" وحش الخزانة " - قصة خيال و رعب
في كل ليلة، عندما تقبلني أمي في جبيني و تغادر غرفتي، كنت أحاول الخلود للنوم، و إغماض
عيني، و لكني لم أكن أستطيع ذلك، بسبب تلك الأصوات الغريبة التي تصدر من خزانتي!
كانت أشبه بأصوات شخير، و حركة و كركبة، تبقيني مفيقاً و مرعوباً للغاية، أحياناً كنت أشعر
بهذه الحركة تحت سريري، و أحياناً.. بجواري على الفراش.. أنفاس و شخير..
و ذلك بالطبع ليس مجرد حلم أو خيال!
عندما أحلم.. فإنني أعرف أني داخل عالم صنعته ضغوطاتي العصبية و الكيميائية، و أن كل شيء
حولي غير حقيقي، و لكني لم أشعر بذلك وقتها.. كنت أعلم أن تلك الهزة القادمة من الدولاب،
ليست شيئاً سخيفاً إختلقه عقلي ليرعبني، كنت موقناً بأن هناك أحداً في الداخل، يعيش معي،
و ينام داخل خزانتي، و ربما يخرج من مكانه عندما أغادر للمدرسة، و يبدأ بالعبث في الغرفة،
يخبئ كل تلك الأغراض و الألعاب التي تضيع مني، كنت أعلم أن هناك أحداً يشاركني تفاصيل حياتي،
يعبث أحياناً في فراشي، عندما أغمض عيني و يظنني نائماً ربما ، ينزل و يتحرك تحت سريري في الأرضية،
ثم يقوم بالسير بخطواته الثقيلة عودة إلى الخزانة.. يغلقها عليه و يغط في في نوم عميق،
شخيره يجعلني أدرك هذا!.. سميته وحشاً.. و لم أجرؤ يوماً على الإقتراب من الخزانة بعد قبلة
أمي، عند حلول الظلام.. لم أتجرأ أبداً على فتحها و رؤية من بالداخل!.. و من يكون هذا الشخص!؟
عندما أخبرت أمي بوجود وحش في خزانتي، لم تصدقني و أخبرتني أني أتخيل أو أحلم، علمت
أن البالغين لا يستطيعون رؤية هذه الأمور، أو على ما يبدو.. أن الوحش لم يكن يسعى خلف والديّ، بل
إنه أراد إخافتي أنا!.. و قد نجح بالفعل..
لقد غادرت غرفتي و أصبحت أنام مع أمي و أبي، بدا الأمر مضحكاً و سخيفاً لأني كنت في العاشرة،
و لكن ذلك لم يكن ليهزني كما تهتز أعصابي و أنا نائم وحدي.. مع ذلك الوحش!
مع مرور الأيام بلياليها، أصبح والداي يتضايقان مني و من وجودي، حتى توصلا إلى قرار طردي
من غرفتهما، و بما أن ذلك قد حدث حقاً.. كان علي إيجاد مكان آخر للنوم، طلب من أبي أن أعود
لغرفتي و أتصرف كالرجال..
و لكني لست رجلاً.. أنا مجرد طفل أحمق خائف، و لا أريد أن أكون رجلاً أصلاً، كل ما أرغب فيه هو أن أحظى
بالأمان، أقسمت أني لن أعود لتلك الغرفة، حتى و إن تعين علي النوم في دورة المياه!
شقتنا ليست كبيرة، هي مجرد سقف و جدران تفصل غرفتين و صالة صغيرة، و عندما كنت أفترش
الكنبة في هذه الصالة، كان لا يزال بإستطاعتي سماعه في الداخل، و هو يعبث و يقلب كما يشاء،
الوغد!.. لا شك أنه يبيت مرتاحاً و سعيداً في فراشي الناعم، و يستمتع بألعابي لنفسه!
كان ذلك يغيظني و يحرق أعصابي دائماً و أنا أتمرغ على الكنبة القاسية، تحدثني نفسي أحياناً
بالدخول و فتح الخزانة، و مواجهة ذلك الوحش و طرده من مملكتي الخاصة، كما في عالم الكرتون!
