قصة المرايا المرعبة
المرايا المرعبة
في أحد الأيام الباردة من فصل الشتاء، قرر "سامر" الانتقال إلى شقته الجديدة في حي هادئ بالعاصمة. كانت الشقة قديمة بعض الشيء، لكنها مناسبة تمامًا له ولعمله ككاتب حر. كان يحب الجو الهادئ والأجواء التاريخية التي تحيط بالمكان.
بينما كان ينظم أغراضه، اكتشف مرآة قديمة مخبأة في خزانة صغيرة عند زاوية الغرفة. كانت المرآة مغبرة وبإطار خشبي مزخرف بنقوش غامضة. شعر سامر بانجذاب غريب نحوها، وكأنها تحمل سرًا مخفيًا.
مسح سامر الغبار عن المرآة ونقلها إلى غرفة المعيشة، وعلقها على الحائط. منذ ذلك اليوم، بدأ يلاحظ أشياء غريبة تحدث حوله. في البداية كانت مجرد أشياء صغيرة: أصوات خافتة تأتي من الغرفة المجاورة، أضواء تومض للحظات ثم تعود إلى طبيعتها. لم يعر سامر هذه الأمور اهتمامًا كبيرًا، وظن أنها مجرد خيالات نتيجة للتوتر الذي يرافق الانتقال إلى مكان جديد.
في إحدى الليالي، بينما كان جالسًا يكتب على مكتبه، لاحظ حركة غريبة في المرآة. رفع نظره ورأى انعكاسًا لشخص يقف خلفه، التفت بسرعة لكن لم يكن هناك أحد. شعر بقشعريرة تسري في جسده، لكن حاول إقناع نفسه بأنها مجرد هلوسات بصرية.
تكررت هذه الظواهر الغريبة بشكل مستمر، وبدأ سامر يشعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي يحدث. قرر أن يبحث عن تاريخ المرآة، لعلها تحمل قصة تفسر هذه الأحداث. توجه إلى مكتبة المدينة وبدأ البحث في السجلات القديمة. وجد أخيرًا مقالًا يتحدث عن المرآة، واكتشف أنها كانت ملكًا لعائلة نبيلة عاشت في القرن التاسع عشر، وكانت تُعتبر مرآة مسحورة.
وفقًا للأسطورة، كانت المرآة تُستخدم لإجراء طقوس سحرية، وكانت تحتوي على روح شريرة محبوسة بداخلها. هذه الروح كانت قادرة على التواصل مع العالم الخارجي من خلال انعكاساتها، وكانت تسعى لتحرير نفسها.
عاد سامر إلى شقته وهو يشعر بالخوف والفضول في آن واحد. قرر أن يراقب المرآة عن كثب. في ليلة مقمرة، جلس أمام المرآة وبدأ يتحدث إليها، على أمل أن يحصل على إجابة. لم يحدث شيء في البداية، لكن بعد دقائق بدأت المرآة تتوهج ببطء، وظهرت صورة لامرأة ترتدي ملابس قديمة، وكانت تنظر إليه بعينيها الجاحظتين.
شعر سامر برعب شديد، لكن لم يستطع التوقف عن النظر. بدأت المرأة في المرآة تتحدث بصوت خافت ومخيف: "أنت من يستطيع تحريرني. أحتاج إلى مساعدتك."
تردد سامر للحظة، ثم سأل بصوت مرتعش: "من أنت؟ وكيف أستطيع مساعدتك؟"
أجابت المرأة: "أنا روح محبوسة في هذه المرآة منذ قرون. لتحررني، عليك أن تكسر الطوق السحري الذي يحتجزني."
لم يكن سامر يعرف ما إذا كان يجب عليه تصديقها أم لا، لكنه شعر برغبة قوية في مساعدة الروح المسكينة. سألها عن كيفية كسر الطوق، فأرشدته إلى كتاب قديم يحتوي على الطقوس اللازمة.
