السماء لا تتسع لنا -الفصل الواحد والعشرين (الكاتبة: علا إبراهيم)

السماء لا تتسع لنا -الفصل الواحد والعشرين (الكاتبة: علا إبراهيم)

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

خلاص… تعالي معايا وأنا هرنّ لفاروق وأقول له.

 

رغم أن قلبها لم يكن مطمئنًا، فقد كانت تدرك أن إخبار فاروق قد يفتح بابًا للمشاكل، تمامًا كما حذّرها زوجها رامي.

 

صمتت أروى لبرهة، تحدق في الصغير "أسر" بين ذراعي والدته، ثم همست باقتراح بدا لها أفضل:

ـ طب… إيه رأيك تقعدي إنتِ معايا؟ هيبقى ليكي أوضة لوحدك.

 

اتسعت عينا لينا بدهشة:

ـ إيه؟

 

ابتسمت أروى وأكملت بحماس:

ـ أيوه. مش إنتِ بتقولي إن بيت أهلك بعيد، والوقت اتأخر؟ ليه ما تقعديش عندي؟ حتى عشان أسر… بدل ما يتبهدل معاكي.

 

سكتت لينا تفكر، ثم قالت بتردد:

ـ طب… وافرضي رامي شافني عندك؟

 

ضحكت أروى بخفة وقالت:

ـ أممم… هيشوفك إزاي، وإنتِ مش هتخرجي من البيت؟ أنا اللي هنزل أجيب كل حاجة.

 

هزّت لينا رأسها، ما زالت مترددة:

ـ لا لا… وافرضي بقى جوزك فاروق جه؟ لا… أنا لازم أمشي.

 

تنهدت أروى، وقالت بلهجة واثقة:

ـ يوووة! هو بيرد أصلاً على التليفون عشان ييجي؟ حتى لما بييجي مش بيكمل الدقيقة يا لينا. اقعدي.

 

وأخيرًا، اقتنعت لينا وجلست. أسرعت أروى إلى المطبخ، عادت بعد دقائق تحمل بعض الطعام لها ولـ"أسر" الصغير.

 

استيقظ فاروق من نومه ليجد سيدرا نائمة في حضنه، رأسها مستقر على ذراعه. اقترب منها بابتسامة، يحدّق في وجهها بإعجابٍ هادئ، وأزاح خصلة من شعرها سقطت على وجنتها. تحرّك من جوارها بحذر حتى لا يوقظها، وما إن التفت ليهمّ بدخول الحمام حتى وقعت عيناه على الهاتف بجانبهما على السرير.

السماء لا تتسع لنا 

image about السماء لا تتسع لنا -الفصل الواحد والعشرين (الكاتبة: علا إبراهيم)

مدّ يده، فتحه ليجد خمس مكالمات فائتة من أروى. زفر تنهيدة ضجر:

ــ «يا إلهي... لقد نساها.»

 

اغلق الهاتف ورماه على الفراش بلامبالاة، ثم دخل الحمام يفكر فى تلك المسئوليات التي تقيده، بعدما اعتاد الحرية وفعل ما يحلو له. ومع ذلك... كان يحب هذا النمط من الحياة، يحب التنوع، ويجد متعته في أن تكون بجانبه امرأتان... طالما لم يقيداه أو ينتزعا منه حريته.

 

خرج بعد أن أخذ حمامًا منعشًا، مرتديًا تيشيرت أسود وبنطال داكن، شعره مرتب ورائحته عطرة تملأ المكان. وما إن خطا للخارج حتى تفاجأ بـ سيدرا أمامه، ممسكة بهاتفه.

 

ورغم أنها حدقت به ولم تستطع إخفاء إعجابها بمظهره وانجذابها له، إلا أن فاروق اندفع سريعًا نحوها وانتزع الهاتف من يدها بحدة. نظرت إليه بدهشة، ثم وقفت أمامه مواجهة إياه، تقول بنبرة قوية وهي تشير للهاتف:

ــ «مين اللي رن عليك خمس مرات؟»

 

تجاهلها، يقلب الهاتف في يده بصمت، لكن برودته أشعلت غضبها. دبدبت في الأرض، وصرخت باسمه:

ــ «فااااروق!»

 

التفت إليها بغضب مكتوم ورد ببرود تلقائي:

ــ «عايزة إيه؟»

 

قالت بحدة وعينيها تقدحان شكًا:

ــ «كنت بتكلم مين؟»

 

ــ «واحد صاحبي.» أجاب بلا مبالاة، وعينيه ثابتة للأمام.

 

اقتربت خطوة منه، نبرة تحذيرها ممتزجة بتهديد صريح:

ــ «إياك تكون بتضحك عليّا... وبتكلم بنت.»

 

كانت قريبة جدًا منه، نظراتها ثابتة داخل عينيه. للحظة شعر فاروق بالخوف من قوتها وجرأتها. سيدرا لم تكن كأروى، لم تخشَ شيئًا، بل وقفت أمامه بكل صلابة. ومع ذلك، ارتسمت ابتسامة مستمتعة على وجهه، متسائلًا بنبرة ساخرة:

ــ «هتعملي إيه يعني؟»

 

تحركت سيدرا بثقة نحوه، عينيها لا تفارقان عينيه. تراجع فاروق خطوة، ثم أخرى، حتى استند ظهره إلى الحائط. اقتربت منه أكثر، وانحنت بجوار أذنه هامسة بجرأة وتحدٍّ:

ــ «هكلم أنا كمان ريان... وأنت عارف إنه كان حبيبي من أيام الجامعة.»

 

كلماتها فجّرت غضبه. أمسكها من خصرها بقبضة قوية، وقلب الوضع لتصبح هي من ظهرها إلى الحائط، يهددها بصوت غليظ:

ــ «إياك أسمعك بتجيبي سيرته تاني... ولا حتى أعرف إنك فكرتِ تكلميه.»

 

رغم حدته، لم ترتبك سيدرا. بل رفعت رأسها قليلًا، تنظر مباشرة إلى شفتيه، بعينيها رسالة لم يستطع فاروق تجاهلها. اقترب هو بلا وعي، حتى صارت المسافة بينهما ضئيلة جدًا، شعورٌ جديد يسيطر عليه.

 

لكنه لم يخطُ الخطوة الأخيرة... فكانت هي من كسرت الحاجز، اقتربت أكثر وأطبقت شفتيها على شفتيه قبلةً مفاجئة أذهلته، حتى شعر للحظة أنه نسي اسمه. قلبه يخفق بجنون، وشفتيه تطلبان المزيد. ابتعدت قليلًا، لكنه عاد يجذبها إليه، يقبّلها بحرارة، مستسلمًا لشعور غامر لم يعهده من قبل.

 

ابتسمت سيدرا في داخله، متأكدة أنها قد أحكمت سيطرتها عليه. ابتعدت فجأة، نظراتها واثقة، ابتسامة نصر ترتسم على وجهها. حاول أن يمسكها مرة أخرى لكنها أفلتت منه بخفة، وركضت إلى الحمام قبل أن يلحق بها.

 

وقف فاروق في مكانه، ما زال مبتسمًا، لا يصدق ما فعلته به قبلة واحدة. لم يتوقع أن يعشقها هكذا... أن تؤثر فيه بهذا الشكل.

 

التفت نحو الهاتف مجددًا، تضييق عيناه بملامح ضجر. هو يخون سيدرا... ويعرف أن أروى ما زالت موجودة. لابد أن يتخلص منها، وبأسرع وقت.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

21

متابعهم

4

متابعهم

0

مقالات مشابة
-