قصة مرعبة فى تركيا
أَوَدُّ أَنْ أُشَارِكَ قِصَّةُ رُعْبٍ حَقِيقِيَّةٍ مُرْعِبَةٍ وَمُثِيرَةٍ لِلِاهْتِمَامِ مِنْ تُرْكِيَا . قَدْ تَكُونُ هَذِهِ اَلْقِصَّةِ مُرْعِبَةً لِبَعْضِ اَلْقُرَّاءِ ، وَلَكِنَّهَا تَعْكِسُ حَقِيقَةً مُرْعِبَةً وَمُثِيرَةً لِلدَّهْشَةِ فِي نَفْسِ
اَلْوَقْتِ . فِي إِحْدَى اَللَّيَالِي اَلْبَارِدَةِ وَالْمُظْلِمَةِ فِي إِسْطَنْبُول ، عَاصِمَةُ تُرْكِيَا اَلْجَمِيلَةِ ، كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يُدْعَى مُحَمَّدْ . كَانَ مُحَمَّدْ رَجُلاً هَادِئًا وَمُسَالِمًا ، وَكَانَ يَعِيشُ فِي شَقَّةٍ
صَغِيرَةٍ فِي وَسَطِ اَلْمَدِينَةِ . كَانَ مُحَمَّدْ يُحِبُّ اَلسَّهَرُ مُتَأَمِّلاً فِي اَلنُّجُومِ وَالْقَمَرِ ، وَكَانَ يَعْتَبِرُهَا طَرِيقَةً لِلْهُرُوبِ مِنْ ضُغُوطِ اَلْحَيَاةِ اَلْيَوْمِيَّةِ . وَفِي إِحْدَى اَللَّيَالِي ، بَيْنَمَا كَانَ مُحَمَّدْ
يَجْلِسُ فِي شُرْفَتِهِ اَلصَّغِيرَةِ ، شَعَرَ بِوُجُودِ شَيْءٍ غَرِيبٍ فِي اَلْهَوَاءِ . كَانَتْ اَلْأَجْوَاءُ هَادِئَةً جِدًّا ، وَلَكِنَّهُ شَعَرَ بِوُجُودِ حُضُورٍ غَيْرِ مَرْئِيٍّ . كَانَتْ هُنَاكَ رَائِحَةٌ غَرِيبَةٌ تَفُوحُ فِي اَلْهَوَاءِ
،تِلْكَ اَلرَّائِحَةِ اَلْغَرِيبَةِ فِي اَلْهَوَاءِ وَبَدَأَتْ تَتَعَمَّقُ فِي أَنْفِ مُحَمَّدْ . شِعْرٌ بِالْقُشَعْرِيرَةِ تَسْرِي فِي جَسَدِهِ وَهُوَ يُحَاوِلُ مَعْرِفَةَ مَصْدَرِ تِلْكَ اَلرَّائِحَةِ اَلْمُقَزِّزَةِ . قَامَ بِالتَّجَوُّلِ فِي اَلشَّقَّةِ
بَحْثًا عَنْ أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ طَبِيعِيٍّ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَيُّ دَلِيلٍ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ غَرِيبٍ . تَزَايَدَتْ حِدَّةَ اَلرَّائِحَةِ وَأَصْبَحَتْ أَكْثَرُ اِنْتِشَارًا ، حَتَّى أَصْبَحَتْ غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ . بَدَأَ مُحَمَّدْ يَشْعُرُ بِالِاخْتِنَاقِ
وَعَدَمِ اَلْقُدْرَةِ عَلَى اَلتَّنَفُّسِ بِسَبَبِ تِلْكَ اَلرَّائِحَةِ اَلْمَشْؤُومَةِ . حَاوَلَ اَلْهُرُوبُ مِنْ اَلشَّقَّةِ وَلَكِنَّهُ وَجَدَ نَفْسَهُ مُحَاصَرًا فِي بِيئَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمُرْعِبَةٍ . لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ مَخْرَجِ لَهُ ، وَبَدَأَ
يَشْعُرُ بِالْيَأْسِ وَالرُّعْبِ يَتَسَلَّلُ إِلَى قَلْبِهِ . تَحَوَّلَتْ اَلرَّائِحَةُ إِلَى طَعْمٍ مَرِيرٍ فِي فَمِهِ ، وَشَعَرَ بِأَلَمٍ حَادٍّ يَنْتَشِرُ فِي جَسَدِهِ . كَانَ يَصْرُخُ وَيَسْتَغِيثُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ ، وَلَكِنْ لَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ
سَمَاعُهُ أَوْ مُسَاعَدَتِهِ . تَلَاشَتْ اَلْأَلْوَانُ مِنْ حَوْلِهِ وَتَحَوَّلَتْ اَلشَّقَّةُ إِلَى مَكَانٍ مُظْلِمٍ تَمَامًا . كَانَتْ هَذِهِ اَللَّحْظَةِ اَلْأَخِيرَةِ اَلَّتِي يَتَذَكَّرُهَا مُحَمَّدْ قَبْلَ أَنْ يَفْقِدَ وَعْيُهُ وَيَغْرَقُ فِي عَالَمِ