بالفعل، تمكن سامر من العثور على الكتاب في مكتبة قديمة. قرأ الطقوس بعناية، وأعد كل ما يحتاجه لتنفيذها. في الليلة التالية، وضع المرآة في منتصف الغرفة، وأشعل الشموع حولها، وبدأ يتلو التعويذات المكتوبة في الكتاب.
بينما كان يتلو التعويذات، بدأت المرآة تهتز بقوة، وظهرت المرأة مجددًا، لكنها هذه المرة بدت أكثر حيوية وأقل شبحية. استمر سامر في التلاوة، حتى انفجرت المرآة بضوء ساطع وسمع صرخة مرعبة. اختفت المرأة، وتحطمت المرآة إلى قطع صغيرة.
بعد هذه الحادثة، عاد الهدوء إلى شقة سامر، ولم يعد يشعر بأي ظواهر غريبة. احتفظ بإحدى قطع المرآة كذكرى لما حدث، وتعلم درسًا مهمًا: بعض الأسرار يجب أن تبقى مخفية، وبعض الأبواب يجب أن تبقى مغلقة.
كانت هذه التجربة الغريبة مصدر إلهام لسامر، وبدأ يكتب عنها قصة رعب بعنوان "المرآة المرعبة". كانت قصته مليئة بالتفاصيل المرعبة واللحظات المشوقة، وأصبحت واحدة من أشهر أعماله الأدبية، لتظل ذكرى تلك الليالي المرعبة خالدة في ذاكرة كل من قرأها.
بدأ سامر يشعر بالراحة بعد تلك الحادثة، وكأن عبءًا كبيرًا قد أزيح عن كاهله. لكنه لم يكن يعلم أن هذه الحادثة لم تكن نهاية القصة. في إحدى الليالي، بينما كان سامر يجلس في مكتبه يكتب، سمع صوت زجاج يتكسر. التفت ليجد أن إحدى قطع المرآة التي احتفظ بها قد تحطمت إلى نصفين.
أخذ سامر القطعة المكسورة بيده، ونظر إليها بعناية. كان يشعر بأن هناك شيئًا ما لا يزال غير مكتمل. فجأة، سمع صوت همس يأتي من القطعة المكسورة: "لم ينته الأمر بعد..."
شعر سامر بقشعريرة تسري في جسده مرة أخرى. قرر أن يبحث في الكتاب القديم مجددًا، لعله يجد إجابة لما يحدث. بينما كان يقرأ الصفحات القديمة، اكتشف جزءًا من الطقوس لم ينتبه له من قبل. كان هناك جزء ختامي يجب القيام به لضمان عدم عودة الروح الشريرة مرة أخرى.
أعد سامر كل ما يحتاجه وأعاد تنفيذ الطقوس، لكن هذه المرة ركز على الجزء الختامي. بعد الانتهاء، شعر بشعور من الراحة والسكينة يعم المكان. لم يسمع سامر أي أصوات غريبة بعد ذلك، ولم يحدث أي شيء غير طبيعي في شقته.
مرت الأيام وأصبح سامر أكثر تركيزًا في عمله. كانت قصته عن "المرآة المرعبة" تحقق نجاحًا كبيرًا، وأصبح الناس يتحدثون عنها في كل مكان. كان يعلم أنه رغم الرعب الذي عاشه، فإن تجربته هذه كانت مصدر إلهام قوي له ولأعماله المستقبلية.
أدرك سامر أن بعض الأسرار قد تكون خطيرة، وأن بعض الأشياء يجب أن تبقى في الماضي. ومع ذلك، كان سعيدًا بأنه استطاع تحويل تلك التجربة المخيفة إلى قصة ألهمت الكثيرين وجعلت منه كاتبًا معروفًا.
وبقيت قطع المرآة المكسورة محفوظة في صندوق صغير على رف مكتبه، كتذكير له بتلك الليالي المرعبة والتجربة التي غيرت حياته إلى الأبد. كانت تجربة لن ينساها أبدًا، لكنها أيضًا كانت نقطة تحول في حياته المهنية والشخصية.