لعنة النهر الغامض - صرخة من الأعماق

لعنة النهر الغامض - صرخة من الأعماق

0 المراجعات

في قرية نائية على ضفاف النيل، كان يعيش صياد عجوز يدعى "حسين". اشتهر حسين بمهارته الفائقة في صيد الأسماك، لكنه كان غريب الأطوار، منعزلًا عن الناس، لا يتحدث إلا قليلاً، وله نظرات غامضة تخيف من يقابله.

كان حسين يسكن في كوخ قديم على مشارف القرية، بُني من الطوب اللبن وجذوع النخيل. يحيط بالكوخ سياج من القصب الجاف، وبداخله لم يكن سوى سرير خشبي متهالك وموقد صغير.

في إحدى الليالي المظلمة، بينما كان حسين نائمًا، هزّه كابوس رهيب. استيقظ مذعورًا، يتصبب عرقًا باردًا، وقلبه يخفق بعنف. سمع صوتًا غريبًا ينبعث من الخارج، صوتًا أشبه بصرخة مكتومة، تأتي من أعماق النهر.

تجاهل حسين الصوت في البداية، محاولًا العودة للنوم. لكن الصوت ازداد وضوحًا، وأصبح كأنّه ينادي باسمه. نهض حسين من فراشه ببطء، خوفًا وفضولًا يمزجان مشاعره.

خرج من الكوخ بحذر، وتسلل نحو ضفاف النهر. ازدادت حدة الصوت كلما اقترب من الماء، حتى وصل إلى حافة الرصيف. وفجأة، ظهرت أمامه يد عظمية بيضاء، تخرج من الماء، وتلوّح له بالإشارة.

صرخ حسين رعبًا، وتراجع للخلف، لكن اليد أمسكت بكتفه بقوة شديدة، وسحبته إلى داخل النهر. اختفى حسين في أعماق الماء المظلم، ولم يره أحدٌ بعدها.

في اليوم التالي

انتشرت أخبار اختفاء حسين في القرية. بحث عنه الأهالي في كل مكان، لكن دون جدوى. لم يجدوا له أي أثر، لا على ضفاف النهر ولا في أي مكان آخر.

ظلّ اختفاء حسين لغزًا محيرًا، لم يتمكن أحد من حله. لكن بعض القرويين القدامى همسوا بأنّه قد يكون قد وقع ضحية لعنة قديمة ترتبط بالنهر، لعنة تطارد كل من يجرؤ على الاقتراب من أسراره المظلمة.

ومنذ ذلك الحين، أصبح كوخ حسين مهجورًا، يسكنه الخوف والظلام. لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه، خوفًا من لعنته التي ما زالت تحوم حول المكان، تنتظر ضحية جديدة.

 

بعد اختفاء حسين بأيام

 بدأت أحداث غريبة تحدث في القرية. مرض بعض الأطفال فجأة، وظهرت عليهم أعراض غامضة، مثل الحمى الشديدة والهذيان. مات بعض الأطفال من دون معرفة سبب مرضهم.

ازداد خوف الأهالي، وحاولوا معرفة سبب هذه الأحداث الغريبة. تذكر بعضهم قصة لعنة النهر، وبدأوا يعتقدون أنّه قد يكون لها علاقة بمرض الأطفال.

قرر بعض الشيوخ في القرية عقد اجتماع لمناقشة هذه المشكلة. اتفقوا على إرسال وفد من القرية إلى شيخ روحاني مشهور يعيش في قرية مجاورة، لعلّه يعرف ما يجري ويستطيع حلّ اللعنة.

سافر وفد القرية إلى الشيخ الروحاني، وشرحوا له ما حدث. استمع الشيخ إليهم باهتمام، ثم طلب منهم إحضار بعض الماء من النهر الذي اختفى فيه حسين.

أحضر الوفد الماء للشيخ، الذي فحصه بدقة. ثم قرأ بعض الآيات القرآنية، ورشّ الماء على نفسه وعلى الوفد.

أخبر الشيخ الوفد أنّ اللعنة حقيقية، وأنّها قد تمّ فكّها بفضل القرآن الكريم. لكنّه حذّرهم من أنّه إذا عاد أحد إلى النهر أو حاول استكشاف أسراره، فستعود اللعنة مرة أخرى.

عاد الوفد إلى القرية، حاملين معهم رسالة الشيخ. أخبروا الأهالي بما حدث، ونصحوهم بالابتعاد عن النهر تمامًا.

بالفعل، هدأت الأمور بعد ذلك، وتوقف مرض الأطفال. لكنّ خوف الأهالي من النهر ظلّ راسخًا في قلوبهم. 

 

بعد مرور سنوات على اختفاء حسين

 بدأت شائعات جديدة تنتشر في القرية. همس البعض بأن روح حسين ما زالت عالقة في النهر، وأنه يظهر أحيانا على هيئة شبح يطلب المساعدة.

