ماذا لو عاد معتذرًا ؟

ماذا لو عاد معتذرًا ؟

0 المراجعات

ماذا لوعاد معتذرًا 

إن جاء معتذرًا، يهمس "آسف" قلبي أصابه العمى، فأضاع السبيل، واختلطت عليه الطرق، وقد ساء وغفل، وتكبر فخسر، إن عاد مُدعجًا بالندم، يطلب السماح، ساستقبله بكل رحبٍ وود، أثني على شجاعته، سألقي عليه أشعارًا جهزتها لهذه اللحظة، ثم سأسدل الستار على قلبي، وأحبسه في صندوق ذهبي، بعد أن أزحتُ فؤادي المشتاق المكلوم بكل رزانة وهدوء سأخبره: تعال معي يا من ملكت يومًا مملكة كانت أعلامها بسمتك، بنيانها ضحكتك، أسوارها ثقتك، عدوها حزنك، بساتينها رقصك، نشيدها كلماتك، هلمَّ سأعرفك على مكان ليس في عالمنا هذا بل في رأسك. 
اغمض عينيك وتخيل معي، أنك بلدة مقفرة، شحيحة الموارد، بنيانها مهشمة تكاد أن تنهدم، لا شجرٌ هنا، لا ورد ولا مطر، مدينة ترقد على منحدر، تدعو بحزنٍ  أن تستقر، عطشانة وليس لها من الموت مفر، صباحها غيمٌ وكدّر، لا رؤية هنا لا بصر، الليل عاتمٌ لا يعلوه قمر، لا غناء فيها لا سهر، فهل تصمد وقد تسلل فيك الجرب، ورأيت من الدنيا العجب؟ 
سيخبرني ب"لا" ومن ذا يعيش ببلدٍ قتله الطوى، ويتدحرج إلى الموت من ذاك المنحدر،سيسألني عمَّ أهذي؟ 
لا تفتح عينيك أبقِها مغمضة، واستمر في هذا الحلم الذي أُمليه عليك، بعد أن عشت بين أحضان الموت،   وتمنيتَ لو أن سحرًا يحصل لينعش هذه الأرض الجريحة، ليأتِ أحدهم ذات يوم، يبتسم فتُرسم السحب، يضحك فتبزُغ الشمس، يتحدث فتنفلق الأرض، يُغني فتبكي السماء، يخطو فتُزرع الوديان، يرمش فينضح الورد، يقول متنهدًا بحنان كلمة صغيرة، ليتحول كل ما حولك إلى نعيم، القصور المشيدة، الأنهار العاشقة للألحان، البساتين المتعانقة، الأشجار المتراقصة، الأضواء الساحرة، الأغاني الطربية، الأشعار المعلقة في جميع أبوابها التي توصل بين أسوارٍ منيعة، التلال الهائمة التي شمسها وقمرها يقضيان في وقت جميل في غطسهما بالدور في البحر، تراه يتهادى في شوارع مدينتك، الجميع يحييه ويغنيه، ينشده ليل نهار، يهتف باسمه كل من عليها يسير، فترَ نفسك فجأة قد وقعت بهِ مغرمًا، تراقبه، تدلله، تتقرب وتحيك لهُ معطفًا من الحب فيلبسه، ويقبل بكَ حبًا، فتصنع منه أملًا، تلتقون سرًا خلف إحدى النجوم، تتبادلون الهوى، والهدايا وربما القبل، يسهب على مسمعك بالوعود السعيدة، ويقص عليك مستقبلًا خاليًا من السهد والنكد، تبنيان معًا كوخًا حديقته مليئة بالخيرات، تقتلعان الشوك وتزرعان العنب، ترسمان بفرشاة واحدة طريقكما إلى الحلم، تخطوان فيه مدندنان راقصان، يمسح كل منكما عن الآخر الكمد، فتشعر بأن الدنيا ليست سواه، وأنه النبراس الوحيد في كرة الظلام التي نعيش بها، تتلذذ بكلماته العذبة، تدمن أحاديثه الدافئة، تستنشق رائحته الفواحة، فتُصبح كل دنياكَ ضياء، وكل دمائكَ تحمل مزاحه، فتُعمى إلا عنه، ثم…. 
سأسكت هنا، سيرتعب وربما يسأل عن سكوتي المدوي، ولكنني لن أدع خيط تفكيره ينقطع، ساستمر حينما ألاحظ تعابير وجهه بدأت بالتغير.