و لكن سرعان ما يكبلني خوفي بسلاسل متينة، و يمنعني من إتخاذ تلك الخطوة الصعبة،
صحيح كنت طفلاً.. و لكني علمت جيداً أن الواقع معقد أكثر من الخيال، و في عالمنا هذا لا يكون النصر
دائماً للأبطال، فإذا كان الوحش أقوى مني قد يلتهمني بالكامل.. و يلعق أصابعه بإنتصار و نشوة!
و حينها لن تنفعني الشجاعة و لا المواجهة!.. أو ربما ظننت ذلك!
مع مرور الوقت و أنا على هذه الحال، بدأ والداي أخيراً يلاحظان جديتي في الأمر، بعد كل هذه المدة
و أنا أستغيث بهما، يأتي لي أبي للتو و يطرح هذا السؤال :
واو عدي!.. إذاً أنت خائف حقاً من النوم في غرفتك؟
بالتأكيد لم أكن خائفاً بل كنت أموت من الرعب كل ليلة، و لم يخطر هذا ببالك إلا الآن؟
أومأت له برأسي مجيباً ، فضحك بصوت عالي
لا يتماشى مع الخوف الذي كان يقيدني، ضحك و قال تلك الكلمات التي غيرت كل شيء :
تعال لنرى وحش الخزانة ذلك.. و نتأكد من وجوده!
خفت بداية!.. و لكني تذكرت أن الوحوش لا تهاجم البالغين.. و بما أنني مع أبي فكل شيء سيكون
بخير، بعدها تحطمت بعض قيود الخوف و حل الحماس مكانها.. يشدني بإتجاه الغرفة، لأفتح ذلك
الباب الخشبي، و أعرف من يكون هو وحش الخزانة!.. اللغز الذي أرقني!
عندما دخلت مع أبي في تلك الليلة كنت أحمل مضرباً و أسير لجواره ملتصقاً، لا أخبئ أنه سخر
مني و لكني لا أستطيع لومه، فهو لم يكن يصدق بوجود وحش الخزانة..
و لكن فجأة إنقلبت الأجواء، عندما بدأنا نسمع الحركات و الإهتزازات من الداخل، هنا إرتسمت
بعض الجدية على ملامح أبي، أما أنا فقد عدت لأكون مرعوباً كالهر الخائف، شددت على مقبضي
و سرت خلف أبتي بإرتجاف !
و في تلك اللحظة.. قام بفتح الخزانة!.. و أنا أغمضت عيني.. ثم فتحهما فضولي!
رأيت أبي يمسك به بطرف يديه، و أنا لا أستطيع التصديق بأن هذا هو الوحش!
كان فأراً صغيراً غبياً!
نظر لي والدي و بدأ بالضحك علي حتى دمعت عيناه، وفي الحقيقة لا ألومه على ذلك،
أنا نفسي شعرت بالخجل الشديد،
كنت قد رسمت في خيالي صورة لوحش كبير و عملاق، بأعين وفم و مجسات مخيفة !
كنت قد تركت فراشي.. و تبهدلت و طردت!.. و خفت و إرتعبت !
و كل ذلك بسبب جرذ أحمق؟!.. لم أستطع التصديق!
قام أبي بالتخلص منه و رميه خارجاً، و عدت أنا لأنام في غرفتي مشتاقاً لها و لهدوءها،
كانت أمي تروي لي قصة قبل النوم.. و بعد أن تقبلني و تغادر..
أغمض عيني و لا أسمع أي أصوات!.. فأعلم أن الوحش قد إختفى بالفعل!
و هكذا مرت طفولتي بسلام.. بعد أن أغلقت على تلك الأسطورة التي جننتني إلى الأبد!
وحش الخزانة ليس موجوداً.. وحش الخزانة ليس موجوداً..
حاولت تصديق ذلك لأعيش حياتي ، و لكن في الحقيقة.. و أنا الآن في الخامسة و الثلاثين،
لا يزال داخلي رعب أخفيه خلف عمري و شاربي الكث.. رعب يعيدني لذكريات الطفولة
و كركبة الخزانة.. و أصوات الشخير!
أسأل نفسي أحياناً بخوف، إذا كان من عاش داخل دولابي فأراً صغيراً، إذاً من كان يشخر؟
و من كان يخطو و يتمشى؟.. و يفتح باب خزانتي و يصدر ذلك الصرير؟
أيعقل أنه كان حقيقياً؟.. أم أنني فقط أحلم؟
تأليف وضاحة عبد الرحمن