ازدادت هذه الشائعات عندما ادعى بعض الصيادين أنّهم رأوا شبحًا أبيضًا يتجول على ضفاف النهر في الليل. كما سمع بعضهم أصواتًا غريبة قادمة من الماء، تشبه صرخات مكتومة.

ازداد خوف الأهالي من النهر، ورفض الكثيرون الاقتراب منه حتى في وضح النهار. أما الأطفال، فكانوا يروون حكايات مرعبة عن شبح حسين، ويخيفون بعضهم البعض بها.

في أحد الأيام

قرر شاب شجاع يدعى "علي" أن ينهي هذه الشائعات. كان علي معروف بجرأته وحبه للمغامرة، ولم يخف أبدًا من أي شيء.

جمع علي مجموعة من أصدقائه، وقرروا الذهاب إلى النهر في الليل لمعرفة الحقيقة. وصلوا إلى النهر في منتصف الليل، وكان الظلام دامسًا. ساد الصمت المطبق المكان، ولم يسمعوا أي صوت سوى خرير الماء.

فجأة، سمع علي صوتا غريبا، صوتا أشبه بصرخة مكتومة. اقترب من ضفة النهر، وتمعن في الماء. وفجأة، رأى وجهًا شاحبًا يظهر من الماء، وجهًا يشبه وجه حسين.

صرخ علي رعبًا، وتراجع للخلف. لكن الوجه لم يختفي، بل ظلّ ينظر إليه بحزن عميق. شعر علي بالشفقة على روح حسين، وعرف أنّه بحاجة إلى المساعدة.

قرر علي أن يطلب المساعدة من الشيخ الروحاني الذي فكّ اللعنة من قبل. ذهب علي إلى الشيخ في الصباح التالي، وشرح له ما حدث. استمع الشيخ إليه باهتمام، ثم طلب منه إحضار بعض الماء من النهر مرة أخرى.

أحضر علي الماء للشيخ، الذي قرأ بعض الآيات القرآنية، ورشّ الماء على نفسه وعلى علي. ثم نصح علي بالعودة إلى النهر في تلك الليلة، ودعوة روح حسين للتحدث معه.

عاد علي إلى النهر في تلك الليلة، وفعل ما أمره به الشيخ. وفجأة، ظهر وجه حسين من الماء مرة أخرى. نظر علي إلى حسين بحزن، وقال له: "لقد عانيت كثيرًا يا حسين. لماذا لا تترك هذا المكان وتذهب إلى جنة الخلد؟".

أجاب حسين بصوت خافت: "لا يمكنني الرحيل يا علي- أنا أسير لعنة هذا النهر. لن أرتاح إلا إذا تمّ فك اللعنة."

فكر علي مليًا، ثم قال: "سأجد طريقة لفك اللعنة يا حسين. لكننى أحتاج إلى مساعدتك"

وافق حسين، ووعد علي بتقديم كل ما يستطيع من مساعدة.

في الأيام التالية

 بدأ علي بالبحث عن طريقة لفكّ اللعنة. ذهب إلى المكتبات القديمة، وقرأ الكتب عن السحر والأساطير. سأل الشيوخ والعلماء، واستمع إلى حكايات كبار السن.

أخيرًا، وبعد جهد كبير، وجد علي كتابًا قديمًا يتحدث عن لعنة النهر. ذكر الكتاب أنّ اللعنة يمكن أن تُفكّ فقط من قبل شخص طيب القلب ونقي السريرة، يمتلك شجاعة كبيرة.

علم علي أنه هو الشخص المناسب لفك اللعنة. قرأ الطقوس المكتوبة في الكتاب، ونفّذها بدقة. وفي اللحظة الأخيرة، حدث أمر غريب.

ارتفع ضوء ساطع من النهر، واختفى وجه حسين. شعر علي براحة غريبة، وعرف أن اللعنة قد تمّ فكّها أخيرًا.

منذ ذلك الحين، لم يعد أحد يسمع صرخات غريبة أو يرى شبح حسين. عاد النهر إلى حالته الطبيعية، وازدادت ثقة الأهالي به مرة أخرى.

أما علي- فقد أصبح بطلا في القرية. سُجّلت قصته في كتب التاريخ، وتوارثتها الأجيال كرمز للشجاعة والإيمان.

 

ومن هذه القصة قد استفدنا بعض الرسائل المهمة في حياتنا

  • 1- قوة الإيمان والمقاومة في مواجهة الشر.
  • 2- أهمية التعاون والتضامن لحل المشكلات.
  • 3- خطورة التطفل على أسرار ما وراء الطبيعة.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

2

متابعين

2

متابعهم

1

مقالات مشابة