قصه رعب بعنوان الانتحار
في أحد المباني القديمة المهجورة، عاشت أسطورة مرعبة تتردد بين سكان البلدة عن فتاة تُدعى "ليلى"، كانت تعيش وحيدة وتُعاني من الاكتئاب. يُقال إنها تعرضت للعديد من المشاكل النفسية، وانتهى بها الأمر بأن قررت إنهاء حياتها بالقفز من أعلى طابق في المبنى. ومنذ ذلك الحين، انتشرت إشاعات حول ظهور "روح ليلى" في المكان، وكأنها عالقة فيه، تروي قصتها لمن يجرؤ على زيارتها.
لم يكن يُصدق الجميع هذه القصة، ولكن كانت هناك مجموعة من الشباب، قرروا التسلل إلى المبنى ذات ليلة لمعرفة الحقيقة. كان بينهم شاب يُدعى "أدهم"، معروفًا بشجاعته وسخريته من قصص الأشباح. أراد أن يثبت للجميع أن هذه مجرد خرافة لا أساس لها.
عند وصولهم إلى المبنى المهجور، بدأ الظلام يحيط بهم، وكانت الرياح تعوي بصوت خافت يجعل المكان يبدو أكثر رعبًا. بمجرد دخولهم، شعروا جميعًا بشيء غريب، وكأن المبنى يحتفظ بطاقة سلبية كئيبة.
بينما كانوا يتجولون في أرجاء المكان، رأى أدهم فجأة شيئًا يتحرك في الطابق العلوي، وكأن هناك شخصًا يقف بجوار النافذة ينظر إليهم. صعد مع أصدقائه إلى الطابق العلوي، وفي أثناء سيرهم على السلم، بدأت أصوات غريبة تملأ المكان، كصوت أنين مكتوم.
عند وصولهم إلى الطابق العلوي، شعر أدهم ببرودة غير طبيعية، وأحس أن هناك شخصًا يراقبهم عن كثب. فجأة، سمع صوت خطوات خلفه، وعندما استدار، وجد فتاة شاحبة البشرة، ترتدي ثيابًا قديمة وتحدق فيهم بعينين مليئتين بالحزن. كانت تقف قرب النافذة التي قفزت منها ليلى، وعينيها تحملان ملامح ألم وكراهية عميقة.
في تلك اللحظة، بدأت الفتاة تتحرك نحوهم ببطء، وكان يبدو أن الأرضية تختفي تحت أقدامهم، وكأن المبنى ينهار. أدركوا أن عليهم المغادرة، لكنهم كانوا متجمدين في أماكنهم. حاول أدهم أن يصرخ، لكن صوته لم يخرج، وكأن الفتاة قد سيطرت على جسده.
وبينما كانوا محاصرين في ذلك الكابوس، بدأت الفتاة تهمس لهم قائلة: "لم أكن أريد الموت، لكن أحدًا لم يسمع صرخاتي، تمامًا كما أنتم الآن." ثم اختفت فجأة، وترك المكان صامتًا تمامًا.
استجمع أدهم وأصدقاؤه شجاعتهم وركضوا خارج المبنى، ولم ينظروا خلفهم أبدًا. عندما وصلوا إلى البلدة، أخبرهم أحد كبار السن أن روح ليلى تظهر لكل من لا يؤمن بمعاناتها، وأن المبنى القديم سيكون دائمًا مسكنها المظلم.
أصبح أدهم بعد تلك الليلة شابًا مختلفًا، وكأن شيئًا من تلك التجربة قد ترك أثرًا عميقًا في نفسه. ظل يتردد بينه وبين نفسه سؤالٌ لا إجابة له: هل كانت ليلى تحاول تحذيرهم، أم كانت فقط تحاول أن تنقل إليهم بعضًا من عذابها الأبدي؟
بعد تلك الليلة المرعبة، لم يتمكن أدهم من النوم بهدوء. كانت صورة "ليلى" الشاحبة تطارده في كل لحظة من لحظات الليل، تظهر في أحلامه، تتحدث إليه بصوت خافت، تهمس بعبارات غير مفهومة عن الألم والوحدة. أصبح يرى ملامحها في الظلال وفي زوايا الغرف المظلمة، حتى أصبح يخشى التواجد في أي مكان معتم.
مع مرور الأيام، بدأ أدهم يسمع همسات ليلى بشكل أوضح، وكأنها تزداد قربًا منه. كانت تردد كلمات مؤلمة، كأنها تلومه وتعاتبه على تحديه لقصتها. حاول أدهم تجاهل هذه الأصوات، لكنه كان يشعر بها تقترب أكثر فأكثر.
