
السماء لا تتسع لنا -الفصل السابع عشر (الكاتبة علا إبراهيم)
دخل بتردد إلى الغرفة التي كانت ترقد فيها أروى، ملامحها منهكة، وكأن التعب قد نال منها كثيرًا.
اقترب بخطوات هادئة، ثم مال نحوها يهزها بلطف، يهمس باسمها:
ــ «أروى... اصحي.»
تقلبت ببطء، وعيناها المثقلتان بالنعاس بدأت تتفتحان بتثاقل. وما إن وقعت نظراتها على وجهه القريب حتى ارتجفت بصدمة، لتنهض فجأة بفزع:
ــ «إنت إزاي تدخل الأوضة اللي أنا نايمة فيها؟!» هتفت بتهتهة، وصوتها يحمل اضطرابًا ظاهرًا.
وأضافت بنبرة متوترة:
ــ «مش إنت قلت إنك مش هتيجي هنا طول ما أنا موجودة؟!»
ظل فاروق صامتًا، يراقبها بهدوء. للمرة الأولى يرى طبعها هذا... حتى في عصبيتها لم تنفجر في وجهه، لم تزعجه بقدر ما بدت خجِلة، مرتبكة أكثر مما هي غاضبة.
أما هي، فهربت بعينيها عنه، تتفحص أركان الغرفة بتوتر، متجنبة النظر إلى وجهه. وداخلها أخذت الذكريات تتقافز؛ آخر ما قاله لها حين هدّدها بالطلاق والزواج بأخرى، وآخر إهانة غرزها في قلبها، لتصمت بمرارة، وعيناها مشبعتان بتذكرٍ حزين لاحظة هو.
توتر قليلا ثم قطع الصمت ببرود غير مقصود، صوته يخلو من الندم:
ــ «أنا جيت أقولك... إني ماكنتش أقصد الكلام اللي قلته الصبح.»
لم تكن نبرة ندم، بل تبرير. التفتت إليه بنظرة ازدراء، محاولة أن تخفي بها ضعفها الذي انكشف أمامه، لكنه ابتسم… فهو يعرف أن تجاهل المرأة له نقطة ضعفه القاتلة.
جلس بجوارها، نبرة صوته تمزج المزاح بالمغازلة:
ـ «لسه زعلانة؟»
قالها بخفة، لتتسع عيناها بدهشة ويغمر وجهها احمرار خجول. ابتسامة فاروق اتسعت لا إراديًا، لأول مرة يرى فتاة هكذا… لم يتوقع أن يكتشف ذلك الجانب الخجول فيها. وأروى بدورها لم ترَ منه من قبل هذه الجرأة الممزوجة ببراءة طفولية، ولا ذلك الاهتمام الحقيقى الذي يربك قلبها.
حين لاحظت ابتسامته العريضة، رمقته بنظرة ازدراء أشد من قبل، فما كان منه إلا أن ضحك بصوت عالٍ مستمتعا. عندها، وقفت فجأة وغادرت الغرفة مسرعة، محاولة الهروب من مزيج الخجل والانزعاج الذي سبّبه قربه.
بالنسبة لفاروق، كان الأمر مسليًا. يعجبه أنها تنزعج بشكل لطيف، وتكابر وهي تخفي انجذابها له.
السماء لا تتسع لنا

خرج ورائها من الغرفة ليجدها واقفة في منتصف الصالون، تخرج الملابس الجديدة التي اشترتها من السوق. شعر براحة داخلية؛ على الأقل لن تترك البيت.
صمت لحظة… وتذكر الآن عليه أن يغادر، فاليوم موعد زفافه. تنهد ،يا له من يوم مليء بالمسؤوليات.
لكن قبل أن يخطو خارج الباب، التفت إليها مرة أخرى، ليلتقي نظرهما فجأة. ارتبكت للحظة، قبل أن تعود لنظرتها الباردة المعتادة. ابتسم بخفة وهو يقول:
ـ «أنا هنزل… لو عايزة أي حاجة، رني عليّا.»
ثم توقف، وكأنه تذكر شيئًا:
ـ «معاكي رقمي؟»
صمتت… لا تدري هل ترد أم تصمت. هي غاضبة منه، لكنها ربما تحتاج الرقم. هل تعترف بذلك وتخسر كرامتها، أم تصمت وتبقى على موقفها؟
اختارت الحل الوسط… تصنعت نظرة متعالية مفتعلة، قبل أن تدير ظهرها وتدخل غرفتها.
فاروق ابتسم باستهزاء من تمثيلها، ثم أخرج ورقة صغيرة، كتب عليها رقم هاتفه، ووضعها على الطاولة. وقبل أن يغادر، ألقى نظرة أخيرة على باب غرفتها… كأنة يتاكد أنها لن تخرج الآن.