قصه القطه السوداء

قصه القطه السوداء

0 المراجعات

القطه السوداء  

لست أتوقع منكم، بل لست أطلب أن تصدقوا الوقائع التي أسطرھا ھنا لقصة ھي أغرب القصص وإن كانت في الآن عینھ مألوفة للغایة .سوف أكون مجنوناً لو توقعت أن تصدقوا ذلك، لأن حواسي ذاتھا ترفض أن تصدق ما شھدتھ ولمستھ .غیر أنني لست مجنوناً – ومن المؤكد أنني لا أحلم- وإذ كنت ملاقیاً حتفي غداً فلا بد لي من أن أزیح ھذا العبء عن روحي + ما أرمي إلیھ ھو أن أبسط أمام العالم، بوضوح ودقة، وبلا أي تعلیق، سلسلة من الوقائع العادیة جداً. إنھا الوقائع التي عصفت بي أھوالھا و واصلت تعذیبي ودمرتني. مع ذلك لن .أحاول تفسیرھا وإذا كنت لا أجد فیھا غیر الرعب فإنھا لن تبدو للآخرین مرعبة بقدر ما ستبدو نوعاً من الخیال الغرائبي المعقد قد یجيء في مقبل الأیام ألمعي حصیف یبین لھ تفكیره أن ھذا الكابوس مجرد أحداث عادیة – وربما جاء ألمعي آخر أكثر رصانة وأرسخ منطقاً وتفكیره أقل استعداداً للإثارة من .تفكیري، لیرى في الأحداث التي أعرضھا بھلع مجرد تعاقب مألوف لأسباب طبیعیة ونتائجھا المنطقیة فْت منذ طفولتي بوداعتي ومزاجي الإنساني الرقیق، حتى أن رقة قلبي كانت على درجة من الإفراط جعلتني موضوع تندر بین زملائي. وقد تمیزت بولع خاص بالحیوانات ُعرِ ّ مما جعل أبواي یعبران عن تدلیلھما لي بإھدائي أنواعاً من الحیوانات المنزلیة. مع ھذه الحیوانات كنت أمضي معظم أوقاتي ، ولم أعرف سعادة تفوق سعادتي حین كنت أطعمھا .وأداعبھا. نمت ھذه الطباع الغریبة مع نموي، وكانت لي في طور الرجولة أكبر منابع المتعة الذین عرفوا مشاعر الولع بكلب أمین ذكي سوف یفھمون بسھولة ما أود قولھ عن مدى البھجة المستمدة من العنایة بحیوان ألیف. إن في تعلق الحیوان بصاحبھ تعلقاً ینـكر الـذات .ویضـحي بھا ما یخترق قلب الإنسان الذي ھیأت لھ الظروف أن یعاني من خسة الصداقة وضعف الوفاء عند الجنس البشري تزوجت في سن مبكرة، وقد أسعدني أن أجد في مزاج زوجتي ما لا یناقض مزاجي. وإذ لاحظت ولعي بالحیوانات المنزلیة لم تترك مناسبة تمر دون أن تقتني منھا الأجناس .الأكثر إمتاعاً وإیناساً. ھكذا تجمع لدینا طیور وأسماك ذھبیة وكلب أصیل وأرانب وقرد صغیر وقط كان ھذا القط كبیر الحجم بشكل ممیز، جمیل الشكل، أسود اللون بتمامھ، وعلى قدر عجیب من الذكاء، كانت زوجتي التي لا أثر للمعتقدات الخرافیة في تفكیرھا، حین تتحدث عن ذكائھ تشیر إلى الحكایات الشعبیة القدیمة التي تعتبر القطط السود سحرة متنكرین. ھذه الإشارات لا تعني أنھا كانت في یوم من الأیام جادة حول ھذه المسألة. أذكر ھذا لسبب وحید .ھو أنھ لم یرد إلى ذھني قبل ھذه اللحظة .كان بلوتو – وھذا ھو اسم القط- حیواني المدلل وأنیسي المفضل، أطعمھ بنفسي، ویلازمني حیثما تحركت في البیت. بل كنت أجد صعوبة لمنعھ من اللحاق بي في الشارع