في إحدى الليالي، قرر أدهم الذهاب إلى المبنى القديم بمفرده، ليواجه خوفه ويضع حدًّا لهذه الكوابيس. عندما وصل إلى هناك، كانت الرياح تعصف بقوة، والأجواء مشحونة بشيء غريب، وكأن المكان ينتظر عودته. صعد أدهم إلى الطابق العلوي، نفس المكان الذي شاهد فيه ليلى أول مرة. وعندما وصل، سمع صوت خطوات خلفه، واستدار ليجد ليلى تقف أمامه، بوجهها الشاحب وعينيها الحزينتين.
نظرت إليه بصمت، ثم رفعت يدها وأشارت إلى النافذة. همست له: "ألم تسمع صرخاتي؟ لا أحد يسمع صرخاتي..." شعرت أدهم بالقشعريرة تسري في جسده، وكأن شيئًا يجذبه نحو النافذة. كان هناك جزء منه يريد أن يهرب، لكنه لم يستطع.
في تلك اللحظة، أحس ببرودة شديدة تجتاح جسده، وكأنه فقد السيطرة تمامًا على نفسه. رأى لمحات من ماضي ليلى تمر أمام عينيه، وكأنها تنقل إليه ألمها ووحدتها ومعاناتها. رأى ليلى تقف في نفس المكان، تنظر إلى الخارج بعيون مليئة بالدموع قبل أن تقفز.
عاد أدهم إلى وعيه بسرعة، وتراجع ببطء. همست له ليلى بكلمات أخيرة: "لا تخبرهم عني، سيعرفون عندما يحين الوقت." ثم اختفت ببطء، تاركةً أدهم وحيدًا في الظلام.
خرج أدهم من المبنى، وهو يدرك أن ليلى ستظل دائمًا جزءًا من هذا المكان، عالقة بين الحياة والموت، تنتظر من يستمع لقصتها. أصبحت تجربته تلك سرًّا يحمله في قلبه، وقصة لم يجرؤ على إخبارها لأحد، حتى لا تعود "ليلى" إليه مرة أخرى.
بعدما غادر أدهم المبنى، ظلت كلمات ليلى تتردد في ذهنه: "لا تخبرهم عني، سيعرفون عندما يحين الوقت." شعر بثقل هذا السر الذي عليه حمله، وكأن شيئًا مظلمًا قد التصق بروحه منذ تلك الليلة، وبدأت تتوالى أحداث غريبة في حياته.
بدأ أدهم يشعر بوجود غريب حوله، كأن ليلى لم تغادره تمامًا. كان يسمع همساتها في أرجاء منزله، وفي الليالي المتأخرة كان يراها جالسة في زوايا غرفته، تحدق فيه بعينين حزينتين، وكأنها تطلب منه المساعدة أو المغفرة. أصابته هذه التجارب بالرعب والتوتر، وأصبح ينعزل شيئًا فشيئًا عن أصدقائه وعائلته. لم يكن يجرؤ على الحديث لأحد عن ما حدث له، كما لو كان خائفًا أن تعود إليه روح ليلى مجددًا بقوة.
بمرور الوقت، بدأ أدهم يشعر أن حياته تتجه نحو الهاوية. اختفت ابتسامته، وقل نومه، وأصبح مشغولًا طوال الوقت بتذكر ما حدث في المبنى المهجور. زادت معاناته بشكل كبير عندما بدأ يفقد أشياء غريبة من منزله: أغراض صغيرة تختفي وتظهر فجأة في أماكن غريبة، صور قديمة له تُنزع من الإطارات وتجدها ممزقة على الأرض.
في إحدى الليالي، لم يعد بإمكانه التحمل. جلس أمام المرآة في غرفته، وتحدث بصوت مرتعش، وكأنه يخاطب روح ليلى: "ماذا تريدين مني؟ كيف يمكنني مساعدتك؟" لم يحصل على إجابة، لكن برودة مفاجئة غمرت الغرفة، وأضاءت الشاشة الصغيرة لهاتفه دون أن يلمسه. كتب الهاتف ببطء رسالة قصيرة على الشاشة دون أن يحركه أحد: "ساعدني في العثور على الهدوء."
أدرك أدهم أنه ربما هناك طريقة لمساعدة ليلى على التخلص من معاناتها. بحث في تاريخ البلدة، ووجد معلومات تشير إلى أنها كانت ضحية للظلم والعزلة قبل وفاتها، وأنها كانت تتوق للعدالة التي لم تحصل عليها. قرر أن يكرس نفسه للكشف عن قصتها للعالم، أملًا في أن يمنح روحها السلام.
بدأ أدهم بتدوين قصتها في شكل يوميات مفصلة، يروي فيها تفاصيل حياتها ومعاناتها قبل الانتحار. عندما انتهى من الكتابة، شعر وكأن عبئًا ثقيلاً قد انزاح عن صدره، وكأن ليلى نفسها قد رحلت أخيرًا.