ثم فجأة، وبينما كنت تعوم بالعسل، يأتِ مُنقذكَ ليُغرقكَ في بحيرة مليئة بالسم، يخنقك يحاول قتلك، يسلبك كيانك، تهرب إلى كهفٍ لطالما كان أمانك، يلقاك فلا سر لم تسره به، فيبدأ في تدمير كل ما بنى، يحرق ويهدم ويلقي بأوراق القصائد في ذلك البحر، فتشرب الأوراق البحر، والحريق يغطي السماء بسحب سوداء تحجب الشمس، الأرض تتشقق من تلك القذائف الهوجاء، ثم يرحل مبتسمًا ليدمر ما سلم من هيجانه، تخيل نفسك تلك البلاد، تعود لترى وقد ثوت مبانيك وحرقت أرضك، وغطى السخام النور عليك، لا بحر ولا تلال، لا بدر ولا هلال، كل شيء قد هُدم، حتى تمثال حبكما، قُبر مع ذلك الكوخ وذاك القصر، تبكِ تنوح، الليل يستمر في إيذائك، الحب يتمايل على أوجاعك، تعيش مكلومًا تنهشك براثن الفراق، ويفتك بك البعد، تصيبك الحمى، تعيش طريح الفراش كلما حاولت النهوض تتهاوى فتسقط، تداوي نفسك بعد مدة ليست بهينة، تقاتل للقيام على رجليك مجدًدا، تتعلم المشيء رويدًا رويدا، وكلما خطوت خطوة ويُذكر اسمه يسقط منكَ شيئًا، تجمع ما تبقى من حطامك، تبني منهُ بلدك الجديد، تتحمل مشقة ازالة السخام عن شمسك، تزرع تلك البساتين والحقول، بيدٍ مدمية، وروحٌ جريحة تملأ شقوقها كويرات من العزيمة، تنهض بنفسك مجددًا، وترسم طريق حلمك الجديد، وتحصن نفسك من كل دخيل، ثم….

نعم سأسكت مجددًا، لأرى تعابير وجهه حينما أصمت، ثم سأكمل وقد رأيتُ بأنه بدأ بمعرفة الأحداث. 
ثم يعود معتذرًا، ذلك الذي لم يبقِ  منكَ شيء إلا وأرداه قتيلًا إما محروقًا أو مطعونًا، ماذا ستقول حينها؟ أفتح عينيكَ أيها الحبيب، إن تلك البلاد التي تخيلتها كانت قلبي، وذاكَ الطاغية هو أنت، فهل تظن أن تُقبل في تلك البلاد حتى ضيفًا؟

هههه كنت أظنُ بأنكَ ستقول "نعم" حتى تقنعني، ولكنك قلت "لا" وأخبركَ بكل حزن الدنيا، بأنكَ لو كنت مكانه لقبلت به حاكمًا لتلك البلاد مجددًا، وأدخلته من أوسع الأبواب بأجمل الألحان، وتخبره بكل حنين العالم"مرحبًا كم أرهقني الإنتظار" فقط إن استطاع إرضائك، وماذا يُرضي من وقع به كل ذاك الدمار؟ أترَ ذاك الصندوق الذهبي، إن وصلت إليه فما بداخله ملكك، لألمح لك كطيب أصلٍ مني، الطريق إليه يحتاج تضحية كبيرة. 
سأرحل وأنتظر وصوله لقلبي كما أنتظرتُ عودته.
ثم سنفكر باسم جديد للسر بدلًا من "عقيف".

الكاتب : مهند دماج

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

2

متابعين

1

متابعهم

2

مقالات مشابة