دامت صداقتنا على ھذه الحال سنوات عدیدة، تبدل خلالھا مزاجي وساء سلوكي بفعل إدماني للخمر (إني أحمر خجلاً إذ أعترف بذلك) ویوما بعد یوم تزایدت حدة مزاجي وشراستي، واستعدادي للھیجان، وتزاید استھتاري بمشاعر الآخرین. ولكم عانیت وتألمت بسبب التعابیر القاسیة التي رحت أوجھھا إلى زوجتي، حتى أنني في النھایة لجأت إلى .العنف الجسدي في التعامل معھا وبالطبع فقد استشعرت حیواناتي ھذا التغیر في مزاجي. ولم أكتف بإھمالھا بل أسأت معاملتھا. وإذا كان قد بقي لبلوتو بعض الاعتبار مما حال دون إساءتي إلیھ فإنني لم أستشعر دائماً في الإساءة إلى الأرانب أو القرد، أو حتى الكلب، كلما اقتربت مني مصادفة أو بدافع عاطفي. غیر أن مرضي قد تغلب علي – وأي مرض كالمسكرات!- ومع الأیام حتى .بلوتو الذي صار ھرماً ومن ثم عنیداً نكداً بدأ یعاني من نتائج مزاجي المعتل ذات لیل كنت عائداً إلى البیت من البلدة التي كثر ترددي إلیھا وقد تعتعني السكر؛ وخیل إلي أن القط یتجنب حضوري؛ فقبضت علیھ، وإذ أفزعتھ حركاتي العنیفة جرحني بأسنانھ جرحاً طفیفاً فتملكني غضب الأبالسة. وبدا أن روحي القدیمة قد اندفعت على الفور طائرة من جسدي؛ وارتعد كل عرق في ھیكلي بفعل حقد شیطاني غذاه المخدر. فتناولت من .جیب سترتي مطواة، فتحتھا وقبضت على عنق الحیوان المسكین واقتلعت عامداً إحدى عینیھ من محجرھا! إنني احتقن، أحترق، أرتعد حین أكتب تفاصیل ھذه الفظاعة الجھنمیة لما استعدت رشدي في الصباح – لما نام ھیاج الفسوق الذي شھده اللیل- عانیت شعوراً ھو مزیج من الرعب والندم بسبب الجریمة التي ارتكبتھا، غیر أن ذلك كان في أحسن .الحالات شعوراً ضعیفاً وملتبساً لم یبلغ مني الأعماق. ومن جدید استحوذ علي الإفراط في الشراب. وسرعان ما أغرقت الخمرة كل ذكرى لتلك الواقعة في ھذه الأثناء أخذ القط یتماثل للشفاء تدریجیاً. صحیح أن تجویف العین الفارغ كان یشكل منظراً مخیفاً لكن لم یبد علیھ أنھ یتألم، وعاد یتنقل في البیت كسابق عھده، غیر أنھ كما ھو متوقع، كان ینطلق وقد استبد بھ الذعر كلما اقتربت منھ. كانت ماتزال لدي بقایا من القلب القدیم بحیث ینتابني الحزن إزاء ھذه الكراھیة الصارخة التي یبدیھا لي كائن أحبني ذات یوم. لكن سرعان ما حل الانزعاج محل الحزن. وأخیراً جاءت روح الانحراف لتدفعني إلى السقوط الذي لا نھوض منھ. ھذه الروح لا تولیھا الفلسفة أي اعتبار. مع ذلك لست واثقاً من وجود روحي في الحیاة أكثر من ثقتي أن الانحراف واحد من النوازع البدائیة في القلب البشري، واحد من الملكات أو المشاعر الأصیلة التي توجھ سلوك الإنسان. من منا لم یضبط نفسھ عشرات المرات وھو یقترف إثماً أو حماقة لا لسبب غیر كون ھذا العمل محرماً؟ ألیس لدینا میل دائم، حتى في أحسن حالات وعینا، إلى خرق ما یعرف بالقانون لمجرد علمنا بأنھ قانون؟ روح الانحراف ھذه ھي التي تحركت تدفعني إلى السقوط النھائي. إنھا رغبة النفس الدفینة لمشاكسة ذاتھا – لتھشیم طبیعة ذاتھا- لاقتراف الإثم .لوجھ الإثم، ھذه الرغبة التي لا یسبر غورھا ھي التي حرضتني على مواصلة الأذى ضد الحیوان الأعزل، وأخیراً الإجھاز علیھ . یتبع

 

