مقالات اخري بواسطة Ahmed Mohamed
قصة صياح الديك

قصة صياح الديك

0 المراجعات

تُعدّ القصص التربوية وسيلة فعّالة لغرس القيم والمعاني العميقة في عقول القراء، سواء كانوا صغارًا أو كبارًا. فهي لا تقتصر على التسلية فقط، بل تحمل بين طياتها حكمًا ودروسًا تُوجّه الإنسان في حياته اليومية. ومن بين هذه القصص الهادفة تبرز قصة صياح الديك، التي تقدم درسًا عظيمًا عن الغرور والتواضع، وعن حدود دور كل مخلوق في هذه الحياة.

تبدأ القصة بديك يعيش في إحدى القرى، وكان معتادًا أن يصيح كل صباح عند بزوغ الفجر. ومع مرور الوقت، اعتاد الناس أن يربطوا صياح الديك بطلوع الشمس. فقد كانوا يرون أن الديك هو الذي يوقظ الكون ويعلن قدوم النهار، حتى ترسّخ في أذهانهم أن صياحه هو السبب في طلوع الشمس. ومع كثرة هذا الاعتقاد، بدأ الديك يظن أن له فضلًا عظيمًا على الدنيا كلها، وأن الشمس لا تشرق إلا بأمره.

ومع مرور الأيام، استسلم الديك لهذا الوهم، وغرّه صوته الذي يصدح كل صباح. أصبح ينظر إلى نفسه على أنه المخلوق الأهم، وأن الكون كله متوقف على عمله البسيط. وبهذا سيطر الغرور على قلبه، وظن أنه محور الحياة. لكنه لم يدرك أن لكل مخلوق وظيفة يؤديها، وأنه مجرد جزء صغير في منظومة أكبر بكثير.

وذات صباح، قرر الديك أن يختبر الأمر. قال في نفسه: "إن كان صياحي هو الذي يُخرج الشمس، فدعني لا أصحُ اليوم، وسأرى ما سيحدث". وبالفعل لم يصحُ الديك في موعده المعتاد، وبقي صامتًا. وما هي إلا لحظات حتى أشرقت الشمس كعادتها في الموعد نفسه، وأنارت الكون دون أن يُسمع صوت الديك. عندها شعر الديك بالدهشة والخجل، وأدرك أن صياحه لم يكن إلا وسيلة لتنبيه الناس، وأن الشمس تُشرق بأمر الله وحده لا بفعله.

كانت تلك اللحظة بمثابة صدمة قوية له، لكنها في الوقت نفسه كانت بداية وعي جديد. فقد تعلّم أن الغرور لا ينفع صاحبه، وأن الإنسان أو المخلوق الذي يظن نفسه محور الكون سرعان ما يكتشف ضعفه أمام الحقائق الكبرى. لقد أدرك الديك أن قيمته الحقيقية تكمن في أداء دوره بإخلاص، لا في تضخيم مكانته أو نسب الفضل لنفسه.

إن هذه القصة الرمزية تحمل عبرًا إنسانية مهمة. فهي تعلمنا أن الغرور صفة مذمومة، تدفع صاحبها إلى الاعتقاد بما ليس له فيه فضل. فكم من أشخاص في حياتنا يظنون أن إنجازاتهم وحدها سبب النجاح، متناسين أن توفيق الله ودعم الآخرين كان لهما الدور الأكبر؟ وكثيرًا ما يكتشف هؤلاء، عاجلًا أو آجلًا، أنهم ليسوا وحدهم من يصنع التغيير.

كذلك تعلّمنا القصة قيمة التواضع. فالتواضع لا يعني التقليل من الذات، بل معرفة حجم الدور الحقيقي الذي نقوم به في هذه الحياة. فكل إنسان له رسالة ووظيفة، لكن هذه الوظيفة جزء من شبكة مترابطة من الأدوار. النجاح لا يتحقق بجهد فرد واحد، بل هو نتاج عمل جماعي وتكامل بين مختلف العناصر.

ومن زاوية أخرى، يمكننا أن نفهم أن صياح الديك في القصة يرمز إلى "الإشعار" أو "التذكير"، وليس إلى القدرة على التغيير. فوظيفة الديك كانت تنبيه الناس إلى قدوم النهار، أما إشراقة الشمس فهي بيد الله وحده. وهنا يظهر البُعد الديني والفلسفي للقصة: أن الإنسان مهما بلغت قوته أو مكانته، يظل مخلوقًا محدود القدرة، وأن الله هو الذي يُدبّر شؤون الكون.

الخاتمة:

إن قصة صياح الديك ليست مجرد حكاية مسلية للأطفال، بل هي درس عميق يخص كل إنسان. فهي تذكّرنا أن الغرور قد يعمي البصيرة ويجعل صاحبه يظن أنه صاحب الفضل فيما لا يملك. وهي تدعونا إلى التواضع، وإلى إدراك أن دورنا في هذه الحياة مهم لكنه محدود، وأن نجاحنا مرتبط بعوامل أكبر منا. فالتواضع يرفع صاحبه، أما الغرور فيسقط به.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

2

متابعهم

2

مقالات مشابة