عوز قصه رعب بعنوان قبل البدايه

عوز قصه رعب بعنوان قبل البدايه

0 المراجعات

في ليلة عاصفة شديدة البرودة، وفي قرية صغيرة بعيدة عن ضجيج المدن، انتشرت أسطورة بين السكان عن منزل مهجور يُعرف باسم "بيت الأسرار". يقول الناس إن هذا المنزل قديم للغاية، يعود إلى زمن لم يعد يذكره أحد، وأن هناك حكايات غامضة حوله. لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه، فقد قيل إن كل من يحاول دخوله لا يعود كما كان، أو ربما لا يعود على الإطلاق. لكن الشائعات كانت تشير إلى أن هناك شيئًا بداخله... شيء كأنه "قبل البداية".

كان من بين سكان القرية شاب يُدعى "سليم"، معروف بشجاعته وفضوله الذي لا يعرف حدودًا. وعلى الرغم من التحذيرات، قرر سليم في ليلة هادئة أن يقترب من ذلك المنزل ليعرف ما وراء قصص الرعب والخرافات التي تحوم حوله. كان يريد أن يكون الشخص الأول الذي يكشف حقيقة "بيت الأسرار"، أو على الأقل يتأكد أن كل تلك الحكايات مجرد خيال.

وصل سليم إلى المنزل قبيل منتصف الليل، حيث كانت الأجواء هادئة بشكل غريب، كأن الهواء نفسه يحمل سرًا. عندما اقترب من الباب الخشبي المتهالك، شعر بشيء من التردد، لكنه دفع الباب ببطء، فانفتح مُصدِرًا صوتًا حادًا، كأنه يُحذر الداخل من عواقب اختراق هذا المكان المجهول.

في الداخل، كان كل شيء يبدو وكأنه متجمد في الزمن. الأثاث العتيق، الأتربة المتراكمة، والستائر المهترئة التي تتحرك ببطء مع هواء بارد ينساب من زوايا مظلمة. بينما كان يستكشف الغرف، اكتشف بابًا صغيرًا مخفيًا خلف خزانة، وكأن أحدهم أراد إخفاءه عن الأنظار. بدافع الفضول، فتح سليم الباب، ليجد ممرًا ضيقًا يؤدي إلى طابق سفلي مظلم.

نزل سليم ببطء، ومع كل خطوة كانت ظلاله تتراقص على الجدران كأنها أشباح تحيط به. وعندما وصل إلى أسفل الدرج، رأى شيئًا غريبًا. كانت هناك مرآة ضخمة في وسط الغرفة، لكنها لم تعكس صورته كما ينبغي. كانت تعكس شيئًا آخر، وكأنها نافذة إلى عالم مختلف، عالم يسبق كل ما يعرفه البشر، عالم كأنه "قبل البداية".

فجأة، سمع همسات خافتة قادمة من المرآة. بدت كأنها أصوات متعددة، متداخلة، وكلها تردد نفس العبارة: "أنت لست الأول، ولن تكون الأخير."

تراجع سليم ببطء، غير قادر على تصديق ما يسمعه. أصوات غريبة تتردد عبر أرجاء الغرفة المظلمة، كأن هناك أرواحًا حبيسة تحاول التواصل معه. حاول تجاهل الهمسات، لكنه كان يشعر بأن شيئًا يجبره على النظر مجددًا إلى المرآة، كأنها مغناطيس يسحبه نحوها بلا رحمة.

اقترب ببطء، وعيناه تحدقان في العمق الداكن للمرآة، وشيئًا فشيئًا بدأت تتضح صورة غريبة أمامه. كانت تلك الصورة لرجل يشبهه تمامًا، لكن بملامح شاحبة وعينين خاليتين من الحياة. همس له الصوت من داخل المرآة بصوت يشبه صوته: "أنت نسخة، ونسخة قبلك دخلت هنا... ولم تخرج."

تجمد سليم في مكانه، محاولًا استيعاب الكلمات. كيف يمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟ كيف تكون له "نسخة" أخرى؟ وقبل أن يستطيع التفكير في إجابة، شعر بيد باردة تمسك بمعصمه وتجره نحو المرآة. حاول أن يقاوم، لكن القوة التي كانت تجذبه كانت أقوى من أن يقاومها، ووجد نفسه يُسحب ببطء نحو سطح المرآة.

في اللحظة التي اقترب فيها وجهه من الزجاج، شعر وكأنه ينسحب إلى داخلها، إلى عالم يشبه غرف المنزل لكنه معتم ومظلم، كأنه يسبق الزمن، عالم "قبل البداية" كما كان يرددون. هناك، وجد نفسه محاطًا بأشباح لأشخاص آخرين، بملامح شبيهة به، وكلهم محبوسون بين جدران ذلك المكان المظلم. حاول الصراخ، لكن صوته لم يخرج، وكأن روحه قد عُلقت في هذا البعد المظلم.

