ما كنش يومك يا حاج
( مكنش يومك )
في يوم ما دخل الى الرعاية المركزة مريض قارب السبعين من عمره،كان الرجل في حالة يرثى لها و يلتقط أنفاسه الأخيرة من خلال جهاز التنفس الصناعي،و حضر معه جيش من البشر بقيادة زوجته العجوز و أبنائه الاربعة،كان الأمل في نجاة هذا المريض منعدما تقريبا، وقمت بإيضاح تلك الصورة للأهل، استعدادا لتلقيهم الخبر المشؤوم.
أثناء دخولي و خروجي من و إلى وحدة الرعاية؛كنت أسمع زوجته وابناءه يتهامسون بخصوص قطعة أرض في محافظة ما والزريبة الملحقة بمنزل المريض،لقد بدأ الأوغاد في تقسيم تركة الرجل مبكرا،إنهم ذلك النوع من البشر الذي لا يضيع وقته في العواطف اللعينة.
في صباح اليوم التالي،فوجئت بنفس هذا الجيش و قد افترش أرض المستشفى،و ما إن رأوني أدخل إلى الوحدة؛حتى هرعوا إلي يسألون عن حالة مريضهم..
فأجبت قائلا:مازالت حالته حرجة و لم يجد جديد منذ الأمس..وادعوا له
ليسأل أحد الأبناء السؤال الثاني قائلا:هو ممكن يعدي منها؟؟
أجبته متظاهرا بالخبث وقلت:ممكن طبعا..ربنا كريم
ثم سألت زوجته السؤال الثالث والذي لم يختلف كثيرا عن سابقه :يعني هيعدي يادكتور؟؟
فأجابها ابنها الذي أجبته أنا للتو قائلا:هيعدي ولا مش هيعدي دي بتاعة ربنا..
مرت بضع ساعات و جاءت اللحظة الحاسمة،لقد توفي الرجل وعلي أن أبلغ الاهل بنفسي ، خرجت إليهم و وجهي يكسوه الحزن،وقلت في صوت أقرب إلى الفحيح:
البقاء لله ،ربنا ير.....
لم يسعفني الوقت كي أكمل دعائي للرجل،فقد أخذت زوجته في لطم وجهها وانفجرت سيمفونية " يا لااااااهوي" لتهز المستشفى ،وأخرج كل واحد من أبنائه الأربعة هاتفه المحمول و أجرى مكالمة ما في حماس شديد، في الواقع ؛ لا أدري هل هؤلاء القوم حزانى على فراق الرجل أم هم يحتفلون؟!!
دخلت وحدة الرعاية في صمت وأغلقت الباب خلفي في هدوء وأنا تغمرني الصدمة،وبينما كنت أجلس مستكينا في مكتبي؛سمعت صوت شجار و سباب أت من خارج الوحدة،وأخذت الأصوات في الارتفاع،و بدات الشتائم تميل جهة (الأباحة) و كان علي الخروج لتفقد الأمر.
خرجت إلى أهل المتوفي،فإذا بامرأة ثلاثينية قد ارتدت
شيئا ما لا يستر شيئا،و لا أخفيكم سرا لقد كانت امرأة فاتنة الجمال،جاءت تسأل عن العجوز المتوفي فاصتدمت بزوجته وابنائه،قلت موجها ندائي للجميع:رجاء الهدوء..
سألت الزوجة المرأة في غضب شديد و بأسلوب هو أقرب إلى " الردح" :إنت مين يا حبيبتي عشان تسألي عليه؟؟
أجابت المرأة قائلة بنفس أسلوب "الردح":أنا مراته ياروح ماما..
و هوت إجابة المرأة كالصاعقة على رأسي قبل أن تهوي على رؤوس السادة أقارب المريض.
وما إن تلفظت تلك المرأة بهذه الجملة المشؤومة؛حتى انهالت عليها و علي الضربات والشتائم من كل مكان،فالعجوز له زوجة ثانية لا يعلم بها أحد،وقد طارت ممتطية بساط الريح إلى هنا كي تأخذ قضمة من الكعكة.
و بدأت زوجته القديمة في الدعاء عليه قائلة" إلهي تتحرق ف نار جهنم ماتطلع منها ياشيخ" وخلفها أبناؤها الأربعة يأمنون،وأصبح العجوز المسكين وفي لحظة واحدة الشيطان بعينه،فطلبت بدوري من زوجته الثانية أن تنصرف وتترك محيط الوحدة منعا للاحتكاك،ثم استدعيت الأمن كي أضمن مرور جثمان الرجل،دون أن يقطع إربا،.
ومر جثمان المسكين من أمامي محمولا على سرير وأنا أقول في نفسي:ما كنش يومك يا حاج
علي الحكيم