الكونفوشيوسية :فلسفة أخلاقية واجتماعية تهدف إلى رسم السلوك الأمثل للإنسان في المجتمع

الكونفوشيوسية :فلسفة أخلاقية واجتماعية تهدف إلى رسم السلوك الأمثل للإنسان في المجتمع

0 reviews

فلسفة أخلاقية واجتماعية تهدف إلى رسم السلوك الأمثل للإنسان في المجتمع. وهي مجموعة المعتقدات والطقوس الصينية المستندة إلى الكتب الكلاسيكية التي صنفها كونفوشيوس والتعاليم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي أمر باتباعها والتي تنادي بنوع من السلفية المطلقة والتعلق بالقيم القديمة واحترام الأجداد والآباء والخضوع للحكام.

وتجدر الإشارة إلى أن السماء في التاريخ الديني الصيني كانت دائما الإله الكبر الكلي القدرة والعظمة. ويوجد تحت إله السماء " تيان" (Tien ) عالم الأرواح والمبادئ غير المرئية والأرواح الجوية وأرواح الكواكب والغيوم والمياه والجبال إضافة إلى عالم أرواح الأجداد. وكانت عبادة الأجداد وتقديسهم في الصين متبعة منذ أقدم الأزمنة المعروفة. وقد جاء كونفوشيوس ليكرس هذا الواقع عبر تعاليمه وأوامره التي استمدها من التراث الصيني فأوصى باحترام القدماء والأجداد والعادات التي عاش ومات عليها الآباء والأسلاف. وقد تحولت هذه الممارسات والمعتقدات إلى دين قومي حقيقي، كان الإمبراطور وعماله يأمرون الصينيين باعتناقه وممارسة شعائره وطقوسه والتشبت بمؤسساته التي تكاد تتطالق تطابقاً كليا مع مؤسسات الصين الإمبراطورية عبر حوالي ألفي عام. لا بل أن  الكونفوشيوسية، بترسخها في الذهنية الصينية، قد بدت وكأنها التعبير الأكمل والأعمق عن الروح القومية الصينية المنغلقة على نفسها والمكتفية بحضارتها والرافضة لكل التأثيرات الخارجية والخائفة منها في آن معاً .

والحقيقة أن تعاليم كونفوشيوس قد جاءت لترسخ قبضة الدولة على رعايها محاولة التوفيق بين السماء والأرض (أي بين الديني والدنيوي) وبين الغيبي والمرئي. ومن هنا جاءت أهمية عبادة الأجداد. والكاهن الأكبر الوحيد في هذه الفلسفة الإمبراطور " ابن السماء" المسؤول عن أمور الدنيا.

وتعتبر الكونفوشيوسية أقل من ديانة وأكثر من نظام أخلاقي: فهي بالنسبة للأمير فن للحكم وللمثقفين فلسفة أخلاقية وسياسية وللشعب أسلوب يعبر من خلاله عن إخلاصه للتقاليد وعن ولائه للسلطة الإمبراطورية. والكونفوشيوسية أبعد ما تكون عن الاهتمامات الماورائية (الميتافيزيقية) كما أنها ليست قائمة على عقيدة مطلقة، ولا على طبقة من رجال الدين. إنها تهتم قبل كل شيء بالأمور المحسوسة والعملية فتراها تسعى لتحقيق الانسجام في العالم من خلال تحقيق التوازن بين القوى المضادة (بين الـ " يين" والـ "يانغ") وفرض الانضباط والنظام الاجتماعي من خلال الفضائل العائلية والحب الأخوي وتعليم الشعب وتثقيفه وجعل كل فرد من أفراده يحتل المرتبة التي يستحقها من خلال خضوعه لامتحانات تتعلق بمدى اطلاعه على الأدبيات الكلاسيكية.

ويتبلور هذا الجانب العملي في الأخلاق الكونفوشيوسية من خلال دعوتها إلى أربع فضائل رئيسية هي: الإنسانية والعدالة وممارسة الطقوس والشعائر، والمعرفة.