بعد لحظات، انطفأ الضوء تمامًا، ولم يُسمع شيء سوى همسات باردة تتردد في الأرجاء: "لقد انضممت إلينا... قبل البداية، حيث لا خروج ولا نهاية."

وفي اليوم التالي، اكتشف أهل القرية باب المنزل مفتوحًا، لكنه كان خاليًا من أي أثر لسليم.

عندما أدرك أهل القرية اختفاء سليم، بدأت الأحاديث والهمسات تتصاعد حول اختفائه الغامض. البعض قال إنه ضاع داخل المنزل، والبعض الآخر رأى أنه ضحية لعنة قديمة تحوم حوله. لكن الأغرب من ذلك كان شعور بعض السكان بأن شيئًا ما قد تغير في المنزل؛ كأن أرواحًا جديدة قد انضمت إلى ظلامه.

بعد أسابيع من اختفاء سليم، ظهر في القرية رجل غريب. كان شاحب البشرة، بعيون واسعة فارغة، ويتحدث بصوت خافت يشبه صوت سليم. هذا الرجل، الذي لم يكن أحد يعرفه، كان يتحدث عن ذكريات خاصة تخص سليم، ويعرف تفاصيل عن أهل القرية وأسرارهم. لكن في كل مرة كان يتحدث فيها، كان هناك أمر غريب في نظراته وسلوكه، شيءٌ مخيف لا يمكن تفسيره.

ذات يوم اقترب أحد أقارب سليم من هذا الرجل وسأله بارتباك: "من أنت؟ وكيف تعرف كل هذه التفاصيل عن سليم؟" ابتسم الرجل ابتسامة باردة، وقال بصوت غامض: "أنا... نسخة أخرى. أنا من كان موجودًا... قبل البداية."

بعد هذا اللقاء المخيف، لم يظهر الرجل الغريب مجددًا في القرية. لكن كل من التقاه شعر بتلك البرودة الغامضة، وكأنهم شاهدوا طيف سليم محبوسًا داخل جسد هذا الغريب. ظل هذا الحادث لغزًا حيّر أهل القرية لسنوات، وأصبح المنزل المهجور مكانًا لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه مرة أخرى، ليظل محاطًا بظلال من الرعب والأسرار الدفينة، كأنه يسكن في بُعدٍ آخر... قبل البداية، حيث لا نهاية ولا سبيل للعودة.

بعد اختفاء الرجل الغريب، بدأت الأحداث الغريبة تتصاعد مجددًا في القرية. فمع كل ليلة، كان السكان يسمعون همسات مجهولة المصدر، أصواتًا أشبه بالنداءات الخافتة. وكانت تلك الأصوات تحمل طابعًا مألوفًا، يشبه همسات سليم نفسه، أو ربما كلماته الأخيرة التي لم يستطع أحد فهمها.

وفي إحدى الليالي، قرر شقيق سليم، "عمر"، أن يواجه مخاوفه ويذهب إلى المنزل المهجور بحثًا عن أي دليل يساعده على حل لغز اختفاء أخيه. لم يكن عمر ممن يؤمنون بالخرافات، لكنه كان مصممًا على كشف الحقيقة مهما كان الثمن.

عندما وصل إلى المنزل، شعر بقشعريرة غريبة تسري في جسده، لكنها لم تردعه. دخل عبر الباب الصدئ، وأخذ يتجول في الغرف المتربة بصمت. وجد نفسه في نفس الغرفة التي اكتشف فيها سليم المرآة، كانت هناك، في نفس الزاوية، تعكس شيئًا غير مألوف.

نفس الهمسات التي سمعها الناس بدأت تتردد في المكان. اقترب عمر من المرآة ببطء، وإذا به يرى شيئًا مفزعًا: صورة أخيه سليم، محبوسًا خلف الزجاج، ينظر إليه بعيون توسّل، كأنما يستغيث به ليخرجه من هذا السجن المرعب. فهم عمر أن أخاه لم يختفِ فعليًا، بل كان محاصرًا في عالم آخر، في ذلك البعد المظلم الذي يسبق البداية.

مد يده نحو الزجاج محاولاً لمسه، وفجأة، شعر بجذب قوي، كأنما يُسحب هو الآخر إلى داخل المرآة. لكن بعزم قوي، تراجع بسرعة وأخذ يهمس: "سأجد طريقة لإخراجك، سليم، مهما كلفني الأمر!"