الجزء الثاني

ذات صباح وعن سابق تصور وتصمیم لففت حول عنقھ أنشوطھ وعلقتھ بغصن شجرة ..شنقتھ والدموع تتدفق من عیني، وفي قلبي تضطرم أمر مشاعر الندم؛ شنقتھ لعلمي أنني .بذلك أقترف خطیئة، خطیئة ممیتة سوف تعرض روحي الخالدة للھلاك الأبدي، وتنزلھا إن كان أمر كھذا معقولاً، حیث لا تبلغھا رحمة أرحم الراحمین والمنتقم الجبار في اللیلة التي وقع فیھا ھذا الفعل الشنیع، استیقظت من النوم على صوت النیران. كان اللھب یلتھم ستائر سریري والبیت بكاملھ یشتعل. ولم ننج أنا وزوجتي والخادم من الھلاك .إلا بصعوبة كبیرة. كان الدمار تاماً. ابتلعت النیران كل ما أملك في ھذه الدنیا، واستسلمت مذ ذاك للقنوط والیأس لم یبلغ بي الضعف مبلغاً یجعلني أسعى لإقامة علاقة سببیة بین النتیجة وبین الفظاعة التي ارتكبتھا والكارثة التي حلت بي. لكنني أقدم سلسلة من الوقائع وآمل ألا أترك أي حلقة .مفقودة في ھذا التسلسل في الیوم الذي أعقب الحریق ذھبت أزور الأنقاض. كانت الجدران جمیعھا قد تھاوت باستثناء جدار واحد، ھذا الجدار الذي نجا بمفرده لم یكن سمیكاً لأنھ جدار داخلي یفصل بین . الحجرات ویقع في وسط البیت، وإلیھ كان یستند سریري من جھة الرأس. وقد صمد طلاء ھذا الجدار و تجصیصھ أمام فعل النیران. وھو أمر عزوتھ إلى كون التجصیص حدیثاً أمام ھذا الجدار كان یتجمھر حشد من الناس وبدا أن عدداً كبیراً منھم یتفحص جانباً مخصوصاً منھ باھتمام شدید، فحركت فضولي تعابیر تصدر عن ھذا الحشد من نوع .(عجیب!) (غریب!) دنوت لأرى رسماً على الجدار الأبیض كأنھ حفر نافر یمثل قطاً عملاقاً. كان الحفر مدھشاً بدقتھ ووضوحھ، وبدا حبل یلتف حول عنق الحیوان عندما وقع نظري لأول مرة على ھذا الشبح، إذ لم أكن أستطیع أن أعتبره أقل من ذلك، استبد بي أشد العجب وأفظع الذعر. غیر أن التفكیر المحلل جاء ینقذني من ذلك. لقد كان القط على ما أذكر معلقاً في حدیقة متاخمة للبیت؛ فلما ارتفعت صیحات التحذیر من النار، غصت الحدیقة فوراً بالناس، ولابد أن شخصاً ما قد انتزعھ من الشجرة وقذف بھ عبر النافذة إلى غرفتي، وربما كان القصد من ذلك تنبیھي من النوم. ولابد أن سقوط الجدران الأخرى قد ضغط ضحیة وحشیتي على مادة الجص الحدیث للطلاء؛ اختلط كلس ھذا .الطلاء بالنشادر المتصاعد من الجثة وتفاعل بھ بتأثیر النیران فأحدث الرسم النافر الذي رأیتھ ومع أنني قدمت ھذا التفسیر لأریح عقلي، إن لم أكن قد فعلت ذلك لأریح ضمیري، فإن المشھد الغریب الذي وصفتھ لم یتوقف عن التأثیر في مخیلتي، وعلى مدى أشھر لم أستطع أن أتخلص من ھاجس القط؛ خلال ھذه الفترة عاودني شعور بدا لي أنھ الندم، ولم یكن في الحقیقة كذلك. لم یكن أكثر من أسف على فقد حیوان، وتفكیر بالحصول على بدیل من .النوع نفسھ والشكل نفسھ لیحل محلھ في إحدى اللیالي، فیما كنت جالساً، شبھ مخبول، في وكر من أوكار العار، إذ أنني أدمنت الآن ارتیاد ھذه الأماكن الموبوءة، جذب انتباھي فجأة شيء أسود فوق برمیل ضخم من برامیل الجن أو شراب الروم، البرامیل التي تشكل قطع الأثاث الرئیسیة في ذلك المكان، كنت طوال دقائق أحدق بثبات في رأس البرمیل، وما سبب دھشتي ھو أنني لم أتبین للحال طبیعة الشيء باستثناء شيء واحد. إذ لم تكن في أي مكان من جسم بلوتو شعرة بیضاء واحدة؛وكانت لھذا القط بقعة بیضاء  غیر واضحة الحدود تتوزع على منطقة الصدر بكاملھا

حالما لمستھ نھض وأخذ یخط بصوت مرتفع ویتمسح بیدي، وبدا مسروراً باھتمامي لھ، وإذن ھذا ھو بالضبط ما كنت أبحث عنھ. للحال عرضت على صاحب البیت شراءه، لكن .ھذا أجاب بأنھ لا یملكھ ولا یعرف شیئاً عنھ، ولم یره من قبل واصلت مداعبتي لھ، ولما تھیأت للذھاب، اتخذ وضعیة تبین أنھ یرید مرافقتي، فتركتھ یصحبني، وكنت بین الحین والآخر أتوقف وأربت على ظھره أو أمسح رأسھ. لما وصل .إلى البیت بدا ألیفاً ولم یظھر علیھ أي استغراب. وعلى الفور صار أثیراً لدى زوجتي + أما أنا فسرعان ما وجدت المقت یتصاعد في أعماقي، وكان ھذا عكس ما توقعتھ. ولم أستطع أن أفھم كیف تعلق القط بي ولا سبب ھذا التعلق الواضح الذي أثار اشمئزازي وأزعجني. وأخذ الانزعاج والاشمئزاز یتزایدان شیئاً فشیئاً ویتحولان إلى كراھیة مریرة، فأخذت أتجنب ھذا الكائن؛ كان إحساس ما بالعار، وذكرى فظاعتي السابقة یمسكان بي عن إلحاق الأذى الجسدي بھ. وامتنعت طوال أسابیع عن ضربھ أو معاملتھ بعنف، لكن تدریجیاً - وبتدرج متسارع- أخذت أنظر إلیھ بكره لا یوصف وأبتعد بصمت عن حضوره .البغیض كما أبتعد عن لھاث مصاب بالطاعون َّ ما أكد كرھي لھذا الحیوان ھو اكتشافي، صبیحة الیوم التالي لوصولھ أنھ مثل بلوتو، قد فقد إحدى عینیھ، غیر أن ھذا زاد من عطف زوجتي علیھ لأنھا كما ذكرت تملك قدراً .عظیماً من المشاعر الإنسانیة التي كانت ذات یوم ملامحي الممیزة، ومنبعاً لأكثر المسرات براءة ونقاء كان ھیام القط بي یزداد بازدیاد بغضي لھ، فكان یتبع خطواتي بثبات یصعب إیضاحھ، فحیثما جلست، كان یجثم تحت مقعدي، أو یقفز إلى ركبتي ویغمرني بمداعباتھ المقززة، فإذا نھضت لأمشي اندفع بین قدمي وأوشك أو یوقعني، أو غرز مخالبھ الطویلة الحادة في ثیابي لیتسلق إلى صدري، ومع أنني كنت أتحرق في مناسبات كھذه لقتلھ بضربة واحدة فقد .كنت أمتنع عن ذلك بسبب من ذكرى جریمتي السابقة إلى حد ما، لكن بصورة أخص – ولأعترف بذلك حالاً- بسبب الرعب من ھذا الحیوان لم یكن ھذا الرعب خوفاً من شر مادي مجسد، مع ذلك أحار كیف أحدده بغیر ذلك، یخجلني أن أعترف أجل، حتى في زنزانة المجرمین ھذه، یكاد یخجلني الاعتراف بأن الرعب .والھلع اللذین أوقعھما في نفسي ھذا الحیوان ازدادا حدة بسبب من وھم لا یقبلھ العقل كانت زوجتي قد لفتت انتباھي، أكثر من مرة إلى طبیعة البقعة البیضاء على صدر القط، والتي أشرت إلیھا سابقاً، تلك العلامة التي تشكل الفارق الوحید بین ھذا الحیوان الغریب .وذاك الذي قتلتھ ھذه البقعة على اتساعھا لم تكن لھا حدود واضحة، غیر أنھا شیئاً فشیاً وبتدرج یكاد لا یلحظ، تدرج صارع عقلي لكي یدحضھ ویعتبره وھماً، اكتسبت شكلاً محدداً بوضوح تام. صار لھا الآن شكل ارتعد لذكر اسمھ ..ھذا الشكل ھو ما جعلني أشمئز وأرتعب، وأتمنى التخلص من الحیوان لو تجرأت ، كان الآن صورة لشيء بغیض شيء مروع ھو ! ّ المشنقة! أوه أي آلة شنیعة جھنمیة للفظاعة والجریمة للنزع والموت

والآن لقد انحدرت إلى درك ینحط بي عن صفة الإنسانیة! كیف ینزل بي حیوان بھیم – قتلت مثلھ عن سابق تصمیم- حیوان بھیم ینزل بي أنا الإنسان المخلوق على صورة كریمة، كل ھذا الویل الذي لا یحتمل! وا أسفاه! ما عدت أعرف رحمة الراحة لا في النھار ولا في اللیل! ففي النھار لم یكن ذلك البھیم لیفارقني لحظة واحدة، وفي اللیل كنت أھب .من النوم مراراً یتملكني ذعر شدید لأجد لھاث ذلك الشيء فوق وجھي، وثقل جسمھ الضخم – مثل كابوس متجسد لا أقوى على زحزحتھ- یجثم أبدیاً فوق قلبي َّ وھكذا انھارت بقایا الخیر الواھیة تحت وطأة ھذا العذاب، وصارت أفكار الشر خدین روحي، أشد الأفكار حلكة وشیطانیة، ازدادت مزاجیتي سوداویة حتى تحولت إلى كراھیة للأشیاء كلھا وللجنس البشري بأسره، وأخذت نوبات غضبي المفاجئة المتكررة التي لم أعد أتحكم بھا واستسلمت لھا كالأعمى، أخذت تطال وا أسفاه زوجتي، أعظم الصابرین .على الآلام رافقتني ذات یوم لقضاء بعض الأعمال المنزلیة في قبو المبنى القدیم حیث أرغمتنا الفاقة على السكنى، تبعني القط على الدرج وكاد یرمیني، فاستشاط غضبي الجنوني؛ رفعت فأساً متناسیاً ما كان من خوفي الصبیاني الذي أوقفني حتى الآن، وسددت ضربة إلى الحیوان كانت ستقضي علیھ لو أنھا نزلت حیث تمنیت، غیر أن ید زوجتي أوقفت ھذه .الضربة. كان ھذا التدخل بمثابة منخاس دفع بغضبي إلى الھیاج الشیطاني؛ انتزعت یدي من قبضة زوجتي و دفنت الفأس في رأسھا، فسقطت میتة دون أن تصدر عنھا كلمة لما ارتكبت ھذه الجریمة البشعة، جلست على الفور أفكر في التخلص من الجثة. عرفت أنني لا أستطیع إخراجھا من البیت لا في اللیل ولا في النھار دون أن أخاطر بتنبیھ الجیران. مرت برأسي خطط عدیدة. فكرت بأن أقطع الجثة إرباً ثم أتخلص منھا بالحرق. وفكرت في حفر قبر لھا في أرض القبو. كما فكرت في إلقائھا في بئر الحوش، أو أن أحشرھا في صندوق بضاعة وأستدعي حمالاً لأخذھا من البیت. وأخیراً اھتدیت إلى أفضل خطة للتخلص منھا. قررت أن أبنیھا في جدار القبو، كما كان الرھبان في القرون .الوسطى یبنون ضحایاھم في الجدران كان القبو مناسباً لھذه الغایة. فقد كان بناء جدرانھ مخلخلاً وقد تم توریق الجدران حدیثاً بملاط خشن حالت الرطوبة دون تصلبھ. وفوق ذلك كان في أحد الجدران تجویف بشكل المدخنة تم ردمھ بحیث تستوي أجزاء الجدار، وتأكد لي أن باستطاعتي انتزاع قطع الطوب من ھذا التجویف وإدخال الجثة، وبناء التجویف لیعود الجدار كما كان بحیث لا ترتاب .العین في أي تغییر

 

 

الجزء الثالث والاخير

ولم تخطئ حساباتي. استعنت بمخل لانتزاع قطع الطوب، وأوقفت الجثة بتأن لصق الجدار الداخلي ودعمتھا لتحتفظ بوضع الوقوف، فیما كنت أدقق لأعید كل شيء إلى ما كان علیھ. كنت قد أحضرت الملاط والرمل والوبر، فھیأت الخلیط بمنتھى الدقة والعنایة بحیث لا یمیز من الملاط السابق، وأعدت كل قطعة طوب إلى مكانھا. عندما أكملت العمل أحسست بالرضا عن النتیجة. لم یكن یبدو على الجدار أدنى أثر یدل على أنھ قد لمس. نظفت الأرض بمنتھى العنایة ونظرت حولي منتصراً وقلت في نفسي: ''لم یذھب جھدي .'' ً سدى + كانت الخطوة الثانیة ھي البحث عن الحیوان الذي سبب لي ھذه الفاجعة الرھیبة، ذلك أنني قررت القضاء علیھ، لوعثرت علیھ في تلك اللحظة لما كان ھنالك من شك في أمر .مصیره؛ لكن یبدو أن الحیوان الذكي أدرك عنف غضبي فاختفى متجنباً رؤیتي وأنا في ذلك المزاج یستحیل علي أن أصف عمق الراحة والسكینة التي أتاحھا لروحي غیاب ذلك الحیوان. لم یعد للظھور تلك اللیلة. وھكذا ولأول مرة منذ وصولھ إلى البیت نمت بعمق وھدوء، أجل .نمت على الرغم من وزر الجریمة الرابض فوق روحي مر الیوم الثاني ثم الثالث ولم یظھر معذبي، ومن جدید تنفست بحریة. لقد أصیب الوحش بالذعر فنجا بنفسھ نھائیاً! ولن یكون علي أن أتحملھ بعد الآن! كانت سعادتي بذلك عظیمة! ولم یؤرق مضجعي وزر الجریمة السوداء إلا لماماً. جرت بعض التحقیقات وقدمت أجوبة جاھزة. بل كانت ھناك تحریات، غیر أن شیئاً ما لم یكتشف، وأدركت أن .مستقبل سعادتي في أمان في الیوم الرابع بعد وقوع الجریمة جاءت فرقة من الشرطة إلى البیت بشكل لم أتوقعھ وبدأت تحریات واستجوابات دقیقة، لكن بما أنني كنت مطمئنا إلى إخفاء الجثة لم أشعر بأي َّ حرج. سألني ضباط الشرطة أن أرافقھم إلى القبو، فلم ترتعد في عضلة واحدة. كان قلبي ینبض بھدوء كقلب بريء نائم. رحت أذرع القبو جیئة وذھاباً عاقداً ذراعي فوق صدري. اقتنع رجال الشرطة بنتائج بحثھم واستعدوا للذھاب، كانت النشوة في قلبي أقوى من أن أكتمھا. كنت أتحرق لقول كلمة واحدة، لفرط ما أطربني الانتصار، ولكي أزید یقینھم .ببراءتي أیھا السادة - قلت أخیراً، لما كان الفریق یصعد الدرج - یسرني أن أكون قد بددت كل شكوككم. أتمنى لكم تمام الصحة ومزیداً من اللباقة، بالمناسبة أیھا السادة، ھذا بیت مكین'' ''البناء - في رغبتي العارمة لقول شيء سھل،لم أجد ما أتلفظ بھ - إنھ بیت مبني بشكل ممتاز. ھذه الجدران- ھاأنتم ذاھبون أیھا السادة- ھذه الجدران متماسكة تماماً .وھنا ، وبنوع من الزھو المتشنج- طرقت طرقاً قویاً على الجدار بعصا كانت بیدي، تماماً في الموضع الذي أخفیت فیھ زوجة قلبي

لكن لیحمني الله من مخالب إبلیس الأبالسة! لم تكد اھتزازات ضربتي تغرق في الصمت حتى جاوبني صوت من داخل القبر! صرخة مكتومة متقطعة بدأت كبكاء طفل، لكن سرعان ما أخذت تتعاظم وتتضخم لتغدو صرخة واحدة ھائلة مدیدة شاذة غریبة وغیر آدمیة بالمرة.. غدت عواء.. عویلاً مجلجلاً یطلقھ مزیج من الرعب والظفر، وكأنما تتصاعد .من قیعان الجحیم تتعاون فیھا حناجر الملعونین في سعیر عذاباتھم والشیاطین إذ یھللون اللعنات من الحماقة أن أحدثكم عن الأفكار التي تلاطمت في رأسي.. ترنحت منھاراً وتھاویت مستنداً إلى الجدار المقابل.. للحظة واحدة ظل فریق الشرطة مسمراً على الدرج بفعل الرعب والاستغراب. وفي اللحظة التالیة كانت بضع عشرة ذراعاً شدیدة تھدم الجدار. أنھار قطعة واحدة. كانت الجثة قد تحللت إلى درجة كبیرة و غطاھا الدم المتجمد، وھي تنتصب واقفة أمام أعین المشاھدین وعلى رأسھا یقف القط الأسود الكریھ بفمھ الأحمر المفتوح وعینھ الوحیدة الناریة، القط الذي دفعتني أفعالھ إلى الجریمة ثم أسلمني صوتھ الكاشف إلى .حبل المشنقة. كنت قد بنیت الجدار والقط داخل القبر

النهايه......…

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

11

متابعين

3

متابعهم

2

مقالات مشابة