الحكاية: فن أدبي يتخذ من الواقع مادته

الحكاية: فن أدبي يتخذ من الواقع مادته

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الحكاية: فن أدبي يتخذ من الواقع مادته

فن أدبي يتخذ من الواقع مادته ، فيحاكيه ويعيد سرده، مع مزجه بشيء من الخيال لإحداث التأثير المطلوب في ذهن السامع أو القارئ بقصد التسرية عنه أو تعليمه أساليب معينة.

(وعلى هذا الأساس تكون الحكاية استرجاعاً للواقع أو ما يتصور أنه الواقع بوساطة الكلمة).

وقد برز مصطلح الحكاية في الأدب القصصي ليدل على حدث قديم مرت عليه الدهور، مع إبراز عنصر الخيال، لإحداث التأثير المنشود، وقد تنوعت موضوعاتها بين أحداث تاريخية تصور أيام العرب ووقائعهم. وبين طرائف ونوادر وبين تعبير عن واقع اجتماعي وسياسي يرد على لسان الحيوان والطير.

وقد أمدنا الأدب العربي بروائع من الحكايات التي كان لها مكان الصدارة في الإبداع القصصي الرفيع في العالم، إلى جانب ما نهضت به الأمة العربية من تعريف العالم بحلقات قصصية لا تزال تحرك قرائح الأدباء إلى اليوم.

ومن الملحوظ أن ألف ليلة وليلة، وقد نفذت إلى القرائح المعبرة في أوروبا فأثرت في الشعراء والموسيقيين والروائيين والرسامين وغيرهم. يرجع إليها الفضل في ظهور بعض الحركات الأدبية.

ومن الملحوظ أيضاً أن حكايات كليلة ودمنة التي نقلها ابن المقفع إلى العربية لم تؤثر في الأدب العربي فحسب . بل كانت من أهم البواعث في ظهور اتجاهات لها قيمتها في الأدب الأوروبي، وهي من النوع المترجم الدخيل على العربية.

وقد كان الهدف من هذه الحكايات هو تعليم الملوك أساليب الحكم وسياسة الرعية، وتبصير الشعوب بحقوقها بصورة مستترة لا تثير غضب الحاكم، ولا تذكي تطرف الرعية، باستعمالات رمزية على لسان الحيوان، من خلال مجموعات قصصية ممتعة، تجذب العامة والخاصة إليها فيلهون بها، ويستمتعون بسماعها، ولعلها من أبلغ الدعوات الإصلاحية التي ساهم بها الأدب في شئون السياسة، ظاهرها الهزل، وباطنها العظة والتعليم.

وقد فقد الأصل الهندي وكذا الأصل الفارسي ومن ثم أصبحت النسخة العربية هي الأصل الذي يعول عليه.

ويتضح من دراسة حكايات كليلة ودمنة سمات أسلوب ابن المقفع المرسل البعيد عن الإغراب والتعقيد، والذي ينأى عن الاستطراد والإطناب.

وكليلة ودمنة رغم أنها مترجمة لا نحلظ فيها أي لون من ألوان الازدواج اللغوي. فقد استطاع ابن المقفع أن يلائم بين الأخيلة والصور الفارسية وذوق اللغة العربية، كما استطاع أن يحتفظ للعربية في ترجماته بمقوماتها الأصيلة. ولذا فهي تعد آية من آيات بلاغته.

وتتخذ من حكاية العلجوم والسرطان أنموذجاً للدراسة التحليلية:

قال ابن آوى:

زعموا أن علجوماً عشش في أجمة كثيرة السمك فعاش بها ما عاش، ثم هخرم فلم يستطع صيداً، فأصابه جوع وجهد شديد، فجلس حزينا يلتمس الحيلة في أمره، فمر به سرطان، فرأى حالته وما هو عليه من الكآبة والحزن، فدنا منه وقال: مالي أراك أيها الطائر هكذا حزيناً كئيباً؟ وقال العلجوم: وكيف لا أحزن وقد كنت أعيش من صيد ما هاهنا من السمك؟ وإني قد رأيت اليوم صيادين قد مرا بهذا المكان، فقال أحدهما لصاحبه، إن هاهنا سمكا كثيرا أفلا نصيده أولا؟ فقال الآخر: إني قد رأيت في مكان كذا سمكا أكثر من هذا السمك، فلنبدأ بذلك، فإذا فرغنا منه جئنا إلى هذا فأفنيناه، وقد علمت أنهما إذا فرغا مما هناك، انتهيا إلى هذه الأجمة فاصطادا ما فيها، فإذا كان ذلك فهو هلاكي، ونفاد مدتي، فانطلق السرطان من ساعته إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك. فأقبلن إلى العلجوم فاستشرنه وقلن له: إنا أتيناك لتشير علينا: فإن ذا العقل لا يدع مشاورة عدوه، وقال العلجوم: أما مكابرة الصيادين فلا طاقة لي بها، ولا أعلم حيلة إلا المصير إلى غدير قريب من هاهنا، فيه سمك ومياه عظيمة وقصب، فإذا استطعتن الانتقال إليه، كان فيه صلاحكن وخصبكن، فقلن له ما يمن علينا بذلك غيركم. فجعل العلجوم يحمل في كل يوم سمكتين حتى ينتهي بهما إلى بعض التلال فيأكلهما ، حتى إذا كان ذات يوم جاء لأخذ السمكتين، فجاءه السرطان، فقال له: إني أيضاً قد أشفقت من مكاني هذا واستوحشت منه فاذهب بي إلى ذلك الغدير، فاحتمله وطار به، حتى إذا دنا من التل الذي كان يأكل السمك فيه، نظر السرطان فرأى عظام السمك مجموعة هناك، فعلم أن العلجوم هو صاحبها وأنه يريد به مثل ذلك، فقال في نفسه: إذا لقي الرجل عدوه في المواطن التي يعلم أنه فيها هالك ، سواء قاتل أم لم يقاتل، كان حقيقا أن يقاتل عن نفسه كرماً وحفاظاً ثم أهوى بكليته على عنق العلجوم فعصره فمات).

هذه الحكاية كغيرها من حكايات كليلة ودمنة ذات مغزى سياسي واجتماعي وأخلاقي، فهي في المقام الأول ترمز إلى سوء الركون إلى العدو في استجلاب نصيحته أو التزود بحكمته، ذلك أن العدو يستحيل أن يخلص لعدوه النصح، ومن ناحية ثانية ترمز إلى مغبة الانصياع للشائعات دون تمحيصها، وفرز الغث عن السمين منها في كل ما يقال أو يسمع، كما أنها تهدف إلى ضرورة أن يتدبر القوم شأنهم ومصائرهم وفق صوالحهم، والتضامن في مواجهة الأخطار.

وأخيرا فإن الحكاية تثير الشجاعة في مواجهة الخطر وعدم الركون إلى المصير، وتوضح أهمية اختيار العاقل للوقت المناسب لمواجهة ما يتربص به من أخطار، وعدم الاستكانة إلى أن تحدق به البلايا فيدخل معركته غير آمن مغبتها.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

310

متابعهم

605

متابعهم

6665

مقالات مشابة
-