منذ ذلك اليوم، اختفت رؤية ليلى، وهدأت الكوابيس. لم يسمع أحد عن الروح التي تطارد المبنى المهجور مجددًا. أصبحت القصة التي كتبها أدهم معروفة بين أهل البلدة، تروي قصة فتاة تعرضت للظلم، وعاشت في العزلة حتى النهاية. أما أدهم، فقد تعلم أن بعض الأسرار لا يجب أن تُخفى إلى الأبد، لأن الأمل في السلام قد يأتي عبر سردها ومشاركتها مع الآخرين.
بعد أن نشر أدهم القصة وشارك حكاية ليلى، انتشر الحديث عنها في البلدة، وتوافد الناس إلى المبنى المهجور بدافع الفضول والرغبة في معرفة ما إذا كانت روح ليلى قد حصلت على السلام. لم يعد المبنى كما كان؛ فالناس لم يعودوا يشعرون بذلك الخوف الغريب الذي كان يحيط بالمكان، وكأن قصة ليلى أزاحت ذلك الغموض الثقيل.
أدرك أدهم أنه، وبمشاركته القصة، لم يحقق السلام لليلى فقط، بل حقق نوعًا من السلام لنفسه أيضًا. لقد حرر نفسه من ثقل السر الذي كان يخنقه. وعلى الرغم من أن البلدة اعتبرت القصة مجرد أسطورة مؤثرة، إلا أن أدهم شعر أن ليلى قد شكرته بطريقة ما، وأنها قد رحلت للأبد.
لكن في ليلة هادئة، وبينما كان أدهم مستلقيًا في غرفته، سمع همسة خافتة قريبة من أذنه، صوتًا مألوفًا يقول: "شكرًا لك." ابتسم أدهم في الظلام، وأغمض عينيه بهدوء، مؤمنًا أن ليلى قد ودعته للأبد، تاركةً خلفها أثرًا من العبر والدروس.
ومع ذلك، قرر أدهم أن يزور المبنى المهجور للمرة الأخيرة. ذهب إلى هناك في وضح النهار، وقف في الطابق العلوي حيث ظهر له خيال ليلى لأول مرة. وقف بجانب النافذة ونظر إلى الخارج، وشعر بنسيم لطيف يحرك الستائر المتهالكة. لوهلة، تخيل وجه ليلى مبتسمًا في الهواء الطلق.
غادر أدهم المبنى في سلام، وتوجه إلى البلدة ليبدأ حياته من جديد، تاركًا وراءه قصة لم تكن مجرد خرافة، بل تجربة غيرت حياته وأعادته إلى نفسه بشجاعة وقوة جديدة.
بعد أن غادر أدهم المبنى أخيرًا، شعر وكأنه ألقى عبئًا ثقيلًا عن كاهله. كانت تلك التجربة قد غيّرته جذريًا، وجعلته أكثر تفهمًا لمعنى الوحدة والألم، وكذلك لمعنى السلام الداخلي الذي منحه أخيرًا لروح ليلى.
مع مرور الأيام، عاد أدهم إلى حياته الطبيعية، وبدأ يمارس عمله ويتواصل مع أصدقائه، لكنه أصبح أكثر تفاؤلًا ونضجًا، وكأن روحه قد أعيدت إليها الحياة من جديد. وبينما كانت البلدة تستمر في تناقل قصته وقصة ليلى، كان أدهم يتعلم درسًا جديدًا من تلك التجربة كل يوم؛ درسًا في التعاطف، والصبر، وأهمية السعي لمساعدة الآخرين حتى وإن كانت أرواحهم قد رحلت.
ومع كل ذلك، كان أدهم يحتفظ بقطعة صغيرة من تلك التجربة، ذكرى بسيطة علقت في قلبه، تدعوه إلى التذكير بأن لكل شخص قصة يجب أن تُحكى.
وهكذا انتهت قصة أدهم مع روح ليلى، قصة حملت في طياتها أكثر من مجرد أحداث رعب، بل معاني عميقة عن الألم والوحدة، والتواصل بين الأرواح عبر الزمان. رغم انتهاء تلك التجربة، بقيت روح ليلى وذكراها محفورة في قلب أدهم، تذكرة دائمة له بأن الرحمة والتفهم هما السبيل الوحيد للسلام الداخلي، سواء للأحياء أو للأرواح التي رحلت.
عاش أدهم حياته بعد ذلك بسلام أكبر وعمق جديد، مؤمنًا أن بعض القصص قد تبدأ في الظلام، لكنها تنتهي دائمًا بنور يعمّ قلوبنا ويعلمنا دروسًا لا تُنسى.
النهاية