وقد أضاف أحد تلامذة كونفوشيوس وهو الفيلسوف الصيني مينغ تزو المعروف في الغرب سام مينشيوس (372 – 289 ق.م) بعض الشروحات على الكونفوشيوسية باتجاه تأكيد طابعها المحافظ إذ أنه عزا عدم المساواة الاجتماعية إلى " إرادة السماء" ولكنه من جهة أخرى دعا إلى التخفيف من الطقسية معتبرا  أن" الروح الدينية هي أهم من الطقوس ا لشكلية" . وأخيراً فإنه أولى الجانب الاقتصادي أهمية كبيرة واعتبر " أن الأخلاق لا تبدأ إلا عندما تكون المعدة ممتلئة".

أصبحت الكونفوشيوسية، بعد فترة من الاضطهاد، العقيدة الرسمية في ظل سلالة " الهان" الإمبراطورية. وقد دخلت في صراع مرير مع البوذية والطاوية. ولكنها ما لبثت أن تأثرت بالفكر البوذي الذي حاربته. وكان هويوان وصن فو وتشيو توينوي من أبرز المفكرين الكونفوشيوسيين الذين حاولوا تجديد العقيدة الكونفوشيوسية وتطويرها بحيث تتخلى عن شيسء من طقسيتها وتعلقها بالشكليات الفارغة وتتبنى قضايا الشعب الملحة ذلك أن تدعيم الدفاعات على الحدود وري الأراضي وإطعام الشعب وإكسائه كان أهم بكثير، في نظر هؤلاء المصلحين، من التشدق بالشعائر الطقسية ...

وقد حاول بعض رجال الدولة الصينيين، في ظل أسرة سونغ تطبيق هذه المبادئ ولكن التجربة لم تكن ناجحة فانعكس ذلك على حركة تجديد الكونفوشيوسية التي اتخذت منحى غيبياً خاصة مع تشوسي Zhy Xi (1130 -1200م) التي ظلت تعاليمه وتفسيراته لتعاليم كونفوشيوس تشكل الأيديولوجية الرسمية للصين الإمبراطورية حتى مطلع القرن العشرين الميلادي.

وقد قال تشوسي بوجود مبدأين رئيسيين في الكون: الـ " لي" وهو المبدأ العقلي الخلاق والـ " تشاي" أو المادة السالبة. وفي حين أن الأول (" لي") يولد الفضيلة في الإنسان فإن الثاني (" التشاي") يولد الرذيلة والاستسلام للإغراء الحسي. وقد طور وإن يان فين (1471-1529م) (واسمه الأصلي وانغ شورين) الكونفوشيوسية، متأثراً بفكر تشوسي، ولكنه في الوقت نفسه محولاً إياها إلى نوع من المثالية المطلقة، بحيث أصبحت المعرفة الحدسية عنده هي بداية الفكر ومنتهاه.

وتطورت الكونفوشيوسية، بتأثير من البوذية، من نوع من الفلسفة السلوكية والعملية إلى بحث نظري عن المطلق لا علاقة له بالواقع المحسوس.

الكونفوشيوسية في تاريخ الصين المعاصر:

عندما اندلعت الثورة الصينية عام 1911م جرت عدة محاولات فاشلة لتحويل الكونفوشيوسية إلى دين رسمي للدولة؛ وفي هذا الإطار حاول بعض المفكرين الترويج لنظرية مؤداها أن الكونفوشيوسية لا تتعارض مع الحداثة والتقدم، لا بل ادعوا أنها تتضمن حتى المبادئ الاقتصادية القادرة على تحديث الصين وإخراجها من تخلفها. ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل أمام الضربات الشديدة التي وجهها بعض المفكرين والسياسيين لهذه العقيدة. ومن أبرز هؤلاء الفيلسوف الليبرالي هوشي والكاتب لوشيون وماوتسي تونغ نفسه الذي كان يكن للكونفوشيوسية عداء مستحكماً وأخذ على نفسه أن يحرر الصينيين من تأثيرها.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

224

followings

588

followings

6653

similar articles