من أحـــقر الجرائــــم
من أحـــقر الجرائــــم
المقدمة
في خمسينات القرن العشرين، تحديداً في منطقة السيدة زينب الشعبية في القاهرة، ووسط الأسواق المزدحمة والأصوات التي تعج بالحياة، تدور قصة مأساوية تكشف عن الجوانب السوداء في النفس البشرية. كانت خيرية، بائعة البخور البسيطة، تسعى جاهدة لتأمين حياة كريمة لابنتها الرضيعة، غير مدركة أن هناك من يراقبها من الظل. تلك المرأة، التي ستصبح فيما بعد رمزاً لأحقر الجرائم الإنسانية، هي هندية.
الفصل الأول: الروتين اليومي في سوق السيدة زينب
في عام 1958، كانت حياة خيرية تسير بنفس الروتين كل يوم. تضع فرشتها أمام جامع السيدة زينب، وتعرض بخورها على الزبائن، بينما ترعى ابنتها الرضيعة أمال التي لا يتجاوز عمرها بضعة شهور. لم تكن خيرية تملك رفاهية ترك ابنتها عند أي شخص لرعايتها، فكانت تبقيها بجانبها دائماً، تراقبها بعين حانية وتطالع الزبائن بعين أخرى.
في السوق، كان الجميع يعرف خيرية، ويعرفون مدى حبها لابنتها. لم يكن أحد يتوقع أن هذا السوق، المفعم بالحياة، سيشهد واحدة من أبشع الجرائم التي تهز قلوب كل من سمع عنها.
الفصل الثاني: اختفاء أمال وبدء الكابوس
في أحد الأيام المزدحمة، وبينما كانت خيرية منشغلة بمحاسبة أحد الزبائن، التفتت لتطمئن على ابنتها، لكنها وجدت الفراغ. أمال، التي كانت تنام بهدوء، اختفت فجأة. صرخت خيرية في جنون، تجمع الناس حولها، ولكن دون جدوى. هرع رجال الأمن إلى المكان، وبدأوا التحقيق فوراً. وصفَت خيرية ابنتها بأنها تملك ستة أصابع في كل يد، وهي علامة مميزة يمكن أن تساعد في العثور عليها. ولكن، رغم كل الجهود، لم تظهر أي أثر لأمال.
الفصل الثالث: هندية... المرأة الغريبة
بعد مرور يومين على اختفاء أمال، تذكرت خيرية شيئًا غريبًا. في الأيام التي سبقت الاختطاف، كانت تلاحظ وجود امرأة غريبة تتردد على مكانها يوميًا، تشترى منها بخورًا، وتحدق في ابنتها بطريقة مريبة. لم تكن خيرية تعرف من هي، ولكن وجهها ظل محفورًا في ذاكرتها.
بدأ رجال الأمن البحث عن المرأة وفقًا للأوصاف التي قدمتها خيرية. كانت الملامح متطابقة مع امرأة تدعى "هندية"، تبلغ من العمر حوالي الثلاثين عامًا، وتقطن في أحد الأحياء الشعبية. بدأت الشكوك تحوم حولها، ولكن لم يكن هناك دليل كافٍ لاتهامها مباشرة.
الفصل الرابع: اعتراف رضا والصدمة الكبرى
بعد ثلاثة أشهر من البحث المتواصل، وصلت إشارة أمنية تفيد بأن هندية عادت إلى منطقتها بعد فترة غياب طويلة، ومعها طفلة. تم استدعاء هندية إلى قسم الشرطة، وفي البداية أنكرت أي صلة باختفاء أمال. لكن، بعد التحقيق مع زوجها رضا، بدأت الحقيقة تظهر.
اعترف رضا تحت الضغط بأن الطفلة أمال قد ماتت بعد أسبوعين من اختطافها، وأنه دفنها في أحد المقابر بالتعاون مع صديق يعمل كحنوتي. وعندما سألته الشرطة عن سبب وفاة الطفلة، كانت الصدمة الكبرى. فقد قام بقطع أصابعها الزائدة باستخدام شفرة حلاقة، بناءً على طلب هندية، في محاولة لإخفاء هويتها.
الفصل الخامس: القصة الكاملة لهندية ورضا
كان رضا رجلًا بسيطًا، يحلم بإنجاب أطفال يملؤون حياته. عندما اكتشف أن هندية، زوجته، عقيمة، طلقها بعد شهر واحد فقط من الزواج. ولكن هندية لم تكن مستعدة للاستسلام. فكرت في خطة شيطانية، تقوم على اختطاف طفل صغير، والادعاء بأنها كانت حاملًا وأنجبت أثناء فترة طلاقها.
بعد أن اختطفت أمال، عادت إلى رضا مدعية أنها ابنتهما. وبالفعل، صدق رضا القصة، وعاش مع الطفلة فترة قصيرة قبل أن تقنعه هندية بضرورة قطع أصابعها الزائدة حتى لا تثير الشكوك. بعد أن ماتت الطفلة بسبب الجروح التي سببتها عملية البتر البدائية، قرر رضا التخلص من جثتها بدفنها في المقابر.
الخاتمة: العدالة تتحقق
بعد اعتراف رضا وهندية، تم تقديمهما للمحاكمة. أُدين كلاهما بتهمة اختطاف وقتل الطفلة أمال، وحُكم عليهما بالإعدام. ولكن، رغم أن العدالة قد تحققت، لم يكن هناك شيء يمكن أن يعوض خيرية عن فقدان ابنتها.
هندية، تلك المرأة التي تميزت بأفعالها الشنيعة، ستظل في ذاكرة من سمع عنها كأحد أحقر البشر. إنها قصة تكشف عن مدى القسوة التي قد تصل إليها النفس البشرية عندما تغيب الرحمة وتنعدم الإنسانية.