من يسكن في مدينة الاضواء؟
كانت المدينة بالكامل تعم في ذلك الظلام، كان الظلام كئيب وحالك ولكني كنت قاسي وغير مهتم في ذلك الوقت، ومع الوقت اعتدت على تلك الظلمة حتى أتى ذلك اليوم، كان ما رأيته جميل في الحقيقة، كان طريق .. مُنير، مبهج لم أرى مثله هنا من قبل، كان الطريق الوحيد المضاء في تلك المدينة المظلمة الكئيبة، اتجهت نحوه بخطوات بطيئة حذرة كعادتي، حتى وقفت على أول الطريق ورفعت بصري لعلي أرى نهايته، ولكني لم أرى نهاية، كان الطريق طويلا على مد البصر، ليس له نهاية، وكانت الأضواء تملأ الطريق من الجانبين، والزينة والمصابيح كانت ملقاة على مد الطريق أمام قدمي، في الحقيقة ترددت كثيراً في اتخاذ القرار بدخول ذلك الطريق، فأنا لم أكن أثق بسهولة في أي شيء حولي حتى رأيت ذلك الرجل قادم نحوي بخطوات سريعة، كان رجلاً تعتليه ملامح الصلاح والخير، أمسك بيدي وسحبني على أول الطريق أوقفته وأنا أخبره لماذا يفعل ذلك؟ أجابني بإبتسامة بشوشة قائلاً لأ تقلق الطريق صُنع خصيصاً لأجلك، انه آمن ثق بي.
دخلت الطريق وأنا مازلت حذراً ولكني تلك المرة كانت لدي اسئلة كثيرة، التفت أبحث عن الرجل وأنا اسأل متى ينتهى الطريق يا هذا، كان قد ابتعد كثيراً عني ولكنه أجابني بصوت بعيد " لن ينتهى ابدا" ، تعجبت من الإجابة في الحقيقة ولكنها اعجبتني، في قرارة نفسي كنتُ اتمنى أن لا ينتهى هذا الطريق أبدا فقد كان أجمل ما في تلك المدينة.
بدأت في السير وأنا أنظر إلى كل تفصيلة مهمة أو غير مهمة في ذلك الطريق رأيت الجمال في تلك الأضواء وفي تلك المصابيح والألوان وأصبحتُ أركض تدريجياً، مر عام وأنا أركض بلا توقف، مر عام وأنا لا أرى سوى الضوء من حولي، ثم فجأة سمعت صوت ارتطام كبير يأتي من حولي والانوار بدأت تختفي، رأيت ظلا يحطم المصابيح و الأضواء، الزجاج أصبح يملأ الطريق، ركضت خلف الظل لأحاول الإمساك به ولكنه اختفى، اكملت الطريق سيرا وكانت كل المصابيح التي اقابلها مُحطمة والطريق يملؤه الزجاج المهشم، أصبح سيري بطيئا وحذرا لفترة حتى شعرت بألم شديد في قدمي التفت فوجدت حجارة كبيرة اُلقت نحوي وأصابت قدمي إصابة شديدة، ثم نظرت فرأيت نفس الظل يهرب من جديد ثم اختفى من جديد، لم أكن افهم ماذا يحدث، ولكني تمنيت للحظة أن أخرج من هذا الطريق أو اجد له نهاية قريبة، أكملت سيري حتى لاحظت أن الطريق أصبح يضيق تدريجياً، أسرعت في خطواتي وكان الطريق يضيق أكثر فأكثر وأنا لا أفهم ماذا يحدث، مر عام آخر تقريباً في ذلك الضيق حتى أصبحت جدران الطريق قريبة إلى الحد الذي جعلني لأ استطيع التنفس، حاولت أن أستمر واجد مخرجا ولكنني لأول مرة أرى ذلك الظل خلف كتفي تماماً ألتفت إليه سريعاً ولكنه سبقني بذلك الخنجر واسكنه في ظهري مباشرة، صرخت صرخة كبيرة وتبينت وجه الظل فما وجدت غير ذلك الرجل البشوش الذي سحب يدي في أول الطريق، ولكن وجهه مختلف الآن أقبح ما رأت عيني، كيف تحول ذلك الرجل إلى مسخ بهذا الشكل، لم افهم ولكني سقطت على الأرض ساجداً ظنا مني أنها النهاية وأود أن تنتهى حياتي ساجداً.
اختفى الألم فجأة وظللت ساجداً كثيراً وأنا أدعو الله، حتى رفعت رأسي بعد مدة طويلة من السجود، وجدت أن الطريق انتهى، واصابتي لم تعد موجودة، نظرت أمامي فرأيت مدينة كاملة مضيئة، مدينة كاملة تملؤها الزينة والمصابيح، ظللت أحمد الله وأنا أنظر إلى هذا الجمال، وكان هذا اليوم هو اليوم الأخير، وهو كذلك نفس اليوم الذي تقرأ فيه تلك الكلمات الآن.