مِنْ اَلظَّلَامِ اَلْأَبَدِيِّ وَفِي تِلْكَ اَللَّحْظَةِ اَلْمُظْلِمَةِ ، شَعَرَ مُحَمَّدْ بِالرُّعْبِ يَتَسَلَّلُ إِلَى كُلِّ خَلِيَّةٍ فِي جَسَدِهِ . لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَاذَا حَدَثَ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى يَقِينِ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى عَالَمٍ مَجْهُولٍ
وَمُرْعِبٍ . حَاوَلَ جَاهِدًا أَنْ يَسْتَعِيدَ تَوَازُنُهُ وَيَفْهَمُ مَا يَحْدُثُ مِنْ حَوْلِهِ ، وَلَكِنَّ كُلَّ مُحَاوَلَاتِهِ بَاءَتْ بِالْفَشَلِ . تَعَاظَمَتْ اَلظُّلْمَةُ حَوْلَهُ ، وَكَأَنَّهَا تَبْتَلِعُهُ بِبُطْءٍ وَبِلَا رَحْمَةٍ . لَمْ يَكُنْ
هُنَاكَ أَيُّ مَصْدَرٍ لِلضَّوْءِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوهِمَهُ بِالْأَمَلِ ، بَلْ كَانَتْ اَلظُّلْمَةُ تُغَلِّفُهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ . حَاوَلَ أَنْ يَصْرُخَ ، لَكِنْ لَا صَوْت يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ اَلْمُغْلَقِ . كَانَ يَعِيشُ فِي عَالَمِ مِنْ
اَلصَّمْتِ اَلْمُطْبِقِ وَالْعُزْلَةِ اَلشَّدِيدَةِ . مَرَّتْ اَلسَّاعَاتُ وَالْأَيَّامُ ، وَمُحَمَّدْ لَمْ يَجِدْ أَيُّ مَخْرَجِ مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ اَلْمُظْلِمِ . بَدَأَ يَشْعُرُ بِالْيَأْسِ يَسْرِي فِي عُرُوقِهِ وَيَغْزُو قَلْبُهُ . كَانَ يَتَسَاءَلُ
إِنَّ كَانَ سَيَعُودُ يَوْمًا مَا إِلَى اَلنُّورِ وَالْحَيَاةِ ، أَمْ أَنَّهُ مُدَانٌ لِلْعَيْشِ فِي هَذَا اَلظَّلَامِ اَلْأَبَدِيِّ . لَكِنْ فِي لَحْظَةٍ مُفَاجِئَةٍ ، بَدَأَ يَرَى ضَوْءًا خَافِتًا يَتَسَلَّلُ مِنْ بُعَيْدٍ . تَعَاظُمُ اَلضَّوْءِ تَدْرِيجِيًّا
وَكَأَنَّهُ يَفْتَحُ نَافِذَةً صَغِيرَةً نَحْوَ عَالَمٍ مُشْرِقٍ . اِنْبَعَثَتْ اَلْأَمَلَ فِي قَلْبِ مُحَمَّدْ ، وَهُوَ يَبْذُلُ قُصَارَى جُهْدِهِ لِلْوُصُولِ إِلَى تِلْكَ اَلنَّافِذَةِ . بُعْدُ مَجْهُودٍ كَبِيرٍ ، اِسْتَطَاعَ مُحَمَّدْ اَلْوُصُولِ إِلَى
اَلنَّافِذَةِ اَلْمُشْرِقَةِ ، وَمَا أَنْ اِقْتَرَبَ مِنْهَا حَتَّى تَحَوَّلَتْ اَلظُّلْمَةُ إِلَى ضَوْءٍ . أَغْشِيَةُ اَلظَّلَامِ تَمَزَّقَتْ وَتَبَدَّدَتْ ، وَظَهَرَتْ أَمَامَهُ مَنَاظِرَ خَلَّابَةً لِعَالَمٍ مَلِيءٍ بِالْأَلْوَانِ وَالْحَيَاةِ . وَهَكَذَا
اِنْتَهَتْ رِحْلَةَ مُحَمَّدْ فِي عَالَمِ اَلظَّلَامِ اَلْأَبَدِيِّ ، وَبَدَأَتْ قِصَّةٌ جَدِيدَةٌ مُشَوِّقَةٌ فِي عَالَمِ اَلنُّورِ وَالْأَمَلِ . كَانَتْ تِلْكَ هِيَ اَلنِّهَايَةُ اَلْمُفَاجِئَةُ لِمُحَمَّدْ ، اَلَّتِي لَنْ يَنْسَاهَا أَبَدًا ، وَسَتَبْقَى تَذَكُّرَهُ
بِأَنَّ اَلْأَمَلَ وَالْإِصْرَارَ قَادِرَانِ عَلَى تَحْوِيلِ اَلظُّلْمَةِ إِلَى ضَوْءٍ ، وَجَعْلَ اَلنِّهَايَةِ أَكْثَرَ إِثَارَةٍ وَجَمَالاً . "