"حين همستِ للقدر"

"حين همستِ للقدر"

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

“حين همستِ للقدر: حكاية حب لا تُنسى”

 

 

"حين همستِ للقدر"

لم يكن "سليم" يؤمن بالحب من أول نظرة، بل كان يراه مجرّد خرافة تتغذى عليها الروايات والأفلام الرومانسية. كان يعيش حياة هادئة، يملأها العمل والدراسة وبعض الأصدقاء المقرّبين، لكن شيئًا ما بداخله كان ناقصًا، وإن لم يعترف بذلك يومًا.

في أحد أيام الشتاء، بينما كانت السماء تمطر بخفة، دخل مقهى صغيرًا يختبئ من المطر ويبحث عن لحظة دافئة. جلس في الزاوية، طلب قهوته المعتادة، وفتح كتابه. لم يكن يتوقع أن تلك اللحظة العابرة ستغيّر مجرى حياته.

كانت "ليان" هناك، تجلس على الطاولة المجاورة، تقلب صفحات دفترها الكبير وتكتب شيئًا بحبر أزرق. نظراتها كانت مركزة، وملامحها تحمل شيئًا من الغموض الجميل. لم تكن تُشبه أحدًا، وكأنها خرجت من صفحة شعرية.

لم يلاحظ سليم متى توقف عن القراءة، ولا متى بدأ يراقبها. لكنه استيقظ من شروده حين وقعت منها ورقة على الأرض. التقطها بسرعة، ثم نظر إليها وقال بخجل:

"أظن أن هذه سقطت منك."

ابتسمت، نظرت إليه، وقالت:
"شكرًا… كنت أكتب نهاية قصة، ويبدو أن القدر قرر أن يكتب بداية جديدة."

ضحك بخفة، ورد:

"ربما نشارك القلم إذًا؟"

كان ذلك اليوم بداية، وليس مجرد صدفة.

**image about

مرت الأيام، وبدأت لقاءاتهما تتكرر، لا بترتيب مسبق، ولكن وكأن المدينة أصبحت صغيرة بما يكفي ليلتقيان في كل زاوية. تبادلا الكتب، والضحكات، والأسرار الصغيرة. تحدثا عن الحياة، والمخاوف، والأحلام المؤجلة.

اكتشف سليم أن ليان ليست فقط جميلة، بل تحمل في داخلها عالَمًا من الحكمة، والجنون اللطيف، والحنان الصامت. أما ليان، فقد وجدت في سليم السند، الهدوء، والرجل الذي يفهم صمتها أكثر من كلماتها.

**

كانا يلتقيان كل يوم تقريبًا في نفس المقهى، يجلسان في الزاوية نفسها. لكن الحب، رغم روعته، لا يخلو من الاختبارات. جاء اليوم الذي اضطرت فيه ليان للسفر بسبب عمل والدها، وكان الرحيل مفاجئًا. لم تكن تملك خيارًا.

"سليم، أحيانًا الحب لا يُختبر عندما نكون سويًا، بل عندما نفترق."
قالتها والدمع في عينيها.

أجابها: "سأنتظرك، ولو طال الوقت."

**

مرّت شهور. كانت الرسائل بينهما قليلة، لكنها محمّلة بالحنين. سليم كان يكتب لها كل ليلة، حتى وإن لم يرسل كل شيء. أما ليان، فكانت تكتب أيضًا، وتخبئ كلماتها داخل دفاترها، أملاً أن تعود بها إليه.

لكن الحياة، كما يعرفها الجميع، لا تسير دائمًا كما نشتهي. حصلت ليان على فرصة عمل خارج البلاد، وكان عليها اتخاذ قرار سريع. كتبت له رسالة طويلة، شرحت فيها كل شيء، وقالت في نهايتها:

"إن كنت ما زلت تنتظر، فاعلم أنني لم أنسَ، ولكن الطريق الآن لا يسمح لي بالعودة. أحببتك بصدق، وأحبك حتى وأنا بعيدة. وإن شاء الله، نلتقي يومًا ما، في صفحة جديدة."

**

أغلق سليم الرسالة، وابتسم بحزن. لم يندم على الحب، ولم يشعر بالخسارة. بل شعر بالامتنان لأنه عرفها، لأن قلبه اختبر شعورًا نقيًا مثلها. وكتب في دفتره:

"بعض الحب لا يُنسى، حتى إن لم يكتمل. وبعض الأشخاص لا نملكهم، لكنهم يعيشون فينا… إلى الأبد."

**

مرت سنوات. تغيرت أشياء كثيرة. المقهى نفسه تغير، والكرسي الذي كانا يجلسان عليه استُبدل بآخر. لكنه ظل يزور المكان، يطلب نفس القهوة، ويقرأ من نفس الكتاب.

وذات صباح، وبينما يقلب صفحاته، سمع صوتًا مألوفًا.

"هل ما زال الكرسي في انتظاري؟"

رفع عينيه، فرأى ليان، بنفس الابتسامة، لكن بعينين نضج فيهما الزمن.

قال لها وهو ينهض:
"كنت أعلم أنك ستعودين… القدر لا ينسى من يهمسون له."

**

النهاية

جلس "سليم" ينظر إليها، وكأن كل السنوات التي مضت لم تكن سوى لحظة انتظار واحدة.

ابتسم وقال:
"أحيانًا لا ينتهي الحب، فقط يتوقف قليلاً حتى نكون جاهزين له."

جلست "ليان" بجانبه، وضعت يدها فوق يده، وقالت بهدوء:
"تأخرت، لكنني أتيت… لأنك كنت الوجه الوحيد الذي يستحق العودة إليه."

في تلك اللحظة، لم يعد الماضي مؤلمًا، ولا الغياب عبئًا. كل شيء ذاب في نظرة، وابتسامة، ويدين تلاقتا بعد غياب.

أغلق كتابه، وقال:
"فلنبدأ من حيث انتهينا… أو ربما، من حيث كان يجب أن نبدأ دومًا."

وغابت ضوضاء العالم من حولهما، ليبقى فقط صوت القلب… حين يهمس للقدر

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

0

مقالات مشابة
-