرف، ورفعت رأسها بخجل:
— “طيب… علشان إيه؟”
تنفّس أسيد بعمق وقال:
— “جاي علشانك. بقالنا فترة بنتكلم، وبحس إن في حاجة بينا… احترام، تفاهم… ويمكن أكتر.”
ساد الصمت لحظة، ليس خوفًا، بل لأنهما أدركا أن الكلام يأخذ شكلًا مختلفًا.
— “أنا… شايفة كده برضه، أسيد.”
قالتها شهد بصوت منخفض لكنه صادق، وكأنها تعترف لنفسها قبل أن تعترف له.
لم يحاول أن يستغل الموقف أو يقترب منها أكثر مما ينبغي. اكتفى بأن قال:
— “أنا ناوي أتقدم لك رسمي… بس حبيت أسمع رأيك الأول.”
ابتسمت شهد، وكانت تلك الابتسامة وحدها كافية لتخبره أن الطريق مفتوح.
العائلة… (والاختبار الأول)
حين تقدّم أسيد لخطبة شهد، استقبله والدها باحترام ومودة. سأل عن عمله، عن خططه، عن قدرته على تحمّل مسؤولية بيت وأسرة، وكان أسيد صادقًا في كل كلمة. أعجبه والد شهد كثيرًا، لأنه وجد فيه التوازن بين الطموح والاتزان.
ومع ذلك، لم تكن الأمور سهلة بالكامل. بعض أفراد العائلة رأوا أن العلاقة بدأت بسرعة، والبعض الآخر خاف من اختلاف الطباع. لكن شهد كانت واثقة، وأسيد كان ثابتًا، وكل يوم كان يثبت للجميع أن اختيارهما لم يكن مجرد عاطفة، بل نضجًا وتجربة.
ما بعد الارتباط… حب ينمو
مرت الأشهر، وتوطدت العلاقة أكثر. كانت شهد تدعم أسيد في عمله، تشجّعه على خوض مشاريع جديدة. وكان هو يحرص دائمًا على أن يمنحها الوقت والاهتمام والاستقرار الذي تستحقه.
لم يكن حبهما قائمًا على المظاهر، بل على التفاصيل الصغيرة:
رسالة صباحية لطيفة من أسيد قبل أن تبدأ يومها.
كتاب جديد يختاره لها لأنها تحدثت عنه مرة عابرة.
كوب قهوة يعدّه لها، وهي تعطيه رأيها في تصميم جديد يعمل عليه.
لحظات صمت تجمعهما، لكنها تكون أبلغ من الكلام.
قرار المستقبل
في إحدى الأمسيات، جلسا على ضوء خافت في حديقة المنزل، وقال أسيد:
— “شهد… أنا جاهز نكمّل مشوارنا خطوة أكبر. عايز نكتب كتاب حياتنا مع بعض.”
نظرت إليه، وفي عينيها امتنان وحب:
— “وأنا مستعدة… طالما إنت جنبي.”
وهكذا، بدأوا التخطيط لزواج بسيط يشبههما، مليء بالمودة، يخلو من المبالغات، ويرتكز على ما جمعهما منذ البداية: الاحترام، والصدق، والدفء.
الخاتمة: حين يختار القلب طريقه واحد
لم تكن قصة أسيد وشهد قصة حب سريعة، ولا مشاعر مراهقة، بل علاقة ناضجة بدأت بكلمة، ونمت بنية صافية، وازدهرت مع الأيام. كانت مثالًا على أن الحب الحقيقي ليس صخبًا ولا اندفاعًا، بل يد تمتد بأمان، وقلب يتسع بالطمأنينة، واثنان اختارا أن يسيرا معًا… بخطى ثابتة وقلوب مطمئنة.