خرج عمر من المنزل مرعوبًا لكنه مصمم، وبدأ منذ تلك الليلة رحلة البحث عن إجابات. راح يسأل كبار السن في القرية، ويبحث في سجلات قديمة، وكل ما كان يجده هو إشارات غامضة عن "البداية والنهاية" و"البُعد الحبيس". قرر أن يزور مدنًا أخرى بحثًا عن المساعدة، ولم يتوقف عن محاولاته رغم كل الصعاب.

أما المنزل المهجور، فظل شامخًا، كأنه يترقب عودة أحدهم، محافظًا على أسراره الغامضة التي تسبح في عوالم ما قبل البداية، منتظرًا اللحظة التي سيجرؤ فيها أحد آخر على فتح بابه والدخول مجددًا.

مع مرور الوقت، ازداد عزم عمر أكثر على اكتشاف أسرار "البداية والنهاية" وإنقاذ شقيقه. خلال بحثه، التقى بشخص مسن يُدعى الشيخ منصور، عُرِف عنه خبرته في أمور العالم الخفي وقدرته على تفسير الأمور الغامضة. ذهب عمر إلى الشيخ منصور وأخبره بكل ما مر به في المنزل وما رآه من مشاهد مخيفة.

استمع الشيخ منصور إلى القصة بتمعن، وأخبر عمر أن المرآة ليست مجرد قطعة زجاج عادية، بل هي بوابة بين العوالم؛ بوابة تربط بين عالم الأحياء وأبعاد غامضة تُعرف باسم "ما قبل البداية"، وأن الأرواح التي تدخل ذلك البعد تظل محبوسة فيه إلى الأبد، إلا إن كُسر سحر البوابة.

لكنّ الشيخ حذره من محاولة التلاعب بالمرآة؛ إذ أن كسر السحر يتطلب تضحية عظيمة، وربما يفتح الباب لعوالم أخرى لم يعرفها البشر من قبل. ومع ذلك، أصر عمر على الاستمرار، لأنه كان مستعدًا لفعل أي شيء لاستعادة شقيقه.

وبعد ليلة من التحضيرات، عاد عمر إلى المنزل المهجور بصحبة الشيخ منصور، حاملين شموعًا وكتابات قديمة، وأثناء ترديدهم للتعويذات، بدأت الأرض تهتز، وكأن المنزل نفسه يستجيب. اقترب عمر من المرآة ببطء، وهمس بأسم سليم.

في تلك اللحظة، ظهرت صورة سليم مجددًا خلف الزجاج، لكن هذه المرة كان يبتسم بعجز. رفع عمر يده نحو الزجاج، وبدأ يشعر ببرودة شديدة تتسلل إلى جسده، فيما سمع صوتًا خافتًا يقول: "لتعود الروح، يجب أن تبقى روح."

فهم عمر حينها أن السبيل الوحيد لإنقاذ سليم هو أن يتبادل معه، ويترك نفسه محبوسًا في عالم "ما قبل البداية". ومع تردد بسيط، مد يده إلى الزجاج، فأحس بجذبة قوية تسحبه إلى الداخل، بينما شعر بشيء من الرضا، لأنه يعلم أن سليم سيحيا من جديد.

وفي اللحظة التالية، رأى العالم من حوله يتحول إلى ظلام دامس، بينما عاد سليم إلى العالم الواقعي. نظر سليم حوله بذهول، وأدرك التضحية التي قدمها شقيقه لإنقاذه. بكى بحرقة على شجاعة عمر وتضحيته، ووعد نفسه أن يكرس حياته لفهم أسرار هذا البعد الغامض، على أمل أن يجد يومًا ما طريقة لإعادة شقيقه إلى هذا العالم.

وهكذا، انتهت قصة الأخوين، قصة التضحية والحب والشجاعة التي تتجاوز حدود العالم المرئي. بقي سليم يعيش بقية حياته حاملاً ذكرى عمر وشجاعته التي لا تُنسى، واعدًا نفسه بأن يستمر في البحث عن طريقة لتحريره.

ظل المنزل المهجور يلفه الصمت من جديد، كما لو أن الظلام استعاد طبيعته، وكأن تلك المرآة الغامضة قد رضيت أخيرًا بتلك التضحية.

أما سكان القرية، فلم يعرفوا يومًا ما حدث فعلاً داخل "بيت الأسرار"، لكنهم كانوا يرون نظرة حزينة في عيني سليم، وكأن هناك سرًا كبيرًا في قلبه لن يبوح به أبدًا. أصبح البيت مجرد ذكرى محاطة بالخوف والأسطورة، ومنذ تلك اللحظة، لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه، تاركينه يحتضن أسراره... إلى الأبد.

**النهاية.**

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

16

متابعين

8

متابعهم

0

مقالات مشابة