قصة الطحان: من الفقر إلى الثراء

قصة الطحان: من الفقر إلى الثراء

0 المراجعات

قصة الطحان: من الفقر إلى الثراء

عاش في زمن بعيد، في قلب قرية هادئة تتوسطها حقول ذهبية، طحّان بسيط وطيب القلب. كانت طاحونته القديمة، التي ورثها عن أبيه، مصدر رزقه الوحيد. رغم تواضع حاله، كان معروفًا بكرمه وأخلاقه الطيبة. كان يتقاسم ما لديه من طحين مع الفقراء والمحتاجين، وكلماته دائمًا ما كانت تحمل عبق المحبة والرحمة. ولكن، لم يكن الطحان يدرك أن سعادته البسيطة كانت على وشك أن تتبخر بسبب طمع زوجته. كانت زوجته جميلة، لكن جمالها كان يخفي قلبًا مليئًا بالطمع. حلمت بالقصور الفخمة، والحرير البراق، والحياة المترفة، ولم تكن راضية بحياتها البسيطة التي رأتها مقبرة لأحلامها. وفي ليلة من الليالي، حلمت بقصر عظيم ورجل ثري يملك الدنيا بأسرها. استيقظت الزوجة وقلبها يضطرم بالحقد على زوجها، وقررت أن تغير مصيرها بأي ثمن، حتى لو كان على حساب الرجل الذي أحبها بصدق.

لم يمضِ وقت طويل حتى رأت في سوق القرية رجلًا ثريًا يدعى السيد غاضي. كان يرتدي أغلى الثياب ويتفاخر بثروته أمام الجميع. شعرت الزوجة أن هذا الرجل يجسد كل أحلامها، وقادها طمعها الأعمى إلى عرافة شريرة، طلبت منها أن تفسد حياة زوجها بالسحر مقابل كل حليها الذهبية. لم تتردد الزوجة لحظة، وسلمت كل ما تملك من ذهب. وبينما كانت العرافة تعد السحر، حذرتها ابنة العرافة المؤمنة من عواقب أفعالها الشريرة، وقالت لها: "يا سيدتي، لا تبني سعادتك على تعاسة الآخرين، فالله يرى كل شيء". لكن الزوجة لم تستمع، بل نفذت ما طلبته العرافة وأخفت تعويذة شريرة في قلب طاحونة زوجها، على أمل أن يتخلى عنها ويطلقها.

بعد بضعة أيام، توقفت الطاحونة عن العمل فجأة، وتراكمت الديون على الطحان المسكين، وضاقت به السبل. كان يحاول إصلاحها ليلًا ونهارًا، لكن دون جدوى. حينها، وجدت الزوجة الفرصة المناسبة، فطلبت الطلاق من زوجها لتتزوج من السيد غاضي. وبعد إلحاح ويأس، وافق الطحان، وتركته زوجته غارقًا في فقره وديونه، دون أن تلتفت إلى دموعه المكسورة. كان يشعر أن روحه قد انطفأت، وأن كل ما بناه من حب قد تحول إلى رماد.

لكن الطحان لم يستسلم، بل توجه إلى شيخ القرية الذي كان معروفًا بحكمته وتقواه. نصحه الشيخ باللجوء إلى الله والدعاء وقراءة القرآن، وقال له: "يا بني، إن الله لا ينسى عباده الصالحين، واعلم أن الخير قادم إليك". استمع الطحان للنصيحة وعمل بها، فملأ قلبه سكينة وطمأنينة. وفي نفس الوقت، شعرت العرافة الشريرة بدنو أجلها، فندمت على أفعالها، وأرسلت ابنتها لتخبر الطحان بوجود التعويذة في الطاحونة.

بحث الطحان عن التعويذة، ووجدها مدسوسة في إحدى زوايا الطاحونة. تخلص منها فورًا، وعادت الطاحونة للعمل مرة أخرى وكأن شيئًا لم يكن. لم ينس الطحان فضل ابنة العرافة التي ساعدته، وبعد فترة من الزمن، تزوجها لما وجده فيها من طيبة وأخلاق وقناعة. وفي يوم، وأثناء ترميمه للطاحونة، وجد صندوقًا خشبيًا قديمًا مدفونًا تحت حجارتها. كان الصندوق يحتوي على قطع ذهبية ورسالة من والده. أخبرته الرسالة أن هذا الذهب تركته له والدته قبل وفاتها، ودفنه والده في الطاحونة على أمل أن يجده ابنه الصالح.

بفضل هذا الكنز، استطاع الطحان تسديد ديونه، وتوسيع أعماله، وازدهرت حياته. أصبح رمزًا للخير والاجتهاد في قريته، وعاش في سعادة مع زوجته الجديدة التي كانت عنوانًا للقناعة والرضا.

وفي يوم، وجد زوجته القديمة على الطريق وهي تتسول، فقد فقدت جمالها بعد حادث أليم، وتخلى عنها السيد غاضي بعد أن سلبها كل ما تملك. نظر الطحان إليها بحزن، لكنه تسامح معها. ومع ذلك، رفض أن تعود إليه مرة أخرى، وأوضح لها أن الأوان قد فات، وأن قلبه لم يعد يحتمل خيانتها. أصبحت قصة الطحان وزوجته القديمة عبرة لأهل القرية، تذكرهم بأن القناعة هي أساس السعادة، وأن الطمع والحقد نهايتهما الندم والشقاء.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة